Skip to main content

مقدمة

يتساءل الكثيرون في أيامنا هذه قائلين: "ما هي المسيحية"؟ لكن قبل أن نتمكن من الإجابة بطريقة موضوعية على هذا السؤال لا بد لنا من البت في قضية ترتبط ارتباطاً حيوياً بالأمر ألا وهي الإجابة على السؤال: من هو المسيح؟

هناك اتفاق إجماعي بأن من دعي "بالمسيح" هو بالفعل إنسان حقيقي كان قد جال في عالم البشر، ويعود انتساب المسيحية ووجودها إليه، ثم إن الإجماع نفسه يؤكد بأن للمسيح تأثير بعيد المدى على مجرى التاريخ عبر الألفي سنة الماضية.

يقر الجميع بلا استثناء بكون المسيح أفضل أنموذج بشري إطلاقاً، وبأن تعاليمه هي أنقى وأسمى ما ورد إلى عالمنا، وكذلك أخلاقه وتصرفاته كانت أنزه ما في الوجود. ومع ذلك فمنذ أن وطأت قدما السيد المسيح أرضنا هذه وحتى يومنا هذا فإن الجدال حول شخصيته ومكانته بالنسبة للديانة التي أسسها لم ينته. ونجد بصورة خاصة أن الجدال مستمر فيما إذا كان يسوع هذا هو بالفعل الشخصية التي ضمته صفحات الكتاب المقدس، وفيما إذا كان اختلافه عن كافة البشر اختلافاً نوعياً في جوهره أم اختلافاً كميّاً في مرتبته؟

كانت مسألة البت بشأن هوية المسيح مسألة واجهتها الكنيسة منذ فجر تاريخها. وقامت الكنيسة بالبت في الأمر بتّاً قاطعاً عندما أكدت كونه ابن الله، أي الإله المتجسد بناءً على تعاليم الكتاب المقدس. وقد سجّل هذا المعتقد في قوانين الإيمان بصورة جازمة، ومنذ ذلك التاريخ، فإن جميع الطوائف المسيحية تؤكد على كون المسيح هو الأساس الوحيد للكنيسة وهو أيضاً ربّها.

الجزء الأول من الكتاب يتضمن عرضاً عميقاً وشاملاً لطبيعة يسوع المسيح اللاهوتية، وهذا المضمون ليس فقط ما قاله هو عن نفسه ورسله عنه فحسب، بل أن هناك فحصاً دقيقاً في معنى ألوهية والدلائل التاريخية والموضوعية على ذلك وعلى أن ألوهية تلك لم تكن شيئاً اكتسبه بجهده الخاص كإنسان غير عادي، بل إنه كان يتمتع بها قبل تجسده ومنذ الأزل.

أما الجزء الثاني فيشتمل على ستة فصول تتعرّض بأجمعها إلى ناسوت (إنسانية) المسيح وكيف أنه تمتّع بكافة المزايا والخواص التي للبشر بالرغم من أن أسلوب مجيئه كان معجزياً وقد عكس في حياته إلى جانب عجائبه الخارقة فضائل إنسانية وكمالاً أخلاقياً لم يتوفر في كافة الأنبياء والعظماء عبر التاريخ البشري.

والجزء الثالث فقد خصص للتدقيق في ذلك التوازن والانسجام والتكامل القائم ما بين جانبي شخصية المسيح اللاهوتية والإنسانية، وكيف أن ذلك لم يكن واضحاً فحسب ولكنه كان أمراً محتوماً لضمان إتمام عملية الفداء التي خطط لها الوحي الإلهي ومهّد لها عبر كتابات الأنبياء قبل قرون من مجيء المسيح. فبدون ذلك لم يكن ممكناً أن تتوفر في المسيح الخواص والصفات والإمكانات والمؤهلات لتتميم الخطة الإلهية للخلاص المذكورة في الكتاب المقدس والتي فيها تلتقي قدرة ورحمة ومحبة الله مع عدالته وقداسته تعالى.

القصد من هذا الكتاب إذاً هو تقديم البراهين والأدلة القاطعة والجازمة من الكتاب المقدس على كون المسيح هو بالفعل الإله الذي تجسد، ابن الله السرمدي الذي جاء إلى عالم البشر لتتميم عملية فداء بشر خطاة وهالكين. 

  • عدد الزيارات: 2504