Skip to main content

الفصل الثاني: سفر أشعياء النبي

لكلام أشعياء بعض المزايا التي تميز سفره عن أسفار العهد القديم كافة لأنه يجمع في كثير من المواضع بين جلال الله الفائق وتنازله العجيب. فبينما يضرب الأمثال عن عظمته غير المحدودة بأنه يكيل بكفه مياه البحار يصفه براعي غنم يرعى قطيعه؛ بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات. وعندما يقرع أسماعنا بقضائه الرهيب ينحني علينا بعاطفة الوالدات قائلاً "كإنسان تعزيه أمه أعزيكم أنا". وفيه من أنباء الخلاص المجيد الوافية الشرح ما أوجب تسمية كاتبها بالنبي الإنجيلي.

رؤية المجد: سر القوة التي تفرد بها سفر أشعياء يعود إلى رؤياه العظيمة التي شاهدها في الهيكل. قال "رأيت السيد" الرب. فرؤيا الله غيرت له منظر كل شيء فل يعد يرى شيئاً حوله إلا في ضياء هذه الرؤيا الساطعة المجيدة، فانجلت له حقائق الأمور في ذات دنياه. وعلى هذا المنوال قال الرسول بولس "أما رأيت الرب"؟ وهذه الرؤيا أهّلته لأن يكون رسول المسيح وخادم الإنجيل لليهود والأمم. وبمراجعة إنجيل يوحنا نعلم أن السيد الذي رآه أشعياء في الهيكل هو يسوع المسيح ابن الله الأزلي بدليل أنه، بعد ما وصف قساوة قلوب اليهود في رفضهم المسيح وشفع هذا الوصف بالقساوة المذكورة في رؤيا أشعياء، صرح "قال أشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه (يو 12: 14).

رأى أشعياء الرب كملك المجد، وسمع السرافين ينادي الواحد الآخر "قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض" وكانت قوة تأثير هذه الرؤيا عميقة جداً. ولنلاحظ في أشعياء:

1- انغماره بشعور عميق بالخطية ودينونة الله العادلة.

2- شموله بتصور عظمة قداسة الله وجلال سلطانه.

3- رؤياه الجميلة للمسيح وخلاصه ثم ملكه النهائي.

فلنقتف آثار نتائج هذه الرؤيا الثلاث في كل السفر مع تحري الاختصار.

أولاً – إن أشعياء، إذ رأى بهاء مجد الرب، امتلأ تبكيتاً على خطاياه، وشعوراً عميقاً بعجزه وحاجته، حتى أنه صرخ قائلاًَ: "ويل لي إني هلكت" ولم بتمالك أن صرّح بهذا الاعتراف "إني إنسان نجس الشفتين". فاعتبر الله انكسار قلب نبيه كما نستدل على ذلك في غير هذا الموضع حيث يصرح النبي أن العلي القدوس يسكن مع المنسحق والمتواضع الروح (57: 15). وأتبع اعترافه على الفور بتطهيره إذ قد طار إليه واحد من السرافيم وبيده جمرة لمس بها شفتيه. أُخذت تلك الجمرة المطهرة من مذبح المحرقات. حقاً إن التطهير بني على استحقاق دم الكفارة. ونقول على السؤال الذي عرضه الرب في محضره "من أُرسل ومن يذهب من أجلنا" إن النفس المطهرة من الخطية مستعدة لتلبية الطلب في الحال: "هأنذا أرسلني". هذا هو التكريس لخدمة الرب. وحينئذ قلّده الرسالة: "اذهب". فعلى هذا المنوال تكون الرسالة الحقة رؤية المخلص شخصياً، ثم مقابلة رسمية مع رب المجد بتخشع فانكسار قلب، ثم شفتان طاهرتان، فتكريس، فمأمورية شخصية معينة.الشفتان الفائضتان برسالة الله يجب أن يقام عليهما حارس (مز 141: 3) وتكونا محترقتين لا تأتيان بسمو الكلام والفكر لتسلية الخواطر البشرية بل مخبرتين بشهادة الله بخشوع وتقوى وبساطة غير عارفتين إلا المسيح وإياه مصلوباً. حتى أن بعضهم سخر بالنبي أشعياء لأنه جاء في رسالته بأمور بسيطة كأنه يخاطب صبياناً قليلي الإدراك لا رجالاً، بلسان غير فصيح.

الخطية والدينونة: أرّخ النبي رؤياه بسنة وفاة عزيا الملك. وكان ذلك الملك من خيار الملوك، حكم في أورشليم خمسين سنة بخوف الله لكنه زل في آخر حياته لزلة لعله انقاد إليها بدبيب روح الكبرياء إلى نفسه. وذلك أنه تجاسر أن يلقي بخوراً في مذبح الله وهذا العمل خاص بجماعة الكهنة. فضربه الله بالبرص غاعتزل في مكان خاص له. وكن هذه الواقعة أثرت في قلب النبي فأرخ رؤياه بوفاة عزيا الملك: "أنا ساكن بين شعب نجس الشفتين". لم بنشغل بخطية نفسه فقط بل مر على خاطره خطايا أمته وملكه أيضاً.

ومن المحتمل أن تكون رؤيا أشعياء الخطوة الأولى في سبيل النبوة، وأنه في الإصحاح السادس يعود إلى تذكار أوائل دعوته، ولهذا يقاوم الخطية ويهدد عاملها بجراءة وثبات، حتى ليصح أن تعتبر نبوته رسالة دينونة لليهود على خطاياهم ائتمنه الله عليها كما يتبين من صدر كلامه "رؤيا أشعياء بن آموص التي رآها على يهوذا وأورشليم" (1: 1). ثم يأخذ في شرح فساد القلب البشري وعصيانه على الله على التوالي بأسلوب بالغ جداً. "كل الرأس مريض" مصدر قوة التفكير، "وكل القلب سقين" مصدر الإرادة والأميال، "من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة". ومن ثم يظهر سريان عوامل الفساد من القلب والرأس إلى كل الجوارح في أعمال الحياة اليومية. وبعد ذلك يوجه نظره إلى المرائين – الذين يقتربون إلى الله بشفاههم وأما قلوبهم فبعيدة عنه يعاملون إخوانهم بالقساوة – داعياً إياهم إلى التوبة "اغتسلوا تنقّوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عينيّ كفوا عن فعل الشر تعلموا فعل الخير. اطلبوا الحق انصفوا المظلوم اقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة" (1: 16 و 17).

إن الذي تعلم في الحضرة الإلهية أن يخاطب نفسه "ويل لي" أُرسل ينادي بالويلات للآخرين على شرورهم: "ويل لنفوسهم لأنهم يصنعون لأنفسهم شراً، "ويل للشرير" (3: 9 و 11)، ويل للطماعين، ويل للسكيرين، ويل للحكماء في أعين أنفسهم (انظر 5: 8، 9، 11، 20، 21؛ 28: 1)، ويل للذين يصدون الضعفاء (10: 1 و 2)، ويل لأورشليم (29: 1)، "ويل للبنين المتمردين" (30: 1) "ويل لمن يخاصم جابله" (45: 9). وأظهر لهم النبي أن خطاياهم هي التي حجبت وجه إلههم عنهم وأحزنت روحه القدوس (59: 2 – 15 و 63: 10)، وإن "أعمال برهم" ما هي إلا كثوب عدة (64: 6 و 7). وينذرهم بأن مضمار الحق الإلهي يظهر اعوجاج مبانيهم التي يعتمدون عليها ويهدم ملاجئ برهم الكاذب. ثم ينتهر بناتهم اللواتي يظهرن الغطرسة والغرور، ويزجرهن بكلام جارح لأنهن لم يندبن سوء حال بلادهن (3: 16 و 32: 9). ويحرم بصريح العبارة العرافة واستحضار أنفس الموتى (8: 19 و 20). ويطوّب حافظي يوم الرب الذين لا يعملون فيه مسرتهم ولا أشغالهم ولا يلتهون بأحاديثهم ومسامرتهم (56: 2 و 58: 13 و 14). فما أحوج أهل زماننا الحاضر أن يتعظوا بأقوال النبي أشعياء لأنهم سالكون مسلك القدماء في ما شرحناه من المعاصي والشرور.

عبادة الأصنام: هذه الخطية رأس قائمة الخطايا التي من أجلها قضى الله على شعبه. ويشغل هذا الموضوع مقداراً وفيراً من نبوته، ويسري من أولها إلى آخرها. ففي الإصحاح الثاني يتكلم عن انتشار الأصنام في كل بلادهم حتى لقد عبدها الغني والفقير (2: 18 – 20). ولكن وعد الله هو أنه سيبطل الأصنام ويطهّر الأرض منها (انظر 10: 11 و 17: 7 و 8؛ 31: 7). وفي إصحاح 40 و 41 و 44 و 46 يشرح بالدقة والتفصيل الطريقة التي كانوا يصنعون بها الأصنام فيصف الغني في مقام رجل مسرف ينفق ماله على هذه التماثيل بغير حساب ويقدم للصائغ أجرة على صناعتها فيذيب الصائغ الذهب في النار قابضاً عليه بالملقط ثم يطرقه على السنديان ويصقله بآلاته المتنوعة ومتى تمت صناعة التمثال يربطه إلى النصب التي يقام عليها بسلاسل من فضة حتى يكون في مأمن من السقوط.

ثم يصف عجز بعضهم عن القيام بنفقة الأصنام الذهبية والفضية. فيتخذها من الخشب فيلجأ إلى شجرة حسنة القوام سليمة من العيوب من أشجار الأرز العظيمة، ويستحضر نجاراً يصور منها تمثالاً، فينشر من الشجرة ما شاء، ويرسم على الشقق الشكل الذي يستحسنه، ثم يفرغه بأزميله. وبعد الانتهاء من عمله يضم إلى صف الآلهة في المعبد. وأما شذرات الخشب الفاضلة عن ذلك التمثال فتستعمل وقوداً في لوازم المنـزل من طبخ واصطلاء. فانظر حقارة الآلهة التي اتخذوها لأنفسهم من دون الله العظيم.

لقد أمسى شعب الله الخاص صناعاً لهذه الأوثان، وأمست بلدانهم المقدسة معامل لهذه الأوثان. فيا لعظم الشر وسوء الحال: "شعب يغيظني بوجهي دائماً يذبح في الجنات .... بخروا على الجبال وعيروني على الآكام" (65: 3 – 7)، "المتوقدون إلى الأصنام تحت كل شجرة خضراء القاتلون الأولاد في الأودية تحت شقوق المعاقل. في حجارة الوادي الملس نصيبك" (57: 5 و 6). والحاصل، كانت الوثنية خطية بني إسرائيل العامة قبل السبي، ولكنهم تخلصوا منها تماماً من بعد السبي ولم يرجعوا إليها حتى اليوم. وفي غضون كلام النبي عن هذه التماثيل قارن بينها وبين الإله الحي، وكشف لهم مبلغ جهلهم. وهذا يقودنا إلى النتيجة الثانية من تأثيرات الرؤيا عليه وهي:

ثانياً: شموله بتصور عظمة قداسة الله وجلال سلطانه:

وبطبيعة الحال فمعظم عبارة النبي هي في تنـزيه الإله ونعته بأوصاف الجلال والكمال كلما قارن بينه وبين الأوثان البكم الصماء. أعلن بزوالها ومحو آثارها يوماً ما مع إجلال الله وإعلاء كلمته في ذلك اليوم. ثم يشير على الإنسان أن يُعمل فكره ورويته في اختيار الإله الحق إلهاً له، وعوضَ أن يخر ساجداً لما صنع بيديه من تماثيل الذهب والخشب يسجد لمن خلقه من العدم. ثم يقارن بين أوصاف التماثيل كما وردت في إصحاح 40 وبين الله عز وجل. وفي هذا الجزء من السفر من إجلال العزة الإلهية أكثر من أي موضع آخر في أسفار الكتاب المقدس. فوصفه بأنه المبدع لسائر الكائنات من العدم، خلق أطراف الأرض، وأرسى الجبال الشامخة، وزجر البحار الزاخرة حتى لا تتعدى تخومها، خالق السموات والجنود العلوية، وضابط الكل، وأن الأرض وسكانها كغبار الميزان عنده بل كلا شيء، وكل ذي جسد كعشب الحقل أمام عينيه.

وفي إصحاح 40 نجد من الدقة العلمية ما يبعث فينا العجب. قال في عدد 12 "من كال بكفه المياه". هنا يصرح بأن المياه التي في الأرض وجدت بالكيل لا جزافاً. والعلم يصدّق هذه الحقيقة ويثبت أن المياه التي على وجه الأرض مناسبة المقدار لأن يتصاعد منها الكمية المطلوبة من الأمطار لري الأرض فلا يحصل غرق ولا شرق "وقاس السموات بالشبر" بمعنى أنه مد الجو إلى المسافة المعتدلة حتى تكون لنا المؤونة الكافية من الهواء ونستنشقه بدون عناء. "وكال بالكيل تراب الأرض" إن التراب هو الجزء الصالح للزراعة من معدن الأرض، فقدَّره الله تقديراً يفي بحاجة البشر وبسطه على وجه الأراضي الزراعية، "ووزن الجبال بالقبان والآكام بالميزان" إن ارتفاع الجبال على نسبة عمق البحار.

وفي إصحاح 41 يتحدى الله، على لسان نبيه، الأصنام البكم عبرة لبني البشر أن يخبروا بالمغيبات لإقامة الحجة على أنهم آلهة يستوجبون العبادة ثم يعيد هذا التحدي مراراً (انظر 42: 9 و 44: 7 و 8 و 43: 9 و 10 و 48: 3 – 5).

وفي إصحاح 46 مقابلة مؤثرة بين الإله الحق وبين الأصنام: هذه تحمل فوق أكتاف الناس، وأما الإله الحق – فضلاً عن كونه غير محمول على شيء – فهو حامل لكل شيء وعلى نوع خاص حامل شعبه لا في أيام الطفولة فحسب بل في كل سني حياتهم حتى إلى الشيب والشيخوخة.

قدوس إسرائيل: للنبي أشعياء شغف بهذا اللقب الإلهي أكثر مما لغيره من كتبة الأسفار المقدسة. فذكر مثلاً في المزامير ثلاث مرات (مز 71 و 78 و 89)، ومرتين في أرميا (50 و 51)، ومرة في سفر الملوك الثاني (ص19: 23). أما في سفر أشعياء فقد ذكر هذا التعبير ثلاثاً وعشرين مرة وذلك من فرط تأثره من تسبحة السرافيم التي سمعها في رؤياه حينما نادى الواحد الآخر "قدوس قدوس قدوس رب الجنود". فكأن هذا الاسم هو العلامة الخصوصية الدالة على نبوة أشعياء من أولها إلى آخرها.

وفي ذلك السؤال الذي سمعه أشعياء في الرؤيا تلميح إلى الثالوث الأقدس: "ثم سمعت صوت السيد قائلاً من أُرسل ومن يذهب من أجلنا". أما أقنومية الله الروح القدس فمعلنة بجلاء في هذا السفر (11: 2 و 42: 1 و 44: 3 و 48: 16 و 59: 51 و 61: 1 و 63: 10 و 11 و 14). .وقد رأينا من مقابلة الرؤيا بكلام الإنجيلي أن الأقنوم المعبر عنه برب الجنود هو ذات المسيح. وعليه فلاهوت المسيح مصرح به في نبوة أشعياء. وهذا يؤدي بنا على النتيجة الثالثة من تأثير الرؤيا في أشعياء

رؤياه الجلية للمسيح وخلاصه ثم ملكه اللانهائي: نغمة هذا السفر الخلاص. بل معنى اسم أشعياء هو "خلاص من الرب". وموضوعه تلك الدعوة المباركة الواردة في الإصحاح الأول "هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثلج"، وأعاده على أسلوب آخر في غير موضع ومن ذلك قوله "قد محوتُ كغيمٍ ذنوبك وكسحابةٍ خطاياك. ارجع إليَّ لأني فديتك" (1: 18 و 43: 25 و 44: 22).

السلام – وهو نتيجة الخلاص – يمتد كخيط فضي في الإصحاحات الواقعة ما بين إصحاح 9 حيث ينبئ عن "رئيس السلام" إلى إصحاح 57 حيث ينادي بالسلام للبعيد والقريب ويمتد كنهر في إصحاح 48: 18 و 66: 12.

أما ملك المسيح العام على كل ممالك الأرض فقد أُعلن للنبي في الرؤيا من تسبيحة السرافيم "مجده ملء كل الأرض". وتفصيل هذه العبارة واضح في كل السفر. ففي إصحاح 2: 2 يقول: "ويكون في آخر الأيام أن جبل الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كل الأمم". وفي إصحاح 11: 9 يقول "لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر". وفي الإصحاح الأخير ينبئ بمجده بين الأمم.

المسيح: الخلاص المجيد المعلن في هذا السفر يدور حول شخص عرف بالآتي والمسيَّا الموعود. وها هو ذا النبي يعطينا، بوحي إلهي، العلامة التي تميز شخص المخلص وتحصر فيه النبوات المتعلقة به لئلا تنسب إلى غيره، وهي كونه شخصاً إلهياً يولد من عذراء. فالوعد الوارد عنه في إصحاح 7 يتصل بالوعد الوارد في إصحاح 9؛ ونستخلص من الوعدين حقيقة ذلك الطفل. فهو سيكون من جنسنا البشري، "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً". وسيكون من بيت داود. وتكون ولادته خارقة لناموس لطبيعة شخصاً إلهياً "الله معنا" – عمانوئيل؛ "عجيباً" وهو ذات الاسم الذي دعا الرب نفسه حين ظهر لمنوح وزوجته؛ "مشيراً" على وفق حقيقة الحكمة الواردة في سفر الأمثال لأن الله جعله لنا حكمة؛ "إلهاً قديراً" الكلمة إيل المترجمة هنا بالإله توصل هذه الآية باسم عمانوئيل؛ "أباً أبدياً" أو أبا الأبد وهو رئيس الخلاص الأبدي المشار إليه في عب 5: 9؛ "رئيس السلام استعير هذا اللقب لملك سليم كاهن الله العلي كما استعير لسليمان أي رجل السكينة والسلام.

كل هذه النبوات تحققت وتمت في حادثة واحدة وهي ميلاد يسوع المسيح مخلصنا الذي قال عنه الملاك لمريم "القدوس المولود منك يدعى ابن الله". قال أشعياء "يولد لنا ولد" وقال الملاك عند ولادته "ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص". دعي بعبارة النبوة "إلهاً قديراً" "رئيس السلام" وبمثل هذا دعاه جمهور الجند السماوي وقت ولادته كما يظهر من تسبحتهم "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة". قال النبي "الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور عظيم". وقال سمعان الشيخ إن "عيني أبصرتا خلاصك" "نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك".

وبعد ذلك بقليل وردت نبوة فجأة في إصحاح 11: 1 "ويخرج قضيب من جذع يسي وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب". هذا الوصف موافق للنبوة الواردة في إصحاح 61 التي استشهد بها المسيح على نفسه في خطابه الذي ألقاه في مجمع الناصرة "روح السيد الرب عليّ". وخلاصة الوصفين أن القصد من مسحته بروح الرب أن يكون معزياً للمساكين مؤاسياً للبائسين الخ. وعندما وصل المسيح في قراءته إلى الكرازة بالسنة المقبولة طوى السفر وحقق هذه النبوات في شخصه وطبَّقها على قصده ولم يتقدم أكثر من ذلك حيث تذكر الدينونة والانتقام لأنه لم يأت المرة الأولى ليدين العالم بل ليخلِّص العالم (يو 3: 17) وفي كلا الموضعين يقرر النبي وصف المسيح كمخلّص وكديان لأنه سيأتي ثانياً ليدين الأحياء والأموات كما قال ذلك بنفسه "وأعطاه (الآب) سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان. لا تتعجبوا من هذا. فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو 5: 27 – 29).

وفي الإصحاح 28 وردت النبوة التي تمثله بحجر الزاوية. ووردت نبوة في الإصحاح 32 تنبئنا بملك سيملك بالعدل وبإنسان سيكون كمخبأ من الريح وستارةٍ من السيل كسواقي ماء في مكان يابس كظل صخرة عظيمة في أرض معيية – صخر الدهور المشار إليه في إصحاح 26: 4.

عبد الرب: إن أشعياء، (إصحاح 42 – 52) يمثل لنا المسيح كعبد الرب: "هو ذا عبدي". بعض هذه النبوات يشار بها لأول وهلة – إلى كورش الملك الذي علم أشعياء بالوحي أنه سيخلص إسرائيل من الأسر البابلي. ولكن في أكثر تعابير النبي ما يشير إلى مخلص أعظم من كورش، وخلاص أجل وأفضل من الأسر البابلي. والعبارات المبشرة برد منفيي أورشليم هي من السعة والعظم بحيث لا يمكن تطبيقها على رجوع الفئة القليلة التي رجعت إلى أورشليم بأمر كورش الملك، كما أن كثيراً من العبارات المنوه بها عن عبد الرب الذي يصنع مسرته لا تصدق على كورش بوجه من الوجوه؛ ولا شك أنها تشير إلى مخلص أعظم هو المسيح والبركات المحكي عنها بأنها تتناول أمم الأرض بواسطة شعبه الخاص تتحقق عندما يخلص إسرائيل كما قال الرسول بولس (رومية 11) حينما يقتبس من نبوة اشعياء (ص 46: 22).

تبتدئ النبوات بآلام المسيح من إصحاح 49. يصرح أشعياء بأن ذاك الذي سيحتقره الشعب ويكرهونه تتعبد له الملوك ويُجعل عهداً للشعب. وتزداد الأخبار بآلامه في الإصحاح التالي. إن ذاك الذي أُعطي لسان المتعلمين لم يعاند ولم يقاوم بل بذل ظهره للضاربين وخده للناتفين، ولم يستر وجهه عن العار والبصق. وفي إصحاح 52 نقرأ ثانياً عن عبد الرب أن منظره كان مفسداً أكثر من بني آدم. ومع ذلك ينضح أمماً كثيرين. ومن اجله يسد ملوك أفواههم.

وهذا يؤدي بنا إلى ذكر ما ورد في إصحاح 53 حيث صورة آلام المسيح مستوفاة أكثر من أي نبوة أخرى من أسفار العهد القديم عن آلام المسيح. فذكر فيه سبعَ مرات أنه حمل خطايانا (1) مجروح لأجل معاصينا (2) مسحوق لأجل آثامنا (39 الرب وضع عليه إثم جميعنا (4) ضُرب من أجل ذنب شعبي (5) جعل نفسه ذبيحة إثم (6) آثامهم هو يحملها (7) حمل خطية كثيرين.

ولأجل بيان تحقيق هذه النبوات وحصولها في شخص المسيح يلزم مراجعة نصوص العهد الجديد في هذا الموضوع وهاك هي:

 

أشعياء ص 53 متحقق في المسيح
عدد 1 من صدق خبرنا (يو 12: 37) لم يؤمنوا به
ولمن استعلنت ذراع الرب 0لو 10: 21) أعلنتها للأطفال
عدد 2 نبت قدامه كفرخ
وكعرق من أرض يابسة
(يو 15: 1) أنا الكرمة الحقيقية
(أش 11: 1) يخرج قضيب من جذع يسي وينبت غصن من أصوله
لا صورة ولا جمال (أش 52: 14) كان منظره كذا مفسداً أكثر من الرجل وصورته أكثر من بني آدم
فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه (1 كو 2: 14) الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله
عدد 3 محتقر (مت 27: 29) كانوا يجثون قدامه ويستهزئون به
ومخذول من الناس (يو 18: 40) ليس هذا بل باراباس
رجل أوجاع (مر 14: 34) نفس حزينة جداً حتى الموت
ومختبِر الحزن (يو 11: 35) بكى بسوع
وكمستتر عنه وجوهنا (يو 5: 40) لا تريدون أن تأتوا إليَّ لتكون لكم حياة
محتقر فلم نعتدَّ به (1 كو 1: 23) لليهود عثرة ولليونانيين جهالة
عدد 4 لكن أحزاننا حملها (عب 4: 15) مجرب في كل شيء مثلنا
وأوجاعنا تحملها (يو 11: 38) انـزعج يسوع أيضاً في نفسه وجاء إلى القبر
ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً (لو 23: 53) فليخلِّ نفسه إن كان هو المسيح مختار الله
عدد 5 هو مجروح لأجل معاصينا (1 بط 3: 18) المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الأثمة
مسحوق لأجل آثامنا (يو 19: 1) أخذ بيلاطس يسوع وجلده
تأديب سلامنا عليه (كو 1: 20) عاملاً الصلح بدم صليبه
وبحبره شفينا (عب 10: 10) نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة
عدد 6 كلنا كغنم ضللنا (رو 3: 23) الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله
ملنا كل واحد إلى طريقه (في 2: 21) الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح
والرب وضع عليه إثم جميعنا (2 كو 5: 21) جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا
عدد 7 ظُلم (لو 22: 44) وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة
أما هو فتذلل (يو 19: 5) حامل إكليل الشوك
ولم يفتح فاه (1 بط : 23) إذ تألم لم يكن يهدد
كشاة تساق إلى الذبح (مت 27: 31) مضوا به للصلب
وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه (مت 27: 14) فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة
عدد 8 من الضغطة ومن الدينونة أُخذ (يو 18: 24) وكان حنان قد أرسله موثقاً إلى قيافا
قُطع من أرض الأحياء (أع 2: 23) بأيدي أثمةٍ صلبتموه وقتلتموه
ضُرب من أجل ذنب شعبي (يو 11: 51) تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة
عدد 9 جُعل مع الأشرار قبره ومع غني موته[3] (مت 27: 57 – 60) رجل غني من الرامة اسمه يوسف ... طلب جسد يسوع ....
على أنه لم يعمل ظلماً (1 بط 2: 22) الذي لم يفعل خطية
ولم يكن في فمه غش ولا وجد في فمه مكر
عدد 10 أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن (رو 8: 32) الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا
جعل نفسه ذبيحة إثم (يو 3: 16) هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد
يرى نسلاً لكي لا يهلك من كل يؤمن به
تطول أيامه بل تكون له الحياة الأبدية
مسرة الرب بيده تنجح (يو 17: 4) أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته
عدد 11 من تعب نفسه يرى ويشبع (عب 12: 2) من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب
بمعرفته يبرر كثيرين (يو 17: 3) هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته
وآثامهم هو يحملها (1 بط 2: 24) الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة
عدد 12 لذلك أَقسم له بين الأعزاء (في 2: 9) لذلك رفّعه الله أيضاً
ومع العظماء يَقسِم غنيمة (كو 2: 15) جرّد الرياسات والسلاطين
(عب (1: 2) جعله وارثاً لكل شيء
من أجل أنه سكب للموت نفسه (يو 10: 15) أنا أضع نفس عن الخراف
وأحصي مع أثمة (مر 15: 27) وصلبوا معه لصين
وهو حمل خطية كثيرين (عب 9: 28) قُدّم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين
وشفع في المذنبين (23: 34) يا أبتاه اغفر لهم
(عب 7: 25) هو حي في كل حين ليشفع فيهم

 

الكفارة: "عند موته" في الأصل العبراني بصيغة الجمع أي عند ميتاته. فمن المحتمل أنه قصد بصيغة الجمع أي عند ميتاته. فمن المحتمل أنه قصد بصيغة الجمع التعظيم تنويهاً بسمو قدر كفارته عن الخطايا، أو قصد الإشارة إلى موت جماعة المفديين في شخص نائبهم وفق الآية القائلة "إن كل واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذا ماتوا" كأن موته مثل موت الجمهور العظيم الذي مات من أجله. ومما هو جدير بالملاحظة أنه من بعد استيفاء النبوات الدالة على آخر منازل اتضاعه تبتدئ أغاني النصر ينشدها المفديون. والإصحاح التالي يبسم عن مستقبل مجيد ويتبع ذلك الدعوة الإنجيلية في إصحاح 55 "أيها العطاش جميعاً هلموا إلى المياه" وهذه الدعوة تمثل لنا يسوع وهو ينادي في احد مواقفه "إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب".

ملك المسيح: الإصحاحات الختامية فائضة بأنباء الغلبة والانتصار كما وأنها تكرر ذكر الضربات والانتقامات التي تقع على وجه الأرض إعداداً لوليمة الألف سنة. وفي ذلك الوقت يكون اليهود قد عادوا من شتاتهم إلى أرضهم ولعد إيمانهم يكابدون ضيقة عظيمة ولكنهم لما ينظرون إلى الذي طعنوه (زك 12: 10) وقد رجع من السماء محفوفاً بالمجد والقوة ومعه كنيسته ليجري دينونة على الأرض (يهوذا 14 و 15) – يرفع البرقع من على بصائرهم (2 كو 3: 15 و 16) ومن ثم يقبلونه كالمسيا الذي عليه رجاؤهم ويملك عليهم على كرسي داود أبيه (أش 9: 7؛ 16: 5) وتغدو أورشليم تسبحة الأرض (62: 7). وفي أثناء هذا المُلك يُقيَّد إبليس (أش 24: 21 و 22؛ رؤ 20: 1 – 3)؛ ويسود السلام على كل الشعوب والأمم (أش 2: 4)؛ حتى إن الوحوش الضارية تعدل عن طبعها تماماً وتصير أليفة، وتطول أعمار البشر كما كانت قبل إرسال الطوفان (65: 25، 20 – 22)، وتعود مياه فلسطين إلى عزارتها الأولى (30: 23 و 25؛ 41: 18 و 19؛ 35: 1 و 2 و 7)؛ ويخلص كل إسرائيل خلاصاً أبدياً (45: 17)؛ وما وعد به الله من مباركة أمم الأرض بواسطة شعبه يتم (تك 12: 2 و 3؛ رو 11: 15؛ أش 2: 2 و 3؛ 66: 12 و 19؛ و 60 و 61 و 62).

نبوة عن بابل: تنبأ أشعياء عن هذه المدينة وتحقق ما تنبأ به في كل من سقوطها وخرابها. نودي بالجيوش من على الجبال ومن أرض بعيدة: جيوش فارس (13: 4) يمدهم جيوش المديانيين (13: 17). حشدهم الرب على بابل الأثيمة انتقاماً منها (13: 2 و 3 و 11 و 19) والأرض ترتجف تحت اقدام من وكّل إليهم الانتقام. وفي إصحاح (21: 2) خبر أن جيش مادي وفارس يحاصرون عاصمة كلدان بابل العظيمة. ورأى حارس المدينة الأعداء قادمين على خيلهم وحميرهم وجمالهم (21: 7).

وجاء في أخبار نبوته أن بابل تسقط في يد الأعداء وسكانها لاهون في ولائمهم يوم عيدهم (21: 5 ودانيال 5) ويستولي عليهم الرعب فجأة فلا تبقى فيهم روح للدفاع (13: 8). ويصف دانيال حال المدينة وملكها يوم سقوطها في قبضة العدو. فيقول عن الملك "انحلت خرز حقويه واصطكت ركبتاه" ويقول "أيضاً في تلك الليلة قتل بيلشاصر ملك الكلدانيين" وفتحت أبواب بابل لاستقبال كورش (45: 1). ويثبت التاريخ ان الحصار والفتح وقتل بيلشاصر تم في ليلة واحدة كما ورد في النبوة. وتحرير الخبر أن جنود كورش اجتازت إلى قلب المدينة من أقنية المياه بعد تصريف مياهها إلى جهة أخرى ولما دنوا من أبواب المدينة وجدوها مفتوحة إذ قد تشاغل الحراس عن إغرقها تلك الليلة بملاهي العيد ومعاقرة الخمر والقصف. ولو كانت الأبواب مغلقة والحراس حذرين لعجز العدو عن الدخول إلى المدينة وباء بالخسران. إلا أن العناية الإلهية قدرت أن تفتح الأبواب أمام كورش تنفيذاً لما أوعد به بابل على لسان نبيه. وبين ليلة وضحاها نفذ القضاء ونودي بالويلات والحسرات: "سقطت بابل وجميع تماثيل آلهتها المنحوتة كسّرها إلى الأرض" (21: 9 و 46: 1 و 2).

أنبأ النبي عن مستقبلها المظلم حيث قال "لا تُعمَر إلى الأبد ولا تُسكن إلى دور فدور. ولا يخُيم هناك أعرابي ولا يربض هناك رعاة بل تربض هناك وحوش القفر ويملأ البوم بيوتهم وتسكن هناك بنات النعام وترقص هناك معز الوحش وتصيح بنات آوى في قصورهم والذئاب في هياكل التنعم" (13: 20 – 22). وصف النبي ما ستكون عليه حالة بابل اليوم وصفاً دقيقاً كأنه يراها بالعيان فإنه ليس فيها اليوم مساكن ولا يربط عندها راعي وأغرب من ذلك أن الرعاة يوعون في الأراضي المجاورة لها ولكنهم لا يجسرون على الدنو منها لاعتقادهم أنها مسحورة. كل المدن التي وقع بها الخراب تجد غالباً ضياعاً بجوارها أو على الأقل أكواخاً أما بابل فموحشة من بني آدم على الإطلاق.

قال أحد المؤرخين من أبناء القرن الرابع عشر في وصف بابل "إنها مهجورة ومملوءة من التنانين والحيات العظام". وهي لا تزال على هذه الحالة إلى اليوم: ينعق البوم في غاباتها، وتزأر الأسود في أطلالها، وتكمن بنات آوى في أخاديدها، وتغطيها أكوام من الرديم تغوص في تربتها الأقدام. وتم فيها ما تنبأت به التوراة "وتكون بابل كوماً" (أش 47: 1). وزاد الطين بلة أن ذخائرها الدفينة أثارت مطامع السياح حتى أمعنوا فيها تخريباً وتنقيباً طمعاً بالغنم مصداقاً للنبي القائل "كل مغتنميها يشبعون" (أر 50: 10). "صارت مدنها خراباً أرضاً ناشفة وقفراً أرضاً لا يسكن فيها إنسان ولا يعبر فيها ابن آدم" (أر 51: 43). كانت بابل في أيام مجدها محاطة بالأراضي الزراعية إلى مسافات بعيدة من ساحل النهر، وعانى الكلدانيون مشقة حتى أصلحوا تلك الأراضي وأبلغوها من الجودة والخصب بحيث صارت عديمة النظير. ولكنها لما أهملت سنين وقروناً أمحلت وأجدبت وأمست مستنقعات وبراري.

أقسام نبوة أشعياء

يمكن تقسيم سفر أشعياء إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول والثالث يحتويان نظماً من إبداع القصائد لفظاً ومعنى. والقسم الثاني أكثره نثر. إصحاحان منه مرتبطان بالقسم الأول ويسردان عزوة الآشوريين ونتائجها؛ وإصحاحان مرتبطان بالقسم الأخير وفيهما خبر مرض زكريا وشفائه وحادثة سفراء بابل.

القسم الأول من (ص 1 – 35)

1- ملامات مصوبة غالباً إلى يهوذا وأورشليم (ص 1 – 12) المجد الآتي (ص 11 و 12).

2- عقوبات تلحق الأمم المعادية ليهوذا كبابل وسوريا ومصر وصور (ص 13 – ص 23).

3- عقوبة تقع على العالم والسامرة ويهوذا. الخطايا الموجبة لهذه العقوبة. غزوة آشور وخراب أورشليم (ص 24 – ص 35).

القسم الثاني (من ص 46 – 39)

1- الغزوة الآشورية ونتائجها (36 و 37) (ملحقان بالقسم الأول).

2- مرض حزقيا وشفاؤه. سفراء بابل. النبوة عن سبي بابل (ص 38 و 39) (ملحقان بالقسم الثالث).

القسم الثالث من (ص 40 – 66)

1- تعزية. مقابلة بين السيد الرب والأصنام وبين إسرائيل والأمم. وجملة معترضة تنتهي بإنذار الدينونة "لا سلام قال إلهي للأشرار" (ص 40 – 48).

2- عبد الرب. مقابلة بين ما يقاسيه من الآلام وبين ما يحرزه من الأمجاد التي بعدها. وجملة معترضة تنتهي بالدينونة "لا سلام قال إلهي للأشرار" (ص 49 – ص 57).

3- المجد الموعود به. مقابلة بين المخلصين والمرائين وبين الخطية الحاضرة والحزن والقداسة المستقبلة وأسباغ البركة (ص 58 – 66). ثم جملة معترضة تنتهي بدينونة أكثر هولاً مما تقدم (66: 34)

الصليب هو المحور: السبعة والعشرون إصحاحاً المكون منها القسم الثالث هي قصيدة كبيرة عن المسيا تنقسم هي أيضاً إلى ثلاثة أقسام. وكل قسم منها يحتوي على ثلاثة أجزاء كل منها يتألف من ثلاثة إصحاحات. والإصحاح 53 – مع الثلاثة أعداد الأخيرة من إصحاح 52 – هو الإصحاح الأوسط من الجزء الأوسط من هذه القصيدة الكبيرة، وهي واقعة وسط الأسفار النبوية من العهد القديم. والآية الوسطى من الإصحاح الأوسط تتضمن خلاصة الإنجيل:

مجروح لأجل معاصينا

مسحوق لأجل آثامنا

تأديب سلامنا عليه

وبحبره شفينا

وحدة سفر أشعياء

إنه لا يمكن أن يذكر إجمال تام عن سفر أشعياء بدون أن نلمح إلى المسألة التي ظهرت مؤخراً وهي: هل مؤلفه شخصان أو أكثر. وقيل: ما هي أهمية هذا الموضوع؟ وما الفرق إذا كانت النبوة قد كتبها شخص واحد أو اثنان أو عشرون شخصاً؟ - فحسب الظاهر ربما يقال أنه لا فرق على شرط إثبات الوحي به. لأنه إن تحقق لدينا أن روح الله هو المتكلم فمسألة اليد البشرية لا أهمية لها. ولكن لأننا نرى أن مسألة الوحي هي من الأهمية بأعظم مكان لذلك كانت المسألة ذات أهمية عظمى.

أولاً – لأن إنكار وحدة سفر أشعياء مؤسس على إنكار القوة الخارقة الطبيعة المتنبئة، أي التي تعرف بالحوادث وتقررها قبل حدوثها.

ثانياً – لأن إنكار وحدته يبطل صحة العهد الجديد وسلطانه.

وفي كلامنا عن هذا المسألة نغض الطرف عن هذا التقسيم السابق لسفر أشعياء إلى ثلاثة أقسام. ونقول إن أشعياء مقسوم إلى قسمين رئيسيين أحدهما من (ص 1 – 39) والآخر من (ص 40 – 66). وأن القسم الأول كتبه النبي اشعياء بن آموص، والقسم الثاني كما يدّعون كتبه نبي مجهول في أثناء سبي بابل. فلنبحث الآن في المسألة.

أولاً من جهة اللغة: قال المعترضون أن اختلاف اللغة في قسمي السفر هو سبب الشك في وحدته. لكن علماء اللغة العبرانية العظام – إلا ما ندر جداً – يقررون أنه لا توجد لازبة لغوية تضطرنا لأن نفكر أن سفر أشعياء كتبه كاتبان أو أكثر. بل قد قالوا أن المشابهة بين أسلوب القسم الأول وبين القسم الثاني لهي أغرب جداً من المشابهة بين أي من القسمين وبين أي سفر آخر من أسفار العهد القديم، والمماثلة بين قسمي السفر عجيبة. بهذا المقدار حتى التزم الذين ينسبون السفر لمؤلفين أن يقولوا أن أشعياء الثاني قد قلد أسلوب أشعياء الأول.

حقاً إننا إذا راعينا طول المدة التي مارس فيها أشعياء النبوة كما اخبرنا هو في سفره – من أيام عزيا إلى أيام حزقيا أي زهاء ستين سنة – وراعينا أيضاً اختلاف المواضيع التي كتب عنها رأينا سبباً كافياً لأن يعلل ما يمكن أن يُرى هنالك من اختلاف الأسلوب. على أننا نقول أن أشعياء الثاني يستعمل كلمات لا تعرف إلا عند أشعياء الأول والتي صارت غير معروفة في أيام أرميا. وأشعياء الثاني يظهر نفسه أن له اصطلاحات علمية لا يشاركه فيها أحد غير أشعياء الأول. هذا ما يؤكده العلامة البروفسور مرجوليوث في كتابه "الدفاع عن وحي الكتاب المقدس". وهذا العلامة هو أعظم ثقة في العالم في معرفة الكتاب العبراني.

والعلامة بركس في درسه الكلمات المستعملة في أشعياء الأول والثاني والتي لم ترد في سفر آخر من أسفار الأنبياء وجد كلمات كثيرة جداً بحيث قال أن عدد الكلمات المبتدئة بحرف (ألف) أربعون كلمة.

ثانياً من جهة التنبؤ: إن سبب إنكار وحدة سفر أشعياء يتجاوز مسألة لغته إلى مسألة إنكار القوة الفائقة الطبيعة في النبوة. وكما يقول الدكتور باين سميث: إذا رفعنا من الوسط حجر العثرة العظيم الذي هو حقيقة الأنباء بالمستقبل صار كل شيء سهلاً من جهة صحة السفر.

أن يتنبأ النبي عن سقوط بابل ويقول عنها إنها سيدة الممالك بينما لم تكن قد وصلت في أيامه إلى أوج مجدها كسيدة الممالك كما وبينما آشور كانت العدو اللدود للأمة اليهودية، وأن يتنبأ عن الإنقاذ من السبي قبلما يسبى الشعب، وأن يتنبأ أن الخلاص يأتي عن طريق الفرس بينما هاتان الأمتان كانتا منفصلتين عن بعضهما وعديمتي الأهمية عندما تنبأ، وأن يذكر المنقذ من السبي باسمه "كورش" قبل ولادته بمئة سنة، هذه هي حجارة عثرة للذين لا يرون في النبوة إلا فهماً بشرياً وبصيرة رجل صالح يفهم الأزمنة. أما للمؤمنين فهي تثبيت لإيمانهم بالله القدير الذي أوحى لأنبيائه بروحه القدوس

وفي القسم الثاني يقول الله نفسه عن لسان نبيه أن إتمام النبوات الأولى هي أساس للإيمان بأن النبوات الأخيرة لا بد أن تتم (أسش 48: 3 – 5). فهذا القول يكون عديم المعنى إذا لم تكن سابقاً نبوات يشير إليها. ومن ضمن النبوات الواردة في القسم الأول الهجوم على السامرة، وخرابها على يد سنحاريب، وغارته الهائلة على أورشليم، وإنقاذها الأخير وخلاصها النهائي، وإطالة عمر حزقيا.

والآن يطلب الله من شعبه المختار أن ي كونوا شهوده لإتمام ما تنبأ به في الإصحاحات من 40 – 46 (انظر ص 43: 9 و 10) ويتحدى الأصنام، آلهة الأمم، وينازلها إلى المبارزة لإثبات صحة دعواها أو بُطلها – ويتحداها أن تنبئ بحوادث مستقبلة (ص 41: 23 و 42: 7 – 9).

إن ذكر كورش يعتبر معجزة، الغاية منها أن يعلم كل العالم من المشرق إلى المغرب أن الرب الإله هو الإله الوحيد لا سواه (ص 45: 4 – 6).

إن ذكر كورث يعتبر معجزة، الغاية منها أن يعلم كل العالم من المشرق إلى المغرب أن الرب الإله هو الإله الوحيد لا سواه (ص 45: 4 – 6).

إن ذكر كورش باسمه قبل وجوده بزمن مديد قد كان له تأثير كلي في كورش نفسه وفي شعب إسرائيل. فيخبرنا يوسيفوس إن قراءة كورش لنبوة أشعياء عنه قادته لأن يصدر أمره ويقول "هكذا قال كورش ملك فارس أن الرب إله السماء قد أعطاني جميع ممالك الأرض وهو أوصاني أن أبني له بيتاً في اورشليم التي في يهوذا (2 أي 36: 23). فلو كانت النبوة كتبت في بابل حوالي ذلك الوقت عندما كان اسم كورش مشهوراً، ولو كان كورش نفسه معاصراً للوقت الذي كتبت فيه، فهل يصدق أن يكون أن يكون لهذه النبوة تأثير في كورش حتى يصدر الأمر الذي أصدره؟

قد سبقنا ونوهنا عن تأثير نبوة أشعياء في اليهود أنفسهم. فإنهم كانوا قد نـزلوا إلى بابل ولهم ميل شديد إلى الوثنية. ثم رجعوا منها وبقوا إلى يومنا هذا متمسكين غاية التمسك بوحدانية الله. فلا يمكن أن تتغير أمة هذا التغيّر العجيب إلا بالإقتناع بقوة قاهرة. وهذا الاقتناع قد تم لهم عندما لاحظوا أن نبوات أشعياء قد تمت بالحرف الواحد، وتحققوا أن الله قد سبق قرأى هذه الحوادث وأنه أعلمَ بهذه منذ القديم وأخبر بها منذ زمان (ص 45: 21) فرجع قلب الشعب المختار إلى الأبد من الأصنام إلى عبادة الرب الإله.

ثالثاً من جهة التاريخ: إن التاريخ باطراد ينسب القسم الثاني من السفر إلى أشعياء النبي نفسه. ولم يعرف قط زمن وجد فيه القسم الثاني مستقلاً عن القسم الأول أو منفصلاً عنه. ومقرر بأن اتحاد القسمين معاً كان معروفاً من ايام عزرا. فلو كان القسم الثاني قد كتبه احد عاصريه أو نبي عاش في الجيل السابق له لكان عرف ذلك جيد المعرفة. أما إذا تجرأ أحد أن ينسب لعزرا الغفلة أو الغش فذلك يخالف ما هو مشهور عن صفاته وأخلاقه. ومعلوم ان الترجمة السبعينية قد ترجمت سنة 280 ق.م وتحتوي على السفر بأكمله تحت اسم سفر أشعياء بن آموص. وأن احد أسفار الأبوكريفا، المدعو سفر حكمة سليمان، الذي كتب سنة 200 ق.م. يقول: "إن أشعياء قد رأى بروح فائقه ما هو عتيد أن يحدث في الآخر وعزى نائحي صهيون، وذكر ما سوف يحدث إلى الأبد وكشف خفايا المستقبل.

فشهادة التاريخ العمومية تبرهن ببراهين دامغة ضد منكري نسبة القسم الثاني من السفر إلى أشعياء النبي. وكما يقول العلامة إدوارد ستراتشي "إن قوانين المنتقدين المألوفة تستلزم أن نقبل أشعياء كمؤلف للسفر المنسوب إليه بأكمله إلى أن يثبت خلاف ذلك".

ولنبحث الآن في شهادة العهد الجديد عن وحدة سفر أشعياء: إن شهادة العهد الجديد لهي قاطعة مانعة. فإنه قد ذكر فيه ليس اقل من إحدى وعشرين مرة أن كاتب هذا السفر هو أشعياء النبي. يشار عشر مرات إلى القسم الأول من السفر، وإحدى عشرة مرة إلى القسم الثاني. يقول العلامتان وستكوت وهورت أن سفر أشعياء بأكمله مقتبس منه أو مشار إليه في العهد الجديد أكثر من مئتين وعشر مرات. والقسم الثاني (أي الإصحاحات 40 – 66) مشار إليه أكثر من مئة مرة.

ويشهد كتبة العهد الجديد عن سفر أشعياء بقولهم "كلام أشعياء النبي الذي تكلم به بالروح القدس". ويذكر متى البشير بوضوح أن كاتب ص 42 من سفر أشعياء هو أشعياء نفسه (مت 12: 17 و 18). ويقول لوقا أن ص 53 من سفر أشعياء قد كتبه أشعياء النبي (أع 8: 28 – 35)، وأن إصحاح 66 قد كتبه أشعياء نفسه (لو 4: 17). ويوحنا كذلك ينسب الإصحاح 53 والإصحاح السادس لأشعياء بالاسم (يو 12: 38: 43). وكذلك بنسب بولس الرسول ص 53 و 65 إلى النبي أشعياء ذاته (رو 10: 16 و 20). فنرى أن كتبة العهد الجديد ينسبون السفر بأكمله إلى أشعياء مميزين بين السفر وبين النبي نفسه الذي كتب السفر (انظر لو 4: 17 و 3: 4 ويو 12: 41)

وأخيراً وحدة القصد: إن وحدة الفكر والقصد في السفر، من أوله لآخره، شهادة قاطعة عن وحدة المؤلف.

إن العلامة مرجوليوث يقتبس أقوال أرسطاطاليس الفيلسوف فيقول: إن صنع الآلة يجب أن يكون متركباً ومؤتلفاً معاً بحيث إذا نـزعنا جزءاً منه يتسبب عن ذلك تحطيمها بأكملها. ويقول إننا إذا طبّقنا هذا المبدأ على سفر أشعياء وجدنا أن وحدة ذلك السفر المنسوب إلى ذلك النبي محققة بطريقة جلية واضحة. والذين أرادوا أن يقسموا سفر أشعياء إلى قسمين وجدوا أنه مستحيل عليهم أن يرسوا على تاريخ متقدم كتب فيه القسم الأول بتمامه من غير مناقضة. وكذلك وجدوا أنه مستحيل عليهم أن يقرروا هل كتب القسم الثاني بتمامه في أثناء السبي البابلي أو بعده لأن سقوط بابل متنبأ عنه (في إصحاح 13 و 14). ولذلك نجد المعترضين، لما تحيروا وارتبكوا، التزموا أن يقولوا أن هذين الإصحاحين وغيرهما من القسم الأول قد كتبا مؤخراً. فمن ذلك نرى تعنت المعارضين وغرض المنتقدين في إنكار معجزة التنبؤ على أنبياء الله الذين قد تكلم الروح القدس على يدهم.

إن هيئة الوثنية التي اشتكي بها على اليهود في ص 57 ووصفت أيضاً في الأجزاء الأولى من السفر قد ارتكبها اليهود في أرضهم قبل السبي. ومحتويات ذلك الإصحاح لا توجد إلا في فلسطين: فما ذكر فيه من الجبال العالية، وشقوق المعاقل، وحجارة الوداي الملس، لا تعرف في سهل بابل المجروف بالمياه. ولذلك اضطر المعارضون أن ينسبوا كتابة هذا الفصل وغيره من فصول القسم ا لثاني إلى عصر أسبق من العصر الذي ادعوا أنه كتب فيه. فبأعمالهم هذه قد جعلوا هذا السفر مرقعاً ترقيعاً وملفقاً تلفيقاً.

ذهب البعض إلى أن سفر أشعياء هو مجموعة كتابات، لكتبة مختلفين، ضمت معاً. ولكن نذكِّر القارئ بأن أسفار الأنبياء الصغار قد خصصت بالشخص الذي عُنونت باسمه، حتى الذين لم يكتبوا إلا إصحاحاً واحداً فقط. إن وحدة الفكر والأسلوب في سفر أشعياء هو دليل قاطع ضد الذين يقولون بتعدد كاتبيه. فإن الذي يطالع سفر أشعياء من أوله إلى آخره يجد نفسه مضطراً أن يعرفه باسمه جيد المعرفة وأنه هو الذي كتبه دون سواه. كان من عادة كتبة اليهود أن يذكر الواحد منهم اسمه في بداءة كتابته، ولا يستثنى منهم اشعياء (ص 1: 1). وكون هذه الآية ليست مقدمة الإصحاح الأول فقط، أو مقدمة أي جزء من السفر، فذلك واضح من ذكره أسماء الأربعة الملوك الذين قد تنبأ في أثناء حكمهم. فقد قصد بذكر هذه النقطة أن تكون ختماً للسفر بأكمله.

لا شك أننا لاحظنا أن الجداول التي تتبعناها في درسنا سفر أشعياء كانت متصلة وغير منقطعة، وأننا اقتبسنا الشواهد من كلا القسمين معاً. إن رؤيا أشعياء في الهيكل، عندما أتته الدعوة للوظيفة النبوية، لهي فاتحة عظمى للنبوة بأكملها. وقد رأينا فاعليتها مما وقع عليه من التأثير عند رؤيته قداسة الله وجلاله. ومن ذلك الوقت نراه طابعاً اسم الله القدوس على جميع نبواته كأنه سبق ورأى الصعوبات التي أمامنا الآن.

ويمكننا أن نقتفي آثار هذه الوحدة أيضاً في عمومية قصد الله نحو كل العالم. ووحدة السفر ترى بهيئة أوسع في النقطة المركزية لذلك السفر أي شخص مسيا (المسيح)، في عمل فدائه العجيب، وفي عمومية ملكوته – ملكوت البر. والخلاص والدينونة، والسلام الذي هو نتيجة ذلك البر، وسلطان الله وجلاله في الخلق بالمقابلة مع الأوثان صنعة أيدي البشر – هذه هي المواضيع التي يتنبأ عنها سفر أشعياء والتي نجدها في السفر كله من أوله إلى آخره بهيئة متصلة غير منقطعة.

[3]- كانت النية من بدء الأمر أن يدفن مع اللصين في مقابر المجرمين ولكن قد حالت دون نيتهم المقادير لأن رجلاً غنياً من الرامة اسمه يوسف تلميذ سري ليسوع تقدم إلى بيلاطس وطلب منه الجسد فرخص له بأخذه فكفنه بكرامة ودفنه في قبره الجديد وبهذه الكيفية تمت النبوة حرفياً.

  • عدد الزيارات: 14733