الفصل الرابع عشر: سفر ناحوم
نبوة هذا النبي منصرفة بجملتها نحو هلاك نينوى. معنى اسمه تعزية، وكلمة التعزية هي ليهوذا: "صالح هو الرب حصن في يوم الضيق وهو يعرف المتوكلين عليه" (1: 7). "هوذا على الجبال قدما مبشرٍ منادٍ بالسلام" واضحٌ أن النبي يشير، بهذه الكلمات، إلى بشارة "رئيس السلام".
نينوى: بقية كلام الله خاص بنينوى. لا نعلم بتأكيد موطن ذلك النبي، ويظن أنه كفرناحوم. ويعلم من نصوصه أن مدة نبوته واقعة ما بين سقوط "نوأمون" "ثيبا) سنة 663 ق.م وسقوط نينوى سنة 606 ق.م لأنه يتكلم عن الأولى كحادثة حصلت؛ وعن الأخرى كحادثة تقع في المستقبل (انظر 3: 8 – 10 و 1: 8، 14).
قال بعضهم أن نبوة ناحوم تتمة لنبوة يونان ووجهتها الثانية. أعلن الله اسمه لموسى في مظهري الرحمة والعدالة "الرب الرب إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الإثم والمعصية والخطية. ولكنه يُبرئ إبراءً" (خروج 34: 6). يونان يشرح المظهر الأول (4: 2) ويشرح ناحوم المظهر الثاني حيث يقول "الرب إله غيور ومنتقم ... الرب بطيء الغضب وعظيم القدرة ولكنه لا يبرئ البتة". وعليه فقد عامل الله مدينة نينوى بلطفه وطول إمهاله وتقبَّل منها التوبة. وقد أخلص التوبة كثير من أفرادها، غير أنها كأمة ارتدت إلى سابق خطاياها من القساوة والظلم والطمع (2: 11: 12) ومن وراء هذه الشرور تجديفهم على الرب الإله، كما يؤخذ من العبارات التي استدعى بها سنحاريب شعب الله إلى محاربته وأشار إلى هذه الخطيئة الفظيعة ناحوم (1: 9 و 11).
تأخر القضاء على نينوى مائتي سنة. ثم بعد ذلك تمت نبوة ناحوم عليها، وأدركها الخراب الكلي حتى محي أثرها من صحيفة الوجود. وسبق النبي فوصف بفصاحة حملة جنود الأعداء عليها خارجاً وداخلاً كمن يصف الواقعة وصف شاهد عيان. ولاحظ أن الخراب أدركها وهي في ذروة مجدها وشموخ عزها وزهوها. وتحقيقاً لما أنبأ به ناحوم عنها، فإن نهر دجلة ناصر عدوها عليها (2: 6) إذ أكلت النار مغاليقه فتحول إلى جهة أخرى (3: 13 و 15). وبإيجاز نقول: إن الله حفر لهذه المدينة قبراً عميقاً ودفنها إلى الأبد ولم يعلم لها أثر إلا من عهد قريب عند التنقيب على الآثار القديمة. وسمح الله باستكشاف آثارها ليظهر للملأ صدق كلامه.
مدينة ثيبا: وفي جملة نبوات ناحوم الأنباء بسقوط "نوأمون" وقد تحقق سقوطها كما يستفاد من الآثار. فإنهم وجدوا كتابة لأحد ملوك آشور المسمى اسور بانيبال يصف لنا كيف فتحها وغنم ذهبها وفضتها وجواهرها وغنم منها مسلتين شامختين متقوشتين بالحرف القديم تبلغ زنتهما نحو ألفين وخمسمائة وزنة تعادل تسعين طناً، وأخذ أسلاباً أخرى كثيرة.
- عدد الزيارات: 3773