Skip to main content

مقدمة

إن أكثر التعاليم والطقوس والمذكورة في هذا الكتاب دخلت في الكنائس بالتدريج. لأنها كانت في ابتدائها بسيطة ثم أُضيف إليها زيادات وانتشرت أولاً في بعض الأماكن وقَبِلَها بعض الأشخاص والكنائس دون غيرها. ولا ريب أنه يعسر علينا تعيين الأزمنة التي ابتدأت فيها بالتحقيق كما هو المعهود في الأمور الدينية التي لا رسم لها في الكتاب المقدس. ولذلك نكتفي بتعيين الزمان الذي عاشت فيه بين الجميع وهو الزمان الحقيقي الذي فيه قبِلها عموم الكنيسة.

وقد اجتهدنا أن نتكلم عن القضايا التي بحثنا فيها من دون محاباة. وأشرنا في الحواشي إلى ما نفلنا الشهادات عنه من كتب آباء الكنيسة وغيرهم ممن يوثق به لكي يتحقق القارئ أننا لم نحكم بشيء من دون دليلٍ كافٍ. وقد كان يمكننا أن نورد شهادات أخرى كثيرة ولكن رأينا ما أوردناه كافياً لكل ذي بصيرة سليمة فاقتصرنا عليه خوف الإطالة. وما ارتاب في صحة العبارات التي استشهدنا بها فليراجع كل واحدةٍ في محلها وحينئذٍ يجد أنها تُثبت القضية الموردة لإثباتها وأننا لم نُحرفها البتة.

ولعل الذين يعتمدون كثيراً على الطقوس والسنن ظانين أن الديانة تقوم بها يتوهمون أننا نضرُّ الديانة بما كتبناه عوض أن ننفعها. فنحن نلتمس من مثل هؤلاء أن يتذكروا أن ديانة المسيح هي ديانة روحية. فإن السيد له المجد قد قال أن الله روحٌ والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا [1]. وقد كُتِبَ أيضاً لأنه ليس كما ينظر الإنسان. لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب [2]. وفي توبيخ العبادات الخارجية التي لم تصدر عن القلب مع أنها كانت مقرونة باحتفال عظيم قد تكلم السيد المسيح أيضاً بهذه العبارة الشديدة حيث قال يا مراؤُون حسناً تنبأ عنكم أشعياء قائلاً. يقترب إلي هذا الشعب بفمه ويُكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً. وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس [3]. والكتاب المقدس يعلِّمنا في كل مكان منه أن القلب لا بدَّ منه في العبادة المقبولة ويحذِّر الناس من اتخاذ الطقوس الخارجية مكان العبادة القلبية. وقد كان ضلال اليهود من هذا القبيل لأنهم أبدلوا العبادة الروحية بالطقوس الخارجية الفارغة. وأما ديانة المسيح ورسله فقد كانت بسيطة جداً من حيث طقوسها ولم تزل كذلك في الأجيال الأولى بعد أيامهم. وهذه هي نفس الديانة التي نحن نحامي عنها ونريد أن تعلِّمها لكل إنسان على قدر إمكاننا متيقنين من كلام الله أنها هي الديانة الوحيدة التي يخلص الناس بها.

فإذاً عندما نبحث عن أصل بعض الطقوس والتعاليم ونبين أنها حدثت بعد المسيح بأجيال وليست من الديانة التي سلَّمها المسيح لخلفائه لا يحسبنا أحد كأننا أعداء التقوى الحقيقية. لأننا إذا سلبنا عن شيء ما لا يختص به لا يكون ذلك علامة البغضة بل علامة المحبة التي تجتهد في جعله خالصاً نقياً. وهذا هو نفس لعمل الذي نقصده في هذه الرسالة. فإننا دائماً نحامي بكل غيرة ونشاط عن التقوى الحقيقية لأن المسيح وتلاميذه علَّمونا أن ذلك هو الطريق الوحيد لنوال السلامة الحقيقية في هذا العالم والتمتع بالسعادة الأبدية في العالم الآتي. ولهذا نرى أنه يجب على كل أحد أن يكون إنساناً نقياً من قلبه. ونريد أن نبين هنا أنه كما أن القداسة الحقيقية لا تقوم بكثرة الطقوس والسنن كذلك لم تتركب الديانة منها في مدة ثلاث مئة سنة بعد المسيح وأن المسيحيين الأتقياء الذين ماتوا شهداء في تلك القرون لم يعرفوها بل عاشوا وماتوا وخلصوا بدونها.

هذا وإن غايتنا الوحيدة هي إظهار الحق كما هو بالرب يسوع. ونطلب من الله بسلامة قلبٍ أن يجعل هذه الرسالة الحقيرة واسطة لانتشار الحق الإنجيلي الطاهر بمنِّهِ وكرمهِ.

[1] يو 4: 24

[2] امل 16: 7

[3] مت 15: 7 إلى 9

  • عدد الزيارات: 3350