Skip to main content

الفصل السابع: بعض أساليب يسوع في التعليم

هل درس السيد أساليب التعليم واستعملها عن قصد؟ إننا لا نستطيع أن نتأكد من هذا ولكن من المرجح أنه لم يفعل ذلك، إنما لا شك في أنه أتقن هذه الأساليب كما يظهر لنا من حذقه استعمالها بديهياً حسب دواعي الظروف والحاجة. وكيفما اكتسبها فإنه فريد في تعليمه ولا مثيل له في استعمال الأساليب. وقد استخدم جميع الطرق المستعمَلة اليوم أو على الأقل مبادئها الأصلية. وسنلاحظ بعضها في هذا الدرس.

1-الأشياء المنظورة

مع أن يسوع لم يستعمل الأشياء المنظورة بقدر ما استعمل أساليب أخرى فإنه استخدم مبدأ هذا الأسلوب ليجعل الحقيقة واضحة وملموسة لدى سامعيه. وهناك عدة أمثلة مفيدة عن استعماله الأشياء المنظورة.

(1) طبيعتها وقيمة استعمالها

نستخدم الأشياء المنظورة التي ترمز إلى الحقيقة أو تلمّح إليها ومن جملة هذه الأشياء النماذج والصور والرسوم والخرائط وأمثالها. فإن نموذج فلك نوح أو خيمة الاجتماع أو منظر في بلاد أخرى تساعد كثيراً في إحياء الدرس وتوضيحه. وكذلك الصور أو الرسوم على اللوح تزيد فاعلية الدرس عن الكتاب المقدس أو عن عمل التبشير في بلاد أخرى.

ما أعظم الفرق مثلاً بين ما تعلمه الطلاب من نموذج النظام الشمسي المبين الشمس والأرض ونسبة الواحدة إلى الأخرى، وما تعلموه من التفسير المعنوي القائل "إن تغييرات الفصول في السنة تنتج عن انحناء محور الأرض نحو سطح دائرتها وعن دورانها حول الشمس!"

لكن يشك في فائدة الرموز التي من نوع استعمال رغيف خبز ليرمز إلى المسيح خبز الحياة وكتغيير لون الماء بواسطة المواد الكيماوية ليرمز إلى تطهير القلب لأن الأولاد قد يخلطون الرمز مع الحقيقة.

تنتج قيمة الشيء المنظور عن جذبه النظر وعن توضيحه الدرس. لأن تقديم الحقيقة للعين هو أفعل جداً من تقديمها للأذن في كل مناسبة تقريباً ويعتقد البعض بأن أكثر من ثمانين بالمئة من معرفتنا تأتي عن هذه الطريقة. ونحن نتذكر ما نراه أكثر مما نتذكر ما نسمعه بدون استثناء. عرف الكاتب معلماً غير مقتدر في التعليم ولكنه علم درساً لم ينسه الكاتب إذ رسم على اللوح سلماً ضيقاً عند أسفله وواسعاً عند رأسه وهكذا علم طلابه بأنه كلما صعد الإنسان درجات الثقافة اتسعت الفرص أمامه في الحياة. فيحسن بكل معلم أن يسعى للحصول على الحذاقة في استعمال اللوح.

قال الأستاذ بيل "نتكلم عن المبادئ العامة في الوقت الذي يجب فيه إظهار الملموس. وكثيراً ما يقضي المعلم نصف ساعة في تفسير ما كان بإمكانه أن يوضحه في ظرف ثلاث دقائق بواسطة قطعة من الورق وقلم وعلامتين أو ثلاث علامات... فإن كان العضو التابع للكنيسة التقليدية مقتنعاً بعقائده أكثر من البروتستانتي فذلك لأن الأول قد رأى بعينيه ولمس بيديه ما تُرِك لخيال البروتستانتي لكي يتعلمه"

(2) استعمال يسوع لهذه الأشياء

من أبرز مناسبات استعمال يسوع المنظور ليعلم درساً كان إيقافه الولد في الوسط لكي يعلم موقف من يدخل ملكوت الله (متى 18: 1-4). كان التلاميذ يعتبرون الملكوت مملكة ذات درجات ورتب، فيها يتقدم الشخص الوجيه ويعترف الآخرون به فكان الطموح الأناني يستولي على أفكارهم. لذلك أخذوا يتساءلون فيما بينهم عمن سيكون الأول. ومن ثم وجهوا السؤال إلى المسيح: "فمن هو أعظم في ملكوت السموات؟" (ء1). وعلى ما يظهر لم يشرح يسوع موضوعه ولم يبحث فيه بل نادى ولداً وأوقفه أمامهم. ولما رأوا البساطة وعدم الأنانية والتواضع الظاهرة فيه أخبرهم يسوع بأن عليهم أن يرجعوا ويصيروا مثل الولد قبل أن يدخلوا الملكوت. ثم قال "فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السموات" (ء4). وكان هذا أعظم درس للبشرية عن شر الكبرياء وقيمة إنكار الذات.

ولنا أيضاً مثل غسل أرجل التلاميذ (يوحنا 13: 1- 15 ). كانت عادة الناس في تلك الأيام أن يلبسوا الصندل ومن الطبيعي أن الغبار كان يغطي أقدامهم وهم يمشون في الطرق. فاعتاد خادم البيت أن يستقبل الضيف بمغسل ماء ومنشفة ويغسل قدميه وينشفهما. وفي هذه المناسبة لم يكن هناك خادم فأخذ السيد صفة الخادم وغسل أرجل التلاميذ ونشفها. فعل ذلك بطريقة طبيعية لكي يسد الحاجة بواسطة هذا العمل البسيط فأظهر وقار الخدمة الوضيعة وعظمتها. وكان عمله المثل الأسمى على ما يقدر أي إنسان آخر أن يفعل في ظروف مشابهة. كان درساً منظوراً عن التواضع وكان من أكثر دروسه تأثيراً. فختم الدرس بقوله "فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض. لأني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً" (ء14-15).

وفي مناسبة أخرى جرَّبه ممثلوا الفريسيين والهيرودسيين بالسؤال عن قانونية تقديم الجزية لقيصر. فلم يتأخر ولم يجادل بل طلب معاملة الجزية فناولوه ديناراً فرفع الدينار أمامه وسألهم "لمن هذه الصورة والكتابة؟" فأجابوه "لقيصر" فقال لهم "اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (متى 22: 15-22). وهكذا بواسطة الشيء المنظور حقق عملين: الأول جذب انتباه الناس بأسلوب رائع. والثاني هو اغتنام الفرصة ليعلم مسؤولية دفع الضرائب لأن المعاملة هي للحكومة ومسؤولية العطاء لله أيضاً لأن كل ما لنا هو منه وله. فلا قول آخر من أقوال يسوع كهذا القول الذي يستشهدون به كثيراً.

وفي حين آخر أعطى تعليمات للاثني عشر أن ينفضوا غبار أرجلهم عندما يتركون مدينة أو بيتاً لم يقبلهم في عملهم التبشيري وذلك إشارة إلى إكمالهم واجبهم نحو هذه البلدة التي لم يبق لها أي حق عليهم (متى 10: 14). وكان شفاء يسوع للمفلوج الذي حمله أربعة رجال برهاناً منظوراً عن قدرته على مغفرة الخطايا في وجه تهمة الكتبة بأنه قد جدف لأن الله وحده يغفر الخطايا (مرقس 2: 6-12). فإن استطاع أن يشفي المفلوج استطاع أن يغفر الخطايا لأن هذا العمل ليس أصعب من الأول. وهكذا بين لاهوته بشفاء العمي والعرج وغيرهم لما أتى تلميذا يوحنا المعمدان ليسألا أهو المسيح أم لا (متى 11: 2-6).

فلنا أمثلة عديدة عن استعمال يسوع المنظورات لجعل تعليمه جذاباً وواضحاً ومؤثراً. فإنه قدم أحسن تعاليمه هكذا. ونستطيع نحن أن نفعل كذلك إذا أردنا، فبإمكاننا أن نستعمل اللوح واليافطات والصور للإفادة العظيمة.

2-التمثيل

استعمل المسيح التمثيل كثيراً في تعليمه إما بطريقة رسمية أو غير رسمية. وقد زاد مُعلِّمو الديانة استعمال التمثيل أيضاً في السنين الأخيرة وقد أُلِّفت عدة كتب في هذا الموضوع وتهيئ بعض الكنائس أدوات وموظفين مخصصين لهذا الأسلوب لأنه طريقة فعالة جداً للتعليم.

(1) معنى التمثيل ونطاقه

يعني التمثيل إعادة مشهد أو عمل وقد يكون مشهداً تاريخياً أو عصرياً. أي أن التمثيل هو السعي لتصوير المشهد بظروف مناسبة له كما حصل أولاً على أقرب شكل ممكن له. إذاً هو عمل تقليدي مكرر. لكن كلمة "تمثيل" تستعمل أيضاً لتقديم حقيقة جديدة إذ يمثل المعلم الحقيقة بصورة عملية. وقد يستعمل التمثيل لتقديم حوادث من الكتاب المقدس وأعمال تبشيرية ودروس أخلاقية وغيرها فإن كل تعليم يحتوي على شيء روائي.

ولأسلوب التمثيل في التعليم قيمة وفائدة لمن يشترك فيه ولمن يشاهده أيضاً. أما المشترك أي الممثل فعليه أن يدرس دوره ويضع نفسه في موضع الشخص الذي يمثله وهكذا يستخدم فكره وخياله وعواطفه وإرادته فيُثَار فيه الشعور مع الشخص الذي يمثله والاهتمام به وبغاياته. وبالإضافة إلى ذلك فإنه يتعلم بواسطة العمل، والعمل ذو فاعلية أكثر من المحاضرة أو التسميع في التعليم. وهكذا فإن التمثيل طريقة للتعليم. وكذلك المشاهد يتعلم بسهولة لا يتسنى له مثلها بواسطة المحاضرة أو التسميع. لأن التمثيل يقدم الحقيقة للعين وللأذن ويستخدم الملابس والألوان أيضاً وبذلك يوضح ويشدد على الحق بطريقة فعالة جداً يمكن جعلها مناسبة لجميع الأعمار إذ أن روح اللعب جذابة للجميع.

وهناك عدة طرق للتعليم بواسطة التمثيل. قد تقدّم تمثيلية رسمية بعد التصميم والاستعداد. أو قد تقدَّم بدون استعداد فيوزع المعلم الأدوار بعد دخوله إلى الصف. قد تقدم بواسطة الأشباح أو تشخيص الصور أو التمثيل الصامت. أو قد يستخدم المعلم الدُّمى أو ما يعوض عنها للتمثيل. ويمكن تمثيل قصة السامري الصالح مثلاً بفاعلية بواسطة الدمى. وقد يستعمل التمثيل في افتتاح مدرسة الأحد أو أثناء فترة الدرس. والمعلم نفسه يمكنه أن يقدم الدرس بطريقة تمثيلية كما اعتاد المبشر المشهور بيلي سندي أن يفعل في وعظه. وفي إمكانه أن يقدم التاريخ أو سيرة شخص أو خلاصة أعمال تبشيرية في بلدان أخرى أو حالات أخلاقية واجتماعية أو دروساً أخرى بواسطة هذا الأسلوب. وهكذا يرغب الطلاب في الدرس ويجذب انتباههم ويعلمهم معلومات ويعمّق اختباراتهم.

(2) تشديد يسوع عليه

ولم يكن السيد وحده قد استعمل أسلوب التمثيل إذ أن المعلمين من شعبه كانوا قد فعلوا ذلك سابقاً. كانت أعيادهم مناسبات تمثيلية فإن الشعب كان يمثل خلال الاحتفال بعيد الفصح ليلة الفصح الأول وإبقاء الأبكار في مصر. ومثلوا بواسطة عيد المظال سكنهم في الخيام أثناء السنين في البرية. وكانت الفرائض في خيمة الاجتماع والهيكل تمثيلية أيضاً لا سيما التي اختصت بتطهير العبدة واختيار الذبائح وذبحها وتقديمها. وكان لكل تفاصيل هذه الفرائض حتى للستارات وغيرها معان وأهمية. وكذلك كان الأنبياء يستخدمون التمثيل كما فعل أشعياء بمشيه في شوارع أورشليم حافياً لكي يُظهر للناس الفقر العتيد إن ياتي عليهم. وكما فعل أرميا بلبسه نيراً خشبياً تحذيراً من السبي المقبل عليهم. وكما فعل حزقيال ببنائه نموذج أورشليم ومحاصرتها عن طريق التمثيل.

لم يقدم يسوع تمثيليات رسمية لكنه استخدم المبدأ ولا سيما في تأسيس فريضتي المعمودية والعشاء الرباني فإنهما خليفة أعياد العهد القديم في العهد الجديد. وهما ليسا فريضتين فقط أو أمرين أو عملين اشتراكيين بل هما عمليتان تعليميتان تمثلان أهم الاختبارات والتعاليم في حياة المسيح. فإن العشاء الرباني يصور جسده المكسور ودمه المسفوك لأجل فداء البشرية ويصور اشتراكنا في فوائد هذا الاختبار حينما نقبله نحن. وتشير المعمودية إلى قيامة المسيح من الموت (وهي الآية التي وعد بها والتي برهنت عن كونه ابن الله) وإلى موتنا في الخطية وقيامتنا للسير في جدة الحياة (وهي أعظم اختبار بشري) وعلى قيامة الأموات الأخيرة (رجاء الحياة الأبدية). وهذه هي العقائد الأساسية الجوهرية في المسيحية. كما قال ج.ف لوف "بالصوت يكرز الناس للأذن وبالفريضتين يكرزون للعين".

وفهْم الفريضتين على هذا الضوء يرفعهما من مستوى الطقوس الفارغة الواطئ إلى مستوى عال هو مستوى أفعل الأساليب التعليمية المعروفة لدى الناس وهو عرض الحقيقة أمام الأعين بدلاً من القراءة أو التكلم عنها فقط. إن هذا يزيد قيمة الفريضتين القديمتين ويبرر موقف المعمدانيين تجاههما على مر العصور. فإننا لسنا من المتخلفين بل من أحدث المعلمين العصريين! وقد برر مثقفو القرن العشرين موقفنا. فبإمكان المشتركين أن يعتبروا إعلانهم الحقائق الأساسية في بشارة الحياة، بأفعل الطرق، شرفاً عظيماً لهم. وهذا الفهم أيضاً يمنع حساب العشاء وقت الشركة فقط كما أنه يمنع مطلقاً المباحثة المطولة في من يعتمد وكيف. وهو يقدم سبباً مقنعاً لفضِّ قبول معمودية أخرى لأن المعمودية التي تحصل في جو يمنع إعلان الحقيقة المقصودة منها قد حرمت من معناها.

من الأعمال التمثيلية التي اتّصفت بها خدمة يسوع إخراجه الصيارفة من الهيكل (متى 21: 12-16). لقد وجد اليهود يُسيئون استعمال امتياز بيع الحيوانات والطيور للذين لم يأتوا بذبائح فإنهم كانوا يربحون من ذلك عوضاً عن أن يقوموا به كخدمة فقط. فامسك سوطاً من حبال وأخرجهم من المكان وشتت المواشي وافلت الطيور وقلب موائدهم قائلاً "بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (ء13). وهكذا بين عن طريق التمثيل قداسة الهيكل والعبادة. "لم يُطهّر الهيكل أولاً لأجل الهيكل بل لكي يعلم الناس درساً آخر عن الخشوع أمام الرب".

ودخل السيد أورشليم بطريقة تمثيلية كملك منتصر، دخلها بين أغصان النخل وهتافات الشعب كما يرجع البطل المنتصر إلا أنه ركب حماراً لا مركبة وشيعه العباد لا العساكر وبيّن الملك الروحي لا السياسي (متى 21: 7-11). وكان هذا العمل بارزاً ومدهشاً ومؤثراً أكثر من كل عمل آخر في خدمته كلها. وهكذا استخدم يسوع أسلوب التمثيل بطرق مختلفة في تعليمه.

3-القصص

أما الأسلوب الذي اتصف به السيد في تعليمه فكان المثل أو القصة ولا شك في أن هذه الطريقة تبرز في خدمته أكثر من أية طريقة أخرى وتفعل ذلك لدرجة أننا نعتبر المثل ميزة تعليمه الرئيسية ونتذكر قصصه أكثر من أي تعليم آخر ولا شك في أنه كان أمهر قصصيّ عرفه العالم.

(1) أهمية القصص واستعمالها

تعني كلمة "مثل" في اللغة اليونانية "ما يلقى إلى جانب" شيء آخر فهو قصة من الحياة العادية تقدم لكي تضيء حقيقة غامضة أو هو صورة واضحة للحقيقة. ويعرف وليم سانداي المثال قائلاً "إنها مشاهد أو قصص مختصَرة من الطبيعة أو الحياة اليومية تقدم فكراً رئيسياً أو مبدأ قابلاً التطبيق على الحياة العليا الروحية". ويقول هورن "إن المثل هو مقابلة بين الحقائق المألوفة والحقائق الروحية وكأسلوب تعليمي لا يختلف المثل عن القصة مع أن بعض الأمثال مختصرة لدرجة أنها أكثر شبهاً بالمقابلة منها بالقصة وتدعى هذه "جرثومة المثل".

لهذا الأسلوب قيمة خاصة في التعليم فهو حسي ملموس ويثير الخيال وله نغمة طبيعية سهلة وهو جذاب وفعال. إنه أسلوب "لا يقترب منه أسلوب آخر من حيث جماله وكماله فيقف وحده بدون منافس في أساليب الكلام البشري". والذين يغضون النظر عن الحقائق والبراهين يستمعون إلى القصص وليس هذا فقط بل يتذكرونها ويتأثرون بها. والطلاب الذين يرفضون حضور سلسلة محاضرات يلقيها أستاذ مشهور يزدحمون حوله في وقت آخر لكي يسمعوا قصصه. وتؤثر القصص في الكبار والصغار على السواء فإن "الروايات تؤثر في التصرف أكثر من الكتب الأخلاقية" وقال أحدهم "دعوني أروي القصص فلا أهتم بمن يؤلف كتب الدرس".

قد تُستعمل القصة بثلاث طرق في التعليم: الأولى لجذب الانتباه وتستعمل الجرائد هذه الطريقة إذ تبتدئ مقالاتها بأروع جزء من قصتها ثم تتطرق إلى المعلومات المفصلة. وكذلك يستعملها الخطيب والمعلم. والثانية استعمال القصة كإيضاح يُضيء مبدأً أو حقيقةً معنوية قُدِّمت قبلها. ويستخدم الوعّاظ وغيرهم من الخطباء القصص كثيراً جداً في هذا السبيل ولا سيما في تطبيق الحق على الحياة. والطريقة الثالثة هي استخدام القصة لتقديم الدرس كله. وكان هذا فعل الأسطورة القديمة وهو مُستَعمل اليوم كثيراً بين الأولاد وله القيمة الزائدة لأن الطالب يستنتج الدرس لنفسه.

(2) أمثلة من تعليم يسوع

نجد لذة في النظر إلى استعمال يسوع الواسع للقصص أو الأمثال في تعليمه وقيل أن الأمثال كانت "قمة فنِّه". فإن الأمثلة تستوعب ربع كلماته المسجلة في إنجيل مرقس ونصف كلماته المسجلة في إنجيل لوقا فإذا حسبنا في عدد الأمثال كل استعارة وكل "جرثومة مثل" وكل إيضاح نجد حوالي مئة مثل في تعليمه. وهي مستوحاة عن الأشخاص والحيوانات والنباتات والأشياء غير الحية وقد جمع هورن واحداً وستين مثلاً، منها أربعة وثلاثون تختص بالأشخاص كالسامري الصالح، وأربعة بالحيوانات كالخروف الضال، وسبعة بالنبات كحبة الخردل، وستة عشر بالأشياء كالتربة. فلولا الأمثال في تعليم يسوع لم يكن هناك إلا مادة قليلة جداً ولم يكن هو معلماً فعالاً بقدر ما كان.

ومثالاً على استعماله القصة ليبدأ بها درساً مثل الزارع وأنواع التربة وتجاوبها مع البذار (متى 13: 1-9). فإنه يصور رجلاً يزرع بذاراً فوقع بعضه على الطريق الصلبة التي لا يخرقها شيء فأكلته الطيور. ووقع آخر بين الحجارة حيث لم يكن عمق أرض فنبت بسرعة إنما لم يكوِّن الجذور الضرورية لبقائه. ووقع آخر بين الشوك فخنقه الشوك الكثيف. ووقع آخر على تربة جيدة فنما ونبت وأثمر البعض ثلاثين والبعض ستين وآخر مئة ضعف. فلم يحتج المعلم بعد هذه القصة إلا أن يلقي أهمية على السماع.

واستجابة لطلب تلاميذه منه فسَّر تعاليمه المؤسّسة على المثل. وكان الطريق يرمز إلى السامع الغير منتبه الذي طفر الحق عنه كما يطفر البرَد عن السطح. وصورت التربة المتحجرة الشخص السطحي أو العاطفي الذي يقبل التعليم ويلبي الدعوة بسرعة إنما بدون عمق الاعتقاد فيرجع عنه عندما يواجه الصعوبات. أما التربة التي فيها الشوك فتشير إلى الذي يسمح للعمل أو اللهو أن يحول دون إثماره. وترمز التربة الجيدة إلى الذين يسمعونه ويقبلون التعليم بكل قلوبهم ويعملون به. فلم يستطع أحد أن ينسى القصة أو معناها.

ومثالاً على استعماله القصة كإيضاح لحقيقة ذُكرت قبلها مثل السامري الصالح (لوقا 10: 25-37). سأله محام مكايد قائلاً ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ ثم أجاب على سؤاله باقتباسه الوصيتين عن محبة الله بكل القلب والفكر والقوة والنفس وعن محبة القريب كالنفس. ثم سأله سؤالاً آخر ليبرر نفسه وهو "فمن هو قريبي؟" (ء29). فلم يقدم له يسوع نظرية مفصلة أو حجة إقناع بل وضح له الحقيقة بواسطة قصة رجل نازل من أورشليم إلى أريحا ضرب وسرق وترك بين الحياة والموت. وبعد مرور كاهن ثم لاوي مقابله دون أن يهتما به (وكان من واجب الاثنين بما تقتضيه مهنتهما أن يهتما به) أتى السامري (الذي كان بإمكانه أن يتمنع عن مساعدته بعذر الجنسية) فأنجده وضمّد جروحه وأخذه إلى خان وأنفق عليه ما كلفه من عناية وعلاج. ثم سأل المخلص بحذاقة "أي هؤلاء الثلاثة...صار قريباً له" (ء36) (عوضاً عن أن يسال قريب من منهم كان الجريح؟). فلم يقدر المحامي إلا أن يجيب قائلاً "الذي ساعده". فكان المثل حجة لا تدحض أفحمت المحامي لعدم محبة القريب.

أما المثال عن تقديم الدرس كله بواسطة القصة فخير مثال هو في الأصحاح الخامس عشر من لوقا. حينما ادّعى الفريسيون والكتبة بأن يسوع كان يعاشر العشارين والخطاة فلم يجبهم بالحجج أو الانتقاد بل أجابهم بثلاث قصص- "الدرهم المفقود" "الخروف الضال" "والابن الضال" وفي كل منها فقد شيء ثمين فسبّب فقده القلق والحزن. وكذلك كان العشارون والخطاة ذوي قيمة وضالين وكان يجب أن يحزن لهم الكتبة والفريسيون ويهتموا بهم. فكونت القصص الثلاث صورة جميلة عن فرح الله بالخاطئ التائب خلافاً لموقف الاحتقار الذي اتصف به قواد الدين أولئك. فلم يكن هناك ما يدعو إلى شرح أو مجادلة أكثر إذ أن فن السيد قد رفع الحقيقة الإلهية كمرآة أمام أولئك المنتقدين الغير الشفوقين فكشف عن موقفهم الخاطئ.

كان يسوع بالفعل يتقن استعمال الأشياء المنظورة وأسلوب التمثيل والأمثال في تعليمه. وكان استعماله لهذه الأساليب فضلاً عن شخصيته العجيبة، يجذب إليه الجماهير ويجعل تعاليمه تذكر وتكرر خلال القرون. فيحسن بنا أن ندرس طرقاً ووسائل لاستعمالها في تعليمنا أيضاً. فلن يستغنى عن المساعدات المنظورة والتمثيلية والإيضاحية.

 

مساعدات للتعليم

التبويب على اللوح

 

إن بعض أساليب يسوع في التعليم هي:

1-الأشياء المنظورة.

(1) طبيعتها وقيمة استعمالها.

(2) استعمال يسوع لهذه الأشياء.

2-التمثيل.

(1) معناه ونطاقه.

(2) تشديد يسوع عليه.

3-القصص.

(1) أهميتها واستعمالها.

(2) أمثلة من تعليم يسوع.

 

مواضيع للبحث

 

1-ما هو الخطر من استعمال الأشياء المنظورة؟

2-اذكر أبرز درس من دروس يسوع بواسطة الأشياء المنظورة؟

3-ميز بين التمثيل واستعمال الأشياء الملموسة.

4-اشرح قيمة المعمودية كطريق للتعليم.

5-ما هو معنى كلمة "مثل" ؟

6-أية قصة تحسبها العظمى من قصص يسوع؟ لماذا؟

 

أسئلة للمراجعة والامتحان

 

1-اعطِ أمثلة عن استعمال السيد للأشياء المنظورة.

2-ما هي قيمة الأسلوب التمثيلي؟

3-بين الطرق الثلاث لاستعماله القصص في التعليم.

  • عدد الزيارات: 14357