Skip to main content

رابعاً: الاقتراب إلى الله بالمسيح

والنقطة الرابعة وهي الأخيرة تتعلق بشرط الاقتراب إلى الله بالمسيح, فهو يقدر أن يخلص إلى التمام كل من يتقدم به إلى الله. والوحي لا يكتفي بالقول "كل من يجيء به إلى الله" بل أكثر من ذلك "كل من " ويستمر في مجيئه إلى الأمام إلى أن "يتقدم به إلى الله" وقد وردت هذه العبارة "يتقدم" سبع مرات في هذه الرسالة وفي مناسبات مختلفة ويكفي أن نستلفت نظر القارئ بنوع خاص إلى موضوعين فقط هما أصحاح4: 16 وأصحاح11: 6 حيث يقول في أولهما "فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة" وفي الموضع الثاني "الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه" وما هو المقصود من قول الرسول يتقدم به إلى الله؟ المستفاد من ذلك أولاً حق الدخول فلا يوجد حائل يعوق بيننا وبين الله, كما أنه لنا حق الاقتراب من الله والاجتماع به حيث نستطيع أن نكاشفه بكل ما لدينا ونعرض لديه كل احتياجنا وأكثر من ذلك نتقدّم إلى الله فنجد منه قبولاً ورضى فالله راضٍ علينا في المسيح وبرهن لنا على قبوله إيانا ورضاه عنا في المسيح بإعطائنا الروح القدس. ويتكلم الرب له المجد في يوحنا14: 16 عن "معزٍّ آخر" وهذه الكلمة المترجمة "معزٍّ" هي بعينها الأصل اليوناني للكلمة المترجمة "شفيع" في رسالة يوحنا الأولى2: 2 ومن هذا يتضح أن لنا شفيعين أحدهما شفيع عند الآب- يسوع المسيح البار- والآخر فينا- الروح القدس- فالمسيح حلقة اتصالنا بالآب كما أن الروح القدس حلقة اتصالنا بالمسيح وعلى هذه الكيفية أصبحنا متصلين بعرش الله. وعندما يتوجه القلب إلى يسوع المسيح يكون الروح القدس الساكن فينا مُلَّقِناً لنا صلواتنا وطلباتنا مطهرّاً نوايانا وأغراضنا ممجداً المسيح فينا في كل لحظة "فهو يقدر أن يخلّص إلى التمام جميع الذين يتقدمون به إلى الله". وما هي النتيجة التي لا بدّ منها من وراء ذلك كله إلاّ أن نرفع قلوبنا نحو الرب المخلّص متأملين ونحن محصورون في المسيح الحيّ المبارك الذي يجب أن تنشغل به أذهاننا وقلوبنا ونتعبّد له كل أيام الحياة.

والمعنى الثاني المقصود من قول الرسول "نتقدم به إلى الله" هو الثقة ولا نزاع في أن المؤمن كلما كثرت تأملاته في الرب وازدادت شركته معه كلما ازدادت ثقته به تعالى, وهذا هو الطريق الوحيد لنمو الإيمان, إذ كلما ازدادت معرفتك لشخص كلما ازدادت ثقتك به, وهكذا الحال على قدر ازدياد معرفتك للرب على قدر ازدياد مشغوليتك به وثقتك فيه. لذلك استطاع الرسول المغبوط أن يشير إلى هاتين الخطوتين المتلازمتين بقوله "أنا عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم".

فالتأمل يولّد ثقة والاثنان معاً يولّدان تكريساً بمعنى الكلمة, تكريساً يجعلنا نضع نفوسنا بدون قيد ولا شرط بين يديّ المسيح المبارك ولا بدّ أننا إذا فعلنا ذلك ببركة الرب أن يمتلك الروح القدس ناصيّة حياتنا فيصبح المسيح وحده ربنا ومليكنا المهيّمن على كل ما فينا وبين أيدينا.

يا ليت تكون حياتنا على هذا النمط من الآن فصاعداً. ولاحظوا أن النتيجة عظيمة وباهرة مادام المسيح متخذاً عرشه في القلب. وقبل أن نختم كلمتنا نذكر على سبيل التمثيل أن أحد خدام الرب قابل مرة بنتاً صغيرة وقال لها "يا مريم هل حصلت على نعمة التجديد؟ فأجابته بالإيجاب. عندئذ قال لها "وأي فارق أو تغيير تشعرين به في مجرى حياتك بعد اهتدائك"؟ "أشعر أن يسوع الرب ساكن الآن في قلبي وعندما يدنو الشيطان مني ويقرع على باب قلبي أقول للسيد العزيز الرب هل تسمح وتتنازل بفتح الباب وعندما الرب يتقدم ويفتح باب قلبي ويراه الشيطان لا بدّ وأن يهرب من أمامه بعد أن يشعر بخطئه لقرع باب غير المقصود" هذا هو المعنى المقصود من عب7: 25 سيادة الرب التامة على قلب المؤمن. يا ليت الرب يمنح كلاً منا نعمة التسليم التام فيفتح كل منا قلبه على مصراعيه للمسيح ليبقى فيه الرب السائد والملك المُتَّوَج ولإلهنا كل المجد دائماً.

  • عدد الزيارات: 5248