الفصل الثاني: صفات تلاميذ يسوع
إذا ظن أحد أن الذين علّمهم يسوع ومنهم الاثنا عشر كانوا أشخاصاً مثاليّين فهو على ضلال. وقد نميل إلى هذا الخطأ لكونهم أشخاص الكتاب المقدّس ولكونهم بعيدين عنّا الآن. لكنهم كانوا بشراً وقد اتَّصَفوا بما في البشر من قصور وضعف، والبشرية آنذاك لم تكن تختلف عما هي عليه الآن إذ رغم التغييرات التي تحصل في الظروف المحيطة فإن الطبيعة البشرية تبقى كما هي.
ويصحُّ هذا القول على جميع العصور والبيئات وأحوال الثّقافة والمدنيّة. وقد عبّر"ول روجرس" عن دوام الضّعف في الإنسان بتعليقه على مؤتمر دوليّ للسّلام في أوربّا قائلاً "لا تزال هناك مشكلة صغيرة يجب أن يحلّوها وهي مشكلة الطّبيعة البشريّة."
إنّ هذه هي المشكلة الدّائمة الوجود. فإذا نظرنا إلى الّذين علّمهم يسوع وعرفنا ضعفهم نضيف إلى معرفتنا شيئاً ونعثر على بعض الاقتراحات لمعالجة طلّابنا وقد نتشجّع في خدمتنا التّعليمية. يقسم الذين علمهم يسوع إلى الأقليّة المقرّبة منه، وجماعة أتباعه كلّهم، والجمهور الكبير المؤلّف من منتقديه ومن الّذين لم يهتمّوا كثيراً به أو بتعليمه.
1- كان طلابه غير كاملي النّمو شخصياً:
كان هؤلاء الذين عاملهم يسوع لا يزالون بعيدين جداً عن حدّ الكمال في بدء عمله معهم وبقوا كذلك إلى انتهاء مدّة تعليمه إيّاهم. كانت فيهم فقط جرثومة الشّخصية الكاملة وكانوا في الطّور الابتدائي من القداسة. فاحتاجوا إلى الكثير منها وإلى الصّبر العظيم من لَدُن معلّمهم قبل أن أصبحوا مسيحيّين بالغين وقبل ذلك خاب أمله فيهم كثيراً وفشلوا هم مراراً وتكراراً. فإنه لم يكن بمقدرة أحد غير يسوع أن يتّخذهم تلاميذ له وينمّيهم كما فعل هو لأن ذلك يتطلّب بعد نظر، ومحبّة وصبراً غير محدودين، ومثابرة ونشاط دائمين.
فلا نحتاج إلى التمعُّن في أمرهم لكي نرى ضعفهم وعدم كمالهم. فهذا يوحنّا الذي كان عتيداً أن يصير التّلميذ المحبوب لم يقدر أن يكبح حدّة طباعه وفشل فشلاً تامّاً في إظهار محبّة يسوع للسامريّين الذين أظهروا الجفاء وقلّة الأدب. وكذلك سمعان الذي كان عتيداً أن يُسمَّى "بطرس" أي "صخرة" أعوَزه الطّبع الهادئ الرّاسخ المتضمّن في اسمه لمّا وعد يسوع بأنه يبقى معه حتى ولو تركه الجميع غير أنه بعد بضع ساعات فقط أنكره ثلاث مرات مؤكداً إنكاره بالحلف.
وتصلّب توما في رأيه ولم يصدّق قيامة المسيح من الموت إلى درجة استلزمت لإقناعه جهد السّيد الخاص. وأمّا يهوذا الاسخريوطي فبعد معاشرته للمسيح وسماع تعليمه لمدة طويلة لم ينمُ إلى درجة تُمكِّنه من رفض التجربة وتسليم معلّمه لأجل ربح مادّي قليل. فلما ابتدأ يسوع يعلّم تلاميذه كانوا جميعاً قد توقّفوا عن نموِّهم الرّوحي أو ارتدوا إلى الوراء.
انتخب يسوع هذه الجماعة من الأشخاص المتأخرين غير الكاملين والذين كان تحسّنهم يبدو بعيد الحصول فنمّاهم حتى أصبحوا جماعة من الأشخاص البالغين المتّزنين والذين باركوا العالم كلّه فهذا العمل هو عجيبة في فنّ التّعليم والتّدريب لم يبلغها معلّم آخر في كلّ العصور وكانت سبب التّشجيع والتّقوية للمعلّمين المسيحيين منذ ذلك الوقت. حقاً لا يعرف أحد الإمكانيات في شخصية صبي أو بنت وما قد يظهر منهما في المستقبل لسبب التعليم الجيد. اعتاد معلم من "جمعية أخوة الحياة المشتركة" أن يرفع قبعته تحية لتلاميذه قائلاً إنه لا يعرف إذا كان في حضرته من سيصبح أعظم من الإمبراطور وحقاً كان أحد تلاميذه مارتن لوثر.
وقد أُتِيح لنا نحن المعلمين امتياز التأثير على حياة أشخاص غير بالغين قد يَظهرون ممن لا قيمة لهم، وقد أُتيح لنا أن ننمِّيهم حتى يصبحوا أشخاصاً بارزين. ومثلنا قد يكون مثل الحداد الأعرج الذي جمع من الشوارع أربعة صبية لم يظهروا أقل إمكانية لإفادة العالم وعلّمهم ودرّبهم بصبر. وعاش الحِداد حتى رأى واحداً منهم يصبح مراسلاً في بلاد بعيدة وآخر وزيراً في حكومة وغيره أمين سرّ رئيس جمهورية والرابع رئيس الولايات المتحدة "ورن ج. هاردنغ".
2- كان طلابه حادِّي الطّباع:
لم يكن تلاميذ يسوع غير كاملي النمو فقط بل كان قد نما فيهم بعض الصفات الرديئة. كان البعض منهم نَزِقي الطباع لدرجة بعيدة وأوَّلهم بطرس الذي "كان ينساق لعواطفه فيسرع مُندفعاً كماء جدول منحدر من الجبل بسرعة فوق الصخور في طريقه إلى البحر. كان بطرس أهوج يعمل فوراً ثم يتأمّل في ما عمله بعد فوات الوقت." ومثالاً على ذلك قفزه إلى البحيرة في الصباح البارد لكي يسبح إلى يسوع على الشاطئ بينما كان بإمكانه أن يأتي إلى الشاطئ في السفينة مع رفاقه (يوحنا 21:7). ومرة أخرى رفض أن يغسل له يسوع رجليه ثم إذ علم أن ليس له مع يسوع نصيب إن لم يقبل بذلك طلب إليه أن يغسل له رأسه ويديه أيضاً (يوحنا 13 :9). و المثل البارز في تسرعه هو قطع أذن عبد رئيس الكهنة حين إلقاء الأيدي على يسوع (يوحنا 18: 10).
كان يوحنا أيضاً سريع الغضب فسماه "ابن الرعد". وظهر هذا الطبع فيه لما دخل هو والتلاميذ الآخرون إلى قرية سامرية ليعدوا مكاناً ليسوع ورفضوا لأنهم كانوا متجهين نحو أورشليم والسامريون لا يعاملون اليهود – فاحتدم يوحنا غيظاً وقال "يا رب أتريد أن نقول أن تنزل ناراً من السماء فتفنيهم؟" (لوقا9: 54) فما أبعد هذه الصفة فيه عن الشيخ المسن الذي قال "من لا يحب لم يعرف الله" (1 يوحنا 4: 8).
وكان آخرون من المقربين إلى يسوع نزقي الطباع أيضاً، فسمعان الغيور كان عضواً في حزب سياسي متطرف كما يظهر من اسمه وهو سواء أكان شخصية متطرفة في حزبه أم لا فإنه كان من جماعة انقلابية لما دعاه يسوع ليتبعه.
أما يوحنا المعمدان فقد كان ذا طبع حاد لا يتقيد بعرف أو عادة فهو يترك صيامه ليجوب البلاد لابساً ثيابه الخشنة و يدعو الجيل الملتوي والشرير إلى التوبة."خرج وعيناه كلهيب نار ليقدم للناس دعوته المطلقة. وكانت كلماته المحرقة تلفح السامعين وتخرق إلى ضمائر غشتها الخطية بطبقة سميكة." وحتى متى لم يكن محافظاً جداً. يقول "ت.ر.غلوفر" كان العشار بينهم مثلهم تسعاً وحدة فقد ترك عمله في مصلحة الجمارك حالاً عند إلقاء كلمة عليه وفي هذا دليل على التسرع والنزق وحرارة القلب".
اتصف التلاميذ بِحِدّة الطباع والاندفاع لدرجة أن يسوع كان يحثهم دائماً على التبصر بعواقب العمل قبل الإقدام عليه، ومع ذلك علينا أن نتذكر أن الحقيقة في تلك الأيام كما في عصرنا الحاضر هي أن الأشخاص الجسورين الشجعان المتقدمين هم الذين قاموا بنشر ملكوت الله وليس الأشخاص المحافظون الوقورون المهذبون. إن التلميذ المتوثب الذي يستوجب أن تردعه وتقمع حماسه أكثر من غيره قد يكون شخصية ذات قيمة عظيمة في المستقبل.
ولنا أن نشكر الله لأجل المندفعين المتسرعين الذين أرشدوا إلى الصواب.
3- كان طلابه خطاة:
واجه المعلم أشخاصاً غير كاملين، غير بالغين، متسرعين في العمل، وفضلاً عن هذا كله كانوا ميالين إلى الخطية. ومع أن بعضهم أصبحوا فيما بعد مسيحيين بارزين لم يكونوا دائماً أتقياء كما نتصورهم نحن، والرسّامون عملت فيهم دوافع وشهوات لولا المُثُل المسيحية التي ضبطتها لكانت أدّت بهم إلى الشرور الواضحة. والحق يُقال إن ذلك هو ما حصل في البعض ففعلوا ما ندموا على فعله وتمنّوا بعدئذ أن يُمحَى من السّجل.
كان بعض الذين علمهم يسوع وغيّر حياتهم قد انغمسوا في الشر إلى درجة بعيدة وأحدهم رغم معاشرته يسوع مدة سنوات وإشغاله مركز أمين صندوق للإثني عشر استسلم للطمع وباع معلمه بثلاثين من الفضة. لكن يهوذا لم ينهزم وحده بين المقربين إلى يسوع أمام الميول الشريرة بل بطرس أيضاً التجأ إلى المراوغة لكي يضلل الناس عن معرفته وينجو من ورطة. وانهزم يوحنا أمام طبعه الغضوب وتعصبه وكذلك أمام كبريائه فطلب من يسوع امتياز الجلوس عن يمينه. وعاونه يعقوب في طلب المكانة الاجتماعية والقوة السياسية. "هناك بين التلاميذ ظهر الاحتكاك الذي هو طبيعي بين الطموحين وحتى في العشاء الأخير كانت أفكارهم تدور حول العروش والنفوذ". (مرقس9: 33 و10: 37 ولوقا 22 :24). وبالفعل اشترك الجميع في المخاصمة على من سيكون الأعظم.
من خارج جماعة الاثني عشر نذكر زكا المغتصب الطماع المحب للمال الذي اغتصب كل درهم استطاع اغتصابه من الناس. وهناك مريم المجدلية التي كان فيها سبعة شياطين. ونذكر المرأة الخاطئة التي غسلت قدميه بدموعها ومسحتها بشعرها. ولا ننسى الزانية السامرية التي كان لها خمسة أزواج ولا المشتكين على الزانية الذين انسلوا واحداً فواحداً حينما طلب يسوع أن يرميها أولاً بحجر من كان منهم بلا خطية. حقاً لم يعلم يسوع مجموعة مثالية اجتمعت في ظروف مثالية لتسمع تعليم المعلم المثالي بل كانوا أناساً فيهم شهوات مثل شهواتنا كثيراً ما تغلبت عليهم، الكبرياء والطمع والشهوة التي كانت جميعها تهاجم حياتهم وكان عليهم أن يتغلبوا على هذه الشرور بتعاليم يسوع وقوته.
وما كان يصح في أيامهم لم يتغير في أيامنا ولا يعرف المعلم ما يمكن أن يحصل في حياة أفراد صفه لجهله أفكارهم وغاياتهم.لكنه يعرف أن الغرائز إذا لم يُكبح جماحها تؤدي ولا مفر إلى خراب الحياة. فقد تختبئ تحت منظر الصبي الجميل ميول إن لم تُضبط قد تقودها الشّهوات والطموح الجامح إلى حياة الخُزي، ووقائع الحياة تثبت ذلك بشواهدها الكثيرة. لذلك يصح على أكثرنا قول جان برادفورد لما رأى مجرماً ماراً به: "هناك لولا نعمة الله لمرّ أيضاً جان برادفورد". إذاً علينا دائماً أن نهدف في تعليمنا إلى ردع الميول الخاطئة وتطوير الأخلاق إلى ما يشبه أخلاق يسوع.
4- كان طلابه متحيّرين:
واجه الذين علمهم يسوع مشاكل محيرة وأتوا بها إليه ليحلها. ولم يصرّحوا أحياناً بذكر المشاكل بل قدموها له على أمل إيقاعه في فخ. لكنه عرف نواياهم وقَبِلَ أسئلتهم وكثيراً ما عكس الأمر عليهم. وكانت هذه المشاكل متنوّعة تعالج نواحي عديدة من الحياة وفي الجواب عليها ساعد يسوع لا السائل وحده بل ساعد كل من يقرأ الكتاب المقدس في كل العصور. وعلى ضوء كلمة يوحنا إن العالم لا يسع الكتب اللازمة لتسجيل تعاليم يسوع كلها نظن أن هناك أموراً أخرى كثيرة أجاب يسوع عليها ولكنها لم تسجل.
قدموا له عدداً من المشاكل الشخصية الدقيقة التي أثرت على الحياة بصورة قوية فعالة. هناك طلب أخ نصيبه من الإرث رغبة في حفظ حقوقه ومقامه. ومع هذا السؤال سؤال التلاميذ وهم يسيرون في الطريق عمن سيكون الأعظم فيهم وهي مشكلة تخص طموح الفرد ورغبته في اعتراف المجتمع به وهي رغبة طبيعية وبديهية أيضاً. وسأله الشاب الرئيس الغني كيف يحصل على الحياة الأبدية ويظهر أن مثل هذا ما كان يسأل عنه نيقوديموس أيضاً. وتعلقت أسئلة أخرى بلاهوت يسوع وجواز عمل الآخرين باسم يسوع، ومكان العبادة وكيفية العبادة، والقيامة، وأولى الوصايا، والصوم، وإخراج الشياطين وأمور أخرى. وبحث يسوع أيضاً في صعوبات شخصية كالتكبُّر، والغضب، والشهوة، والاهتمام الزائد بأمور الدنيا. حقاً عالج المعلم العظيم معظم المشاكل الشخصية التي تحدث الآن.
وأتوا إليه أيضاً بمشاكل اجتماعية أو ما تختص بمعاملة الفرد لغيره. سأله سمعان بطرس كم مرة يجب أن يسامح أخاً أخطأ إليه. هل إلى سبع مرات؟ (متى 18: 21-35) وسأله الفريسيّون "هل يحل للرجل أن يطلّق امرأته لكل سبب؟" (متى19:3) وكذلك الصدوقيون سألوه ساعين ليبيِّنوا استحالة القيامة "أي من الأزواج السبعة يكون زوج المرأة في الآخرة" (متى22: 23-33). وأتى ناموسيّ بسؤال أوسع لما حاول أن يبرر أنانيته وسأل "من هو قريبي؟"(لوقا10: 29)
وكان سؤال آخر حرجاً، ودقيقاً جداً، في ذلك الوقت لأنه يتعلق بسياسة الدولة الرومانية الحاكمة وهو السؤال المتعلق بدفع الضرائب جاء به الكتبة ورؤساء الكهنة لما سألوا عن دفع الجزية لقيصر (لوقا20: 22). ثم هناك السؤال عن العمل في يوم السبت لما فرك التلاميذ القمح وهم مارون في الحقل (مرقص 2:23-28). وأتى يسوع نفسه ببعض الأسئلة عن وقوع خروف في حفرة وذهاب ملك إلى معركة. وكانت هناك مشاكل أخرى عن العطاء، والصلاة والخدمة، وانتقاد الآخرين، والنقمة.
فعلى ضوء هذه الأسئلة العديدة يظهر أن يسوع قضى وقته في حل المشاكل الفردية عوضاً عن تعليم المجموع. لكن مشاكل الحياة لا تختلف كثيراً بين الناس فبينما كان يعالج مشكلة شخص كان يلقي نوراً على مشاكل غيره ومشاكلنا نحن أيضاً، لأنه كان يعالج المبادئ الأساسية أكثر من الحل المحدود. وهكذا كان مرشداً ومستشاراً فضلاً عن كونه معلماً. ولا بد من إسداء النصح لطلابنا أيضاً في مشاكلهم الحرجة إذا أردنا أن نؤدي أثمن خدمة وأكثرها حيوية لهم.
لم يكن أحد يحل المشاكل ويزيل الحيرة ببراعة كما فعل يسوع ولم يقدم أحد مبادئ أساسية مفيدة للجميع أكثر منه. فإنه متقن فن الإرشاد والهداية كما هو متقن فن التعليم.
5-كان طلابه جهالاً:
إن قولنا أن عقول طلاب يسوع كانت مظلمة وغليظة بالإضافة إلى كونها متحيرة قد يظهر استخفافاً بهم وإهانة لهم. لكن لا بد لنا من أن نقول –إذا أردنا أن نفهم تماماً الوضع التعليمي الذي واجهه يسوع-أن تلاميذه أتوا من عامة الناس الذين مارسوا الصناعات لا المهن فلم يكن لهم الأدب والعلم اللذان تمتع بهما أصحاب المهن. وهذا النقص عرقل فهمهم إذ لم تكن عقولهم مدربة على إدراك الحق.
ولم تكن هذه العقبة الوحيدة بل كانوا يهتمون بالماديات في الحياة وبالطقوس في الدين فعرقل هذا الاهتمام فهمهم للحقائق الروحية لأن هذه "يحكم فيها روحياً". فإن الجهل ووجهة النظر المغلوطة كليهما يعرقلان عمل المعلم إذ يصعب عليه أن يتغلب على الغموض الفكري والرأي المعوج. أما يسوع فواجه الاثنين في تعليمه كما يواجههما كل معلم تقريباً. ومع أنه كان حاذقاً في توضيح الحق، نعرف من السجلات أن تعاليمه إما أنها لم تكن مفهومة قط أو أنها أسيء فهمها في أغلب الأحيان عند عامة الناس وعند قادة الدين وحتى عند تلاميذه المقربين. "إنه اختار جماعة قليلة لكي يدربهم للقيادة لكنهم لم يستطيعوا فهم المبادئ الأساسية للإيمان الذي سيعلمونه فكيف يعلمون غيرهم؟...لقد علمهم مدة ثلاث سنوات وخاب أ مله فيهم بصورة مستمرة".
ومثالاً على سوء فهمهم أنهم بالرغم مما سمعوه عن جوهر ملكوته وبالرغم من كل ما فاه به عن طبيعته الشخصية الباطنية القلبية ظلوا بالإجمال ينتظرون منه تأسيس مملكة مبنية على القوة كما يفعل الحكام العالميون. وحتى أقرب أتباعه كيعقوب ويوحنا طلبا أن يجلسا عن يمينه وعن يساره- رئيس الوزراء ووزير الخارجية!
ولا يخفى سوء الفهم لتعليمه عن القيامة- قيامته وقيامتنا. ورغم أنه قال أنه سيقوم في اليوم الثالث لم ينتظر ذلك بل دهشوا من قيامته. وكما رأينا طلب أحدهم وهو توما برهاناً قاطعاً قبل أن اقتنع. ولم يتضح لشعبه قصده من موته إذ يذكر بولس أن الصليب كان عثرة لليهود. وهو موضوع هام وبسيط للغاية.
فرغم وضوح تفكير يسوع وجلاء تعبيره فشل أذكى طلابه وأكثرهم رغبة في التعلم عن إدراك معناه. فلا نبالغ إذا قلنا أنه شعر بالفشل وخيبة الأمل طيلة خدمته العامة لأنهم لم يدركوا معنى الحقائق التي علمها. فإن كانت هذه هي الحالة مع يسوع فلا نتعجب إن حدث معنا كذلك. وإذا كان هو لم ييأس من التعليم فعلينا نحن كذلك أن لا نيأس بل أن نواظب على السعي بصبر. وكما قال يسوع لبطرس يجب أن نقول لكل تلميذ "أنت الآن..وستكون..."
6-كان طلابه متحيزين:
تكفي مهمة يسوع صعوبة، حتى على معلم عظيم، أنه واجه تلاميذ غير كاملي النمو روحياً وخطاة حادِّي الطباع ومتحيرين وجُهَّالاً ولا نقف عند هذا الحد لأن صورة حالتهم لم تكمل بعد. كان التحامل والإجحاف يسودان على عقولهم فلم تكن هناك قابلية لفهم الحقائق التي قدمها يسوع وهضمها. ويصح هذا القول على كثيرين من طلابه وعلى أكثرهم بالنسبة إلى بعض الأمور.
غلب التحيّز على يوحنا لدرجة أنه لم يسمح لمن ليس من جماعتهم أن يُخرِج شيطاناً ويصنع خيراً (مرقس 9: 38). وكان التحيز أصل بعض الصفات السيئة المذكورة سابقاً.
في مثل الزارع كان النوع الأول من التربة الطريق أي الأرض الصلبة التي لا يدخلها شيء (متى 13: 3-23). فهو صورة واضحة للعقل المغلق الجاف الذي لا يعير الحقيقة المقدمة له أقل انتباه. ولا شك في أن يسوع كان يواجه أناساً لهم عقول مثل هذه لما روى المثل لأنه اعتاد التعليم المناسب للوضع الراهن. ويواجه كل معلم مدرسة أحدية عقولاً مغلقة أيضاً فسواء أكان الدرس عن التجديد أو العشور أو الاعتدال أو موضوع آخر فهناك عادات وموانع أخرى تمنع اشتراك طلابه بعقول مفتوحة. وقلما نجد مَنْ عقله وقلبه تفتّحا دون أقل تحيّز. وحقاً أن التحيز أصعب من الجهل.
حينما علَّم يسوع عن القيامة صادف احتقار الصدوقيين المتكبرين الذين يحاولون إخضاع الأبحاث الروحية لأحكام عقولهم فألقوا عليه السؤال عن المرأة التي كان لها سبعة أزواج لكي يبينوا حماقة الاعتقاد بالقيامة. وكانوا فلاسفة أيامهم المتعلمين المنتقِدِين. وحينما حاول يسوع أن يعلم الناس محبة الله لكل خليقة مهما كانت خطيّتها واجه تحيز الفريسيين المفتخرين ببرهم الذين حسبوا أنفسهم أرفع من أن يعاشروا عامة الناس. ولذا روى لهم مثل الابن الضال ومثل الفريسي والعشار عند الصلاة. وحينما ركع الشاب الرئيس الغني أمامه وطلب بتواضع أن يهديه إلى طريق الحياة الأبدية ظهر للحاضرين في بادئ الأمر أنه شخص لا يعرف قلبه المحاباة لكنه لما سمع نصيحة يسوع بأن يبيع كل ما له وأن يعطيه للفقراء وأن يتبعه تغير وجه الشاب ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة" (مرقس 10: 22).
إذاً واجه يسوع طلاباً متحيزين كانوا مستعدين لإملاء بطونهم وشفاء أمراضهم لكنهم لم يرضوا بما يؤخر مصلحتهم أو يغير عاداتهم في الحياة. ولا يزال العالم على هذه الحالة الآن لأن الناس يريدون الشفاء والإعفاء من العقاب الأبدي لكن إذا ذكرت لهم التوبة أو الخدمة أو التضحية تهربوا من الواجب وأهملوا الاهتمام به وذهبوا في سبيلهم. ولا يزال إقناع الذي لا يريد أن يقتنع عملاً عسيراً، والصعوبة العُظمى التي تواجه المعلمين هي العقل المغلق المتحيز.
7-كان طلابه مُتَقلقلين:
لو استطاع تلاميذ يسوع أن يقوموا بأعمال تتناسب مع ما بذل في سبيل تعليمهم وتفهيمهم لجاءت النتائج جيدة جداً. لكنهم لم يستطيعوا ذلك لأن انحطاط الإنسان وتغلُّب أهوائه عليه يُفسِدان صفاء تفكيره ونقاء عواطفه ويُضعِفان إرادته أيضاً. ويصح هذا القول على التلاميذ كما على غيرهم. ولِذا لم يستطع البعض أن يضحُّوا بأمور دنيوية لكي يتبعوا يسوع ولا أن يتحملوا الصعوبات وخيبة الأمل التي كانت تواجههم في خدمته أحياناً. وكان اهتمامهم بخدمته يضعف أحياناً حتى أن أقرب أصدقائه كان يتردد في الاستمرار معه. فكان مثلهم مثل التربة المتحجرة والبذور التي نمت بسرعة ثم ذبلت تحت حرارة الشمس.
وما لبثت الاضطهادات والضيقات والتجارب أن قللت عدد أتباعه. قال أحدهم: "ابتدأ كثيرون باتِّباع يسوع ثم خارت عزائمهم فتركوه وحتى يسوع نفسه لم يستطع أن يَحُولَ دون تركهم إيَّاه. وبعد أن خاطب ألوف الناس وعلمهم التعليم الأعظم والأنفع مدة ثلاث سنوات لم يكن له أكثر من مئة وعشرين تلميذاً وهم بحاجة إلى تشجيعه في أيام خدمته بعد القيامة". هذه هي صورة واضحة لنتيجة خدمة أعظم معلم في العالم خلال حياته كلها! والطوائف حتى المتطرفة منها الآن تنجح نجاحاً أعظم من هذا!
هناك مثل واضح لهذا الضعف وهو الشاب الرئيس الغني الذي ذكرناه سابقاً والذي لم يتمكن– رغم فهمه واهتمامه- من أن يضحي بأملاكه لأجل المسيح. فلم يخسر أحد فرصة أثمن من هذه للشركة والخدمة والشهرة! والمثل الآخر هو بطرس الذي وعد يسوع بالمُضي معه إلى المنتهى، ولو تركه غيره، ثم أدار له ظهره وأنكره بحلف حينما واجه الجمهور الغضبان.
وشاع التراجع بين أتباع يسوع مرة لدرجة أنه التفت إلى الاثني عشر بحزن قائلاً: "ألعلَّكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا؟" (يوحنا 6: 67). وبعد الصلب رجع أتباعه الموالون إلى مهنتهم القديمة ظانّين أن لا فائدة من خدمته فيما بعد.
فإذا كان يسوع الذي يفوق كل ما نأمل أن نكونه يجد هذه الصعوبات الكثيرة في تعليمه، وإذا كان عمله قد ظهر فاشلاً من حيث النتيجة إذن يجب أن لا نتعجب إذا لم يعط عملنا النتيجة التي نريدها. وعندما تعترضنا الصعوبات في جذب اهتمام طلابنا وعندما يترك مدرسة الأحد كثيرون من طلابنا علينا أن نتذكر المعلم العظيم والصعوبات التي واجهها فنتشجع.
وإذا شعر القارئ بأن هذا الفصل يصف الحالة بحالة الجزر الشديد فليتذكر أن يسوع صبر على الصعوبات والفشل وواظب على التعليم وجعل طلابه فرقة قادرة فعالة من التلاميذ والمعلمين الذين خدموا ملكوته بصورة ممتازة. فيقول أستاذ مشهور "أعظم عجيبة في التاريخ هي التغير الذي أجراه يسوع في أولئك الرجال" فبعد أن قواهم تعليمه وقيامته وروحه خرجوا ليغيروا العالم واستشهد عشرة منهم في سبيل ذلك. هم الذين جعلوا المسيحية تبتدئ في مجراها المسكوني. "إن قسنا عمل يسوع بمقياس ما أنتجه من ثمار لقُلنا أنه أعد أعظم جماعة من المعلمين عرفها العالم إلى الآن فهم اثنا عشر رجلاً وقد أدهشوا العالم". وسنرى في دروس مقبلة كيف أنه جعلهم هكذا أشخاصاً. إنما مطلبنا في هذا الفصل أن نرى طلابنا نحن على ضوء طلاب يسوع فنفهم مهمتنا بجلاء أوضح ونتشجع في القيام بها بأمانة.
مساعدات للتعليم
التبويب على اللوح
كان طلابه
1-غير كاملي النمو شخصياً.
2-حادي الطباع.
3-خطاة.
4-متحيرين.
5-جهالاً.
6-متحيزين.
7-متقلقلين.
مواضيع للبحث
1-صف طباع الاثني عشر تلميذاً.
2-اعط بعض الأمثال التي تبين عدم نموهم الروحي.
3-ما هي جذور الخطية النفسانية؟
4-قابل بين صعوبات يسوع في التعليم وصعوبات معلمي أيامنا.
5-لماذا لم يستطع طلاب يسوع أن يفهموا تعاليمه؟
6-ابحث في أسباب التحيز والمحاباة.
7-اعط بعض أسباب رجوع أتباع يسوع إلى الوراء وتركهم إياه.
أسئلة للمراجعة والامتحان
1-ابحث في حدة طبع بطرس ويوحنا.
2-اعط أمثالاً تبين الميول الخاطئة في أخلاق التلاميذ.
3-ما هي بعض المشاكل التي واجهها تلاميذ يسوع؟
- عدد الزيارات: 13960