Skip to main content

الفصل السادس: أهمية الاعتقاد بألوهية المسيح

يعلّم الكتاب المقدس ألوهية المسيح بجلاء ووضوح. وهذا الأمر مفروغ منه بالنسبة لكل من يؤمن بأن الكتاب هو كلمة الله. لا يوجد مجال للجدل في أن يسوع المسيح عرّف عن نفسه في الإنجيل على أنه الله المتجسد. ومن المؤكد بأن البشر الذين اختارهم الله لتدوين سجلات العهد الجديد كانوا يتمسكون بهذه الحقيقة الهامة والسامية ولم يترددوا في عبادة المسيح كالله. ثم أن الكنيسة المسيحية عبر العصور بكافة طوائفها تمسكت بألوهية المسيح الذي تتعبد له. هذا واضح من كافة السجلات العقائدية، من قوانين الإيمان إلى الترانيم الروحية والكتابات التعبدية. ففي كتابات وسجلات كل جيل وقرن نجد أن التمسك بألوهية المسيح هو عقيدة كل من قرؤوا سجلات الوحي الإلهي وتبنّوا تعاليمها.

إن إنكار ألوهية المسيح واعتباره مجرد معلّم أو نبي عظيم يتناقض مع مضمون الوحي الإلهي. فإنكار تعاليم الوحي الإلهي يبعد الإنسان عن منبع الحكمة والحق ويدفعه إلى تفاسير عقلانية سطحية لأمور لا يمكن فهمها إلاّ بالحكمة الروحية التي أوحى بها الله. فالحياة كل الحياة تكمن في هذا الإدراك الروحي والاعتراف المخلص بألوهية الفادي. هذه هي الحياة الأبدية أن يؤمن البشر بالمسيح المخلّص. إن عدم وجود هذا الإيمان الكتابي بالمسيح يقود إلى موت روحي أبدي. المسيح هو الحياة ولذلك فإن "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يوحنا 3: 36).

إن التمسك بألوهية المسيح حسب تعليم الكتاب المقدس هو أمر ضروري للغاية بحيث يعتبر المقياس الأساسي للتمييز بين الحق والباطل وهذا ما يوجه انتباهنا إليه الرسول يوحنا في قوله: "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح. هل هي من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم... كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله. وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله. وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي والآن هو في العالم" (رسالة يوحنا الأولى 4: 1-3).

يشدد الرسول بولس على العقيدة الكتابية الصحيحة بقوله: "ليس أحد وهو يتكلم بروح الله يقول يسوع ملعوناً وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلاّ بالروح القدس" (1كورنثوس 12: 3). إذاً يعرفنا بولس بأن الذي استنار من الروح القدس يعترف بالمسيح يسوع كربّ ومخلّص وهذا يعني أنه يؤمن بألوهية المسيح. فالفرد الذي يتأمل بيسوع بمجرد عينيه غير المستنيرتين من الروح القدس لا يرى فيه سوى إنسانيته. وقد يصل إلى الإقرار بأن المسيح كان رجلاً عظيماً وبأن مبادئه سامية للغاية. هذا كل ما يمكن لإنسان غير مستنير أن يرى في المسيح. لكن ذلك غير كافٍ لأنه نصف الحقيقة. وحالما يجدد الروح القدس الإنسان وينير بصيرته الروحية فإذ ذاك يرى نفسه خاطئاً أمام الله ومحكوماً عليه بالقصاص، ويرى في نفس الوقت بعين الإيمان الجديدة أن يسوع المسيح هو حقاً ابن الله المتجسد الذي صُلب لأجل خطاياه وقام من الأموات وهو جالس الآن عن يمين الله الآب بكل سلطان وعظمة. لقد كتب أحد كبار لاهوتيي القرن التاسع عشر عن هذه الحقيقة قائلاً: "كل من يؤمن بأن المسيح هو ابن الله، أي كل من يؤمن بأن يسوع الناصري هو الله الذي كشف عن نفسه في الجسد، ويحبه ويطيعه فإن هذا الإنسان قد ولد من الله. أما الذي ينكر هذا الحق فهو ليس إلاّ عدو المسيح بالذات. من ينكر الابن ينكر الآب أيضاً. فنكران الواحد هو نكران للآخر". وهذا ينطبق تماماً على ما أورده الوحي الإلهي على لسان الرسول بولس عندما كتب قائلاً: "... إن كان إنجيلنا مكتوماً فإنما هو مكتوم في الهالكين، الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله". (2كورنثوس 4: 3و4). وبناءً على هذا التعليم فإن الهالكين هم الذين لا يرون ولا يؤمنون بأن يسوع هو الله المتجسد لأن معرفة المسيح والإيمان به واضحة وجلية. ففي العيش مع مجد وبركة المسيح الهناء والحيوية. من المحال بل ومن غير المعقول أن تكون الحياة هنيئة بمعزل عن مصدرها وبارئها. فالذي يؤمن بالمسيح يحيا إلى الأبد، لأنه أصلاً لا يحيا الإنسان من ذاته بل المسيح هو الذي يحيا فيه. لهذا فإن حياتنا مستترة مع المسيح في الله وبذلك أصبحنا تامين فيه ولا ينقصنا شيء. فإننا بواسطة الإيمان به فقط نحصل على الفرح الحقيقي بسبب محبته وافتدائه لنا. ويطرح لنا الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (16: 22) أهمية هذه المحبة من جهتنا فيقول: "إن كان أحد لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن أناثيما" (أي مرذولاً ومخذولاً)، فلا شك بأن الكتاب المقدس يشدد على أن نكران ألوهية المسيح ورفض قبوله وعدم صحبته والثقة به وعبادته وخدمته كإله إنما تشكل الأساس لدينونة الله الحاسمة لكل الذين يسمعون ويرفضون الإنجيل.

إن ألوهية المسيح هي واقع أرسخ من أن يرفض، وهي حق أخطر من أن ينبذ بدون عقاب لأن الذين يؤمنون بذلك يخلصون والذين ليس لهم عيون ليبصروا ويؤمنوا فهم بعدم إيمانهم قد أهلكوا أنفسهم. هذا هو بالحرف الواحد ما يقوله الوحي الإلهي الطاهر. "الذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد"، "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يوحنا 3: 18و36). 

  • عدد الزيارات: 5444