في نسبة جميع الألقاب الإلهية إلى المسيح
الباب العاشر
في نسبة جميع الألقاب الإلهية إلى المسيح
كدليل على صفاته ومقامه
إن نسبة جميع الألقاب الإلهية إلى المسيح نسبة حقيقية لا مجاز فيها تؤيد وتؤكد أن المسيح هو الله لاتصافه وتلقيبه بها، وهذا هو الحق لما ياتي:
أولاً: إن حياة المسيح عجيبة مدهشة، وأعماله خارقة العادة، وقيامه بالفداء فوق طاقة البشر والملائكة. فحياته وأعماله وفداؤه دليل على أنه صاحب الألقاب الإلهية.
ثانياً: إن الكتاب المقدس كله شهادة صريحة أن جميع ألقاب الله هي جميع ألقاب المسيح الذي فيه خلق الكل لأنه هو إله الكل (كولوسي 1: 16)
الله
" الله " اسم علم للذات الإلهية لا يمكن أن يلقّب به سواه. فلا ريب إن المسيح هو الله. وهاك ما لقّب به المسيح في الكتاب بالصراحة:
1- " كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الاثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك” (مزمور 45: 6 و7). فالمسيح (الابن) هو (الله) هنا كمنطوق العدد السابع. ويؤيد هذا قول المسيح: “أنا والآب واحد".
2- " وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور... من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج” (عب 1: 8و9). وهذا برهان بالوحي على أن الابن هو الله وهو المسيح وهذه هي شهادة الروح القدس.
3- "احترزوا إذاً لأنفسكم... لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه” (أعمال 20: 28).والذي اقتنى رعيته بدمه هو المسيح، وعلى هذا فهو الله بلا خلاف.
4- " ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل” (أشعياء 7: 14) " عمانوئيل الذي تفسيره- الله معنا” (متى 1: 21- 23). ففي النبوة نرى أن المولود من العذراء هو عمانوئيل، وفي اتمامها نرى أن المولود من العذراء هو " يسوع- عمانوئيل- الذي تفسيره الله معنا ". فالمسيح هو " الله " الذي تجسّد فصار " معنا ".
5- "حسب انجيل مجد الله المبارك” (1تيموثاوس 1: 11). وبما أن الإنجيل هو إنجيل المسيح، وبما أن مجد الله هو المسيح، فالمسيح هو الله.
6- " الله ظهر في الجسد... رفع في المجد” (1تي 3: 16). بما أن المسيح هو عمانوئيل المتجسّد الذي صار معنا فهو الله الذي ظهر في الجسد لفدائنا، وهو الله الذي رفع في المجد.
7- "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله... والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا” (يوحنا 1: 1- 14)
انظر القسم الــ "خامس عشر " حرف (د) وجه 304 الخ.
الإله
" الإله " لقّب به الله دون سواه " بأل" باعتبار أنه الله وأنه فوق كل رئاسة وسلطان. ولكن المسيح لقّب بهذا اللقب وهذا دليل على لاهوته:
1- يوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد الخ” (يهوذا 24 و25). فالمسيح مخلصنا له المجد هو الإله الحكيم الوحيد، وعلى هذا فهو الله.
2- " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً (كولوسي 2: 9). فكل اللاهوت بجوهره وجلاله وجماله حلّ في المسيح جسدياً، وعلى هذا فهو الإله وهو الله.
3- "ومنهم المسيح... الكائن على الكل إلهاً مباركاً (رومية 9: 5). فيلزم أن المسيح كان ذا طبيعة أخرى إلهية " الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد ". هذا نعت طبيعته الروحية (أي طبيعة لاهوته) ومفاده أن المسيح هو الله و(الإله) وأنه هو والآب جوهر واحد.
4- "أجاب توما وقال له: ربي وإلهي” (يوحنا 20: 28). لما تأكد توما بسمعه وبصره ولمسه من قيامة المسيح سجد له وهتف قائلاً " ربي وإلهي " لأنه هو الله. إن توما كان إسرائيلياً تقياً من الذين لا ينطقون باسم الجلالة إلا خاشعين متصدّعين من خشية الله. ولذلك كان اعترافه بلاهوت المسيح عبادة له. ومما هو جدير بالذكر أن الإسرائيليين الذين يفضلون الموت على السجود لغير الله سجدوا للمسيح معترفين بأنه " ربهم وإلههم " وأن المسيح قبل سجودهم وعبادتهم له فهو الإله.
الرب
لقّب المسيح بهذا اللقب " الرب" كما لقّب به أيضاً أقنوما الآب والروح. فقد جاء في الإنجيل أن الآب رب 172 مرة وأن الروح القدس رب مرتين وأن المسيح رب نحو 400 مرة وهذا يقودنا إلى الاعتقاد أن المسيح هو ذات رب الأرباب وخالق ومخلّص الجميع كما جاء في الكتاب:
1- " ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب” (لوقا 2: 11). " الرب" في العربية هو السيد فقط. ولكن " الرب " في العبرانية هو " يهوه" هو الاسم الأعظم لله (أي أنه الاسم العلم لذاته تعالى).
2- " من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟" (لوقا 1: 43). أوحى الله إلى اليصابات أم يوحنا المعمدان أن مريم حبلى بالروح القدس بالمسيح المتجسّد فاعترفت بهتاف الفرح أن الذي في بطن مريم بالجسد هو الرب بالروح. فهذه الشهادة هي شهادة الإلهام السماوي.
3- " اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك” (لو23: 42). فتح الله قلب هذا اللص فرأى أن حدوث الزلزلة الهائلة حين صلب المسيح وانتشار الظلمة 3 ساعات في وسط النهار في جو أيام الربيع الرائق من الأدلة على أن هذا الشخص هو رب هذه الطبيعة فاعترف أن المسيح ربه.
4- "يبشّر بالسلام بيسوع المسيح. هذا هو رب الكل” (أعمال 10: 36) لما أراد كرنيليوس والذين معه أن يسجدوا لبطرس الرسول منعهم وحوّل أنظارهم إلى يسوع المسيح رب الكل، وعلّمهم أنه هو ربهم وخالقهم والمتجسّد لأجل فدائهم، فآمنوا واعترفوا، وحل الروح عليهم، فعمّدهم باسم المسيح.
5- " له على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب” (رؤ 19: 16). الضمير عائد إلى " كلمة الله " المذكور في ع 13، إلى المسيح يسوع، وبموجب هذا النص فالمسيح ليس رباً من الأرباب فقط بل " ملك الملوك ورب الأرباب ".
الأزلي
الأزلي هو الذي لا بداءة له ولا نهاية له لأنه قبل القبلية وبعد البعدية معاً.وأيام الله هي أيام الأزل وأيام القدم.
1- " أما أنت يا بيت لحم... فمنك يخرج لي الذي... مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل” (ميخا 5: 2). وها اعتراف صريح بأزلية المسيح ولاهوته الصحيح لأن مخارجه كائنة منذ القديم منذ أيام الأزل بصفة كونه إلهاً أزلياً، ولأنه ولد في بيت لحم إتماماً لهذه النبوة ومخارجه الكائنة منذ القديم هي ذات صدور وظهور أشعة لاهوته في أيام أزله العديمة الابتداء.وهذا الوصف لا يكون إلا لله الخالق وحده، إذ لا يجوز أن يقال عن مخلوق ما أنه أزلي أو مخارجه منذ الأزل، لأن نسبة هذا القول إلى المخلوق وثنية وإلى الخالق عبادة.
2- "منذ الأزل مسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض” (أمثال 8: 23). الكلمة " منذ " هنا إشارة إلى زمان الأزلية الذي لا بداءة أيام له، وليست للبعدية في ما يختص بأيام الله. فمعنى قوله " منذ الأزل " كمعنى قوله " منذ القديم. أو منذ القدم” (راجع ميخا 5: 2). فالمسيح أزلي ممسوح منذ الأزل بلا أول وبلا آخر لأن براهين لاهوته ظاهرة ظهور الشمس الصافية.
3- " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء... أنا هو الألف والياء. الأول والآخر... أنا هو الأول والآخر والحي... وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت” (رؤيا 1: 8- 18). فما قيل عن أزلية الله الآب في ع8 هو الذي قيل في ع11 و18 عن أزلية الله الابن الذي هو المسيح.
4- "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن” (يو 8: 58). قال المسيح أيام تجسّده لشعب اليهود " أنا كائن" كما قال لموسى حينما ظهر له في العليقة قبل التجسد أنا هو " الكائن ". ومعنى الكائن لغة الأزلي، ولكن معناه في العبرانية " يهوه " أي الاسم العلم لذات الله تعالى.
الحاضر في كل مكان
كل مخلوق له حيّز محدود وتأثير محدود لأعمال محدودة فلا يمكن أن يكسر هذه القيود ويحضر في كل مكان إلا الله. وقد نسب الحضور في كل مكان للمسيح كما ترى مما يأتي:
1- " وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء” (يو 3: 13). أكد المسيح بهذا القول قدرته على إعلان جميع الأمور السماوية لأنه صاحبها، فقال أنه صعد إلى السماء ونزل من السماء ووجد على الأرض بينما كان موجوداً في السماء لأنه حاضر في كل مكان.
2- " حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم” (متى 18: 20). المسيحيون الآن زهاء ستمائة مليون ربما كانو أكثر من ذلك بملايين. ومع ذلك إذا اجتمعوا جماعات جماعات مهما كثر أو قلّ عدد جماعة فالمسيح حاضر في وسط كل جماعة في كل مكان وفي وقت واحد.
3- "ثم إن الرب بعدما كلّمهم ارتفع إلى السماء... وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبّت الكلام بالآيات التابعة” (مرقس 16: 20). فالمسيح هنا هو الرب الذي ارتفع إلى السماء وفي الوقت نفسه كان يعمل مع تلاميذه في كل مكان في كل وقت ويثبّت الكلام الذي يتكلمون به بالآيات التابعة.
4- "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم... وعلّموهم... وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر” (متى 28: 19 و20). لقد أمر المسيح تلاميذه أن يتجوّلوا في كل انحاء العالم لإذاعة خلاصه؛ ولكنه في الوقت نفسه وعدهم أنه يكون معهم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. فهل يقدر أن يكون مع الجميع في وقت واحد إلا الله الحاضر في كل مكان؟
الخالق
كل خالق صانع، وليس كل صانع خالقاً. ولم يختص بالخلق الذي هو الانشاء من العدم وبلقب " الخالق " بأل التعريف إلا الله الخالق الأعلى الذي خلق الكل. فهل المسيح هو الله الخالق؟ ما يأتي سنرى:
1- " كان في العالم وكوّن العالم به ولم يعرفه العالم” (يو1: 10). تكوين العالم بالمسيح برهان على أنه هو الإله الخالق، ولو لم يعرفه العالم لفساد البشر. وكان الواجب أن يفتشوا عنه (يو 5: 39) وأن يعرفوه من شهادات الأنبياء، ومن أعماله القادرة التي لا يأتيها إلا الله لأنه هو الله الخالق لهذا الخلق العظيم.
2- " أنا يسوع... أصل وذرية داود. كوكب الصبح المنير” (رؤ22: 16). إن المسيح أصل داود أي خالقه وربه بالروح، وأن كان بالناسوت ذرية داود. وهذا هو حل اللغز الذي أوقف المسيح به خصومه عند حدهم (متى 22: 41- 46). فهو بالحقيقة " عمانوئيل " لنا. فلو لم يكن هو الله الخالق لما قال أنه أصل داود.
3- " فإنه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض... الكل به وله قد خلق” (كولوسي 1: 16)، من هذا نرى أن المسيح خالق الكل، كل ما في السموات وما على الأرض. وأنه صاحب الملكوت الذي بيده غفران الخطايا.وأما قول الرسول " فيه خلق الكل " فهو إعلان عمومية عمله في الخلق وإعلان لنا أنه هو الخالق لأن الكل به وله قد خلق (بلا استثناء).
4- "وأنت يا رب في البدء أسست الأرض والسموات هي عمل يديك” (عب 1: 10). ففي ع 8 قال الرسول أن المسيح الابن هو الله الباقي كرسيه إلى دهر الدهور، وهنا قال عنه أنه هو الرب الخالق الذي خلق الأرض والسموات. وهذا تصريح صريح مؤكد للاهوت المسيح.
5- "لما وضع للبحر حدّه... لما رسم أسس الأرض كنت عنده صانعاً (أمثال 8: 29 و30). في هذه النبوة أن الله بثالوثه الأقدس خلق الخلق ولذلك قال المسيح في النبوة أنه كان عند أبيه صانعاً في عملية الخلق، مع العلم أن صانع المخلوقات هو خالقها. وبما أن المسيح هو الخالق هنا فهو الله.
العليم
لما تجسّد الفادي له المجد كانت معلومية الناسوت محدودة، ولكنه في الوقت ذاته كان عليماً بكل شيء لأن اللاهوت يعلم ما لا يعلمه الناسوت. فإن لاهوت المسيح لم تخف عليه خافية في الأرض ولا في السماء، فدلّنا أنه إله عظيم:
1- " الآن نعلم أنك عالم بكل شيء” (يوحنا 16: 30). إن اعتراف تلاميذ المسيح هنا برهان على أن علم المسيح فائق الطبيعة لأنه علم أفكارهم ومحاوراتهم السرية الانفرادية فاقتنعوا أنه عليم بكل شيء واعترفوا بما اقتنعوا به. وفي اعترافهم هذا اعتراف أن المسيح هو الله لأنه علم بما كانوا يبدون وبما كانوا يكتمون.
2- "ستعرف جميع الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلى والقلوب” (رؤيا 2: 23). المسيح هو الذي قال هذا فحثّ الجميع على الاعتراف بعلمه المطلق ولاهوته الكامل.
3- "يا رب أنت تعلم كل شيء. أنت تعرف أني أحبك” (يو 21: 17). لما ظهر المسيح لبطرس خاصة قال له " أتحبني؟" ثلاث مرات فكان جوابه النهائي: " يا رب أنت تعلم كل شيءً. فكأن بطرس اعترف في هذا الجواب بثلاث مزايا للمسيح وهي: ربوبيته، وعلمه العام بكل شيء، ومعرفته الخاصة بقلب بطرس بل وبكل قلب.
4- " لكن يسوع... علم ما كان في الانسان” (يوحنا 2: 24 و25). كان المسيح يعلم ما كان كامناً في داخل الانسان فلم يحتج إلى من يشهد أو يخبر. عرف المسيح نثنائيل قبل أن يأتي إليه، وعرف كل ما فعلته السامرية من الشرور في الخفاء، وعرف كل ما يأتي عليه، وعرف تذمّر الفريسيين في قلوبهم، وعرف نيّة يهوذا الخائن قبل أن يخون، وعرف من هم الذين يؤمنون، (يو1: 47 و48 و4: 29 و18: 4 و13: 21- 29 و6: 64) وهذا يبرهن لنا أنه هو العليم الممتاز بعلمه عن كل مخلوق على الإطلاق (راجع إرميا 17: 10).
القدوس
لا يوجد في العالم أجمع من حاز أو يحوز كمال القداسة من يوم سقوط آدم وحواء إلى يوم القيامة، ولا يمكن أن يقال " قدوس" إلا الله. والمسيح هو القدوس لما يأتي:
1- "إن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء” (يو14: 30). ورئيس العالم هنا هو ابليس الذي نال من جميع الناس مبتغاه، ولكنه لم ينل شيئاً من المسيح لأن المسيح إله قدوس قدير على كل شيء.
2- " القدوس المولود منك يدعى ابن الله” (لوقا 1: 35). فبما أن المسيح قدوس كامل فقد دعي ابن الله- أي أن هذه القداسة هي البرهان الواضح الدال على لاهوته.
3- " ولكن أنتم أنكرتم القدوس الباء” (أعمال 3: 14). إن اليهود أنكروا المسيح وقداسته، فوبّخهم بطرس لأنهم لم ينكروا مجرماً بل أنكروا قدوساً باراً، انكروا المسيح الإله القدوس.
4- "اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته هيرودس وبيلاطس الخ” (أعمال 4: 27). نرى هنا إتماماط للنبوة المذكورة في المزمور الثاني، واعترافاً بلاهوت المسيح وقداسته.
5- " قدوس بلا شر ولا دنس الخ” (عبرانيين 7: 26). وهنا نرى أن المسيح 1- قدوس بلا شر ولا دنس 2- انفصل عن الخطاة 3- صار أعلى من السموات.
6- " مجرّب في كل شيء مثلنا بلا خطية" (عبرانيين 4: 15). شهد الرسول بالوحي هنا أن المسيح بلا خطية أي أنه قدوس بار. وقد شهد المسيح لنفسه مثل هذه الشهادة فقال زاجراً لخصومه المقاومين " من منكم يبكّتني على خطية؟” (يوحنا 8: 46).
الإله القدير
القدرة من أجلّ صفات الله وأظهرها لأنه تعالى يفعل بها ما يريد. وأعظم ألقاب الله الشريفة هو " القدير " لأنه تفرّد بالقدرة العليا وحده فخلقنا وحفظنا ورزقنا وفدانا وقبض على نواصي العالمين بقدرته. وبما أن المسيح هو القدير قولاً وعملا فهو الإله القدير الخالق الرازق الفادي الضابط الكل. وها هي شهادة الكتاب:
1- " يدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً (أشعياء 9: 6). هنا شهادة نبوية أن المسيح عجيب مشير وإله قدير.
2- " بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً (يو 15: 5). أثبت المسيح بهذا أنه إله قدير، وأنه يمنح القدرة لمن يشاء، وأنه يعين ضعفات المؤمنين به المتكلين عليه ويقوّيهم (فيليبي4: 13).
3- " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء "(رؤيا1: 8). وبما أن كل ما للآب هو للابن فالمسيح كالآب يقال عنه أنه هو الكائن (يو8: 58) والذي كان (يو1: 1) والذي يأتي (أعمال 1: 11 ورؤيا 1: 7) والقادر على كل شيء فهو الكائن منذ أيام الأزل والذي كان في البدء بلا بداية، والذي يأتي ثانية في مجده، والقادر على كل شيء (انظر وجه 341 ووجه 345).
غفّار الذنوب
نعم إن القدرة من أجلّ ألقاب الله وأظهرها، ولكن المغفرة من أحب ألقاب الله إليه وإلى البشر الخطاة الذين سمعوا صوته الحنون القائل " تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” (متى 11: 28). فالمسيح هو " الغفّار" لأنه قام بمهمة غفران الذنوب عملياً كما يأتي:
1- " مغفورة لك خطاياك” (لوقا 7: 48). كان المسيح يتغدّى في بيت فرّيسي فجاءت امرأة خاطئة بقارورة طيب وبلّت رجلي المسيح بدموع بكائها ومسحتها بشعر رأسها ودهنت رجليه بالطيب مظهرة توبتها لحقة، فتذمّر الفريسي في قلبه، وعلم المسيح فكره وأفكار الذين كانوا معه. وضرب له مثلاً أفهمه به أن محبة المخلّص الغفّار واجبة خصوصاً على من كانت خطاياه أثقل من غيره، وأفهمه أن المرأة الخاطئة سبقته إلى ملكوت الله. ثم التفت إلى المرأة وأعلن لها مغفرة خطاياها الكثيرة بسلطانه المطلق لأنه غفّار الذنوب.
2- "أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك” (لوقا 5: 20). اشتهر المسيح من بدء خدمته الجهارية بشفاء المرضى وإقامة الموتى. فسمع أهل شخص مفلوج بذلك فحملوه إلى المسيح. ولشدة الزحام خرقوا السقف ودلّوا السرير إلى حيث كان المسيح. وحالما كان السرير مقابل المسيح نظر المفلوج إليه نظرة استعطاف وتوسّل. ورأى المسيح إيمانهم قوياً فقال له " أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك " مقدّماً أهمية شفاء الروح على شفاء الجسد. فتذمّر الكتبة والفريسيون وتفكّروا قائلين في أنفسهم: “من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده” (لو5: 21) فشعر يسوع بأفكارهم وعلم نيّاتهم وقال لهم: ما هذه الأفكار؟ أيما أيسر؟ أن يقال: " مغفورة لك خطاياك " أم أن يقال: “قم وامش " ولكن لكي تعلموا ما لي من السلطان أن أغفر الخطايا فها أنا أبرهن لكم على أني بالحقيقة غفّار الذنوب بإقامة هذا المريض. ثم التفت إليه وقال له: “قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك " فقام وحمل سريره وذهب يمجّد الله. فتحيّر الجميع واندهشوا ومجّدوا الله. وها هو المسيح مستعد دائماً لأن يعلن للآتين إليه غفران الخطايا، فهل أتيتم إليه؟ وهل غفرت خطاياكم؟
ربّ الحياة والموت معاً
لا يقدر أن يميت الحي أو يحيي الميت بأمره إلا الله، الذي هو رب الموت والحياة. وبما أن المسيح رب الموت والحياة وله القدرة عليهما معاً فهو الله وهو الذي يمنحنا الحياة. ودليلنا على ذلك ما يأتي:
1- "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس” (يو1: 4) الضمير هنا عائد إلى الكلمة الذي هو الرب يسوع المسيح كما هو ظاهر من يوحنا 1: 1، والعدد الرابع هذا يؤكّد لنا أن المسيح رب الحياة وينبوعها ومصدرها لأنها " فيه " أولاً.
2- "فيه يقوم الكل” (كولوسي 1: 17) والضمير هنا أيضاً عائد إلى المسيح كما يعلم من سياق كلام الوحي من ع13، فكل حي قائم بالمسيح في كل العالم.
3- " لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضاً يحيي من يشاء” (يوحنا 5: 21). قال المسيح عن نفسه أنه "الابن” (بأل التعريف) أي ابن الله الوحيد صاحب السلطان المطلق على الموت والحياة الذي يحيي من يشاء- أي أن له ما لأبيه بالتمام، وأنه إله حق محيي الأموات كابنة يايرس وابن أرملة نايين ولعازر وغيرهم (لو8: 41- 56 و7: 11- 17 ويو 11).
4- "تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون” (يوحنا 5: 25). نرى من هذا أن المسيحرب الموت والحياة وأنه يحيي الأرواح الميتة بصوت تعاليمه وخلاصه.
5- "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا” (يوحنا 11: 25). بهذا علّمنا المسيح عن سلطانه الأعلى على الموت والحياة ما لم نكن نعلم، وأفهمنا أنه إله الحياة ومصدرها ومانحها. وكما أن المسيح رب الحياة فهو كذلك رب الموت أيضاً، بدليل قول استفانوس: " أيها الرب يسوع اقبل روحي” (أعمال 7: 59)، وبدليل قول المسيح لبطرس بشأن يوحنا الحبيب حينما مشى وراءهما "إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فماذا لك؟ اتبعني أنت” (يوحنا 21: 22) ففي تصريحه هذا ما يبرهن أن الذين يموتون لا يموتون إلا بإرادته وأمره، وأن الذين يحيون لا يحيون إلا بإرادته وأمره.
الإله الديّان
الإله الذي يوجد هو الذي يذهب، والذي يحيي هو الذي يميت، والذي يعطي هو الذي يحاسب.وعلى هذا فهو تعالى عادل لا يظلم أحداً، وهو يدين لأنه سبق فعدل فرحم منعماً بالفداء. ومن هو هذا الإله الديّان الذي رحم وفدى أولاً؟
1- "لأن الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن” (يوحنا 5: 22). الدينونة من القضايا المختصة بالله. فلماذا تنازل عنها وأعطاها كلها للابن؟ إذا لم يكن الابن هذا إلهاً له حق الدينونة فيكون الله قد أشرك معه في ملكه واحداً من مخلوقاته؟ وحاشا له أن يشرك معه احداً آخر، ولكن الحقيقة هي أن الآب والابن واحد (يوحنا 10: 30)، ولكن أقنوم الابن الدي تجسّد وفدانا هو الذي يدين في يوم الدين لأنه هو الله الفادي والإله الديّان العادل.
2- "من هو الذي يدين؟ المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً... يشفع فينا” (رومية 8: 34). إن قول الرسول هذا تفسير واضح لما جاء في يوحنا 5: 22. فالمسيح له الحق أن يدين المسكونة لأنه هو الذي تجسّد ومات وقام لأجل فدائنا وجلس عن يمين العظمة ليشفع فينا. وعلى هذا فهو الذي يدين لا سواه، وكل هذه براهين ساطعة على لاهوته لأنه لا يدين إلا الله.
3- "ونشهد بأن هذا هو المعيّن من الله ديّاناً للأحياء والأموات” (أعمال 10: 42). كيف يكون الله هو الديّان ويكون الابن معيّناً من الله ديّاناً في وقت واحد؟ والجواب هو أن الآب هو الله والابن هو الله والروح القدس هو الله وليسوا ثلاثة آلهة بل ثلاثة أقانيم في ذات الإله الواحد. ولذلك عيّن الآب ابنه ديّاناً للأحياء والأموات لأنه هو الفادي أولاً والديّان ثانياً. ولما كان الرسل شهود خلاصه فهم سيكونون كذلك شهود دينونته. وعلى هذا فقد قدّموا الشهادة بقوة الروح القدس أن المسيح " الابن " هو المعيّن من الله " الآب " ديّاناً للأحياء والأموات ولا بد أننا نظهر أمام كرسي لينال كل منا ما يستحق (2كورنثوس 5: 10)
لماذا لقّب المسيح بكامل الألقاب الإلهية؟
سبقنا فأثبتنا أن الكتاب المقدس وحي الله الثابت الصحيح الذي لم ينسخ ولن ينسخ لأن أتباعه فوق الذي كفروا إلى يوم القيامة كما مرّ بكم في الباب الأول. وبرهنا من الكتاب المقدس بعد ذلك على لاهوت المسيح بكل أنواع البراهين، ولكن لو فرضنا وظهر لنا معترض لم يطّلع على الكتاب المقدس فإننا نجيبه عن أسئلته قائلين:
ولد المسيح في بيت لحم، ونشأ في الناصرة، وظهر في أورشليم، ولكن لم يكترث به خاصته الذي هم حفظة الكتاب. ففي أيام ولادته ظهر نجم خاص لجماعة من مجوس المشرق فأتوا متتبّعين سيره إلى أورشليم فإلى بيت لحم حيث سجدوا للمسيح وقدموا إليه هدايا ملوكية ودينية فبرهنوا لنا أنهم آمنوا بلاهوت المسيح بإزاء الأمر الواقع لأن النجم لم يظهر هكذا إلا في أيام ولادة المسيح فقط. ولما ظهر المسيح وابتدأ خدمته العامة شهد له وعنه الحكّام الرومانيون حتى أن الوالي لنتيوس شهد عن المسيح في رسالته إلى قيصر فقال: إن يسوع الناصري رجل مهوب، تخرق نظراته القلوب، قدير على صنع العجائب متى أراد، محب لفعل الخير، وديع لطيف وقور لم ير قط ضاحكاً الخ، وشهد بيلاطس الوالي أنه لم يجد فيه علة، وشهدت امرأة بيلاطس ببرارته، وشهد اللص على الصليب بربوبيّته، وشهد قائد المئة أنه كان باراً وابن الله حقاً، وشهدت الملائكة بلاهوته وخلاصه وأنه مخلص البشر فآمن الرعاة ببشرى الملائكة وذهبوا فرأوا الأمر الواقع الذي أعلمهم به الرب وصدّقوا أن هذا المخلّص هو المسيح الرب. وهذه أمور واقعة لاريب فيها.
عاش المسيح في صغره مطيعاً، وفي كبره قدوساً وديعاً، فلم يتمرّد صغيراً، ولم يخطىء كبيراً، لم يولد آخر مثل ولادته، ولم يعش قدوساً كاملاً إلا هو فقط، فلماذا لا يكون هو الله، ولماذا لا نلقّبه بكل ما مرّ من الألقاب؟ الطبيعة شهدت بلاهوته، والوثنيون شهدوا بلاهوته، والملائكة شهدت بلاهوته في السماء، والشياطين اعترفوا بقداسته على الأرض، واللص اعترف بلاهوته على الصليب. فلماذا لا تعترفون بلاهوته أنتم أيضاً؟ ولماذا لا تعبدونه؟ ولماذا لا تقبلونه بكامل الألقاب الإلهية؟ "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك” (أعمال 16: 31).
- عدد الزيارات: 4598