الفصل الثالث: الإعلان العام
إن صح أنه يمكن للإنسان أن يعرف الله، فهذه الحقيقة تفترض أن الله قد اختار من جانبه أن يعرفه الإنسان بطريقة أو بأخرى. فلا يمكننا أن ننسب معرفة الله إلى أنفسنا. أي إلى اكتشافنا الخاص، أو بحثنا وتفكيرنا العميق. فما لم نُعطَ هذه المعرفة عطاءً حراً بغير اضطرار، فلا يمكننا أبداً أن نصل إليها بمجهودنا الذاتي.
والتعرف بالمخلوقات يختلف بعض الشيء عن التعرف بالله. فمع أننا نعتمد كلياً على الله لنعرف المخلوقات، نجد أن الله كلف الإنسان عند الخليقة أن يخضع الأرض كلها ويسود عليها، وأهلّه لهذا العمل ومنحه الرغبة فيه. والإنسان أسمى من الطبيعة، لذا يمكنه أن يقتبس الظواهر الطبيعية ويدرسها ويستطيع أن يبدع فيوجد بعض الأشياء. يمكنه، بعبارة أخرى، أن يرغم الطبيعة على أن تفصح عن نفسها وتكشف أسرارها.
إلا أن هذه المقدرة محدودة من نواح كثيرة. فكلما ازداد العلم تعمقاً في الظواهر واقترب من جوهر الأشياء، اكتشف أن الأسرار تزداد، فيلفه المجهول من كل جانب. والذين اقتنعوا اقتناعاً عميقاً بمحدودية المعرفة البشرية كثيرون، وكأنهم يقولون: "نحن لا نعرف" أو ربما يضيفون أيضاً: "لن نعرف أبداً".
فإن كانت محدودية المعرفة البشرية قد صارت واضحة في ما يتعلق بدراسة الطبيعة الجامدة، فطبيعي أنها تصبح أكثر وضوحاً في دراسة المخلوقات الحية العاقلة المفكِّرة.
ففي هذا المجال نتلامس مع حقائق لا يمكننا أن ندفعها هنا وهناك كما نشاء، إذ تنتصب أمانا في موضوعية، بحيث لا يمكننا أن نتعرف بها إلا بقدر ما تتجاوب مع ما وجده في دواخلنا. فالحياة والوعي والشعور والبصيرة والفهم والعقل والرغبة والإرادة لا تخضع للتجزئة ولا لأن نقوم بتجميعها معاً. فطبيعتها ليست ميكانية بل عضوية، ويجب أن نقبلها كما نجدها، وعلينا أن نحترم ما تنطوي عليه من غموض فمحاولة تفتيت الحياة تقتلها.
ينطبق هذا بصفة خاصة على طبيعة الإنسان نفسه. فمع أنه فعلاً كائن طبيعي لا يستطيع أن يهرب من إدراكنا له، فإن كل ما ندركه بشأنه هو مظهره الخارجي. ومن وراء هذا المظهر الخارجي تكمن حياة غامضة لا تعبر عن نفسها خارجياً إلا بتعبيرات ناقصة عاجزة. ويستطيع الإنسان، من الناحية الأخرى، أن يخفي إلى حد ما عن الآخرين جانب طبيعته الداخلي، كما يستطيع أن يتحكم بتعبيرات وجهه حتى لا تنم عضلة واحدة عما يدور في داخله، مثلما يستطيع أن يستخدم اللغة لإخفاء أفكاره، ويتظاهر في تصرفاته بمواقف تختلف تماماً عما يُبطن. حتى لو كنا نتعامل مع شخص يحترم نفسه ويحتقر الخداع والمكر، ففي سبيل التعرف به نعتمد إلى حد كبير على ما يختار هو أن يعلنه لنا عن نفسه. صحيح أنه قد يكشف عن ذاته دون أن يقصد، فهو لا يملك السيادة المطلقة على نفسه، وكثيراً ما يكشف عن نفسه دون أن يدري، إلا أنه على أي حال، لا بد للإنسان في أن يعبر عن أسرار شخصيته بحياته وكلامه وأفعاله، سواء أراد ذلك أو لم يرد. فلا يمكن التعرف بأي شخص إلا متى كشف عن نفسه سواء، عن وعي وقصد أو دون ذلك.
تقودنا مثل هذه الاعتبارات إلى الفهم الصحيح للشروط التي يجب أن توفرها ليعرف الإنسان الله. فالله هو الواحد المستقل المطلق، الذي له وحده السيادة، وهو لا يعتمد علينا في شيء. أما نحن، سواء من الناحية الطبيعية أو العقلية أو الأخلاقية، فإننا نعتمد عليه اعتماداً كاملاً. من ثم لا سلطان لنا عليه ولا يمكننا أن نتحكم به إطلاقاً. وليست لنا وسيلة نجعله بها موضوع دراستنا وتأملنا. فما لم يدعنا نجده، فإننا لا نستطيع حتى أن نبحث عنه. وما لم يعطنا نفسه، لا يمكننا أن نقبله.
بالإضافة إلى ذلك فالإنسان لا يرى الله، فهو يسكن في نور لا يدنى منه. ولذلك لم يره أحد من الناس قط ولا يقدر أحد أن يراه. ولو حجب أو أخفى نفسه عنا، لما كنا نقدر أن نأتي به إلى داخل نطاق إدراكنا الطبيعي أو الروحي. وطبيعي أنه دون أي إدراك تصبح المعرفة مستحيلة. وأخيراً، لا نضيف المزيد، فإن الله هو القادر على كل شيء.
فمع أننا نحن البشر نكشف دائماً عن ذواتنا، بدرجة كبيرة أو صغيرة، سواء عمداً أو دون قصد، فإن الله يعلن ذاته بقدر معين، كما يريد هو، وذلك بدافع إرادته هو، وليس لأي سبب آخر. فلا يمكن أن نتحدث عن إعلان غير مقصود يتم– إن جاز التعبير– خارج مجال وعيه وحريته. فالله يسيطر علي ذاته تماماً وهو لا يكشف عن ذاته إلا وفق مسرة مشيئته. فمعرفة الله لا يمكن أن تتحقق إلا على أساس الإعلان الذي يتم من جانب الله. ولا يتيسر للإنسان أن يعرف الله إلا متى شاء الله بحرية كاملة أن يعلن نفسه، وذلك بالقدر الذي يختاره هو أيضاً.
يُعَبَّر عادة عن كشف الله عن ذاته بالاصطلاح اللاهوتي "الإعلان"، فيما يستخدم الكتاب المقدس أفعالاً متعددة للتعبير عن ذلك مثل الظهور، الكلام، الأمر، العمل، التعريف، وما شابه. . . . هذا يدلنا على أن الإعلان لا يتم بأسلوب واحد، بل بأشكال متعددة. فكل أعمال الله في الواقع، سواء الكلام أو الأفعال، إنما هي أجزاء وعناصر من ذلك الإعلان الواحد العظيم والشامل والمستمر. فإبداع الخليقة، والعناية بها، وضبط كل الأشياء، ودعوة شعب الله القديم، وقيادته، وإرسال المسيح، وسكب الروح القدس، وتدوين كلمة الله، وتعهد الكنيسة وبنيانها، وما شابه ذلك، كلها طرق وأشكال يصل بها إعلان الله إلينا. فكل من هذه تخبرنا بشيء عن الله. وبهذا المعنى، فكل ما هو كائن، وكل ما يحدث، يمكن– بل يجب– أن يقودنا إلى معرفة ذاك الذي معرفته حياة أبدية.
وهذا الإعلان، سواء أكان عاماً أو خاصاً، له المميزات الآتية:
أولاً: يصدر هذا الإعلان دائماً من الله ذاته بإرادته الحرة. فهو تعالى له السيادة المطلقة دائماً، ويتصرف بحرية كاملة عن قصد وإرادة. ومن المعروف أن هنالك من يرفضون الاعتراف بإله شخصي يعي ذاته ومع ذلك يتحدثون عن إعلان إلهي. إلا أن التفكير يضفي على الكلمة معنى يتعارض مع مفهومها المعتاد. فمن وجهة نظر الذين يعتبرون الله قوة قادرة على كل شيء غير أنها بلا شخصية ولا وعي، فربما أمكن القول بأن هذه القوة تنم عن نفسها بكيفية لا إرادية، إلا أن هذا لا يمكن الحديث عنه بأنه إعلان حقيقي، لأن الإعلان يفترض حرية الله المطلقة ووعيه الكامل. فكل إعلان جدير أن نسميه إعلاناً إنما ينبع من الاعتقاد أن الله موجود كشخص، وانه يعي بذاته، وأنه يستطيع أن يعرف الخلائق بنفسه. ومعرفتنا نحن البشر لله تنبع من معرفة الله لذاته وتتأسس عليها. فلو لم يكن الله يعرف ذاته ويعيها لما أمكن الإنسان أن يعرف الله. فأي من ينكر هذا، لا بد أن يصل إلى نتيجة لا يقبلها أي عقل: إما أن معرفة الله مستحيلة تماماً، وإما أن الله لا يبلغ وعيه لذاته سوى في الإنسان، وهذا يضع الإنسان مكان الله.
ولكن تعليم الكتاب المقدس يختلف تماماً عن ذلك. فالله يسكن في النور، وإن كنا لا نستطيع أن ندنو منه، فهو يعرف ذاته تماماً ويمكنه بالتالي أن يعلن ذاته لنا. فلا أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن الآب له (مت 11: 27).
ثانياً: كل إعلان يصدر عن الله هو إعلان عن ذات الله. فالله هو أساس الإعلان كما أنه هو مضمونه. وينطبق هذا على الإعلان الأسمى الذي جاء إلينا في المسيح. فيسوع نفسه يقول أنه أظهر اسم الآب للناس (يو 17: 6) والابن الوحيد الذي هو في حضن الآب أظهر الله لنا (يو 1: 18). وينطبق الأمر نفسه على سائر الإعلانات الأخرى التي يقدمها الله عن ذاته. فكل أعمال الله في الطبيعة والنعمة، في الخليقة والتجديد، في العالم وفي التاريخ، تعلمنا شيئاً عن ذات الله الذي لا يمكننا أن ندركه تماماً والذي نتعبد له. ولا تعمل هذه كلها بنمط واحد، ولا تبلغ المدى عينه، كما أن بينها اختلافات شاسعة. فهذا يخبرنا عن صلاح الله، وذلك يحدثنا عن رحمته، ويشع من الواحد نور عظمة قدرته، ومن الآخر حكمته الإلهية. إلا أنها جميعاً– كل منها إلى مداه الخاص– تعلن لنا أعمال الله العظيمة وتعرفنا بفضائله وكمالاته في ذاته وبما يتميز به عن غيره، بفكره وكلمته، بمشيئته ومسرته.
ويجب طبعاً ألا ننسى في هذا المجال أن إعلان الله، بصرف النظر عن مضمونه الغني، يجب ألا نعتبره مطابقاً لمعرفة الله لذاته. فمعرفة الله وإدراكه لذاته معرفة مطلقة لا نهائية، تاماً مثل كيانه، ولها طبيعته بعينها. ولذلك فهي لا تخضع لإدراك أي مخلوق. والإعلان الذي تدركه الخليقة عن الله، سواء من الناحية الموضوعية في أعمال يده، أو من الناحية الذاتية في وعي خلائقه العاقلة، لا يشكل إلا جزءاً صغيراً من معرفة الله اللانهائية لذاته. والأمر لا يتعلق بنا نحن البشر الذين على الأرض وحسب، بل أن القديسين والملائكة في السماء أيضاً، وحتى الابن نفسه باعتبار طبيعته البشرية، كل هؤلاء تختلف معرفتهم لله من حيث المبدأ والجوهر عن معرفة الله لذاته. إلا أن المعرفة التي يقدمها الله في إعلانه عن ذاته، والتي يمكن أن تحصل عليها الخلائق العاقلة– وإن كانت محدودة وقاصرة ستبقى للأبد كذلك– هي معرفة حقيقية سليمة. فالله يعلن ذاته في أعماله لنعرفه كما هو بالحقيقة. فمن إعلانه عن ذاته نعرفه. ومن ثم فلا راحة للإنسان ما لم يرتفع فوق المخلوق إلى الله ذاته. وفي دراستنا للإعلان الإلهي، يجب أن يكون اهتمامنا منحصراً بأن نعرف الله. فليس هدف الدراسة أن نتعلم بعض الكلمات ونزداد علماً، بل الهدف الأساسي هو أن تقودنا الدراسة من المخلوقات إلى الخالق وأن تأتي بنا إلى الراحة في قلب الآب.
ثالثاً: إن الإعلان الذي ينبع من الله، والذي مضمونه هو الله، يكون الله أيضاً هدفه. فهذا الإعلان هو منه، وعن طريقه، ويقود إليه أيضاً. فهو الذي خلق كل الأشياء لنفسه (رو 11: 36، أع 16: 4). ومع أن معرفة الله التي نبلغها عن طريق إعلانه ذاته لنا تختلف جوهرياً عن معرفة الله لذاته، فهي مع ذلك معرفة غنية واسعة وعميقة بحيث لا يمكن أن يعيها كلياً إدراك أي مخلوق عاقل. ومع أن الملائكة يفوقون الإنسان في الإدراك، وهم ينظرون دائماً وجه الآب في السماء (مت 18: 10) فهم رغم ذلك، يشتهون أن يطلعوا على الأشياء التي يقدمها لنا من ينادون بالإنجيل (1 بط 1: 12). وكلما تفكر الناس بعمق متزايد في إعلان الله، وجدوا أنفسهم يهتفون مع بولس الرسول: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء" (رو 11: 33). فالإعلان إذاً لا يبلغ هدفه النهائي في الإنسان، إذ يجاوزه إلى حد ما ويسمو عنه.
ولا شك أن الإنسان يحتل مكاناً هاماً في الإعلان. فالإعلان موجه إلى البشر حتى يطلبوا الرب لعلهم يتلمسونه فيجدوه (أع 17: 27) ويجب أن ينادى بالإنجيل لكل الخليقة، متى آمنوا تكون لهم حياة أبدية (مر 16: 15، 16، يو 3: 16، 36). إلا أن هذا لا يمكن أن يكون الهدف النهائي والأسمى للإعلان. فلا يمكن أن يجد الله راحته في الإنسان. إذ أن الإنسان هو الذي يجب أن يعرف الله ويخدمه، حتى أنه، مع كل الخلائق وعلى رأسها، يقدم لله المجد اللائق به من أجل كل أعماله. ففي إعلان الله ذاته، سواء من خلال الإنسان أو بعيداً عنه، يعد تعالى لذاته مدحاً، ممجداً اسمه، ناشراً أمام عينيه في عالم خلائقه فضائله وكمالاته. ولأن الإعلان من الله وعن طريقه، فإن هدفه وغرضه هو مجد الله.
وكل هذا الإعلان، الذي هو عن الله وعن طريقه، يتمركز ويبلغ ذروته في شخص المسيح. فليست قبة السماء الزرقاء المتلألئة، ولا الطبيعة بقدرتها، ولا أمير أو عبقري أرضي، ولا فيلسوف أو فنان، ولكنما ابن الإنسان هو قمة إعلان الله. فالمسيح هو الكلمة الذي صار جسداً، الذي كان في البدء عند الله والذي كان هو الله، الابن الوحيد للآب، صورة الله، بهاء مجده، والصورة المعبرة عن شخصه، ومن رآه فقد رأى الآب (يو 14: 9). في هذا الإيمان يرسخ المسيحي. فقد تعلم أن يعرف الله في شخص يسوع المسيح الذي أرسله الله. فالله نفسه الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح (2 كو 4: 6).
من منطلق هذا الموقع المتميز السامي، ينظر المسيحي إلى الأمام وإلى الخلف وفي كل اتجاه. وإن كان وهو يفعل ذلك، في نور معرفة الله التي يدين المسيح بها، يسمح لعينيه بأن تتوقفا عند الطبيعة والتاريخ، والسماء والأرض، فإنه يكتشف في كل مكان آثار نفس الإله الذي تعلم أن يعرفه وأن يتعبد له في المسيح باعتباره أباه هو شخصياً. إن شمس البر يفتح له مشهداً يمتد إلى أقصى الأرض وبنور شمس البر يتطلع إلى الوراء في ليل الماضي السحيق وبالنور نفسه ينفذ إلى مستقبل كل الأشياء حيث الأفق أمامه ومن خلفه واضح، ولو حجبت الغيوم الرؤية في السماء أحياناً.
والمسيحي الذي يرى كل شيء في نور كلمة الله لا يمكن أن يكون أفقه ضيقاً، فهو كريم القلب سخي العقل، ينظر إلى كل الأرض ويعتبرها ملكاً له، لأنه للمسيح والمسيح لله (1 كو 3: 21 – 23). فلا يمكنه أن يتخلى عن إيمانه بأن إعلان الله في المسيح، الذي هو مدين له بحياته وخلاصه، له صفة خاصة. فهذا الإيمان لا يبعده عن العالم بل بالحري يضعه في مركز يتابع منه إعلان الله في الطبيعة وفي التاريخ، ويتيح له الوسيلة التي بها يتعرف على ما هو صحيح وصالح وجميل ويميز ذلك كله من مزيج الزيف والشر الذي يصنعه البشر.
وبذلك فالمسيحي يميز بين إعلان الله "العام" و "الخاص". ففي الإعلان العام يستخدم الله مجرى الظواهر الطبيعية العادية، وسير الحوادث العادي. أما في الإعلان الخاص فإنه كثيراً ما يستخدم الوسائل والظهورات والنبوات والمعجزات غير المألوفة،، ليتعرف به البشر. ومضمون النوع الأول هو على وجه خاص صفات القوة والحكمة والصلاح. أما مضمون النوع الثاني فهو بصفة خاصة قداسة الله وبره وعطفه ونعمته. الأول موجه إلى جميع البشر وعن طريق النعمة العامة يعمل على كبح جماح الخطية، والثاني يأتي إلى كل من يعيشون في دائرة الإنجيل وقد نالوا بمحض النعمة بركاته المجيدة من غفران الخطايا وتجديد الحياة وغيرهما.
ومهما كان من الضروري أن نميز بين الإعلانيين، فهما يظلان متصلين اتصالاً وثيقاً. فالله في صلاحه وإحسانه المطلقين أساس كل منهما. والإعلان العام هو بفضل الكلمة الذي كان في البدء عند الله، والذي صنع كل الأشياء، والذي يسطع كنور في قلب الظلام، وينير كل إنسان يأتي إلى العالم (يو 1: 1 – 9). كما أن الإعلان الخاص هو بفضل الكلمة عينه، الكلمة الذي صار جسداً في المسيح وهو مملوء نعمة وحقاً (يو 1: 14). فالنعمة مضمون الإعلانيين، وهي عامة في النوع الأول وخاصة في الثاني، وإنما بكيفية لا غنى فيها للواحد عن الآخر.
ذلك أن النعمة العامة تجعل النعمة الخاصة ممكنة، فتمهد الطريق لها، ثم تدعمها بعد ذلك. والنعمة الخاصة بدورها ترتفع بالنعمة العامة إلى مستواها الخاص وتوجهها لخدمتها. وأخيراً، يهدف الإعلانان إلى حفظ الجنس البشري، فالإعلان العام يسانده، أما الإعلان الخاص فيفتديه. وبذلك يعمل كلاهما على تمجيد كمالات الله.
إن مضمون كلا الإعلانيين العام والخاص (ليس الإعلان الخاص وحده، بل الإعلان العام أيضاً) موجود في الكتاب المقدس. ومع أن الإعلان العام مستمد من الطبيعة، فهو متضمن في الكتاب المقدس، لأنه من دون الكتاب، ما كان يتسنى لنا نحن البشر، بسبب ظلمة إدراكنا الروحي، أن ندرك هذا الإعلان الإلهي في الطبيعة. ففي رحلتنا في هذا العالم ينير الكتاب المقدس سبيلنا ويضع بين أيدينا الفهم الصحيح للطبيعة والتاريخ، فنرى الله حيث لم يكن في وسعنا رؤيته. وإذ ينير الكتاب أذهاننا نرى عظمة الله التي تتحدث بها أعمال يديه.
فالخليقة نفسها، كما يعّلم الكتاب، تظهر إعلان الله في الطبيعة. لأن الخليقة ذاتها عمل إعلاني، فهي بداية كل إعلان لاحق ومبدأه الأول. فلو كان الكون قائماً بذاته من البداية، أو كان من الأزل جنباً إلى جنب مع الله، لما كانت الخليقة إعلاناً له. وفضلاً عن ذلك، لوقفت الخليقة، دائماً، عائقاً في سبيل إعلان الله عن ذاته. إلا أن من تمسك بالكتاب المقدس وبحقيقة أن العالم مخلوق، يقر بذلك أن الله يعلن ذاته في هذا الكون كله. وكل عمل يشهد لصانعه. وتتناسب هذه الشهادة مع المدى الذي فيه يمكن أن يوصف ذلك العمل بأنه نتاج صانعه.
ولأن العالم من صنع الله فعلاً، ويدين بطبيعته وكيانه لصانعه في البدء وفيما بعد ذلك، لذا يظهر كل مخلوق بعضاً من فضائل الله وكمالاته. ولذلك، فبمجرد أن ننكر إعلان الله في الطبيعة، أو نقصر ذلك الإعلان على قلب الإنسان ومشاعره مثلاً، يبرز خطر إنكار خلق الله للعالم، أو الاعتقاد أن القوة التي تتحكم بالطبيعة هي غير القوة التي تتحكم بالقلب البشري. فيدخل الشرك بالله إلى الفكر البشري، سواء بكيفية صريحة أو غير معلنة. وإذ يعلم الكتاب المقدس عن الخليقة، فإنه بذلك يتمسك بإعلان الله، كما يتمسك في الوقت نفسه بوحدة الله، ووحدة العالم.
بالإضافة إلى ذلك، يعلم الكتاب المقدس أن الله لم يوجد العالم فقط، ولكنه هو نفسه يحفظ العالم ويسويه لحظة بلحظة وبصفة مستمرة. فهو ليس مرتفعاً فوق العالم وحسب، بل يحل أيضاً في كل خليقته بقوته الفائقة الموجودة في كل مكان. فهو عن كل واحد منا ليس بعيداً لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد (أع 17: 27، 28). إذاً إعلان الله الذي يأتينا عن طريق الخليقة لا يذكرنا فقط بعمل أنجزه الله منذ زمن بعيد، بل يشهد أيضاً بما يريده الله ويفعله في عصرنا الحاضر.
وعندما نرفع عيوننا إلى العلاء، لا نرى من خلق هذه الأشياء والذي يُخرج بعدد جندها فحسب، بل نلاحظ أنه يدعوها كلها بأسماء. ولكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يفقد أحد (إش 40: 26). فالسماوات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه (مز 19: 1) وهو اللابس النور كثوب الباسط السماوات كشقة، المسقف علاليه بالمياه الجاعل السحاب مركبته الماضي على أجنحة الريح (مز 104: 2، 3) والجبال والوديان مؤسسة في الموضع الذي حدده لها، وهو يسقيها من علاليه (مز 104: 8، 13). من ثمر أعمالك تشبع الأرض، المنبت عشباً للبهائم وخضرة لخدمة الإنسان لإخراج خبز من الأرض، وخمر تفرح قلب الإنسان (مز 104: 13- 15)، المثبت الجبال بقوته المتنطق بالقدرة المهدئ عجيج البحار (مز 65: 6، 7). وهو يطعم طيور السماء ويكسو عشب الحقل مجداً (مت 6: 26 – 30) وهو يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين (مت 5: 45) وينقص الإنسان قليلاً عن الملائكة، بمجد وبهاء يكلله ويسلطه على أعمال يديه (مز 8: 5، 6)!
وفضلاً عن ذلك، فإن الله ينفّذ مشورته ويثبّت عمله في التاريخ كما في الطبيعة، وقد صنع من دم واحد كل أمة من الناس يسكنون على كل وجه الأرض (أع 17: 26). ونراه يهلك الجنس البشري القديم في الطوفان، إلا أنه في الوقت نفسه يبقي عليه عن طريق أسرة نوح (تك 6: 6– 9). وعند برج بابل يبلبل ألسنة الناس ويبددهم على كل وجه الأرض (تك 12: 7، 8) "وحين قسم العلي للأمم، حين فرق بني آدم نصب تخوماً لشعوب حسب عدد بني إسرائيل" (تث 32: 8) "وحتم بالأوقات المعينة وبحدود مسكنهم" (أع 17: 26). ومع أنه اختار شعب إسرائيل القديم ليحملوا إعلانه الخاص، وسمح للأمم الوثنية أن تسلك في طرقها (أع 14: 16)، فهو لم يهمل هؤلاء الأمم ولم يتركهم لمصيرهم الخاص بل على نقيض ذلك، لم يترك نفسه بلا شاهد وهو يفعل خيراً، ويعطيهم من السماء أمطاراً، وأزمنة مثمرة، ويملأ قلوبهم طعاماً وسروراً (أع 14: 17) إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهرها لهم (رو 1: 19)، لكي يطلبوا الله لعلهم يتلمسونه فيجدوه (أع 17: 27).
بهذا الإعلان العام حفظ الله الشعوب وقادهم إلى تدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض (أف 1: 10). وهو يجمع كنيسته من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة (رو 11: 25 وأف 2: 14 والآيات التالية ،رؤ 7: 9) هو يعد لنهاية العالم بحيث تسير شعوب المخلصين نحو مدينة الله وبنورها كل ملوك الأرض وشعوبها يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها (رؤ 21: 24– 26).
وفي علم اللاهوت حاول الناس أن ينظموا كل شهادات الطبيعة والتاريخ عن وجود الله وكيانه وأن يصنفوها في مجموعات. وهكذا نتحدث أحياناً عن ستة براهين لوجود لله. فنرى أولاً أن العالم– رغم قوته وشموله– يشهد عن نفسه بأنه محصور في حدود الزمان والمكان، فالعالم يخضع للزمن وهو عارض وطبيعته تدل على الاعتماد على غيره، ولذلك فهو يتطلب كائناً أبدياً أساسياً مستقلاً هو العلة النهائية لكل الأشياء. هذا هو البرهان الكوني. ونرى ثانياً أن العالم في قوانينه وأنظمته، في وحدته وتوافقه، وفي تنظيمات كل خليقته، يكشف غرضاً (أو غاية) يكون من السخرية شرحه على أساسا الصدفة، ولذلك فهو يشير إلى كائن كلي الحكمة والقدرة وبعقله غير المحدود قد أسس هذه الغاية وبقوته الفائقة والموجودة في كل مكان يسعى لتحقيقها. هذه هي الحجة المبنية على الغاية. ونرى ثالثاً أنه في إدراك جميع البشر، هناك إحساس بكائن سام لا يمكن تصور ما هو أسمى منه، ويعتقد الجميع أنه كائن بذاته. فإن لم يكن مثل هذا الكائن موجوداً، فإن الفكرة الأسمى والأكمل، التي لا يمكن تجنبها، تصبح وهماً، وبذلك يفقد الإنسان ثقته في صحة وعيه. هذا هو البرهان الذاتي.
والبرهان الرابع مبني على البرهان الثالث. فالإنسان ليس مجرد كائن عقلاني، بل هو كائن أخلاقي أيضاً. فهو يشعر في ضميره أنه ملتزم لقانون أعلى منه يتطلب منه طاعة غير مشروطة، ومثل هذا القانون يفترض وجود مشرع بارٌ في إمكانه أن يحفظ ويهلك. هذا هو البرهان الأخلاقي.
وتضاف عادة إلى هذه الحجج الأربع حجتان أخريان تستنبطان من التشابه أو التوافق بين الشعوب وتاريخ البشرية. فمن الظواهر التي تسترعي الالتفات أنه لا توجد شعوب أو أمم بلا دين. وقد اعترض على هذه الحقيقة قلّة من العلماء، إلا أن البحث التاريخي قد أثبت خطأهم شيئاً فشيئاً. فلا توجد قبائل أو شعوب ملحدة. وهذه الظاهرة على جانب كبير من الأهمية لأن الإحساس الديني المطلق في جميع أنحاء العالم يدفعنا لأن نختار موقفاً من اثنين: فإما أن يكون البشر بصفة عامة يعانون خرافة حمقاء، أو أن معرفة الله وخدمته اللتين نجدهما بين جميع الشعوب في صور مشوشة، إنما تتأسسان على وجود الله.
وعندما ننظر إلى تاريخ الجنس البشري، في ضوء الكتاب المقدس، نجد أنه يكشف عن خطة أو أسلوب يشير إلى أن كل الأشياء يحكمها كائن أسمى. ومع أن هذه الفكرة تواجه الكثير من الاعتراضات والصعوبات في حياة الأفراد والشعوب، فممّا يسترعي الالتفات أن أي من يدرس التاريخ دراسة جادة يفترض في دراسته أن التاريخ ينطوي بوضوح على فكرة أو خطة يعمل على اكتشافها وتقديمها. فالتاريخ وفلسفة التاريخ يؤسسان على الإيمان بالعناية الإلهية.
وكل ما يسمونه "براهين" أو "إثباتات" لوجود الله لا تكفي لترغم إنساناً على الإيمان. بل أن العلم والفلسفة لا يملكان سوى أدلة قليلة تدفع الإنسان لأن يذعن لهما، فقد يتحقق ذلك في العلوم المنهجية، مثل الرياضيات والمنطق. إلا أننا بمجرد أن نتعامل مع الظواهر الطبيعية على حقيقتها، وبصفة خاصة في تعاملنا مع التاريخ، فإن كل مجادلاتنا وكل نتائجنا تخضع كقاعدة عامة لجميع أنواع الريبة والاعتراضات. وعندما يتجه المرء إلى مجالات الدين والأخلاقيات، والقانون والفنون، فإن جزءاً أكبر يتوقف على اتجاه الباحث ومدى قابليته للاقتناع. فيمكن أن الجاهل- رغم كل الأدلة– يستمر في أن يقول: إن الله غير موجود، والوثنيون، رغم معرفتهم بالله، لم يمجدوه أو يشكروه (رو 1: 21). فبراهين وجود الله المشار إليها هنا لا توجه إلى الإنسان كمجرد مخلوق يحيا على أساس المنطق والأدلة فحسب، ولكن باعتباره كائناً أخلاقياً عاقلاً. فهذه الأدلة لا تتجه إلى عقله بما له من مقدرة تحليلية استدلالية فحسب، وإنما إلى قلبه ومشاعره، إلى قلبه وضميره. من هذه الزاوية تكون لهذه الأدلة قيمتها لتقوية الإيمان وإيجاد الرابطة بين الإعلان الإلهي خارج الإنسان وداخله.
ثم أن الإعلان الإلهي في الطبيعة وفي التاريخ، لا يؤثر في الإنسان على أي حال ما لم يكن في داخل الإنسان ما يتجاوب مع هذا الإعلان. فجمال الطبيعة والفن لا يمكنهما أن يبهجا الإنسان ما لم تكن له مقدرة تذوق الجمال. ولا يتجاوب الإنسان مع القانون الأخلاقي ما لم يعترف المرء بصوت الضمير في داخله. ولا يمكن للمرء أن يدرك الأفكار التي استودعها الله في العالم ما لم يكن هو نفسه كائناً مفكراً. وعلى النقيض، فإن الإنسان لا يدك إعلان الله ذاته في كل أعمال يديه ما لم يغرس الله في نفس الإنسان إحساساً بوجوده لا يمحى. وعلى أي حال فالحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن الله أضاف إلى إعلانه الخارجي لذاته في الطبيعة إعلاناً داخلياً للإنسان. فالبحوث التاريخية والفلسفية في الديانات تكشف مراراً وتكراراً أنه لا يمكن تفسيرها إلا على أساس مثل هذا الإحساس المغروس في الإنسان. وهكذا يعود الباحثون في نهاية دراساتهم إلى المبدأ الذي رفضوه في البداية، وهو أن الإنسان في أعماقه مخلوق ديني.
والكتاب المقدس لا يدع مجالاً للشك في ذلك. فبعدما صنع الله كل الأشياء خلق الإنسان، خلقه مباشرة على صورته كشبهه (تك 1: 26) فالإنسان ذرية الله (أع 17: 28). ومع أنه، كالابن الضال، هرب من بيت أبيه، فهو، حتى في قمة شروره، يشتاق إلى ذكريات أصله وهدف حياته، وما زال يحتفظ، وهو في أعماق سقوطه، ببقايا صورة الله التي خُلِق عليها. فالله يعلن نفسه خارج الإنسان، ويعلن نفسه داخل الإنسان، وهو لا يترك نفسه بلا شاهد في قلب الإنسان وضميره.
ويجب ألا نعتبر هذا الإعلان الإلهي إعلاناً ثانياً جديداً يحل محل الإعلان الأول. فهو ليس مصدراً مستقلاً منفصلاً عن الآخر. ولكنه مقدرة وإمكانية ودافع لاكتشاف الله في أعماله ولتفهم إعلانه. إنه وعي ما هو إلهي فينا يساعدنا لأن نرى ما هو الإلهي خارجنا، تماماً كما تمكننا العين من أن نكتشف النور والألوان، وكما تؤهلنا الأذن لإدراك الأصوات، إنه، كما سماه كلفن، الإحساس بالإلهيات، أو كما وصفه بولس الرسول هو المقدرة على رؤية أمور الله غير المنظورة، أي قدرته السرمدية ولاهوته، في الأشياء المنظورة في الخليقة.
وعندما نحاول أن نحلل هذا الإحساس المتزايد نجد أنه يتكون من عنصرين. فهو يتميز أولاً بالشعور بالاعتماد المطلق. فمن وراء العقل والإرادة، والفكر والعمل، نجد في أنفسنا إدراكنا لذواتنا من ناحية ولكياننا الذاتي من ناحية أخرى، وكل منهما يعتمد على الآخر ويبدو متوافقاً معه. فقبل أن نفكر وقبل أن نعقد العزم، لنا وجودنا ولنا كياننا، لأننا موجودون بصورة قاطعة، ويرتبط وجودنا هذا ارتباطاً لا ينفصم بالإحساس بالوجود وإحساسنا بأننا موجودون على الحال الذي نحن عليه. وجوهر إدراكنا لوجودنا الذاتي ووعينا الذاتي إنما هو الإحساس بالاعتماد. ففي عمق أعماق ذواتنا ندرك مباشرة– دون حاجة للتفكير وقبل كل تفكير– أننا خلائق محدودة تعتمد على غيرها. فنحن نعتمد على كل ما هو من حولنا، على كل العالم الروحي والمادي، والإنسان "يعتمد" على الكون، ثم أنه مع غيره من الخلائق يعتمد، وفي هذه الحالة اعتماداً مطلقاً، على الله الواحد الأبدي الكائن الحقيقي.
إلا أن لهذا الإحساس بالله عنصراً آخر. فلو توقف الأمر عند الإحساس المطلق بالاعتماد على الآخرين، وتركنا جانباً تحديد ذلك الكائن الذي أوجدت قوته هذا الإحساس، لكان ذلك يدفع المرء إلى ثورة واهنة أو إلى استسلام سلبي كالرواقيين، إلا أن هذا الإحساس بالله يتضمن في ذاته شيئاً عن طبيعة ذلك الكائن الذي يحس الإنسان بالاعتماد عليه. إنه الإحساس بقوة مطلقة أعظم منه. ولكنها ليست قوة عمياء لا تهتم ولا تبالي ولا تحس كما يرى القائلون بالجبرية (الضرورة الحتمية بموجب القضاء والقدر). فعلى نقيض ذلك، إنه الإحساس بقوة أسمى ولكنها في الوقت نفسه كاملة في برها وحكمتها وصلاحها. إنه الإحساس "بالقوة السرمدية" ولكنه أيضاً باللاهوت، أي بكمال الله المطلق. وبذلك فإن الإحساس بالاعتماد لا يقود إلى اليأس والفشل، ولكنه يدفع الإنسان إلى التدين، إلى خدمة الله وإكرامه. وبمعنى آخر، فإن الاعتماد الذي يشعر به الإنسان إزاء الكائن الإلهي اعتماد من نوع خاص جداً. فهو يشمل في ذاته عنصر الحرية ويتجه نحو التصرف. إنه ليس اعتماد العبيد بل الأبناء، حتى وإن كان الابن ضالاً. فالإحساس بالله هو، كما قال كلفن: "هو في الوقت عينه بذرة الدين".
- عدد الزيارات: 508