Skip to main content

الفصل الخامس: استعمال يسوع مواده

من أكثر المراحل في درسنا لذة وإنارة مرحلة درس كيفية استعمال يسوع للمواد في التعليم. وقد يساعدنا كثيراً أن نكتشف اقتراحات على ما نستعمله نحن في تلك المواد التي استخدمها هو. لأن المواد التي استعملها يسوع كانت مختلفة، ومن مصادر وأنواع عديدة، وقد استخدمها لغايات مختلفة. ولم يتقيد بمادة واحدة أو نوع واحد منها ولم يتّكل عليها إنجاح تعليمه بل كان يُدخِلها إلى نفسه حيث يحلها إلى أداة حق بواسطة روحه الخالقة.

1-مصادر مواده

هناك عدة مصادر استمد السيد مواد تعليمه منها وكان قد ألف هذه المصادر في درسه واختباراته فاستخدمها عند الحاجة. يقضي المجال هنا بالاختصار والذكر العام فقط لأن درس هذا الموضوع بالتدقيق يستلزم مجلداً كاملاً.

(1) الكتاب المقدس

لا يخفى أن يسوع استعمل العهد القديم كثيراً. يقول أحد الأساتذة أنه اقتبس منه مباشرة ثمانياً وثلاثين مرة ولمح إلى حادثة فيه أربع مرات واستعمل كلمات موازية لبعض كلماته خمسين مرة. واقتبس من واحد وعشرين سفراً من أسفاره ولا سيما من المزامير ومن سفر التثنية. وكانت أفكاره مشبَعة بروح العهد القديم وكان يعبّر عنها أيضاً بلغة العهد القديم.

كان يقتبس أحياناً مباشرة من العهد القديم كما في قوله "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله". (متى 4: 4وتثنية 8: 3) وهناك مقاطع عديدة مثل هذا. يشير أحدهم، وهو لا يحاول أن يذكر الكل، إلى ثلاثة وثلاثين اقتباساً منها اقتباسات كثيرة كانت تتنبأ مباشرة عن يسوع فأعطت تأثيراً مزدوجاً إذ كان لها مساندة العهد القديم وسلطة السيد نفسه.

وفي مناسبات أخرى ألقى تصريحات لم تختلف عن تصريحات العهد القديم اختلافاً يُذكر إنما لم يقل أنها مقتَبَسة. والمثال على ذلك متى 5: 5 حيث قال "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض" ونقرأ في مزمور 37: 11 "أما الودعاء فيرثون الأرض". فهنا أربعون مقطعاً موازياً نظير هذا في أقواله فالظاهر أنه كان قد استوعبها فأعطى جوهرها.

وكان في بعض الأحوال يلمِّح إلى الكتاب المقدس دون أن يقتبس كلماته. فعل هذا مراراً كما نرى في قوله "ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة أكثر احتمالاً" مما لمعاصريه (متى 10: 15). وكما نرى في ذكره امرأة لوط التي التفتت إلى الوراء (لوقا 17: 32) عندما أنذر أتباعه عن العمل ذاته. فكان التلميح إلى الكتاب فعالاً بقدر ما كان الاقتباس المباشر.

وأشار إلى يبعض المراجع التي لم نتأكد من موضعها الآن كقوله "لأن هذه أيام انتقام ليتم كل ما هو مكتوب" (لوقا 21: 22) فعلى ما يظهر كان يرى في الكتاب المقدس أكثر مما نرى نحن. وكان مطّلعاً على كتب دينية غير الكتاب المقدس أيضاً إذ نجد أقوالاً كهذا: "اغفر لجارك ذنبه إليك تغفر لك خطاياك أيضاً لما تصلي" (سفر يشوع بن سيراخ 28: 2 الأبوكريفا. انظر متى 6: 12و14).

ويحسن بمعلمي أيامنا أن يستفيدوا من مثل يسوع فيعوِّدوا أنفسهم على تاريخ الكتاب المقدس وتعليمه وكلماته ويستعملوا هذه المواد باستمرار. فإن الكتاب المقدس هو كلمة الله ويؤمن الناس به ويحبون سماعه فلا يكون لأية مادة أخرى التأثير ذاته. فاستعماله يتطلب الدرس الدقيق والتمعن وإتقان معرفة الكتاب كله لا الأجزاء التي تدرس في المدارس الأحدية فقط إذ أن الدرس والتعليم قطعة قطعة منفردة هما من أعظم ضعفاتنا.

(2) العالم الطبيعي

يظهر من تعليم يسوع أنه كان رقيباً ثاقب النظر في قوات الطبيعة وكان يستعمل ما تعلمه منها كثيراً في تعليمه. فإنه أظهر علمه في كل ناحية من الطبيعة الأمر الذي ساعده في التعليم. كما قال ولسون "كانت كلماته المألوفة مشبعة وموسومة بجمال الأرض حوله والسماء فوق رأسه" فإنه عاش قريباً من الطبيعة واستمد كثيراً منها في سني خدمته.

شاهد في السماء فوقه الريح تهب حيث تشاء والشمس المشرقة على الأشرار والصالحين والمطر المنهمر على الأبرار والظالمين والعاصفة تصدم البيوت. وفي مملكة النبات لاحظ العلاقة الحيوية بين الكرمة والأغصان ومأساة شجرة التين التي لم تعط ثمراً ونمو القمح. وفي مملكة الطيور رأى الحمامة الوديعة، والغربان تطلب قوتاً، والعصفور يسقط على الأرض، والنسور تحوم فوق الجثة. ولاحظ بين الحيوانات الأفعى السامة، والثور في الحفرة، والثعلب يصطاد فريسته، والكلب يلحس القروح. فانطبعت هذه كلها في دماغه وأصبحت جزءاً منه فكانت تحت إمرته حين علم.

وأدْخَل هذه الأمور بصورة خاصة إلى أمثاله فهناك أربعة أمثال تختص بالحيوانات-الغنم والماعز والكلاب والنسور-وسبعة بالنبتات فيما بينها الخمير والزوان والتينة والخردل، وستة عشر تختص بأمور كالنور والتربة والشبكة والكنز المخفي. واستعمل إيضاحات أخرى كثيرة من هذه المصادر مما جعل تعليمه لذيذاً وحيوياً. ويزداد تعليم أي معلم فاعلية إذا استعمل إيضاحات مستمدة من الطبيعة، معروفة لدى السامعين، ومنتخبة بحكمة. فإنه يصعب علينا أن نتصور ما كان يسوع قد استعمله لولا هذه المادة ويصعب علينا أيضاً أن نستغني عنها نحن لا سيما في تعليم الأولاد وغيرهم من الذين يعيشون قريبين من الطبيعة. لأن الإيضاحات من الطبيعة والحياة اليومية تجذب انتباه الجماهير وهي سهلة التذكر وتؤثر تأثيراً يبقى في السامعين.

(3) الحوادث العصرية

ولم يُغفِل المعلم العظيم الوضع الراهن في حياة معاصريه فاعتاد رؤية الكيل وجرة الماء وزقاق الخمر وإيقاد السراج ورقع الثياب وطحن القمح على الرحى وعلِم بفلس الأرملة والخصام بين الأخوة ولعب الأولاد. ومع أنه لم يستمد مواد تعليمه من تاريخ عالمي أو من فلسفة أو شعر كان يستعمل إلى درجة ملموسة حوادث أيامه ولم يفوت فرصة بل كان يغتنم فيها كل مناسبة ويستخدمها كعبرة. "وجد في الحوادث العادية في الحياة اليومية ما يعلم عن أعمق الحقائق وأكثرها تشجيعاً لقلب البشر". وجد درساً في جمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها وفي عجن السيدة العجين وزرع الزارع البذار وتنقية الكرام أغصان الكرمة وجمع الصياد السمك في الشبكة وبناء البيت ورقع الثوب العتيق برقعة جديدة واستعداد الملك للحرب.فلم يسْهَ عن شيء بل كان يحول الكل إلى الإفادة في تعليمه. "تكلم بسلطان وهو سلطان الاختبار وليس كالكتبة الذين اعتمدوا على كتابات غيرهم".

وهناك أمثال عديدة على اغتنامه المناسبات. فلما دخل الهيكل ووجد الباعة يدنسونه لم يعلم بطردهم منه درساً فقط بل استعمل الفرصة ليعلم قداسة بيت الله. ولما اتهم الفريسيون تلاميذه بكسر السبت بفركهم القمح وهم مارون في حقل اغتنم الفرصة ليقدم درساًَ عن الغاية من السبت كانوا بحاجة ماسة إليه. ولما انتقده الفريسيون على مجالسته العشارين والخطاة روى لهم أمثالاً مادية توجب البحث الجدي عن الدرهم المفقود والخروف الضال والابن الضال مشيراً إلى الموقف المطلوب تجاه المحتاجين إلى الخلاص.

واستخدم حوادث من خارج دائرة حياة أصدقائه فأظهر المعرفة عن حوادث العالم حوله. فلما كان يشير إلى ضرورة التوبة ذكر الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم وسقوط البرج في سلوام قاتلاً ثمانية عشر شخصاً. وفي كل حادثة قال أن هؤلاء لم يكونوا خطاة أكثر من سكان أورشليم الذين سيهلكون جميعاً إن لم يتوبوا (لوقا 13: 1-5). وكان يراقب أعمال هيرودس إذ سماه "هذا الثعلب" وكان استعمال الاختبارات الحديثة يجعل تعليمه لذيذاً وفعالاً ومتأصلاً في صميم الحياة.

فنرى من هذه كلها أن منهاج التعليم لا ينحصر في كتاب الدرس والفروض فقط بل يجب أن يشتمل أيضاً على مواد أخرى فإن المعلم الحاذق في الاختراع يستمد من مصادر عديدة ما يخصب تعليمه. وكلما اتسع اطلاعه على الحوادث العصرية وكتب سيَر العظماء وكلما أكثر من مطالعة كتب التاريخ والقصص استطاع أن يجعل الحقائق التي يعلمها جذابة وواضحة ومقنعة.

2-القوالب التي قدم مواده فيها

إن درس القوالب التي سبك يسوع فيها مواد تعليمه لدرس لذيذ ومفيد فإنها جعلت ما قاله مؤثراً وزادت أفكاره طيبة وتأثيراً. ويدهشنا تنوع وجمال القوالب التي استخدمها. وكان يقدمها مباشرة وبصراحة فجعل الحق واضحاً ومتيناً.

(1) العبارات الحسية

كان يسوع يشدد على المثل والمبادئ ومع ذلك كان يعلم بواسطة الأمور الظاهرة الملموسة فلم يكن يلتجئ إلى الفلسفة أو النظريات أو العبارات الخيالية. ولم يكن أسلوبه أسلوب المنطق أو التحليل بل عالج مواضيعه بأسلوب وصفي مما جعل تعليمه مؤثراً. ولما كان يقدم حقيقة جديدة كان يبتدئ بالأمور القريبة منه ومنها يتطرق إلى الاستنتاجات ومع أنه قدَّم لسامعيه أفكاراً ومبادئ عامة فإنه بدأ تعليمه بالمدرَكات والأمثال المعينة عادة بموجب قانون إضافة شيء جديد إلى المعلومات السابقة فكان يتقدم من المعلوم إلى المجهول ومن الحسي إلى المعنوي ومن الأمور المادية إلى الفكرية كما يتضح لنا من استعماله للأمثال. فكان يستنتج المبادئ العامة من القضايا المعينة أكثر مما يستنتج الأمور الخاصة من العامة. وهكذا كان يبتدئ عند درجة مفهومية الناس ويقودهم صعداً إلى الفهم الأوسع ومعرفة الجديد وهذا أسلوب مستحسن في كل تعليم يُرَاد منه تقدم السامعين جميعهم.

أشار في التعليم على الجبل إلى النور واليد والباب والطريق والعنب والتين والصخور والرمل وعلى أمور منظورة أخرى. واستخدم الطيور ليعلم الاتكال على الله والولد ليبين التواضع والدينار ليعلم المسؤولية تجاه الحكومة والثور في الحفرة ليظهر ضرورة المساعدة والتينة ليشدد على عدم الثمر في الحياة وكأس ماء بارد ليعلم الخدمة. فأية عبارة توضح معنى العمل الشخصي أكثر من "صيد الناس" أو صفات الأنبياء الكذبة أكثر من "ذئاب بثياب الحملان" أو حقيقة المسيحيين أكثر من "ملح الأرض" و"نور العالم". وحتى عجائبه كانت تبين بصورة ملموسة الحقائق الروحية.

ويقتفي أحسن المعلمين خطواته في استعمال الأمور الحسية لتجعل الحق واضحاً ومؤثراً إن لم يكن لتقديم الدرس بهذا الأسلوب. لأن الأمور الحسية تجذب الانتباه وتحفظه وهي سهلة التذكر. فيحسن بنا أن نقضي وقتاً في إيجاد إيضاحات مناسبة لتعليمنا.

(2) العبارات المأثورة

مما يجذب النظر في خطب يسوع التعليمية الرسمية كالتعليم على الجبل العبارات المأثورة المختَصَرة التي تشبه الأمثال فهي تجذب انتباه السامعين وتشتمل على الحقيقة وتبقى في الذاكرة فهي خلاصات الاختبارات الخالدة الحكمة العملية" وكان معلمو الناموس يلخصون تعاليمهم في أقوال كـ"حياة التقوى خير من النسب العريق" و"كالأم هكذا تكون البنت" و"من جعل نصيبه أفراح العالم خسر أفراح الآخرة" وكانت أقوال كهذه تصيب الهدف "بتنشيط انتباه الغافل وتهييج خيال الركيك".

ومن هذه الناحية كان كلامه أشبه بكلام الحكماء منه بكلام الأنبياء أو الشعراء فقال عميد واستمنستر "إن بحثنا في العهد القديم عن النماذج التي بنى الرب عليها كلامه نجدها غالباً لا في المزامير ولا في أسفار الأنبياء ولا في أسفار المؤرخين بل في كتب سليمان" فكانت الأمثال دارجة في الشرق وكثرت في الجو الذي تربى فيه يسوع.

وأمثال العبارات المأثورة التي تكثر في تعليم السيد أقوال كهذه: "بالكيل الذي به تكيلون يُكَال لكم" (مرقس 4: 24). و "إن واحداً يزرع وآخر يحصد" (يوحنا 4: 37) و "وحيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً" (متى 6: 21). وهناك ما سماه البعض "جرثومة المثل" كهذا: "حيثما تكن الجثة فهناك تجمع النسور" (متى 24: 28) وقول آخر بديهي "من ليس معي فهو علي" (متى 12: 30).

لسنا متأكدين من معرفة ما إذا كان الرب قد درس هذه القوال وأعدها أم أنه ذكرها ارتجالاً إنما نحن متأكدون من تأثيرها وقد رأينا تأثير الرجال الذين يستعملون أمثالها في عصرنا. فإذا كنا عاجزين عن الإتيان بمثلها فإنه بإمكاننا أن نجمعها من الآخرين.

(3) الكلام المجازي

استعمل يسوع أكثر من عبارات حسية وأقوال مأثورة في تعليمه فإنه استعمل الأمثال أيضاً والتعابير المجازية فزاد الحق وضوحاً وتأثيراً لأن المثل يؤثر على السامع بحد ذاته ويضيف شيئاً له روعته على المعنى المقصود منه. فلما استعمل يسوع التعابير المجازية كان عمله هذا مجازفة لئلا يُساء فهمها لكنه حسب أن قيمة استعمالها توازي خطر سوء الفهم وقد لا يستطيع المعلم العادي استعمال هذا النوع من الكلام لكن متى استطاع ذلك يزيد تعليمه قيمة لأن الكلمة المجازية "تفاح من ذهب مصوغ من فضة" (أمثال 25: 11).

واضح أن يسوع استعمل الأمثال أكثر من أي نوع آخر من الكلام المجازي لكنه استخدم غيرها أيضاً. فكثيراً ما استعمل التشبيه: "كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا!"(متى 23: 37) وهناك الاستعارة أو المقابلة المطولة في تعليمه كما في قوله "أنا هو الكرمة الحقيقية وأنتم الأغصان" (يوحنا 15: 1- 10). والتصريح بالتعجب يظهر كما في التطويبات: "يا لطوبى الأنقياء القلب فإنهم يعاينون الله!" (متى 5: 8). واستعمل المبالغة كقوله عن مرور جمل من ثقب إبرة (متى 19: 24).

وكثيراً ما استعمل المقابلة: " لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض... بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء" (متى 6: 19- 20). واستعمل بحذاقة التناقض الظاهري: "من أراد أن يخلص نفسه يهلكها" (متى 16: 25). ويلاحظ أحد الأساتذة استعماله أوزان الشعر العبراني إذ يظهر الوزن والموازاة والقافية. فإن إتقان الكلام المجازي على أنواعه واستعماله يكونان مساعداً قيماً للعلم.

3- غايته من تقديم المواد

كيف استعمل يسوع المواد التي قد بحثنا فيها? هل كانت هي بذاتها محتويات تعليمه أم كانت أدوات فقط? إن هذا السؤال حيوي اليوم في الدوائر التقليدية فلننظر إلى السيد للاستنارة بهذا الخصوص. وقد أصال من قال "واجه يسوع التعليم لا بكلمة من المواد التي كان عليه أن ينقلها إلى الطلاب بترتيب معين بل بإدراكه أن أمامه أشخاصاً أحياء عاملين محتاجين فعليه أن يساعدهم في مواجهة ظروفهم وأحوالهم الواقعية".

(1) البداية

كان يبتدئ أحياناً بقول من الكتاب المقدس ثم يشرحه كما فعل في التعليم على الجبل إذ ذكر أقوال موسى عن القتل والزناء والحلف والنقمة والبغض وغيرها ثم توسع في تفسيرها و"تتميمها" (متى 5: 21- 48). فبين مثلاً أن القتل يشتمل على ما هو كامن في القلب وليس فقط العمل العلني وكذلك بين أن الزناء يشتمل على نظرة الشهوة وليس على الفعل فقط. فإنه مع احترامه اللائق للناموس والأنبياء تجاوزهما وأعطى المعنى الداخلي العميق.

ويحسن بنا-على ضوء احترام طلابنا للكتاب المقدس- أن نبدأ تعليمنا بأقوال منه لكي نجذب انتباههم ونرغبهم في الدرس ومن ثم ننتقل إلى تطبيقها على مشاكل الحياة العملية. وقد يعادل تأثير هذا الأسلوب الذي يبدأ بالمشكلة ومن ثم ينتقل إلى الكتاب المقدس.

واستعمل يسوع لبدء تعليمه لا أقوالاً من الكتاب المقدس فقط بل اختبارات السامعين أيضاً. لقد لاحظنا بهذا الصدد استخدامه طلب أحدهم إليه أن يقسم الإرث بينه وبين أخيه ليبدأ درساً عن الطمع، واستخدامه تمرمر البعض عن معاشرته للعشارين والخطأة ليبدأ درساً عن محبة الله للضالين، واستخدامه الشكوى بفرك القمح في السبت ليقدم درساً عن معنى السبت الحقيقي.

وكذلك استعمل شفاء المفلوج الذي أنزله أصدقاؤه من السطح ليشير إلى سلطانه على غفران الخطايات. واغتنم فرصة السؤال عن مجالسته للعشارين ليظهر أن الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب بل المرضى. وهذه القضايا تكوِّن جزءاً صغيراً من الأمثلة التي تبين أن يسوع كان يغتنم المناسبات ليبدأ في تعليم الحقيقة. فمن أوضح تعاليمه وأبرزها التعاليم التي نتجت عن مناسبات حيوية وكثيراً ما ستكون الحالة هكذا معنا نحن أيضاً.

وتوضح لنا هذه الأمثلة أن المعلم الحاذق يستخدم مواده كوسيلة للتعليم وليس كغاية. وأن التقيد بحاجات الطلاب خير من التقيد بالدرس المطبوع. لأن الأشخاص أهم من المواد في التعليم. وليس هناك طريقة تستوجب بدء الدرس بها دائماً دون استثناء لذلك علينا أن نستخدم البداية التي توافق الدرس والظروف. وقد تستعمل الطبيعة كما فعل يسوع في أمثال التربة والزوان والخردل والخميرة والكنز المخفي واللؤلؤة التي استغل ذكرها لشرح جوهر ملكوت السماء (متى 13).

(2) التوضيح

وكثيراً ما استخدم يسوع مواداً من الكتاب المقدس ومن مصادر أخرى لتوضيح قول صدر عنه قبلاً وليلقي عليه نوراً. فإن المقصود من الإيضاح هو الإنارة. فيسوع ألقى على الحقائق الغامضة نور الوحي ونور الحوادث العصرية لكي يفهم تلاميذه الحقائق. وهذا ما جعل تعليمه بارزاً وجلياً خلال العصور. وهو غاية استعماله الأمثال فأخذ من العالم الطبيعي حادثة حقيقية أو خيالية تلقي أضواء على حقيقة خلقية أو روحية.

وفي جداله مع اليهود عن السبت أشار إلى ما فعل داوود كي يوضح الحقيقة وهي أن الإنسان أهم من المؤسسات والقوانين فقال "دخل بيت الله وأكل خبز التقدمة الذي لم يحل أكله له ولا للذين معه بل للكهنة فقط" (متى 12: 4). وفي المناسبة ذاتها ولأجل زيادة النور على موضوعه قال "أما قرأتم في التوراة أن الكهنة في السبت في الهيكل يدنسون السبت وهم أبرياء؟" (متى 12: 5). ولما وقف في المجمع ليعلن قصد خدمته اقتبس من نبوة أشعياء ليضيء ذلك. واستخدم الحوادث العصرية للغاية ذاتها كما فعل في ذكره الثمانية عشر شخصاً الذين قُتِلوا عند سقوط برج سلوام وذكرهم لِيُشِير إلى ضرورة التوبة. وكذلك ذكر الطبيعة للإيضاح.

فإن الإيضاح المناسب يساعد كثيراً في التعليم وله قيمة عظيمة في جميع الثقافات. لأن السامع يتذكر القصة الجيدة عادة أكثر جداً مما يتذكر تصريحاً عن الحقيقة أو مجموعة من الإحصاءات أو مجادلة. لأن الإيضاح المناسب يوصل الرسالة إلى قلب السامع. وإذا كان الإيضاح من الكتاب المقدس كان أقوى وأكثر تأثيراً لمعرفة السامعين به واحترامهم له. فليس هناك مصدر للإيضاحات أغنى من العهد القديم والعهد الجديد. فيجدر بكل معلم أن يستوعب منهما كثيراً من الإيضاحات وأيضاً من التاريخ وسيَر العظماء والروايات والطبيعة والحوادث العصرية.

(3) التقوية

استخدم السيد الكتاب المقدس ليقدِّم به درساً وليوضح الدرس واستخدمه أيضاً ليشدد على ما قد علَّمه. وفي هذه المناسبات كان يستعمله كمرجع أكثر منه مادة درس. كما أن الخطيب أو العالم يقتبس من مراجع مختلفة في خطابه أو كتابته هكذا اقتبس يسوع من الكتاب المقدس في تعليمه. ومن الطبيعي أن تقوي شهادات أناس آخرين التعليم لاسيما إذا كانوا أناساً معترفاً بهم كثقات. ونعيد القول بأن الكتاب المقدس هو خير مصدر للأقوال التي تقوِّي الدرس وتشدد عليه، ذلك لاحترام الناس له.

ومن أمثلة استعماله المواد لتقوية الدرس اقتباسه من أشعياء حينما ساق الباعة من الهيكل قائلاً "مكتوب بيتي بيت الصلاة يُدعَى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (متى 21: 13). وفي ختام مثل الكرم والكرامين قال "أما قرأتم هذا المكتوب. الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية" (مرقس 12: 10(. ولما أراد أن يعلمهم أن مجيئه لا يأتي بالسلام فقط بل يفرق بين أعضاء العائلة اقتبس من نبوة ميخا قائلاً "وأعداء الإنسان أهل بيته" (متى 10: 36 وميخا 7: 6). ولما دعا العطاش إليه قال "من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي" (يوحنا 7: 38). وفي هذا السبيل أيضاً شرح السيد للتلميذين في طريق عمواس أقوال الكتاب المقدس عن نفسه. وهناك أمثلة أخرى عديدة لاستعماله الكتاب المقدس ليقوي تعليمه.

وتجاوز يسوع هذا واستخدم الكتاب المقدس أحياناً كسلطة نهائية كما يرفع المحامي قضيته إلى محكمة عليا أو يُسندها إلى تقرير محكمة أو إلى دستور. لأن الكتاب المقدس لم يُعتَبر قابلاً لعدة اجتهادات بل كان متأصلاً في الحق فتكلم بالسلطان النهائي. مثال على ذلك أنه أَسْكَت منتقديه بسؤاله عن داود الذي دعا المسيح "ربي" فكيف يكون ابنه ؟ (متى22: 41- 45).

ولما جربه الشيطان طالباً أن يرمي بنفسه من جناح الهيكل متكلاً على الرب أجابه قائلاً "مكتوب أيضاً أن لا تجرب الرب إلهك" (متى 4: 7 وتثنية 6: 16). ولما طلب منه أن يسجد له قال "مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" (متى 4: 10). كذلك أشار إلى الناموس كسلطة نهائية في بحثه مع الفريسيين عن الطلاق (متى 19: 3-6 وتكوين 1: 27و2: 23-24). فلا شيء يقوي تعاليمنا أكثر من المرجع إلى "الشريعة والشهادة".

 

مساعدات للتعليم

التبويب على اللوح

 

1-مصادر مواده.

(1) الكتاب المقدس.

(2) العالم الطبيعي.

(3) الحوادث العصرية.

2-القوالب التي قدم مواده فيها.

(1) العبارات الحسية.

(2) العبارات المأثورة.

(3) الكلام المجازي.

3-غايته من تقديم المواد.

(1) البداية.

(2) التوضيح.

(3) التقوية.

 

مواضيع البحث

 

1-كيف استوعب يسوع معرفته عن الكتاب المقدس؟

2-أي أسلوب أحسن-أن يبدأ بالكتاب المقدس أو أن يختم به؟

3-كيف نستخدم الكتاب المقدس بأكثر تأثير وفاعلية؟

4-ما الذي يجعل للحوادث العصرية قيمة عظيمة في التعليم؟

5-اذكر طرقاً أخرى لاستعمال الموارد في التعليم.

6-اعط أمثلة عن الكلام المجازي.

 

أسئلة للمراجعة والامتحان

 

1-اذكر ثلاثة مصادر لمواد السيد.

2-اذكر واعط أمثلة للقوالب التي قدم يسوع مواده فيها.

3-اشرح ثلاثة طرق استخدم بها يسوع المواد.

  • عدد الزيارات: 4638