القول بصلب يهوذا الإسخريوطي
من هو المصلوب
في محاولات التشكيك الفاشلة تطلق السهام من كل اتجاه، عسى أن ينجح أحدها في تحقيق الغرض المطلوب، وإذا على صخرة الحق تتحطم كل السهام، بل ويؤدي مثل هذا الهجوم الكاذب إلى مزيد من وضوح الرؤية وإعلان الحق ولكن ماذا نقول لعيون رمداء لا ترى الشمس في رابعة النهار.
وفي هذا الفصل سوف نناقش كافة الادعاءات التي قال بها البعض منذ القرن الأول الميلادي حتى اليوم، وسنورد الأقوال كما ذكروها ونقدم التعليق عليها.
وفيما يلي قائمة ادعاءاتهم عن شخص المصلوب:
- يهوذا الإسخريوطي
- واحد من التلاميذ
- سمعان القيرواني
- باراباس
- شبيه المسيح كما يرى المؤمنون بتحضير الأرواح
- شيطان متجسد
أولاً: القول بصلب يهوذا الإسخريوطي:
يهوذا هو واحد من تلاميذ المسيح الاثني عشر (متى 10: 4)، وكان أميناً لصندوق الجماعة (يو 12: 6) ثم تآمر مع رؤساء الكهنة ليسلمهم المسيح (متى 26: 14). وقاد كوكبة من الكهنة والجنود للقبض على المسيح (مت 26: 47- 51).. ويقول البعض إنه عندما جاء الجنود للقبض على المسيح ألقى الله شبه المسيح على يهوذا فقبض عليه، وتم صلبه بدلاًَ من المسيح ونذكر هنا مثالين لهذا القول:
المثال الأول:
"أخذ جند الرومان يبحثون عن عيسى لتنفيذ الحكم عليه، وأخيراً عرفوا مكانه فأحاطوا به ليقبضوا عليه، وكان من أصحابه رجل منافق يشي به، فألقى الله عليه شبه عيسى وصوته، فقبض عليه الجنود وارتج عليه أو أسكته الله فنفذ فيه حكم الصليب، أما المسيح فقد كتب الله له النجاة من هذه المؤامرة، وانسل من بين المجتمعين، فلم يحس به أحد وترك بني إسرائيل بعد أن يئس من دعوتهم وبعد أن حكموا بإعدامه.. ولم تجدد المراجع الإسلامية الدقيقة شخص هذا الواشي وربما تأثرت بعض المراجع بالمراجع المسيحية فذكرت أن هذا الخائن هو يهوذا لإسخريوطي".[1]
المثال الثاني:
"قد تجلت قدرة الله سبحانه في رفع السيد المسيح إلى السماء معززاً مكرماً وإيقاعها بالمجرم الخائن يهوذا لينال عقاب خيانته".[2]
التعليق:
- إن الجنود ذهبوا للقبض على المسيح، وليس لتنفيذ الحكم عليه.
- يذكر د.شلبي أن المسيح انسل من بين المجتمعين فلم يحس به أحد وترك بني إسرائيل، بينما كل روايات القبض على المسيح تذكر أن الله رفعه، ولم يذكر د.شلبي ذلك، لأنه لا يؤمن برفع المسيح بالجسد إلى السماء، مخالفاً بذلك شبه الإجماع في هذا الموضوع.
- لم يوضح لنا د.شلبي أين ذهب المسيح، وكيف انتهت حياته على الأرض؟
- هل من الممكن أن يلقي الله شبه المسيح على يهوذا؟
"إنه من التجديف الصريح على الله أن نظن وهو الأمين المنزه عن الكذب أنه قد خدع الناس، فغير شكل يهوذا إلى شكل المسيح، وبذلك غرر بملايين البشر على مدى القرون، الأمر الذي يقود الناس على الاعتقاد بأن الله لن يعاقب الناس أيضاً على ما اقترفوه من خداع، فقد سبقهم - حاشاه جل شأنه - في عمل أكبر خدعة في التاريخ. هي خدعة تغيير شكل يهوذا إلى شكل المسيح".[3]
وعندما واجهت الرازي المفسر المعروف مشكلة إلقاء شبه المسيح على يهوذا قال:
"فكيفما كان، ففي إلقاء شبهه على الغير إشكالات:
الإشكال الأول:
أنه إن جاز أن يقال إن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر، فهذا يفتح باب السفسطة وأيضا يفضي إلى القدح في التواتر. ففتح هذا الباب أول سفسطة، وآخره إبطال النبوات بالكلية.
الإشكال الثاني:
إن الله أيده بروح القدس جبريل. فهل عجز هنا عن تأييده؟ وهو كان قادراً على إحياء الموتى؟ فهل عجز عن حماية نفسه؟
الإشكال الثالث:
إنه تعالى كان قادراً على تخليصه برفعه إلى السماء: فما هي الفائدة في إلقاء شبهه على غيره؟ فهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟
الإشكال الرابع:
بإلقاء الشبه على غيره اعتقدوا (اليهود) أن هذا الغير هو عيسى - مع أنه ما كان عيسى - فهذا كان إلقاء في الجهل والتلبيس، وهذا لا يليق بحكمة الله.
الإشكال الخامس:
إن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح، وغلوهم في أمره. أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً: فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت بالتواتر. والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسى وسائر الأنبياء.
الإشكال السادس:
ألا يقدر المشبوه أن يدافع عن نفسه، أنه ليس بعيسى، والمتواتر أنه فعل. ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى. فلما لم يوجد شيء من ذلك علمنا أن الأمر ليس على ما ذكرتم".[4]
وما كان يهمنا أن نناقش مثل هذا الرأي، ولكن لأن مثيري هذه الأقوال يحاولون أن يثبتوا مثل هذه الادعاءات من خلال نصوص الكتاب، لذا نرى لزاماً علينا أن نناقش هنا أدلتهم ونقدم ردنا عليها:
الأدلة على أن المصلوب هو يهوذا:
- يهوذا لم يكن شخصية معروفة:
"أما يهوذا، فهو أحد تلاميذ المسيح، وبالتالي فإنه كان أقل أهمية منه بالنسبة إليهم _ أي من جاؤوا للقبض على المسيح _ ويمكن أن نستنتج من ذلك أن معرفتهم بشكله كانت معدومة".[5]
- نبوة المسيح بأن يهوذا سيجلس معه على عرشه ليدين أسباط إسرائيل:
"وأول ما سيلفت نظرنا في قضية يهوذا هو نبوة للمسيح، وردت في إنجيل متى تقول على لسان المسيح: "متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" مت 19: 28.
ويهوذا هو أحد الاثني عشر، والنص قاطع على أنه سيكون مع المسيح، عندما يجلس على عرش مجده، وكرسيه موجود وسيجلس عليه قاضياً يحاكم بني إسرئيل. فكيف يتفق هذا مع الرواية التقليدية عن خطيته بخيانة المسيح وتسليمه لليهود والرومان بدراهم معدودة. أما أن المسيح في الإنجيل لا ينطق بروح القدس، بل لا يدري شيئاً عن الغيب، وهذا يتنافى مع رؤيته لما سيحدث في الآخرة وتأكيد جلوسه على عرش مجده، بل وإحصاء عدد الكراسي. وأما أن المسيح يعلم أو كان يرى ما لم يحط به الآخرون حول حقيقة دور يهوذا، فكيف نوفق بين ارتكابه أكبر خطيئة أو إثم في التاريخ المسيحي وبين شهادة أو نبوة المسيح له بأنه سيكون جالساً معه على الكراسي الاثني عشر".[6]
- طهارة يهوذا بحسب شهادة المسيح:
قال المسيح بعد أن غسل أرجل تلاميذه بما فيهم يهوذا "الذي اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه. بل هو طاهر كله" لو 13: 10.
إذن يهوذا بشهادة المسيح طاهر ولا يمكن أن يخون المسيح ويسلمه.[7]
- تناقض كتبة الوحي بخصوص نهاية يهوذا:
"لقد انفرد متى دون بقية الأناجيل بالحديث عن نهاية يهوذا، فقال: "حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلاً: قد أخطات إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا: ماذا علينا، أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه. فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم.فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخارى مقبرة للغرباء، لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم" متى 27: 3- 8.
وتقول رواية لوقا المشار غليها في سفر أعمال الرسل "يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع. إذ كان معدوداً بيننا وصار له نصيب في هذه الخدمة. فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما أي حقل دم" أع 1: 16- 19.
إن ما اتفق عليه متى ولوقا وصمت عنه مرقس ويوحنا هو أن يهوذا الخائن قد هلك في ظروف مريبة، ولكن روايتهما اختلفت في ثلاثة عناصر هي:
- كيفية موته
- مشترى الحقل
- سبب تسمية الحقل، حقل دم
إن ما يذكره متى ولوقا عن هلاك يهوذا لا يعني إلا شيئاً واحداً: هو أن يهوذا قد اختفى في فترة الاضطرابات التي غشيت أحداث الصلب وملابساته".[8]
وعدم وجوده هو دليل على أنه هو الذي صلب.
التعليق:
1-يهوذا شخصية معروفة:
مما لا شك فيه أن يهوذا كان معروفاً لكل من:
- الكهنة الذين قد ذهب إليهم أكثر من مرة للتشاور بخصوص القبض على المسيح (مت 26: 14- 16، مر 14: 10- 11، لو 22: 3- 6، يو 13: 2).
- حرس الهيكل والجنود الذين تقدمهم للقبض على المسيح (مت 26: 47- 49).
ج- التلاميذ، فقد كان معهم تلميذاً للمسيح لعدة سنوات وكان أميناً للصندوق.
د- لكثير من الشعب الذين تبعوا يسوع وقدموا تقدماتهم إليه.
إذن دعوى القبض على يهوذا وصلبه لأنه شخصية غير معروفة، قول مرسل بدون سند أو دليل.
2-نبوة المسيح بأن يهوذا سيجلس على كرسي معه في عرشه:
-إن المسيح قصد بقوله "أنتم" الرسل، باعتبار أنهم جماعة ولم يقصد فرداً بعينه لأن يهوذا الإسخريوطي سقط وأقيم متياس بدلاً منه.[9]
-إن الكلام هنا روحي مجازي، يراد منه إعلان سيادة النظام المسيحي - ممثلاً في الرسل – على النظام اليهودي – ممثلاً في الأسباط الاثني عشر، ومتى في ربطة الدائم – لأنه يكتب لليهود – بين العهدين القديم والجديد يذكر الاثني عشر تلميذاً في مقابل الاثني عشر سبطاً. وعندما ذكر لوقا هذا القول قال "وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" لو 22: 30.
-إن هذه الدينونة أدبية روحية والمسيح هنا يقدم تعبيرات مجازية ليعطيها قوة في عقول تلاميذه. لقد أرسل التلاميذ ليبشروا اليهود، وعلى قدر ما يقبل اليهود هذه البشارة أو يرفضونها تكون دينونتهم، في محضر الرسل الذين بلغوهم رسالة الإنجيل وموعد هذه الدينونة هو يوم الدين. والدليل الكتابي على أن هذه الدينونة، دينونة أدبية هو ما جاء في إنجيل لوقا، قول المسيح "ملكة التيمن ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم.. ورجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه" (لو 11: 31- 32). فإذا كانت ملكة التيمن، وهي امرأة وثنية تقوم يوم الدين لتخجل بإيمانها شكوك رجال هذا الجيل الذي عاش فيه المسيح. وكذلك أهل نينوى الذين تابوا بمناداة يونان بعدما رأوا آية نجاته من جوف الحوت، سيخجلون اليهود الذين عاش المسيح بينهم ورأوا كل معجزاته ولم يتوبوا.[10] فهذا يؤكد أن المقصود بالدينونة ليس الجلوس على كرسي بمعناه الحرفي ولكنها أمر روحي معنوي، وأن الاثني عشر تعني التلاميذ كمجموعة وليس كأفراد أي دون حصر لعددهم.
أي أن هذا القول لا يعني بالمرة أن يهوذا لا يمكن أن يخون المسيح والدليل على ذلك أقوال ونبوات المسيح عن أن يهوذا سوف يخونه ويسلمه. ففي العشاء الأخير للمسيح مع تلاميذه قال لهم: "إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان. كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد. فأجاب يهوذا مسلمه وقال: هل أنا هو يا سيدي. قال له: أنت قلت" مت 26: 24- 25.
وقال له المسيح: "ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة" يو 13: 27.
وعندما جاء يهوذا متقدماً الجنود للقبض على المسيح، قال لتلاميذه "هو ذا الذي يسلمني قد اقترب" مت 26: 46. وفي صلاته الشفاعية قال المسيح "الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك" يو 17: 12.
وقد أوضح المسيح أن يهوذا مسلمه، فعندما جاؤوا للقبض عليه. قال المسيح "يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان" لو 22: 48.
فالمسيح قد أخبر أن يهوذا هو خائنه ومسلمه إلى أعدائه. ولا يمكن أن يكون المسيح كاذباً، وهو المعصوم من الخطأ ولا يمكن أن يناقض المسيح نفسه، ولذلك يجب أن نفهم ونفسر هذا النص في ضوء المعنى العام للحدث وليس مستقلاً عن غيره من النصوص الكتابية. وعند ذلك لا نجد أي تناقض بين النصوص الكتابية ونفهم ما هو المعنى الروحي المقصود بقول المسيح الأول. ولا نرى من هذا القول أي دليل على أن يهوذا لا يمكن أن يخون المسيح.
ولنا هنا أن نتساءل "عن الدافع الذي من أجله خان يهوذا سيده، وقد تعددت الآراء في هذا الشأن، ولكنها لا تخرج جميعها عن واحد من ثلاث احتمالات:
1-فقد يكون الدافع حب المال، لقد تمت هذه الخيانة حالاً بعد حادثة سكب الطيب على يسوع في بيت عنيا (متى 26: 6- 16، مر 14: 1- 11). وعندما يروي يوحنا هذه الحادثة يضيف شارحاً أن يهوذا اعترض على سكب الطيب، لأنه كان سارقاً. وكان يختلس من الصندوق الذي كان مودعاً لديه (يو 12: 6).
2-وقد يكون الدافع هو الحقد المرير الناتج عن زوال الوهم والأمل الكاذب. كان اليهود يحلمون بالقوة، لذلك كان بينهم عدد من الوطنيين المتعصبين الذين كانوا على استعداد لاستخدام جميع الوسائل بما فيها الاغتيال للوصول إلى هدفهم، وهو طرد الرومانيين من فلسطين وكان يطلق عليهم لقب "حملة الخناجر" لأنهم كانوا يستخدمون أسلوب القتل لتحقيق أهدافهم السياسية. وقد قيل أن يهوذا ربما كان واحد من هؤلاء، وقد رأى في يسوع قائداً وزعيماً أرسلته السماء، ليقود ثورة شعبية وسياسية، مستخدماً قدراته المعجزية. لكنه بعد قليل تبين أن يسوع اختار طريقاً آخر، يقود إلى الصليب وفي قمة خيبة أمله، تحول حماسه ليسوع إلى حالة من زوال الوهم، انقلبت إلى كراهية مريرة دفعته أن يسعى لموت الرجل الذي كان علق عليه انتظاراته الخائبة وآماله الضائعة، لقد كره يهوذا يسوع لأنه لم يكن المسيح الذي أراده هو أن يكون.
3-وهناك رأي يقول إن يهوذا لم يكن يقصد موت يسوع، فربما رأى يهوذا في يسوع الموفد من السماء، لكنه لاحظ أنه يتقدم ببطء نحو أهدافه، لذلك فكر يهوذا أن يسلم يسوع ليد أعدائه ليضطر إزاء الأمر الواقع أن يظهر سلطانه، ويبطش بأعدائه. لقد أراد أن يتعجل يسوع فيما كان يظن أن يسعى إليه، أراد أن يجبره على العمل. ويبدو هذا الرأي مناسباً للأحداث والوقائع، وهو يفسر سبب انتحار يهوذا عندما رأى أن خطته لم تتحقق. ومهما يكن من أمر، فإن مأساة يهوذا كانت في أنه رفض أن يقبل يسوع كما هو وأراد أن يصنع من يسوع الشخصية التي يريدها هو.. إن مأساة يهوذا هي مأساة الرجل الذي ظن أنه يعرف أفضل من الله".[11]
ومهما كان الدافع سواء كان سياسياً أو عيباً أخلاقياً أي الطمع. فقد تآمر يهوذا على سيده وأسلمه إلى يد أعدائه.
3-طهارة يهوذا:
لو أن الكاتب كان أميناً في اقتباسه، لما كان هناك داع للرد على هذا الادعاء، حيث أن بقية النص يوضح الحق كاملاً.
في يو 13: 10- 13 "قال له يسوع: الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه، بل هو طاهر كله" والجزء الذي لم يذكره الكاتب "وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم، لأنه عرف مسلمه" لذلك قال: لستم كلكم طاهرين، إذن من الواضح أن المسيح استثنى يهوذا من هذه الشهادة. ولقبه في موضع آخر "بابن الهلاك" يو 17: 12. وقال مرة لتلاميذه " أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان. قال هذا عن يهوذا سمعان الإسخريوطي. لأنه هذا كان مزمعاً أن يسلمه. وهو واحد من الاثني عشر" يو 6: 70- 71.
فهذا الاقتباس يؤكد أن يهوذا ليس بطاهر ولذلك فالخيانة عنده ليست بشيء غريب.
4-التناقض بين إنجيل متى وسفر أعمال الرسل بخصوص نهاية يهوذا:
مت 27: 3- 8، أع 1: 18- 19
حيث أن هذا ليس هو موضوع بحثنا – فهناك ردود على هذا التناقض الظاهري في كثير من الكتب التي تتكلم عن صحة الكتاب المقدس – لذلك نوجز الرد:[12]
1-كيفية موت يهوذا:
لقد ذكر متى أن يهوذا شنق نفسه، ثم أن الحبل انقطع وسقط يهوذا، فتمزقت أحشاؤه من جراء السقوط (سفر الأعمال). أي أن متى ذكر خبر انتحاره بدون تفاصيل وسفر الأعمال أوضح تفصيلاً كيف كانت ميتة شنيعة، فلا تناقض إذن.
2-مشتري الحقل:
ذكر متى أن المشتري هو يهوذا، وذكر سفر أعمال الرسل أنهم الكهنة، ونسبه متى إلى يهوذا، لأن ما اشتراه الكهنة بمال يهوذا يمكن أن يعتبر هو الذي اشتراه، لأنه هو السبب فيه، والشراء في مثل هذه الأحوال يتم باسم الشخص الذي دفع المال، وكثيراً ما ينسب الفعل لمن كان السبب فيه، فمثلاً ينسب إلى الملك بناء القصر، مع أنه ليس هو الباني حقيقة، بل بني القصر بأمر منه وهو الذي دفع تكاليف بنائه. فليس هناك تناقض فعلي بين ما جاء في إنجيل متى وسفر أعمال الرسل. لكنه تناقض ظاهري يبدو عند القراءة السطحية والنقدية.
3-سبب تسمية الحقل، حقل دم:
ذكر متى أنه سمي حقل دم لأن الثمن المدفوع فيه ثمن دم (متى 27: 7- 8) وذكر سفر أعمال الرسل أنه سمي حقل دم لانسكاب دم يهوذا فيه (أع 1: 18- 19).
إن الحقل الذي مات فيه يهوذا، هو الذي اشتراه الكهنة بثمن الدم، فدعي بحقل دم للسببين معاً لأنه المكان الذي انسكب فيه دم يهوذا ولأن الثمن المدفوع فيه ثمن دم المسيح ولا تناقض بين الروايتين ولكن كل منهما مكملة للأخرى وذكر كل كاتب سبباً.
وسواء كان هذا السبب أو ذاك فإنه لا يؤثر في القضية في شيء.
أما الادعاء بأن يهوذا اختفى في فترة الاضطرابات، وأن هذا دليل على أنه هو الذي صلب، فهذا غير صحيح بالمرة، فيهوذا عندما رأى ن المسيح قد دين بعد المحاكمة اليهودية ذهب إلى الهيكل ورد المال الذي كان قد أخذه (مت 27: 3- 10) وانتحر وذلك في صباح الليلة التي أسلم فيها المسيح. وهذا هو سبب اختفائه. وليس هذا دليل على أنه المصلوب وإذا اعتبرنا اختفاءه دليل صلبه، فهل يمكن أن نطبق هذا على بقية التلاميذ الذين تركوه وهربوا (مت 26: 56). ولم يظهر أي منهم أثناء المحاكمة أثناء عملية الصلب سوى بطرس ويوحنا (يو 18: 15- 16).
مما سبق نرى أن كل الأدلة التي يستندون عليها بأن المصلوب هو يهوذا أدلة غير حقيقية وأنه لا يوجد أي دليل حقيقي على ما يدعون. وبالتالي فالمصلوب هو يسوع المسيح وليس سواه.
(1) المسيحية. د. أحمد شلبي. مكتبة النهضة المصرية، ط 6. سنة 1978. ص 42- 43
وانظر أيضاً:
محاضرات في النصرانية. الشيخ محمود أبو زهرة. دار الفكر العربي. ط4. سنة 1972. ص 24- 26.
عقائد النصارى الموحدين. حسني يوسف الأطير. دار الأنصار. ط1. سنة 1985. ص 243-245.
جـ- دعوة الحق. عبد العزيز حسين. ط3. سنة 1994. ص 27- 30، 12.
(2) المسيح والمسيحية والإسلام. د. عبد الغني عبود. دار الفكر العربي.ط1 سنة 1984، ص 189.
(3) هل المسيح هو الله؟ د.لبيب ميخائيل. ط3. سنة 1983. ص 120- 121
وانظر أيضاً: المنطق والإيمان. م هـ.فنلى. ترجمة جان يوسف. منشورات النفير. ط2 سنة 1986. ص 51.
(4) مفاتيح الغيب. للرازي. مجلد 6. ط دار الفكر. بيروت. لبنان. ص 100- 106.
(6) خواطر مسلم حول: الجهاد، الأقليات، الأناجيل. محمد جلال كشك. دار ثابت للنشر. ط2. سنة 1985. ص 163- 165.
(7) المسيح بين الحقائق والأوهام. د.محمد وصفي. تحقيق علي الجوهري. دار الفضيلة. ص 172.
(8) المسيح في مصادر العقيدة المسيحية. م. أحمد عبد الوهاب. مكتبة وهبة. ط2. سنة 1988. ص 181- 183 وانظر أيضاً: دعوة الحق. ص 125- 126.
(9) الكنز الجليل. وليم إدي. جـ1. ص 228.
(10) شرح بشارة لوقا. د.إبراهيم سعيد. ط3. سنة 1986. ص 553.
(11) تفسير العهد الجديد. وليم باركلي. مجلد 1. ط1. سنة 1993. ص 431- 432.
(12) يمكن الرجوع إلى المراجع التالية:
1-التفسير الحديث: سفر أعمال الرسل. هوارد مارشال تعريب نجيب جرجور. ص 63.
2-تفسير الكتاب المقدس. برياسة د. فرنسيس دافدسن. مركز المطبوعات بيروت. ص86.
3-شبهات وهمية حول الكتاب المقدس. إعداد القس. د.منيس عبد النور ص 334- 335.
- عدد الزيارات: 1946