Skip to main content

الخلاص

النصوص الكتابية:

"إن كانت الكلمة التي تكلم بها ملائكة قد صارت ثابتة وكل تعدٍّ ومعصية نال مجازاة عادلة، فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره قد ابتدأ الرب بالتكلم به ثم تثبت لنا من الذين سمعوا " (عب2: 3).

"أيها الرجال الأخوة بني جنس إبراهيم.... إليكم أُرسلت كلمة هذا الخلاص" (أع13: 26)

"الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم" (أف1: 13)

"فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت1: 21)

"لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون" (2كو2: 15)

"لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو19: 10)

"لأني لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن". (رو1: 16)

"بالأَولَي كثيراً ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب" (رو5: 9)

"لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح" (1تي5: 9)

"لأننا كنا... قبلاً أغبياء... ضالين... عَائشين في الخبث... ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله.... لا بأعمال في بر عملنا نحن بل بمقتضى رحمته خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تي3: 3- 5)

"الخلاص" كلمة لها معنى واسع جداً ومعناها هذا من الاتساع لدرجة أنه يمكن إطلاقه على ما تعنيه سائر الكلمات الأخرى مثل التبرير والفداء والمصالحة. ولنا مثال على اتساع معنى هذه الكلمة موجود في (عب2: 3) حيث يوصف تدخل الله بالقوة لصالح الإنسان والذي ابتدأ الرب بالتكلم به- نقول إنه يوصف بأنه "خلاص هذا مقداره". أو بعبارة أخرى خلاص عظيم القدر جداً وفي (أع13: 26) يستعمل الرسول بولس قوله "كلمة هذا الخلاص" بنفس هذا المعنى الواسع. كذلك في (أف1: 13) يتلخص الخلاص الذي صار لنا بكل أجزائه في كلمة واحدة هي أن الإنجيل الذي يعلن هذا الإنقاذ الجبار هو إنجيل خلاصنا. هذا هو المعنى المقصود بالقول "الخلاص العظيم".

يُذكر الخلاص كثيراً في كلا العهدين القديم والجديد. أما في العهد القديم فالمقصود بالخلاص هو الخلاص من الأعداء. هكذا تكلَّم زكريا أبو يوحنا المعمدان" مبارك الرب... لأنه... أقام لنا قرن خلاص... كما تكلَّم بفم أنبيائه القديسين الذين منذ الدهر. خلاص من أعدائنا ومن أيدي جميع مبغضينا" (لو1: 68- 71). وإنجيل متى في أول إصحاحاته يتكلم عن الرب يسوع كمن "يخلص شعبه من خطاياهم" (مت1: 21) وهذا المعنى يصعد بموضوعنا إلى مستوى أعلى من مجرد الخلاص من الأعداء ومن المبغضين.

لكن، سواء في العهد القديم أو في الجديد، فحقيقة إن هناك "خلاصاً" يُصنع أو يُقدم- هذه الحقيقة تتضمن أن من يصنع لهم الخلاص أو يقدم لهم إنما هو في "خطر" من أي نوع كان. إنهم في خطر من الهلاك. وفي (1كو1: 18) نجد المباينة معقودة بين أولئك "الهالكين" وبيننا نحن المخلصين. ونفس المباينة تقابلنا في (2كو2: 15)" لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين "يخلصون" وفي الذين "يهلكون كذلك في (لو19: 10) نقرأ أن ابن الإنسان "قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك". وصرخة التلاميذ وهم في العاصفة على بحر الجليل كانت "يا معلم يا معلم (خلص) فإننا نهلك" (لو8: 23)- هذا كان خلاصاً زمنياً وفي مواجهة خطر زمني. واضح إذن أن الخلاص والهلاك في معنيهما على طرفي نقيض.

سبق القول بأننا كمذنبين كنا نحتاج إلى الغفران وكمديونين كنا نحتاج إلى التبرير وكمن وقعنا تحت العبودية نحتاج إلى الفداء. وكأعداء في الأفكار وفي الأعمال الشريرة ومتجنبين عن حياة الله كنا نحتاج إلى المصالحة. وكهالكين نحتاج إلى الخلاص.

عندما اعتبرنا أنفسنا مذنبين أو مديونين كان عندنا فكرة محددة عن موقفنا. لقد رأينا أنفسنا متهمين في محكمة الله كما لو كنا في محكمة جنايات متهمين بخطايانا. ونفس الفكرة تكونت عندنا لما رأينا أنفسنا في عبودية للخطية والشيطان أو عندما رأينا أننا متجنبون عن حياة الله. إن الخطية ظهرت أمامنا كمسخر يلهب ظهورنا من جهة وكسحابة سوداء تفصلنا عن الله من الجهة الأخرى. لكن الآن علينا أن نعتبر أنفسنا كهالكين، تتهددنا أخطار كثيرة حاضراً ومستقبلاً تنتهي بنا إلى الهلاك. لكن ماذا من جانب الله؟ لقد أعد خلاصاً أو بالحري إنقاذاً من كل خطر تهددنا أو يتهددنا حاضراً أو مستقبلاً. هذا هو الخلاص والعهد الجديد في أول صفحاته يكلمنا عن خلاص من الخطايا. خلاص ليس من عقوبة الخطايا بل من سلطان الخطايا بل من حب الميل إلى الخطايا. إن الإنجيل لا يقدم لنا إعفاء من عقوبة الخطايا ويتركنا لهوانا نمارس الخطايا تحت سلطانها أو نغترف من ملذاتها. ولو فعل الإنجيل هكذا لما كان إنجيلاً بمعنى الكلمة لأنه بذلك يشجعنا على الاستمرار في الخطية وحاشا لله أن يكون كذلك.

أيضاً نجد في المكتوب أن الخلاص يعني إعفاءنا أو الإفراج عنا من تحت غضب الله. لأن الإنجيل هو قوة الله للخلاص لكل من يؤمن... لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم" (رو1: 16- 18) وإذا تقدمنا أيضاً في الرسالة نقرأ "ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا فبالأولى كثيراً ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب" (رو5: 9) ومرة أخرى نقرأ "لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح" (1تس5: 9) وأيضاً في (2تس2: 12و 13) نجد أن الخلاص في مواجهة مباشرة مع الدينونة والغضب.

والحقيقة أن معاملات الله مع إسرائيل وموقفهم من المسيا هي موضوع وغرض العهد القديم. ومن هنا تبرز نتائج الخطية بالنظر إلى الإجراءات التأديبية التي يتخذها الله مع هذا الشعب. فلما كان إسرائيل يخطئ كان الله يُسلمهم ليد الأعداء، فإذا ما تابوا ورجعوا إليه كان الله يُخلصهم. أما العهد الجديد فيضع أمامنا النتائج الأبدية للخطية والمسئولية الفردية لكل نفس أمام الله كالديان المُعلَن غضبه من السماء. من هذه الدينونة ومن هذا الغضب نحن نخلص بالإيمان.

في هذا الخصوص يمكن أن نتكلم عن الخلاص كأنه شيء تم وأكمل فيما مضى (على الصليب) حتى أن المؤمنين يمكنهم أن يتكلموا عن أنفسهم بوصفهم "نحن المخلصين" إن الرب يسوع هو مخلصنا من الغضب الآتي. وضمانة سلامتنا هي أكيدة الآن بقدر ما كانت أكيدة يوم آمنا. نحن في أمان تام الآن من قبل أن ينصب الغضب فعلاً ومع ذلك عندما نتكلم عن أنفسنا كمخلصين فإن معنى الخلاص يبدو أنه يتركز في حقيقته أنه إن كنا قد انغمسنا في كل نوع من الشر والدنس فالآن قد أنقذنا من هذه جميعها..."لأننا كنا نحن أيضاً قبلاً أغبياء غير طائعين ضالين مستعبدين لشهوات ولذات مختلفة عائشين في الخبث والحسد ممقوتين مبغضين بعضُنا بعضاً ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تي3: 3- 5).

غير أنه من الواضح جداً أنه إن كنا نتكلم عن الله أنه "خلصنا" (2تي1: 9)، إلا أننا لم نزل في عالم مليء من الفخاخ وفي داخلنا جسد خائن ومن الخارج إبليس العدو الشرس، ومن أجل ذلك نحتاج كل يوم إلى خلاص. فالخلاص من الناحية العملية هو خلاص حاضر. والرب يسوع حي في السماء كرئيس الكهنة الذي يخدمنا في الأعالي. هو "يقدر أن يُخلِّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم" (عب7: 25).

هذا الخلاص الحاضر الذي نحتاج إليه ونحصل عليه كمؤمنين قد تأسس بالطبع على موت المسيح لكنه يصل إلينا نتيجة عمله الكهنوتي لأجلنا إذ هو حي في السماء ليشفع فينا. فإذ نحن "نخلص بحياته" كما نقرأ في (رو5: 10) وطالما هو حي فلسوف نخلص إلى التمام. إننا سنخلص حتى أقصى حدود الزمان- حتى اللحظة التي فيها يُقهر آخر عدو ونكون نحن حيث لا حاجة لنا إلى خلاص بعد.

ولكي نستمع بهذا الخلاص اليومي عملياً، أعطيت لنا الإرشادات والتعليمات التي تزودنا بها كلمة الله- الكتب المقدسة "القادرة أن تُحكِّمنا للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع" (2تي3: 15) والعبارة التي تأتي بعد ذلك مباشرة ترينا أن كل الكتاب "نافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر". هذا هو معنى الخلاص في ذهن بولس وهو يكتب هذا الكلام ويؤكد أن للمكتوب ضلعاً كبيراً في صنع هذا الخلاص اليومي الحاضر. وطبعاً عندما كتب بولس هذا الكلام كان يشير إلى ما جاء في كتب العهد القديم التي يعرفها تيموثاوس منذ طفوليته. هذه الكتب مليئة بالتحذيرات النافعة لنا. وإذا نحن انتبهنا إليها، نخلص من ألوف المخاطر والفخاخ. ولسنا في حاجة إلى القول بأن ما يقال عن كتب العهد القديم ينسحب أيضاً على كتب العهد الجديد التي من امتياز البعض منا إنهم يعرفونها منذ الطفولية أيضاً.

والآن يمكننا أن نُجمل القول في أن الخلاص اليومي الحاضر هو أنه من نصيبنا نتيجة شفاعة المسيح كاهننا العظيم ونتيجة امتلاكنا كلمة الله المقترنة بسكنى الروح القدس الذي به نفهم الكلمة ونتقبل تعليمها وتحذيرها. بقيت هناك عدة فصول كتابية تتكلم في وضوح عن الخلاص كشيء مستقبل. فالخلاص رجاء مستقبل أمامنا وهو "خوذة" تلبس (1تس5: 8). هذا الخلاص الذي نرجوه سوف يتحقق عند مجيء المسيح الثاني. صحيح أن المسيح سوف يأتي كديان لكننا نحن لا ننتظره في هذه الصفة بل مكتوب عنا أننا "ننتظر مُخلصاً"... الذي سيُغير شكل جسده تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده (في3: 20) هذا ما ننتظره الآن إلى أن يظهر ثانية بلا خطية للخلاص" (عب9: 28).

هذا الخلاص المستقبل يتوقف على الرحمة التي سيؤتى بها إلينا كآخر صور الخلاص التي يعملها الرب يسوع لأجلنا. وهذا يتضمن إقامة القديسين الراقدين واختطاف القديسين الأحياء قبل هبوب عاصفة غضب الله العادل على الأرض. حينئذ سنكون كلنا- راقدين مقامون وأحياء مختطفون- مع الرب كل حين في أجساد ممجدة مثل جسد قيامته. هذا هو آخر شيء. والخلاص بالنسبة لنا يكون قد تم على الوجه الأكمل.

ملاحظات:

س: كيف نوفق بين هذا الذي قرأناه وبين تحريض بولس للفيلبيين: "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة؟" (في2: 12)

ج: الفصل الذي ينتهي بهذا التحريض فصل طويل ولكي نحصل على فكرة واضحة لهذا الفصل نرجع إلى العدد السابع والعشرين من الإصحاح الأول من رسالة فيلبي حيث يقول الرسول "فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح" فإن الفيلبيين كانوا مهددين من المقاومين من الخارج وبالخلافات في الرأي من الداخل وخاتمة الإصحاح الأول تشير إلى تهديد المقاومين كما أن بداية الإصحاح الثاني تشير إلى الانقسام في الرأي. والأمر الأول تسهل مواجهته لكن الأمر الثاني يلزم لمعالجته أن يوضع أمامهم المثال الأكمل. ونعلم أن الرسول لم يكن حاضراً عندهم لمساعدتهم لأنه كان وقتذاك في سجن رومية، وتحت مثل هذه الظروف كان عليهم أن يجتهدوا أن يتمموا أي يستثمروا أو يجنوا ثمرة خلاصهم وسط هذه المقاومات ليس كما من قوتهم الذاتية "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (عدد13). ولو أنهم فعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة وتمسَّكوا بكلمة الحياة (مضمون الأعداد الثلاثة التالية) فإن هذا معناه أنهم تمموا خلاصهم.

هذا يرتبط بالخلاص اليومي ومسئوليتنا. أما الجانب الإلهي المختص بهذا الخلاص فيأتي في المقام الأول أعني كهنوت المسيح وعمل الله فينا بروحه وتقويم وتأديب الكلمة. أما الجانب الإنساني فله قيمته وعلينا أن نجتهد لننتفع بالنعمة التي يمدنا بها الله.

س: في يوم الخمسين يُحرِّض الرسول بطرس سامعيه بالقول "اخلصوا من هذا الجيل الملتوي" والذين قبلوا كلامه بفرح اعتمدوا. وفي رسالته الأولى تكلم أيضاً عن المعمودية كمخلصة "الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية" (ص3: 21) فما هو هذا الخلاص الذي يُحدثه المعمودية؟

ج: أما قول بطرس للسامعين "اخلصوا" في يوم الخمسين فهو الخلاص من هذا الجيل الملتوي وهذا واضح. والمعمودية فيها معنى قطع الربط وفك العلاقة. هي مجرد طقس خارجي لكن لها معناها الذي يُعبِّر عن قطع العلاقات. إنها مؤسسة على موت المسيح وقيامته (رو6: 3) "إننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته" وأيضاً "مدفونين معه في المعمودية" (كو2: 12) وليس هناك أقوى وأفعل في قطع علاقاتنا مع هذا الجيل الشرير ومع العالم أكثر من الموت والدفن. إن النقطة المركزية التي يُنبِّر عليها بطرس في كلامه في يوم الخمسين وفي رسالته أيضاً هي أن المعمودية تقطع الصلة بين المؤمنين الراجعين إلى الله من اليهود وبين غير المؤمنين من سائر الأمة، لأن رسالته موجهة إلى اليهود المؤمنين ويقول لهم إن المعمودية هي مثال لمياه الطوفان التي قطعت قديماً الصلة بين نوح المؤمن مع بيته وبين عالم الفجار. ونوح مع بيته خلصوا بالماء أو عن طريق الماء. من الموت والهلاك الذي جاء على الفجار. والذين كتب لهم بطرس خلصوا بالمعمودية من بقية الشعب غير المؤمن. لقد تألموا كثيراً من جماعة الفجار (غير المؤمنين) لكنهم خلصوا من مصيرهم سواء في هذه الحياة عند خراب أورشليم أو في الدهر الآتي. خذوا هذا المثل إذا كانت باخرة كبيرة تُشرف على الغرق فلا يكفي إنزال قوارب النجاة بالحبال والانتقال إليها. فإنه لم تقطع الحبال فلن تكون هناك نجاة أو خلاص. والمعمودية تقطع هذه الحبال وبهذا المعنى هي تخلص.

س: يقول الرب في مسامع التلاميذ "ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" فعلى ضوء هذه العبارة أليس من السابق لأوانه أن نتكلم عن أنفسنا كمخلصين ما دمنا لم نصل بعد إلى المنتهى؟

ج: لو أن كلمات الرب هذه كانت تشير إلى الطريقة التي بها يمكن أن يخلص الخطاة لكان من السابق للأوان الكلام عن خلاصهم. لكن هذه الكلمات التي ترد في سياق حديث الرب النبوي المذكور في (مت24 ومر13) لا تشير إلى كيف يخلص الخطاة. والرب لم يكن يخاطب خطاة بل رجالاً قد دخلوا فعلاً في علاقة مع شخصه- كان يخاطب تلاميذه. في ذلك الوقت كان التلاميذ يمثلون البقية المختارة من الشعب الأرضي الذين سوف يكونون على الأرض في وقت النهاية. وكلمة "المنتهى" في هذين الفصلين لا تعني نهاية حياة هذا أو ذاك من الناس بل تعني نهاية زمان الاضطهاد والضيق والحزن- النهاية التي ستكون قد بدأت بمجيء المسيح الثاني والصبر هو أعظم فضيلة سيتجمل بها هؤلاء القديسون لأن خلاصهم أكيد عند ظهور المسيح.

هذا هو المعنى الأولي لهذه العبارة. لكن هناك بالطبع تطبيقات أخرى لها نافعة يمكن أن نستخلصها لأنفسنا. لكن القول بأن الإنسان لا يمكن أن يكون على يقين حقاً من خلاصة إلا عند الموت فهذا بعيد عن المعنى الصحيح.

س: لماذا يقترن الاعتراف بالفم بصورة مباشرة مع الخلاص في (رو10: 10) في القول "إن اعترفت بفمك... خلصت لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص".

ج: الخلاص كلمة لها معنى واسع جداً يتضمن معنى الخلاص أو الإنقاذ من هذا العالم ومن أمور أخرى فنحن نؤمن بالمسيح بالقلب كالمقام من الأموات وبهذا نتبرر أمام الله لكن كلا الأمرين- الإيمان والتبرير- غير منظور ونحن بالحقيقة خلصنا أو أُنقذنا من سلطان العالم والجسد والشيطان، لكن أول خطوة نحو خلاص مثل هذا هي خطوة الاعتراف بالمسيح كسيد ورب اعترافاً علنياً مسموعاً في آذان الناس. أما الاعتراف الصامت بالمسيح في الفكر أو بالذهن فهذا لا يسمعه الناس.

واضح جداً أن الرسول في هذا الفصل يميز بين إيمان القلب الذي به يصل إلى التبرير وبين الاعتراف بالفم الذي به نصل إلى الخلاص.

س: هل هذا هو ما يفسر لنا لماذا احتاج كرنيليوس إلى مجيء بطرس إليه ليقول له كلاماً به يخلص مع أن كرنيليوس كان تقياً يخاف الله.

ج: هذا صحيح. وكرنيليوس، حتى مجيء بطرس إليه ببشارة الإنجيل عن قيامة المسيح، لم يكن قد آمن بقلبه أن الله قد أقامه من الأموات. وإذا كان كرنيليوس قد فكّر في المسيح كسيد وكرب على نوع ما فإنما كان تفكيره ينصب على أنه سيد ورب لبني إسرائيل. لكن بطرس في بيت كرنيليوس بشر بالمسيح "كرب الكل" (أع10: 36).

فكرنيليوس رجع من الوثنية إلى خوف الله بكل إخلاص لكنه خلص لما آمن واعترف بالمسيح المقام من الأموات رباً وسيداً.

س: هل يفهم من هذا الخلاص في درجة عالية من درجات البركات المسيحية لا نرقى إليها كنتيجة للرجوع إلى الله. بمعنى أن الإنسان قد تغفر خطاياه ومع ذلك لا يكون خالصاً؟

ج: لو أن استنتاجاً مثل هذا خرجنا به من مثل حالة كرنيليوس لكان استنتاجاً بلا أساس. ومع ذلك ينبغي أن لا نغفل ما نتعلَّمه من حقيقة أن كرنيليوس رغم أنه كان يخاف الله ويؤمن به وأنه كان يعرف شيئاً عن خدمة المسيح على الأرض، فإنه لم يكن يفهم أنه خالص إلى أن سمع وآمن بالمسيح المُقام- وبغفران الخطايا باسمه. عند ذلك انفصل تماماً عن مبادئ الله ونظامه الذي كان يمسكه ورجع إلى الله.

س: كل هذا الذي تكلمنا فيه يتعلق بما خلصنا "منه فما هو الذي خلصنا "لأجله"؟

ج: نحن خلصنا لأجل امتلاك كل بركة لنا في المسيح. ولو أننا دققنا في استقصاء الألفاظ الكتابية لوجدنا أن كلمة الخلاص تتصل دائماً بما خلصنا منه. أما ما خلصنا لأجله، فإن الكلمة المستعملة هي "الدعوة" فالله خلصنا "ودعانا دعوة مقدسة" (2تي1: 9).

والشعب القديم خلص من مصر لكي يمتلكوا الأرض التي إليها دعاهم الله. ونحن قد خلصنا من العالم والجسد والشيطان ومن غضب الله الآتي لكي نتمتع بدعوة الله لأن نأخذ مركز البنين ونشارك المسيح مجده العتيد. إن الخلاص الذي لنا في المسيح هو خلاص عظيم وعجيب حقاً، وبه تحررنا لكي نستمع بدعوتنا. ومع ذلك فإن كل ما دعينا إليه بحسب قصد الله السامي فائق العجب ولا يستقصى

  • عدد الزيارات: 9548