Skip to main content

الباب الأول: في أصل الأعياد

إننا قبل أن نشرع في ذكر الأمور الخصوصية من هذا الموضوع نذكر بعض أمور عمومية.

الأول أن الأعياد لم يأمر المسيح بحفظها وليس لها ذكرٌ بين أوامر الرسل ولو كان قد حُفِظَ منها شيء في قرون الكنيسة الأولى. ومما يستحق الاعتبار أن المسيح لم يعيِّن يوماً لأجل تذكار شيءٍ ما من حوادث حياته كميلادهِ وموتهِ وصعودهِ إلى غير ذلك ما عدا السبت الذي نُقِلَ ربما بأمره من اليوم السابع إلى اليوم الأول من الأسبوع تذكاراً لقيامتهِ. ومع أن هذه الحوادث هي من أعظم الأمور التي ظهرت في العالم والبعض منها قد تأسست عليه الديانة المسيحية لم نذكر في مكان أنه أمر بتذكارها في يوم مخصوص إذ لم يُعين يوماً لصوم ولا يوماً لعيد. وهكذا يُقال أيضاً عن الرسل وهو من القضايا المسلمة التي لا شكَّ فيها مهما كانت الغاية به ومهما استغربه بعض الناس.

نعم إن المسيح ورسلهُ كانوا يغتنمون الفرصة في أعياد اليهود لكي يعلِّموا الشعب. ولأجل هذه الغاية كانوا يدخلون المجامع والهيكل في هذه الأعياد. ولكن لا ينتج من ذلك أن حفظ هذه الأعياد واجبٌ على أتباعهم. بل يعكس ذلك إذ لاحظ بولس الرسول أن البعض كانوا يريدون أن يكلِّفوا المسيحيين حفظ سنن اليهود كالأعياد وغيرها كأنها واجبة عليهم كان يقاوم ذلك بكل عزمٍ وغيرةٍ [4]. ونجد الجزء الأعظم من بعض رسائله مُشغلاً بهذه المقاومة لأنه لم يرتضِ أن المسيحيين يكونون تحت نير مثل هذه العبودية بل يريد أن يتمتعوا بالحرية التي أعطاهم إياها الإنجيل.

وبناءً على ذلك مهما سمعنا من مديح حفظ الأعياد لأجل نموّ التقوى لا ننسى أنه غير مأمورٍ بها في الإنجيل ولو سلَّمنا أنه يليق بالمسيحي ويفيده أن يحفظ بتقوى حقيقية يوماً لتذكار ميلاد المسيح أو موته أو آلامه أو حلول الروح القدس إلى غير ذلك. لكننا لا نبحث الآن عن إثبات اللياقة لهذا الأمر أو نفيها عنه إنما مقصودنا هو أن نُثبت هذه القضية البسيطة وهي أنه في العهد الجديد لا يوجد وصية بحفظ الأعياد.

الثاني أن جميع الأعياد المحفوظة بعد أيام الرسل في الكنائس الأولى ما عدا الأحد كانت اختياريةً بالكلية ولم يُطلب حفظها قط كأنها واجبة وجوب الوصية. فإن سقراط الذي كتب تاريخاً للكنيسة بين سنة 440 وسنة 450 للمسيح وتثبّّتت أقواله من نيسيفورس [5] يقول لا بولس ولا أصحاب الأناجيل وضعوا نير عبودية على الذين قبِلوا تعليمهم بل تركوا حفظ الفصح وأعياد أخرى إلى اختيار الجميع. وكذلك لا الرب يسوع ولا رسله سنّوا شريعة بخصوص هذه العوائد توجب حفظها تحت التهديد والقصاص كما أوجبت شرائع موسى على اليهود [6] ومثل ذلك وردت أقوال غيره من الآباء كما يتضح من مراجعة تصانيفهم مثل اكليمنضس الاسكندري [7] واوريجانوس [8] وفم الذهب [9] وايرونيموس [10] واوغستينوس [11] وآخرين غيرهم. ولم يُؤْمَر بحفظ أيامٍ مخصوصةٍ أعياداً حتى القرن الرابع أعني بين سنة الثلاث مئة والأربع مئة بعد المسيح. وحينئذٍ كان أول من أمر بذلك بعض مجامع إقليمية مثل مجمع سرديقا سنة 344 ومجمع اللاذقية سنة 361 ومجمع اليبرريس سنة 305 [12].

الثالث أن عدد هذه الأعياد كان في الأول قليلاً جداً. فإنه إلى أيام اوريجانوس الذي توفي سنة 145 لم يكن أعياد عمومية إلا جمعة الآلام والفصح والعنصرة والأحد الذي كان دائماً يُعتبر عيداً عمومياً [13] وفي القرن الرابع نجد أيضاً عيد الميلاد. ثم بعد ذلك زاد عدد الأعياد ولم تزل تكثر بالتدريج حتى صارت كثيرةً جداً وصار كثيرون من القرن السادس إلى الثامن يتذمرون من كثرتها.

وأما أسباب هذه الزيادة فكانت كثيرة. يذكر منها أحد مشاهير المعلمين [14] هذه الأسباب الآتية مع غيرها. وهي تذكار الشهداء سنوياً. وسنن مرسومة من قسطنطين الكبير. ورغبة المسيحيين في مساواة الهراطقة الذين كانوا يرسمون أعياداً مختلفة عما كان عند المستقيمي الرأي. ورسم عيد الميلاد الذي صدرت منه أعيادٌ كثيرة. وطلب اجتذاب المسيحيين عن الاشتراك في أعياد الوثنيين وعوائد اليهود التي كانوا مائلين إليها. ويتضح أنهم كانوا مائلين إلى ذلك ميلاً شديداً من الوقوف على كتابات الآباء [15] وأحكام المجامع التي كانت في تلك الأيام كمجمع اللاذقية ومجمع اليبرريس [16] فإن الشعب في الأزمنة المتأخرة لم يكتفوا ببساطة عبادة المسيحيين الأوليين التي يصفها المحامون الأولون عن الديانة المسيحية كيوستينوس الشهيد [17] وارنوبيوس [18] بأنها لا هيكل لها ولا مذبح ولا ذبيحة ولا احتفال الأعياد وهلمَّ جرَّا. بل كانوا يؤَملون أنهم بواسطة أعياد مسيحية جديدة وتحويل بعض أعياد يهودية ووثنية إلى أعياد مسيحية جديدة يجعلون ديانة المسيح أكثر مجداً ورونقاً مما يراهُ القلب الجسدي في الحق الإنجيلي إذا بقي في بساطته. ومن ثم حدث في القرن السادس أن كثيراً من طقوس اليهود والوثنيين التي كانت قد رُفِضت قديماً دخلت حينئذٍ في الخدمة المسيحية. حتى أن غريغوريوس الكبير علَّم صريحاً أن أعياد الوثنين ينبغي أن تتحول إلى أعياد مسيحية. وأنه يجب على المسيحيين أن يقتدوا بهم في أمور كثيرة [19]. ويبان من كلام ثيودوريتوس الذي عاش في القرن الخامس أن ذلك قد وقع في عصرهِ في عيد الشهداء [20] وسوف يقف القارئ على زيادة تقرير لهذا الأمر.

أولاً عيد القيامة والعنصرة

قد جمعنا هذين العيدين لأن الظاهر أن ابتداءَهما كان في زمان واحد. فالأول منهما تذكارٌ لموت المسيح وقيامته والثاني لحلول الروح القدس على الرسل. ويبان أنهما كانا في القرن الأول وربما في أيام الرسل أيضاً مع أن ليس لنا دليلٌ على أن الرسل رسموها. نعم إن الرسل ربما ارتضوا بهما حتى دخلا ابتداءً بهذا المقدار وأنهم وإن لم يأمروا بهما لم يكونوا غير راضين باستعمالها لكي يرسخ وطيداً بواسطتهما في عقول المسيحيين أمران من أعظم التعاليم الإنجيلية الأساسية. وهما الكفَّارة بواسطة ألام المسيح وموته وفيضُ الروح القدس على الكنيسة.

وأما قدمية ابتداء هذين العيدين فيقول مؤرخو الكنيسة عنها بأن الفصح والعنصرة العيدين اليهوديين كانا سنوياً في نفس الأيام التي كان فيها أخيراً عيد المسيحيين. ومعلومٌ أن اليهود المنحازين إلى الديانة المسيحية في فلسطين وربما في غيرها أيضاً كانوا لم يزالوا يحفظون هذين العيدين اليهوديين مدة دوام الهيكل. وربما أن كثيرين من المسيحيين كانوا في الأصل من جنس اليهود لا بد أنهم كانوا يرغبون حفظ هذين العيدين على نوع من الأنواع ما لم يُنهَوا عن ذلك. فكان أمراً طبيعياً أن يتحول حفظهما عاجلاً إلى تذكار موت المسيح وقيامته وفيض الروح القدس العجيب من غير التفاتٍ خصوصي إلى مقصدهما الأصلي أي أنهما يتحولان إلى عيدين مسيحيين. وبما أن هذين العيدين كانا محفوظين عند اليهود يصح أن يُقال أنهما من أصل يهودي. وبما أن المسيح هو المرموز إليه بواسطة الخروف الذي كان يُذبَح ويُؤكل في فصح اليهود كان موافقاً للطبيعة أن موت المسيح الذي كما يقول الرسول لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا[21] يُحفظ له عيدٌ عوض الفصح. وبما أن تأسيس الكنيسة المسيحية يُحسب ابتداؤُهُ الحقيقي من حين حل الروح القدس وآمن ثلاثة آلاف في يومٍ واحد[22] يستحق هذا الحادث العظيم أن يُذكَر عوض المقصد الأصلي لأجله رُتِّبَ عيد الفصح اليهودي.

ثم أن المسيحيين الأوليين كانوا يعيِّدون عيد الفصح باحتفال عظيم بسبب اعتبارهم الكلي لقيامة المسيح. فقد كانت القيامة حسب رأيهم وحسب تعليم بولس الرسول أيضاً[23] بمنـزلة حجر زاوية في الديانة المسيحية المقدسة. لأن إيمانهم ورجاءَهم كانا مؤسسين على صحة هذا الحادث. وبه ظهر المسيح منتصراً على الموت والجحيم والشيطان وجميع جنود الظلمة. وبه أيضاً تم عمل الفداء العظيم. ولأجل ذلك اعتبروا ذلك اليوم بهذا المقدار حتى أن غريغوريوس النـزينـزيني[24] يسميه ملك الأيام وعيد الأعياد. وفم الذهب يدعوهُ إكليل الأعياد وأعظم جميع الأعياد ويوم الرب العظيم وأعظم الأيام.

وبسبب الفوائد العظيمة التي حصلت للجنس البشري بموت المسيح كانوا في هذا العيد يُظهرون كل نوعٍ من الفرح ويمتنعون فيه عن الصوم وعن جميع علامات الحزن. وكانوا يصرفون هذا اليوم بالمسرات الروحية. وعلى هذا المنوال كانوا يحفظون عيد العنصرة.

ثم أن عيد الفصح كان في أول الأمر يتقدمه صومٌ اختياري كانت تختلف مدته باختلاف الأماكن إلا أنه كان يبقى في أكثر الأماكن مدة أربعين ساعة كما يخبرنا ترثوليانوس[25] وإيريناوس[26] والظاهر أنهم اختاروا هذا العدد من الساعات لأنه يطابق المدة التي أقام فيها مخلِّصنا في القبر. وكان يوافق الجمعة والسبت قبل العيد. ولكن مع أن ذلك الصوم كان اختيارياً في الابتداء صار مع تمادي الزمان محتوماً ضرورياً على جميع المؤمنين. ثم أخذ يطول شيئاً فشيئاً بالتدريج حتى أنه في أيام ديونيسيوس الاسكندري[27] نحو سنة 250 وصل إلى أسبوع أو أكثر. وسقراط[28] وسوزومينوس[29] اللذان كتبا تاريخاً كنائسياً في القرن الخامس يتكلمان عن تطويل هذا الصوم بالتدريج وعن زيادة الاعتناء بحفظه في عصرهما. وغريغوريوس الكبير الذي كتب في القرن السادس يذكر أنه كان في أيامه ستة وثلاثين يوماً[30]. وأخيراً أوصله غريغوريوس الثاني في القرن الثامن إلى أربعين يوماً لأن المؤرخين لا يتفقون على أيهما أوصله إلى هذا العدد.

ثم أن بعض العلماء قد ذهبوا إلى أن الصوم الأربعيني ترتَّب من الرسل لأن باسيليوس ولاون الكبير لقَّبوه سنَّةً إلهية. ولكن يُجاب على ذلك بالكفاية أن هؤلاء الأشخاص في كلامهم الشعريّ وصفوا مراراً ما كانوا يحسبونه مفيداً بكونه إلهياً أو رسولياً. وفضلاً عن ذلك لو كان ترتيبه من الرسل لكان يجب حفظه باتفاقٍ من الجميع من الابتداء لا كما رأينا أنه يوجد اختلاف في عدد أيامه وأسابيعه بحسب اختلاف الأعصار والأماكن. وأما استعمال لفظة رسولي أو إلهي في تصانيف الآباء بالمعنى الذي ذكرناه فذلك يتضح مما صرَّح به ايرونيموس بقوله أن كل بلاد يمكنها أن تتمسك برأيها (من جهة هذا الصوم) وأن وصايا القدماء قد تُسَّمى شرائع رسولية[31]. وكسيانوس الذي كان تابعاً لفم الذهب وكتب في ابتداء القرن الخامس يصرِّح قائلاً أنه في كل الزمان الذي بقي فيه كمال الكنيسة الأولى غير منثلمٍٍ لم يكن مثل هذا الصوم بالكلية ولكن لما ابتدأ الناس يحيدون عن حرارة العبادة الرسولية وأسلموا أنفسهم إلى محبة العالم أخذ القسوس جميعاً يردُّونهم عن الهموم العالمية بواسطة صوم قانوني وتكريس عُشر زمانهم لله (يرد بهذا العشر صوم الفصح)[32] وفم الذهب الذي كان في القرن الرابع يقول أيضاً أن آباءهم وضعوا أيام الصوم هذه[33]. فمن الواضح أن هذا الصوم ولو كان بعض الآباء قد وصفوه أحياناً بكونه إلهياً أو رسولياً لم يكن مرادهم بذلك أنه قد ترتب من الرسل أو بأمرٍ من الله.

ثانياً: جمعة الآلام

أنه لأجل شدة اتصال هذا اليوم بالفصح قد حصل له اعتبار خصوصي في أوائل الكنيسة. ولكن جميع الاحتفالات الجارية فيه كانت متصلة بعيد الفصح ومتضمنة فيه. ولم يظهر له حفظ مستقل إلى القرن الثاني وما بعده. وفي ذلك الوقت أيضاً كان محفوظاً عند قومٍ دون آخرين. وذلك واضح من شهادة ترتوليانوس[34] ووأريجانوس[35] الذي تكلم عنه كأنه لم يوجد إلا في بعض البلدان. وأوغسطينوس يقول صريحاً أنه لم يُحسب هذا اليوم مقدساً[36]. مع أنه يظهر من الرسالة الموجود فيها هذا الكلام أنه في عصره في القرن الرابع كان هذا اليوم محفوظاً في بعض أماكن من افريقية. وقد أخبرنا أوسابيوس[37] وسوزومينوس[38] بأن قسطنطين الكبير أصدر أمراً صريحاً عدة سنين بعد مجمع نيقية العظيم سنة 325 بحفظ هذا العيد. وبسبب هذا الأمر الملكي زاد اعتبار الناس لليوم المذكور واتسع حفظه أكثر من الأول. فيتضح من ذلك أن أول اشتهار هذا اليوم كان من أواسط القرن الرابع فصاعداً.

وحيث حُفِظَ هذا اليوم كان يُحفظ بصومٍ مدقق. وكانت تراتيل المجد تُترك فيه ويرتلون تراتيل بسيطة محزنة فقط. ولم يكن أحدٌ يحني ركبتيه عند الصلاة. ولا كانت تُقدَّم القبلة الأخوية ولا تُقَّدس العناصر السرية. وكانت المذابح تُعرَّى من زينتها.

ثالثاً عيد الميلاد

ليس لهذا العيد أثرٌ في العهد الجديد ولا يمكن إثباته من عمل الرسل والمسيحيين الأولين. وقد أطبق جميع المؤرخين على أنه لم ينتشر في القرون الثلاثة الأول. بل أنه ترتب أولاً في القرن الرابع. والكنيسة الأولى لم يكن لها عناية بكتابة تاريخ طفولية المسيح كما كانت تعتني بكتابة تاريخ حياته الجهارية. بل كان التفاف المسيحيين الأولين بالأكثر إلى موت المسيح وقيامته وصعوده وحلول الروح القدس وقد صرَّح اكليمضس الاسكندري[39] قائلاً أن البحث عن زمان ميلاد المسيح باطلٌ لا فائدة فيه ووافقه على هذا القول العلماء القدماء وقال فم الذهب[40] في موعظته يوم عيد الميلاد سنة 386 أن هذا العيد قد دخل منذ عشر سنين. وكان أول دخوله في أنطاكية وسورية. وأما نفس السنة التي صار فيها عمومياً فغير معلومة لأن إصلاح الكنائس لم يتفق لا من جهة زمان دخوله ولا من جهة اليوم الذي يكون العيد فيه. والظاهر أن عيد الميلاد وعيد المجوس حُفِظا معاً في ابتداء القرن الرابع. ثم في أواسط هذا القرن عيَّنت الكنائس الغربية اليوم الخامس والعشرين من كانون الأول لعيد الميلاد ويوماً آخر لعيد المجوس. وبما أن الكنائس الشرقية قبلت هذا الترتيب بالتدريج يمكننا أن نحكم بأن الزمان الذي صار فيه هذا العيد عمومياً هو ما بين أواسط القرن الرابع وأواخره.

وقد وقع اختلاف عظيم في أول الأمر على انتخاب اليوم الذي يُعيَّن لهذا العيد. وسبب هذا الاختلاف إنما هو كون اليوم أو الشهر الذي وُلد فيه المسيح غير معروف بالتحقيق حتى أنه على توالي الزمان كاد كل شهر من أشهر السنة يتعين من العلماء لعيد الميلاد. ولكن الأيام التي ترجح حفظها له هي اليوم السادس من كانون الثاني والخامس والعشرون من كانون الأول. فالبعض من الكنائس الشرقية اختاروا الأول والكنائس الغربية اختاروا الثاني. وبالتدريج تغلَّب اليوم الخامس والعشرون من كانون الأول كما هي العادة الجارية الآن. ولا يُظَنُّ أنه حصل اتّفاق عمومي في هذا التعيين إلى القرن السادس[41].

وقد اختُلف في الأسباب التي دعت الناس إلى حفظ هذا العيد. فذهب جماعة إلى أنه ناتج من ميل الناس إلى تكثير الأعياد الذي ظهر بقوة في أواخر القرن الرابع. وقال البعض أنه ناتج من التداخل في سنن اليهود. والبعض يذهبون إلى أنه ناتج من العيد الوثني الذي يقال له ساتورناليا. وأكثر الجمهور على هذا الرأي الأخير. وربما كانت كل هذه الظروف من الأسباب التي نتج منها العيد ولكن الأرجح هو الرأي المقبول من الجمهور أي أن أصله من عيد الوثنيين المذكور[42] الذي كان يحفظ في اليوم الرابع والعشرين والخامس والعشرين من شهر كانون الأول. وكان الوثنيون يحفظون هذين اليومين بالفرح العمومي والملاهي والولائم. ولأجل تعيير الوثنيين للديانة المسيحية بالكمد والخلوّ من الأفراح اختار الأسقف يوليوس الأول في أواسط القرن الرابع أن يحوّل هذا العيد الوثني الذي كان يُعيَّد فيه للشمس إلى العيد المسيحي الذي يُعيَّد فيه لمخلّص العالم[43] وهذا الرأي (أي رأي تحويل عيد الشمس إلى عيد الميلاد) يعضدهُ أيضاً كون كثير من الأعمال المصنوعة في عيد الميلاد تشبه ما كان يُصنَع في عيد الساتورناليا كالهدايا والولائم الفاخرة والأغاني والملاعب التشخيصية الممتزجة بالعبادة وتزيين الكنائس على صفة مخصوصة والخلاعة والسكر وما أشبه ذلك. وهذه الأمور قد نُقِلت جوهرياً من العبادة الوثنية كما يتّضح من الشهادات المفصّلة أدناه[44]. وغريغوريوس النـزينـزي الذي كتب في أواخر القرن الرابع توجد عبارة في إحدى عظاته يتّضح منها أن النصارى تقلدوا قديماً الساتورناليا الرومانية المذكورة. فصار العيد المسيحي يشبه العيد الوثني[45]. وأما صورة العبارة فقد تركناها لطولها والاستغناء عنها بغيرها.

ثم إن عيد الفصح والعنصرة وجمعة الآلام التي كانت عند المسيحيين الأولين في الثلاثة القرون الأولى والنصف الأول من القرن الرابع كانت تُحفظ باعتبارٍ واحترامٍ عظيم. وكان المقصود بها انتشار روح التقوى بواسطة مراجعة الحوادث والتعاليم العظيمة المدلول عليها بهذه الأعياد. ولا ريب أنه قد حصل من ذلك منفعة في تلك الأعصار الأولى. وكذلك من عيد الميلاد قبل أن صار حفظه عمومياً. وربما بعد ذلك أيضاً عند الأتقياء الحقيقيين وأصحاب الرزانة. ولكن بعد القرن الرابع فقدت هذه الأيام قداستها ومنفعتها وصارت رويداً رويداً مواسم فرح وأعياد عالمية جسدية عوض أن تكون وسائط لنمو الفضيلة والتقوى. وأما السهر والعبادات الليلية التي كانت تصير في الفصح والعنصرة فقد صارت سبباً لفواحش عظيمة حتى أنه بحكم أحد المجامع[46] مُنِعت النساء عن الحضور فيها. فإذاً ولو كانت النية في إنشاء هذه الأعياد صالحة لكنها قد فسدت مع تمادي الزمان وصارت بالحقيقة وسيلة لأعمال كثيرة مغايرة للديانة المسيحية.

وهذه الأعياد الأربعة المذكورة كانت هي وحدها أعياد الكنيسة في الأربعة القرون الأولى أو بالأقل لم يكن غيرها إلى قرب آخر القرن الرابع. لأنه وإن كانت بعضُ أيام تُحفَظُ لأجل تذكار الشهداء الأولين في بعض أماكن لم تُحفظ إلا من الكنيسة أو من الكنائس التي كانت بالقرب من الأماكن التي نالوا إكليل الشهادة فيها فلم تُحسَب أعياداً عمومية كالأعياد المتقدم ذكرها. ونفس المجمع التريدنتيني المنعقد في القرن السادس عشر والمؤيد لآراء الكنيسة الرومانية الكاثوليكية يقول[47] أنه في مدة القرون الأربعة الأولى كانت أعياد الكنيسة أولاً يوم الرب (أي الأحد) ثانياً عيد الآلام ثالثاً عيد القيامة رابعاً عيد الصعود خامساً عيد العنصرة سادساً عيد ميلاد المسيح وعماده. فمن الواضح أن ذلك يتّفق جوهرياً مع الرأي المقدم هنا. فإنه عدا يوم الرب ومعمودية الرب يدخل جميع الباقي في هذا التعداد ونحن لا نتكلم بالكلية عن يوم الرب لأنه ولو كان المسيحيون الأولون قد حفظوه لم يترتب منهم بل تسلموه من المسيح ورسله.

رابعاً في الأيام المحفوظة لأجل تذكار الشهداء

بما أن الشهداء كانوا مكرَّمين جداً لأجل ثباتهم في الإيمان وتقديم حياتهم لأجل المسيح وإنجيله نجد أخباراً قديمة عن أيام مكرسة لأجل تذكار استشهادهم. وأقدمها كان لتذكار بوليكربوس الذي مات شهيداً سنة 167 وربما يوم تذكار موته ابتدأ من ذلك الوقت. ثم حُفِظت بعد ذلك أعياد لغيره من الشهداء في نسَّة التي هي مدينة في آسيا الصغرى وفي أنطاكية وقيصرية وغيرها. ولكن لم يكن شيء من ذلك محفوظاً من عامة الكنيسة ابتدائياً بهذا المقدار. بل كانت تذكاراتهم تُحفظ في الأماكن التي استُشهدوا فيها فقط. فقد كانت أعياداً مكانية أو على الأكثر إقليمية.

ولما كثر عدد هؤلاء الشهداء تعيَّن يوم لتذكارهم جميعاً. ولكن لم يُحفظ هذا اليوم بين الروم إلى السنين الأخيرة من القرن الرابع. وقد تأخر عن ذلك حفظه بين كنائس الغرب. وأول ما نجد ذكر هذا العيد بين الروم هو في إحدى عظات يوحنا فم الذهب[48]. وإذ قد ابتدأ هذا القديس في الوعظ سنة 386 فالظاهر بالضرورة أن هذا العيد ابتدأ بالقرب من هذا العهد وربما بعد ذلك بسنين قليلة. فكان إنشاؤه لا محالة في السنين الأخيرة من القرن الرابع كما تقدم الكلام.

وهذه الأيام كانت تُحفظ حول مدافن الشهداء إذ كانت تقرَأُ هناك قصصهم وتُقدَّم لهم المدائح وتُجرى فرائض العبادة ويُصنَع سرّ الأفخارستيا ويُولِم الأغنياء ولائم. وأشهر المواعظ التي وعظ بها فم الذهب وباسيليوس الكبير وغريغوريوس النـزينـزي والنيسي وأمبروسيوس وغيرهم قد خُطِب بها في هذه الأعياد. وكان المقصود بها إنهاض الأحياء للاقتداء بفضائل الموتى الأتقياء. ولكن مع أنهم كانوا يكرمون ذكر الموتى هكذا لم يكونوا يقدمون لهم كرامة دينية بل كانوا يقاومون بالسخط كل من يتهمهم بذلك كما يتّضح من تصانيف أوغسطينوس[49] وترتوليانوس[50] وفم الذهب في أماكن عديدة. ولأجل إيضاح ذلك نذكر شيئاً مما قاله أوغسطينوس في هذا المعنى نظير مثال. فإنه يقول[51] أننا نتعلم أن نكرم الشهداء لا أن نعبدهم بل إنما نعبد الله وحده الذي تعبده الشهداء. لأنه لا يجب أن نكون مثل الوثنيين الذين نحزن عليهم لهذا السبب نفسه أي لأنهم يعبدون الموتى من الناس. ثم يقول أيضاً عن الشهداء أننا لا نتخذهم كآلهة ولا نعبدهم كآلهة. فإننا لا نعطيهم هياكل ولا مذابح ولا ذبائح ولا يقدم لهم الكهنة القرابين. حاشا لله. فإن هذه الأمور إنما تُعمَل لله فقط. ثم يوبّخ الذين كانوا يحفظون الأعياد على مدافن الشهداء توبيخاً شديداً بقوله أن الشهداء يكرهون هذه الأمور ولا يحبون الذين يفعلونها ويبغضون ويكرهون أكثر من ذلك كل عبادة تُقدَّم لهم.

ولكن مع أن هذه الأيام قد ترتبت بنية صالحة وهي قصد نموّ التقوى في الأحياء لا تقديم العبادة للموتى قد نتج عنها أمورٌ منافية لروح الديانة المسيحية. فإنهم مع تمادي الزمان أخذوا يبنون أبنية أو كنائس على قبورهم. وبعد ما كانوا يقدمون أولاً فيها العبادة لله صار الجمهور يقدم العبادة للشهداء أنفسهم. وهكذا في تلك الأيام نرى أصل عبادة القديسين التي ظهرت بين الكنائس في القرون التالية. وكذلك عبادة الأيقونات والذخائر تسببت عن هذا الأمر[52]. قال غريغوريوس النيسي[53] أن الكنائس المبنية لأجل إكرام الشهداء كانت مزينة بصورهم التي يبان أنهم كانوا يعتبرونها كأنها نائبة عنهم. وأوسابيوس[54] يقابل في أحد الأماكن بين الإكرام المقدم من الوثنيين لآلهتهم ولمن تألَّه من جبابرتهم وبين هذه الأعياد المحفوظة لأجل إكرام الشهداء. لا على سبيل الشجب لعمل الوثنيين ولكن بالحري كأنه يستحق الاقتداء به. فإن الذين انحازوا من عبادة الأوثان إلى الديانة المسيحية إذ وجدوا بعض أمور في أعياد الشهداء تشبه ما كانوا معتادين عليه في أديانهم الأولى وقد نقلوا إليهم ذلك الإكرام الذي كانوا يقدمونه لآلهتهم. وهكذا عبادة المخلوقات التي قاومها الآباء الأولون مقاومة شديدة أخذت تدرج بين الناس رويداً رويداً.

وكون عبادة الشهداء قد كانت بالتدريج تُصاغ على أسلوب العبادة المقدَّمة من الوثنيين في القديم لآلهتهم هو مما لا يشوبه أدنى ريب كما أوضح المعلم بيوسوبر في تاريخ المانيكيين[55] وتوجد عبارة في قصة حياة غريغوريوس توماتورغوس حسبما كتبه غريغوريوس النيسي في تصانيف توماتورغوس التي نشرها قوسيوس[56] وهذه العبارة تبرهن ذلك صريحاً ولهذا قصدنا أن نذكرها هنا حرفياً. وهي قوله فعند ما نظر غريغوريوس أن الجمهور الجاهل البسيط كان متمسكاً بأصناميته لما يوجد فيها من اللذات والتنعمات الحسية أذن لهم في أعياد الشهداء القديسين أن يتنعموا ويتلذذوا أملاً أنهم مع تمادي الأيام ينتقلون باختيارهم إلى حياة أكثر لياقة وسيرة أكثر استقامة انتهى. والمراد كما يتضح جلياً من القرينة السابقة والتالية أنه أذن لهم أن يرقصوا ويلعبوا في أعياد الشهداء ويستعملوا الخلاعة وبقية الأمور التي كان من عادة عباد الأوثان أن يعملوها في هياكلهم في الأعياد.

خامساً: عيد الرسل

إن الأسباب التي دعت الناس إلى إقامة عيد الشهداء كانت أصلاً لعيد الرسل أيضاً. فإن كثيرين من الرسل ماتوا شهداء وجميعهم حُسبوا مستحقين للتعظيم والكرامة نظير الشهداء. فمن ثم استحسن المؤمنون أن يعيّنوا يوماً مخصوصاً لذكرهم. وكان الداعي الأكبر إلى هذا الاستحسان أمرين أحدهما افتخار البعض من الجماعات بكونهم قد آمنوا أولاً على يد أحد الرسل والآخر أنه بعد ما اعتاد الناس على اتخاذ القديسين نظير محامين لهم كانوا يفضّلون الرسل لذلك على غيرهم وكان هذا متأخراً عن الأول. والظاهر أن العيد المشترك بين بطرس وبولس ترتب قبل الجميع. وأما أول دليل على وجود عيد لجميع الرسل فنجده في القرن السادس. فإنه يبان من خطاب الأسقف فولجانتيوس في روسبي[57] أن هذا العيد كان في أيامه محفوظاً من الكنيسة في إفريقية مع أن آثاره انمحت من تلك الكنيسة بعد ذلك. ثم في أوائل القرن السابع اجتهد بونيفاسيوس الرابع في إثبات هذا العيد. ومن ذلك يتّضح أنه إلى ذلك العصر أي سنة 61 لم يصر عمومياً في الكنيسة الغربية. وأما وقت دخوله في الكنيسة الشرقية فلم نجد برهاناً قاطعاً يدل عليه بالتحقيق. ولكن ربما لم يكن ذلك بعيداً عن ابتداء القرن السابع. ومع وجود مثل هذه الآثار لهذا العيد لا ريب أنه لم يكن حينئذٍ محفوظاً حفظاً ثابتاً. بل حُفِظ في بعض الأماكن وأُهمل في غيرها. وكذلك في مكان واحد حُفظ في عصر ثم تُرك في آخر.

ثم ترتّبت أيضاً أعياد منفردة لكل من الرسل. والظاهر أن عيد الرسولين بطرس وبولس كان قد امتدَّ حفظه كثيراً في آخر القرن الرابع وأوائل الخامس كما يبان من مواعظ مكسيموس التوريني وامبروسيوس ولاون الكبير وأوغسطينوس[58] ويذكر ايرونيموس أيضاً الذي وُلد في القرن الرابع وتوفي في القرن الخامس سنة 420 أنه حضر بنفس في أيام صبائه الاحتفالات الاعتيادية على قبري بطرس وبولس في رومية[59] ولكن ذلك لم يكن عامّاً في ذلك الوقت نفسه لأنه مع امتداده في بعض أماكن من الشرق لم يدخل في القسطنطينية حتى سنة 510 وذلك في عهد انستاسيوس[60] فامتداده بين الجميع لا بد أنه كان بعد ذلك.

ثم مع تمادي الزمان ترتبت أيام مخصوصة للرسل الآخرين. وجميع هذه الأيام كانت في أول الأمر محفوظة في بعض أقاليم ومن بعض كنائس دون غيرها. والزمان الذي صارت فيه عمومية لا يمكن تعيينه بالتحقيق. وأما الأقرب إلى الصواب حسب ما يظهر من الإشارات الموجودة فهو أن عيد يوحنا المعمدان قُبِل عموماً في القرن السادس. وعيد يوحنا الإنجيلي بعد ذلك بقليل. وأعياد الباقين الذين لم نذكر آنفاً أسماءهم بعد القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر[61] ولا حاجة إلى زيادة شرح بهذا الخصوص.

سادساً: أعياد مريم العذراء

قبل أن نتكلم عن هذه الأعياد بالتفصيل نذكر شيئاً بخصوص الكرامة والعبادة المقدمة للعذراء فنقول

إنه لا يوجد في الكتاب المقدس ذكرٌ لتقديم كرامة دينية إلى مريم العذراء. نعم إنها دُعيت من الملاك منعماً عليها من الرب ومباركة في النساء. وهي نفسها إذ حلَّ عليها روح الله تنبأت قائلةً يعطيني الطوبى جميع الأجيال[62] ولكن لا ينتج من عبارات مثل هذه أنها تكون موضوعاً للعبادة. ولا يوجد في كل العهد الجديد آيةٌ واحدة تثبت عادة مثل هذه. ولا وجد شيء في ما عمله الرسل يعطي وجهاً لذلك. ونحن لا نقول ذلك على سبيل الاحتقار لمريم المباركة لأنها من حيث هي والدة ربنا يسوع المسيح وفي ذاتها طاهرة وقد وجدت نعمة عند الرب تستحق منا الكرامة ولكن الكرامة ليست هي عبادة كما لا يخفى.

وقد كانت عادة الكنائس في الأعصار الأولى مطابقة بالتمام لهذا الرأي. لأنه في الأربع مئة سنة الأولى كانت العبادة لمريم أمراً غير مسموع به وهذا لا يمكن إنكاره[63] إذ لا يوجد لذلك أثر في شيء من قوانين الإيمان القديمة. وأقدم الآباء والمؤرخين إما أنهم لا يقولون شيئاً بالكلية عن مريم العذراء وإما أنهم يكتفون بمجرد تسميتهم لها والدة مخلصنا. وهذه التسمية موجودة أيضاً في أقدم قوانين الإيمان[64] ومن سكوت أضداد كثيرين للديانة مثل يوليانوس وكلسوس وبرفيروس وهيركلس وليبانيوس يتضح أنها لم تكن موضوعاً للعبادة إلى القرن الخامس. فإن هؤلاء الأضداد عاشوا في القرن الثالث والرابع وكانوا أشد الأعداء للديانة المسيحية. ولو قدروا أن يجدوا دليلاً لهذه العبادة لكانوا اعترضوا بها على هذه الديانة الحديثة. ويوجد أمر آخر يبرهن نفس ما ذكرناه. وهو أن كثيرين من آباء الكنيسة الأقدمين يذكرون بعض زلاَّتٍ نسبوها إلى مريم كما فعل إيريناوس[65] وترتوليانوس[66] وأوريجانوس[67] وباسيليوس[68] وفم الذهب[69] وأوغسطينوس[70] حتى أن أبيفانوس يحسب جماعة من النساء هراطقة لأجل لأجل انهماكهنّ في عبادة مريم[71] وهؤلاء النساء كنَّ يُدعَين كوليريدياني. وكانت عادتهنَّ أن يعبدن مريم نظير إله ويقدّمن لها كعكاً. فإنهنَّ حين كنَّ باقيات في ديانة الأوثان كان من عادتهنّ أن يقدمن نوعاً من الكعك المزهرة التي هي آلهة وثنية فلما صرن مسيحيات افتكرن أن هذه الكرامة يجب تقديمها بالأولى إلى مريم[72]

وكلام أبيفانوس الذي أشرنا إليه ضد هؤلاء النساء هو قوله أن جسد مريم طاهر حقاً ولكن ليس إلهاً. نعم إن العذراء كانت عذراء ومكرَّمة إلا أنها لم تُعطَ لنا لكي نعبدها بل إنما هي كانت تعبد الذي وُلد منها حسب الجسد ونـزل من السماء من حضن الآب. ولهذا يحذّرنا الإنجيل قائلاً بكلام الرب نفسه مالي ولكِ يا امرأة لم تأتِ ساعتي بعدُ[73] حتى من قوله مالي ولكِ يا امرأة لا يظنُّ أحدٌ أن العذراء هي أكثر من امرأة. وقد دعاها امرأةً كأنه يتنبأ عن الانشقاقات والهرطقات التي كانت عتيدة أن تحدث على الأرض لكي لا يسقط أحدٌ في هذه الحماقة الهرطقية ويقدّم لها إكراماً مفرطاً. فإن جميع هذه القصة الهرطقية تستحق الضحك وهي كأنها خرافة قديمة نسائية. فأية عبارة في الكتاب الإلهي تخبرنا عنها ومَن من الأنبياء سمح أن نعبد إنساناً حتى لا نقول امرأة. نعم إن الإناء كان فاضلاً إلا أنها مع ذلك كانت امرأة كسائر النساء بالطبيعة. ونظراً إلى العقل والحاسّة هي مكرمة جداً كما هي أجساد القديسين. وإن أردنا أن نذكر شيئاً غير هذا في مديحها نقول أنه كما أن إيليا كان نظير بتول منذ ولادته ولبث هكذا دائماً وأُخِذ إلى السماء من دون أن يعاين الموت وكما كان يوحنا الذي اتّكأ على صدر المسيح وكان الرب يحبه وكما كانت تقلا القديسة كذلك كانت مريم. إلا أنها كانت أطهر بسبب الخدمة التي حُسبت أهلاً لها. ولكن لا يجب أن يُعبَد إيليا وإن كان بين الأحياء. ولا يوحنا وإن كان بواسطة صلواته قد جُعِل موته عجيباً أو بالحري نال هذه النعمة من الله. ولا يجب أن تُقدَّم العبادة لتقلا ولا لغيرها من القديسين أو القديسات. لأنه لا يجب أن يستحوذ علينا هذا الضلال القديم حتى نترك الحي (أي الله) ونعبد الأشياء المصنوعة منه كما قيل اتقوا المخلوقات وعبدوها دون الخالق وتعطلوا بضمائرهم[74] لأنه إذا كان لا يجوز تقديم العبادة للملائكة فكم بالأولى لا يجوز تقديمها للتي وُلدت من حنة. التي أُعطيت لحنة من يواكيم. التي أُعطيت لأبيها وأمها بواسطة الصلاة باللجاجة وبالوعد التي وُلدت ولادةً لا تختلف عن غيرها ولا تغاير الطبيعة بل كسائر الناس من زرع رجلٍ وأحشاء امرأة. لأنه لا يمكن أن أحداً يولد على الأرض ضد طبيعة الناس إلا أنه جُعِل له (أي المسيح) وحده فرقٌ وله وحده خضعت الطبيعة وهو كخالق وحاكم على المادة جبل ذاته من العذراء كما من الأرض. وهو الله نازلاً من السماء والكلمة متّخذاً جسداً عن العذراء الطاهرة لا من العذراء حتى تُعبَد ولا حتى يجعلها إلهاً ولا لكي نقدم نحن شيئاً لاسمها. فلتكرّم مريم ولكن ليُعبَد الله الآب والابن والروح القدس ولا يعبد أحد مريم. إلى هنا كلام أبيفانيوس[75]

ثم إنه في وقت الجدال مع النساطرة أُعطي لقب أم الله لمريم. وهذا اللقب كان سبباً كبيراً إنشاء عبادتها وإثباتها. ولكن هذا اللقب لم يكن معروفاً البتة إلى القرن الخامس. وفي ابتدائه أخذوا يستعملونه ثم امتد بالتدريج حتى صار استعماله عمومياً. فإن كيرللس أسقف الإسكندرية الذي توفي سنة 444 وبروكلوس أسقف القسطنطينية الذي توفي سنة 446 هما أول من أعطاها عبادة دينية[76] وأول من حكم بهذه العبادة إنما هو المجمع السابع العام الملتئم في القسطنطينية سنة 692 المسمى مجمع تروللو. فإذا بحثنا بالتحقيق عن العصر الذي فيه ابتدأت العبادة تقدَّم لها نرى أنه في القرن الخامس لأننا فيه نرى الأثر الأول الوحيد لذلك. ونرى أنها امتدت أكثر في أواخر القرن السابع وأول القرن الثامن لأنه لا يُصدَّق أنها صارت عامة قبل زمان المجمع الذي حكم أولاً بها.

ثم نذكر هنا بعض الأسباب التي اقتادت على عبادة مريم العذراء كما هي مذكورة في كتب مؤرخي الكنيسة.

السبب الأول هو اجتهاد المسيحيين بعد القرن الرابع في إدخال كثير من الآراء الأساسية من ديانة الوثنيين ومزجها بالديانة المسيحية. ووجد ميل إلى ذلك في أواخر القرن الرابع وما بعده فيما بين المسيحيين كما يشهد جميع المؤرخين الكنائسيين. ويمكننا أن نستشهد بسهولة مؤرخين كثيرين لهذه القضية ولكن بما أن ذلك من الأمور المثبتة جيداً نكتفي بالإشارة إلى قليل منهم في الحاشية[77].

إن الوثنيين كانوا يعترضون على الديانة المسيحية بأنها محزنة خالية من الطلاوة. ولأجل دفع هذا الاعتراض أدخل المسيحيون تعاليم وعوائد وثنية إلى الديانة المسيحية لكي يرضوهم ويستميلوهم إليها. وإذ كان كثيرون من المسيحيين محدثين في الإيمان وقد تركوا العوائد الوثنية من برهة يسيرة قبلوا هذه العوائد بأكثر سرعة. ذُكر مثالاً لذلك أن أشباهاً كثيرة لآلهة وثنية نُقِلت إلى المسيح. وأن التراتيل القديمة للكلمة هي تشبيهات واضحة للتراتيل المتجهة أصلاً إلى الإله الوثني الشمس. وأن الأشباه الدارجة للآلهة المسماة زهرة توجهت إلى مريم حتى أنه يوجد مشابهة عظيمة بين تراتيل الزهرة والتراتيل الموجهة إلى العذراء في القرون التالية. ثم إن بعض المؤرخين القدماء يذهبون إلى أن الأيام المكرّسة لمريم قديماً أعياداً وثنية كما سوف يرد بيانه.

السبب الثاني هو اعتقاد الناس في ذلك الوقت بفضل العفاف والعيشة البتولية الذي امتد في القرن الرابع. وكون كثيرين من الآباء القدماء متمسكين بهذا الاعتقاد واضح من المدائح البليغة التي مدحوا بها البتولية. ولا بد أن هذا الاعتقاد من شأنه أن يوجه العقل إلى مريم نظير مثال عظيم كامل للبتولية ويزيد اعتبارها ويسل الطريق لتقديم العبادة الإلهية لها.

السبب الثالث هو عادة تقديم الكرامة الخصوصية للشهداء وإجراء العبادة على قبورهم واستدعائهم وقت الحاجة نظير شفعاء عند الله التي ابتدأت في أواخر القرن الرابع. وأما كون هذه الكرامات الباطلة للشهداء والقديسين التي لم تكن في الابتداء إلا إقتداءً بالوثنيين قد انتقلت من الآلهة الوثنية إلى الرسل أولاً ثم إلى الملائكة ثم إلى مريم العذراء أخيراً فقد اتّضح جلياً من شروسك في تاريخه الكنائسي (جزء 9 وجه 191).

السبب الرابع هو قيام كنائس على اسم مريم. فإنه في سنة 431 دُعيت كنيسة في أفسس كنيسة مريم. وبما أن هذا الأمر يذكرونه ليس كأنه على غير مألوف العادة يظهر أن هذه العادة لا بد أن تكون قد وُجدت قبل هذا الزمان.

وإذ قد تقرر ذلك نتقدم الآن إلى ذكر بعضٍ من أعظم الأعياد المحفوظة إكراماً لمريم. وبالنظر إلى زمان دخول هذه الأعياد نقول بالإجمال أنها ابتدأت في القرن الخامس نحو سنة 421 وبقيت آخذة في الزيادة إلى القرن الرابع عشر[78]. غير أنه لم يُحفَظ شيءٌ منها عموماً إلا في القرن السادس وما بعده.

عيد تطهير مريم العذراء

هذا العيد رُسِم في القرن السادس[79] ودليل ذلك قد ذكره بنكهام[80]. والأمر الوحيد المختلف فيه إنما هو وقت ابتدائه. فذهبت جماعة إلى أنه ابتدأ في أيام الملك يوستين الذي استولى من سنة 518 إلى 527. وذهب آخرون إلى أنه ابتدأ في أيام يوستينيانوس الذي استولى من سنة 527 إلى سنة 565. والأرجح أنه ابتدأ في المدة الثانية.

وأما نظراً إلى سبب رسمه فيوجد أساس متين للظن بأن أصله من عوائد وثنية. فإن كثيرين من المؤرخين هم على هذا الرأي مثل هسبنيان[81] وبومجرتن[82] وشميد[83] والبابا هلدبراند[84] وأوغستي[85] وكان شهر شباط الذي يُحفَظ فيه هذا العيد محسوباً من أعظم الأعياد الاحتفالية في رومية الوثنية. واسم هذا الشهر باللاتينية فبرواري ومعناه التطهير كما ذهب جمهور القدماء. وفي آخر هذا الشهر كان يُحفَظ كل سنة عيد تطهير عظيم إكراماً لفبروَّا أم الإله مرّيخ. وبالإجمال كان يجتمع في هذا الشهر أعياد كثيرة للرومانيين الوثنيين مثل عيد الآلهة يونوفبرواتا وعيد بروسربينا واحتفالات الإله بلوطو وعبادة أرواح الموتى وعبادة الآلهة الجهنمية وغير ذلك. والتطهيرات المستعملة في هذا الشهر كان يمكن نقلها بسهولة من الديانة الوثنية إلى عيد تطهير مريم العذراء كما لا يخفى. والبعض من العلماء الكاثوليكيين كيعقوب الفاراجيني وبارونيوس ودورند ولاسيما العالم الشهير بيدا المحترم يسلّمون أن أصل هذا العيد ناتج من المبدأ المقبول في الكنيسة الذي سبقت الإشارة إليه وهو أنه يجب نقل بعض أعياد وثنية إلى أعياد مسيحية. أولاً لكي يزيد بذلك رونق الديانة المسيحية. وثانياً لأجل إزالة بعض عوائد نفاقية. وكان يمكننا الاتساع في ما تقدم وإيراد براثينه بالتفصيل. ولكن لأجل الاختصار عدلنا عن ذلك. ومن أراد التوسع في هذا الموضوع فليراجع التاريخ المسيحي لسيجل مجلد 3 وجه 326 و327.

عيد بشارة مريم العذراء

اختلفت العلماء في زمان وضع هذا العيد. فذهب قوم إلى أنه وُضع في القرن الرابع. وذهب أناس قلائل إلى أنه كان أوله في القرن الثالث. ولكن لا يوجد براهين كافية لإثبات ذلك كما هو مسلَّم من كثيرين من علماء الكاثوليكيين مثل كافي ودوبين وبلرمينوس وغيرهم. وهؤلاء يذهبون إلى أنه ابتدأ في القرن السابع. ووجدوه في هذا القرن يتضح من أعمال مجمعين انعقدا في هذا العصر وهما مجمع توليد ومجمع القسطنطينية[86] حيث يُذكَر على طريق يبان منها أنه كان لا محالة عمومياً في تلك الأيام. وقد يُحتَمل أنه كان يُحفَظ عند الأكثرين إلى القرن السادس. ولهذا نلتزم أن ننسبه إلى القرن السادس أو السابع.

واختلاف الآراء في هذا الأمر ربما يكون ناتجاً من كونه قد حُفِظ في البداءة لأجل إكرام المسيح ولم يتخصص بمريم إلا في القرن الخامس والسادس وما يليهما. ومعلومٌ أنه قد ترتب لأجل تذكار بشارة الملاك لمريم بتجسد المسيح.

عيد زيارة مريم لأليصابات

هذا العيد رتبه أوربانوس السادس سنة 1389. وسببه القريب هو الطلب إلى مريم أن ترفع الانشقاقات المزمنة من الكنيسة. لأنه كان باباوان معاً مدة خمسين سنة أحدهما في رومية والآخر في أفنيون. على أنه لم يكن محفوظاً عند الجميع حتى ولا في الكنيسة اللاتينية إلى مجمع باسل الملتئم سنة 1441 الذي حكم به حكماً خصوصياً[87] .

عيد انتقال مريم إلى السماء

إن العهد الجديد لم يذكر موت مريم البتة. وفي الأربعة القرون الأولى لم يدَّعِ أحد من آباء الكنيسة الأولى بمعرفة شيء من ذلك. وأبيفانوس في القرن الرابع يقول أن انتقالها من العالم هو مشكلٌ لا يمكن حله[88]. ولكن في القرن الخامس أخذ كثيرون من علماء الكنيسة المشهورين يفتكرون أن قوة الله ربما ظهرت عند موتها. إلا أنهم لم يجزموا بذلك البتة بل إنما ذكروا أن ذلك أمرٌ ممكن.

ولكي نبين كيف كان الجميع يجهلون هذا الأمر بالكلية نحتاج إلى ذكر الآراء المختلفة المتعلقة به فقط. فنقول

أولاً ذهب قومٌ إلى أنها ماتت موتاً طبيعياً غير أن نفسها أُخِذت حالاً إلى السماء. على أنهم لم يقدروا أن يتفقوا على تعيين وفاتها في أي يوم أو سنة. ومن أصحاب هذا المذهب أوسابيوس[89] .

ثانياً ذهب آخرون إلى أنها ماتت موت الشهداء مستشهدين في ذلك بما جاء في إنجيل لوقا 2: 35[90].

ثالثاً ذهب جماعة إلى أنها لم تمت منكرين أن يكون لها طبيعة بشرية ولهذا لم يكن للموت سلطان عليها[91].

رابعاً تردد آخرون بين أن جسدها تُرِك على الأرض أو رُفِع إلى السماء[92].

خامساً ذهب الأكثرون في هذا القرن أي الخامس إلى أن مريم نُقِلَت بجسدها ونفسها إلى السماء. وقد ساعد هذا الرأي على الخصوص تقليدٌ عن ديونيسيوس الأريوباغي. وخلاصة ما قاله في ذلك أنه عند وفاة مريم اجتمع جميع الرسل بسرعة من جميع أقطار العالم حيث كانوا يبشرون إلى أورشليم إلى بيت هذه المباركة. وحينئذ أتى يسوع مع ملائكته وأخذ نفسها وأحضرها إلى ميخائيل رئيس الملائكة. وفي اليوم الثاني وضع الرسل الجسد في القبر وحرسوه منتظرين ظهور الرب, ثم ظهر المسيح ثانية ونقل جثتها المقدسة إلى السماء في سحابة. وهناك اتّحد أيضاً الجسد بالنفس وفاز بالسعادة الأبدية انتهى[93]. وفي ذلك نقول أولاً أنه لا يوجد ذكرٌ لشيء من ذلك في العهد الجديد ولا في تصانيف أحد المؤرخين الصادقين في القرون الأولى[94]. ثانياً إن الكتب المنقولة عنها هذه القصة هي الآن محسوبة عند الجميع أنها مزوَّرة[95]. ثالثاً أنه لم يذكر ذلك أحدٌ من المؤرخين قبل القرن السادس[96]. مع أن الشخص الذي تُنسَب إليه كان في عصر الرسل. ولا يخفى أنه لو كُتب بالحقيقة شيءٌ من هذا القبيل لم يصدَّق أن الآباء والمؤلفين الكثيرين الذين كانوا في الخمسة القرون الأولى يسكتون عن ذلك ولا يذكرونه في تصانيفهم. ومن ثَمَّ لا يمكن أن يُوثَق بقصة غير صحيحة بالكلية نظير هذه.

ولكن إذاعة هذا التقليد زادت هذا العيد اعتباراً. فحفظه أولاً اليونان نظير عيد لوفاتها. ومن المحتمل أنهم ابتدأوا في أول الأمر يحفظونه في بعض أماكن في القرن الخامس. غير أنه لم يصر عمومياً إلا في القرون التالية. وحسب ما ذهب إليه نيسيفوروس[97] كان الملك موريتيوس الذي ابتدأ ملكه سنة 582 هو الذي جعله عمومياً. غير أنه لم يصر محفوظاً عند الجميع حتى ولا في القرن التاسع نظير عيد لانتقالها نفساً وجسداً إلى السماء. لأنه في ذلك العصر أيضاً كان مشكوكاً به[98]. ثم أن لاون الرابع بواسطة إضافته إلى هذا العيد سهراً وصياماً جعله بين الأعياد المعتبرة. وأخيراً في القرن الثالث عشر صار عاماً عند الجميع نظير عيدٍ لانتقال النفس والجسد. ولم يصر هكذا قبل القرن المذكور لأنه قبل ذلك الوقت كان كثيرون يعتبرون حالة نفسها وجسدها في الموت نظير حالة بقية المؤمنين[99].

عيد ميلاد مريم

لا نعلم ابتداء هذا العيد عن يقين. وقد نسبه جماعة إلى القرن الخامس وآخرون إلى السابع وآخرون إلى التاسع وغيرهم إلى القرن الحادي عشر. والأقرب إلى الصواب أن ابتداءه كان في الشرق وأنه صار معروفاً ومقبولاً في القرن الحادي عشر ولكن كان ذلك بالتدريج وبقوَّة العادة أكثر مما كان بوصيّة.

عيد الحَبَل بمريم بلا دنس

إن التعليم الذي كان سبباً لرسم هذا العيد هو أن مريم قد حُبِل بها بنوع عجيب ووُلدت على خلاف مجرى الطبيعة حتى لا تكون مشتركة في الخطيئة الأصلية.

والذي أشهر هذا التعليم أولاً هو بسكاسيوس ردبرتوس في كتابه عن ولادة مريم العذراء في القرن التاسع. لكن قاومه في ذلك على الخصوص رترمنوس الذي كان معاصراً له وأنسلموس وآخرون ممن ظهروا بعده. ومع أن هذا الرأي قد أشهره شخصٌ واحدٌ في القرن التاسع لم يمتد إلا بعد ثلاثة قرون أو أكثر. ثم في القرن الثاني عشر حامى عنه بطرس لمبردوس إلا أنه قد حصل له مقاومة عظيمة من الأكثرين مثل برنردس[100] وتوما أكوينا[101] وجميع علماء القرن الثالث عشر المشهورين[102] ثم ثم إن جماعة من القسوس في مدينة ليون من مملكة فرنسا يقال لهم قانونيون تبعوا هذا الرأي نحو سنة 1140 وأنشأوا عيد الحبل بلا دنس. وهذا أول ذكرٍ لهذا العيد. ولا يمكن وجود أثر أو تقليد له قبل ذلك[103]. ثم انه وقع جدال عنيف في هذا الموضوع واستمرَّ مئتين أو ثلاث مئة سنة أو أكثر حتى أن المدرسة العمومية في باريس اشتركت في هذا الجدال. ومجمع أكسفورد المنعقد سنة 1222 حسب هذا العيد غير ضروري. وكذلك الرهبان الفرنسكانيون والدومينيكيون اشتهروا بالجدال في هذا البحث فحامى الأولون عن هذا التعليم وقاومه الآخرون. ولم يتقرر تعليماً حقيقياً حتى أثبته مجمع باسل في جلسته السادسة والثلاثين سنة 1439. والبابا الأول الذي حكم بحفظ هذا العيد هو سكستوس الرابع في سنة 1476 وهذا البابا وعد بالغفران كل من يحفظهُ بورعٍ[104].

ثم إن المقاومة التي وقعت عليه كانت سبباً لعدم امتداده بسرعة. فإنه مع كونه قد تثبت من المجمع المذكور وبحكم البابا وحُفِظ في بعض الأماكن في القرن الاني عشر لم يصِر عمومياً في الكنائس إلى القرن الخامس عشر[105].

وإذ ليس لنا فرصة لإطالة الشرح عن الأعياد نقول بالإجمال أن جميع الأعياد الموجودة قبلاً والمحفوظة الآن لا بد أنه كان ابتداؤها منذ القرن الخامس والسادس وكان أكثرها بعد ذلك بزمان طويل.

[4] راجع كو 2: 16 وغل 4: 9 إلى 11 ورو 14: 5

[5] تاريخ الكنيسة كتاب 5 فصل 22 وجه 283

[6] تاريخ الكنيسة كتاب 12 فصل 23

[7] استروماتا كتاب 8 راس 7 مجلد 3 وجه 427

[8] ضد كلسوس كتاب 8 راس 21 إلى 23 وجه 433

[9] موعظة على العنصرة 1 مجلد 2 وجه 458

[10] تفسير غلاطية ص 4 مجلد 4 وجه 270

[11] رسالة 118 إلى يانواريوس ضد اديمانتنس راس 16

[12] مجمع اليبرريس قانون 21 ومجمع سرديس قانون 11 ومجمع اللاذقية قانون 29

[13] اوريجانوس ضد كلسوس كتاب 8 وجه 392

[14] سجل تاريخ كنائسي مجلد 2 وجه 88

[15] مثل مواعظ فم الذهب 1 و52 وموعظة على تيطس وغير ذلك

[16] مجمع اللاذقية (361) قانون 29 و37 و39 ومجمع اليبرريس قانون 49 و50

[17] احتجاجه الأول فصل 6 و10 و16 و32

[18] ضد الوثنيين كتاب 1 و5 و2

[19] كتاب 9 رسالة 71

[20] ثيودوريتوس عن الشهداء 1 و8

[21]- 1 كو 5: 7

[22]- 1 ع 2: 41

[23]1 كو 15

[24]مخاطبة 19 في جناز الاب

[25]-عن الصوم راس 2

[26]- يرفعه إليه اوسابيوس كتاب 5 راس 24

[27]-بنكهام تاريخ كنائسي قديم كتاب 21 راس 1 فصل 8

[28]-تاريخ راس 5 و22

[29]- تاريخ راس 7 و19

[30] -موعظة 16 على الإنجيل مجلد 3 وجه 42

[31]- رسالة 28 إلى لوسنيوس

[32] -مقابلة 21 راس 30

 [33]- موعظة 52 مجلد 5 وجه 709

[34]-  ترتوليانوس إلى اكسور كتاب 1 و2

[35]- ضد كلسوس كتاب 1 فصل 8 

[36]- رسالته إلى ينواريوس

[37]- حياة قسطنطين الكبير كتاب 1 و4 راس 18

[38]- تاريخ كنائسي كتاب 1 راس 8

[39]- استروماتا اولى وجه 177

[40]- موعظة 31 عن ميلاد المسيح

[41]- سيجل تاريخ كنائسي قديم مجلد 2 وجه 192.

[42]- سيجل تاريخ كنائسي قديم مجلد 2 وجه 189.

[43]- كمبيفيشيوس في الآباء كتاب 3 وجه 297 وكتيليريوس في نظام الرسل كتاب 5 فصل 13 ويابلونسكي كتاب 2 فصل 2 وجه 248.

[44]- هوسبنيان كتاب 2 وجه 171 وبوليدوروس ورجيليوس كتاب 1 و5 رأس 2 وجه 333 وهلد برند رأس 12 وتاريخ كنائسي لمرتين مجلد 3 وجه 110.

[45]- موعظة 38 عن ميلاد المسيح وجه 614 و615.

[46]- قانون 35 من مجمع اليبرريس وجه 305.

[47]- أنظر كمنيتسي عن المجمع التريدنتيني مجلد 4 وجه 263.

[48]- موعظة 74 عن شهداء كل العالم.

[49]- ضد فوستس كتاب 20 رأس 20 و21.

[50]- احتجاجه 3 و50 وإلى اسكابلوس رأس 5.

[51]- عظة 101 وجه 571 و572.

[52]- متون جسلر مجلد 1 وجه 282 و283.

[53]- خطبة في مديح ثيودورس الشهيد رأس 2 مجلد 2 وجه 1011.

[54]- الاستعداد الإنجيلي كتاب 13 رأس 11.

[55]- مجلد 2 وجه 642 إلى آخره.

[56]- وجه 312.

[57]-  أعمال فولجانتيوس وجه 132.

[58]- سيجل تاريخ كنائسي مجلد 4 وجه 205.

[59]- تفسير حزقيال رأس 40.

[60]- مجموع خطب ثاودورس خطاب 1 و2.

[61]- توما سينو عن الأعياد كتاب 1 و2 رأس 23 فصل 10.

[62]- توما سينو عن الأعياد كتاب 1 و2 رأس 23 فصل 10.

[63]- سيجل تاريخ كنائسي مجلد 3 وجه 318.

[64]- سيجل تاريخ كنائسي مجلد 3 وجه 183.

[65]- كتاب 3 رأس 18.

[66]- في تجسد المسيح 7.

[67]- على لوقا موعظة 17.

[68]- رسالة 260 و317 إلى ابتيما.

[69]- على متى موعظة 45 وعلى يوحنا موعظة 21.

[70]- في الطبيعة والنعمة رأس 36.

[71]- عن الهرطقات هرطقة 78 فصل 23 وهرطقة 79.

[72]- مسهيم تاريخ كنائسي كتاب 2 جزء 2 رأس 25.

[73]- يو 2: 4.

[74]- رو 1: 25.

[75]- انظر بانورماتانوس ضد 80 هرطقة مجلد 2 كتاب 3.

[76]- كولمان وجه 440 وسيجل مجلد 2 وجه 319.

[77]- سيجل تاريخ كنائسي قديم مجلد 3 وجه 319 ووجه 320 ومسهيم تاريخ كنائسي مجلد 1 وجه 311 ووجه 312 كتاب جسلر مجلد 1 رأس 5 فصل 96 وفصل 97.

[78]- الآباء الأوائل لكمبيفسي مجلد 1 وجه 301 وسيجل تاريخ كنائسي قديم مجلد 3 وجه 321.

[79]- تاريخ نيسيفارس 17 رأس 28.

[80]- بنكهام مجلد 9 وجه 172 ووجه 173.

[81]- هسبنيان كتاب 1 وجه 40.

[82]- بومجرتن وجه 290 و291.

[83]- شميد تاريخ عن الأعياد وجه 90 إلى آخره.

[84]- هلدبراند وجه 43.

[85]- أوغستي جزء 3 وجه 79.

[86]- مجموع توليد وسنة 659 رأس 1 ومجمع تروللو سنة 692 رأس 52.

[87]- مجمع باسل جلسة 43.

[88]- أبيفانوس هرطقة 89 فصل 11.

[89]- تفسير الأيام.

[90]- أمبروسيوس على لوقا 2: 35 وحياة القديسين لايسيدوروس.

[91]- أبيفانوس في الهرطقات 79.

[92]- أوسواردوس وآدو في الاستشهادات.

[93]- تاريخ كنائسي لنيسيفوروس كتاب 2 رأس 21 وكتاب 15 رأس 14.

[94]- سيجل تاريخ كنائسي قديم مجلد 3 وجه 336.

[95]- تاريخ كنائسي لمسهيم مجلد 1 وجه 22.

[96]- نياندر 3 فصل 2 وجه 54.

[97]- تاريخ كنائسي لنيسيفوروس كتاب 17 رأس 25.

[98]- قوانين لكارولي كتاب 1 رأس 14.

[99]- بماغرتن كتاب 1 وجه 308 وسيجل تاريخ كنائسي قديم مجلد 3 وجه 337.

[100]- رسالة 174 في قانونيون ليون.

[101]- تلخيصه جزء 3 رأس 27 قضية 1.

[102]- متون جسلر رأس 5 فصل 78.

[103]- برنردس رسالة 174 رأس 59 وما يتلوه.

[104]- مسهيم مجلد 2 وجه 537.

[105]- سيجل مجلد 3 وجه 346.

  • عدد الزيارات: 8772