Skip to main content

الفصل الثامن: الكتاب المقدس وإقرار الإيمان

لم تُوجَد في عصر الرسل ولا في العصر الذي تلاه اختلافاتٌ حول جوهر المسيحية وعلاقتها باليهود وبغير اليهود. ولذلك فلا يوجد ما هو أجدر بالملاحظة من ذلك الإجماع الذي به قُبِلَ الكتاب المقدس في كل الكنيسة المسيحية باعتباره كلمة الله.

يصدق هذا أولاً على العهد القديم. فتعاليم المسيح والرسل تشير إليه بصفة مستمرة، والاستشهاد به متكرر. ودون أدنى مناقشة، وكأن الأمر طبيعي تماماً، انتقلت سلطة العهد القديم من الجماعة اليهودية إلى الكنيسة المسيحية من خلال تعليم المسيح والرسل. فاصطحب الإنجيل العهد القديم ولم يكن ممكناً أن يُقبل الإنجيل أو يُعترف به دون العهد القديم. أليس الإنجيل في نهاية المطاف تحقيق مواعيد العهد القديم؟ فبدون العهد القديم يُضحى الإنجيل وكأنه معلق في الهواء. فالعهد القديم هو القاعدة التي يستند إليها الإنجيل، والجذر الذي منه ينمو. فحيثما انفتحت الأبواب للإنجيل كانت كتابات العهد القديم موجودة، واعتبرت على الفور ودون أدنى معارضة كلمة الله. وبعبارة أخرى، فإنه لم يوجد ما يمكن تسميته كنيسة العهد الجديد دون الكتاب المقدس، فمن البداية كان الناموس والمزامير والأنبياء في حوزة تلك الكنيسة.

وسرعان ما أضيفت كتابات الرسل إلى أسفار العهد القديم. وكانت بعض تلك الكتابات مثل الأناجيل والرسائل العامة موجهةًً إلى الكنيسة كلها، فيما كان بعضها الآخر، مثل الرسائل، موجهاً إلى كنائس معينة مثل رومية، وكورنثوس وكولوسي وأماكن أخرى.

وكان من الطبيعي أن كل هذه الكتابات، وقد صدرت عن رسل أو أشخاص اتصلوا بالرسل، ممن ذاع صيتهم من البداية في الكنائس المسيحية، كانت تُقرأ جهراً في الاجتماعات، وأنها كانت تُرسل أحياناً إلى كنائس أخرى ليقرأوها. ولذلك، على سبيل المثل، يطلب الرسول بولس نفسه أن يُرسَل الخطابُ الذي كتبه إلى كنيسة كولوسي إلى كنيسة لاودكية وأن يطلع الكولوسيين على الرسالة التي كتبها إلى لاودكية، والتي هي رسالة أفسس على الأرجح (كو 4: 16)، كما يشير بطرس الرسول في (2 بط 3: 15، 16) لا إلى رسالة واحدة وصلت مؤخراً من بولس الرسول إلى الذين يكتب إليهم، بل إلى رسائل أخرى كتبها بولس الرسول تتضمن التعليم نفسه الذي يقدمه بطرس الرسول، وإن كانت أحياناً يصعب فهمها فيحرّفها غير المتعلمين وغير الثابتين. ولا يمكننا بطبيعة الحال أن نستنتج أن رسائل بولس الرسول كانت قد جمعت في ذلك الوقت، إلا أنه يمكننا بطبيعة الحال أن نستنتج أن كتابات بولس الرسول كانت معروفة في دائرة أوسع بكثير من الكنائس المحلية التي كتبت إليها كل رسالة. وطبيعي أيضاً أن كنائس تلك الحقبة الأولى قد بلغتها معرفة الإنجيل إلى حد كبير من الرسل ومن تلاميذهم.

إلا أنه عندما مات الرسل، وتوقف وعظهم، تزايدت أكثر فأكثر أهمية كتاباتهم. ومن واقع الشهادات التي وصلت إلينا من منتصف القرن الثاني نعلم أن الأناجيل، وكذلك الرسائل بعد ذلك، كانت تُقرأ بانتظام في اجتماعات المؤمنين، وكانوا يستشهدون بها لإثبات هذه الحقيقة أو تلك، وقد اعتبرت كتابات موثوقاً بها تماماً ككتابات العهد القديم على قدم المساواة. وفي أواخر القرن الثاني الميلادي، اعتُبرت كتابات العهد الجديد مع كتابات العهد القديم "كلّ الكتاب" وأنها "أساس الإيمان ودعامته" وأنها الكتب المقدسة، وكانوا يقرأونها بانتظام في الخدمات الدينية (إيريناوس، كليمندس الاسكندري، ترتليان). ونعلم طبعاً أنه كان هنالك اختلاف في وجهات النظر بشأن بعض الأسفار (العبرانيين، يعقوب، يهوذا، بطرس الثانية، يوحنا الثانية، والثالثة، والرؤيا، وبعض الكتابات الأخرى التي اعتُبرت في ما بعد كتابات مزيفة أو أبوكريفية)، فظلوا لمدة طويلة مترددين فيما إذا كانوا يقبلونها ضمن الكتب المقدسة أم لا. إلا أنه، في هذا الأمر أيضاً، اتضحت الحقائق تدريجياً وتحقق الإجماع في الرأي. وجمعت الكتابات المعترف بها بوجه عام تحت اسم القانون (أي قاعدة الحق والإيمان) وتم تسجيل ذلك وتقريره في مجمع لاودكية في عام 360 م وفي مدينة هيبو ريجايوس في نوميديا سنة 396 م، ثم في قرطاجة سنة 397 م.

وتشكّل كتابات العهدين القديم والجديد أساس الأنبياء والرسل الذي تقوم عليه الكنائس، أو تدّعي القيام عليه، في شركتها بعضها مع بعض. فقد اعترفت الكنائس كلها، في إقرارات إيمانها، بالسلطان الإلهي لهذه الكتب المقدسة، واتخذتها قاعدة مؤتمنة للإيمان وللحياة. ولم يكن هنالك اختلاف أو نزاع حول هذه العقيدة في الكنائس المسيحية. وفي ما مضى، لم يكن هنالك، هجوم على الكتب المقدسة باعتبارها كلمة الله، إلا من خارج الكنيسة، من بعض الفلاسفة الوثنيين أمثال سلوس وبروفيروس في القرن الثاني. أما من داخل الكنيسة فلم يظهر مثل هذا الهجوم قبل القرن الثامن عشر.

لم تتسلم الكنيسة الكتب المقدسة من الله حتى تركن إليها في بساطة، أو حتى تدفن هذا الكنز في التراب وهذا أشنع، فالكنيسة مدعوة، على نقيض ذلك لتحفظ كلمة الله لتشرحها، لتعظ بها، لتطبقها، لتترجمها، لتنشرها، ولتنصح بدراستها، ولتدافع عنها، وباختصار لتعمل على انتصار فكر الله الموجود في الكتب المقدسة في كل آن ومكان على أفكار البشر. فكل العمل الذي تجد الكنيسة نفسها مدعوة لأن تقوم به هو أن تبذل جهدها في ما يتعلق بكلمة الله وان تقوم بخدمة الكلمة. فإنها خدمة للكلمة عندما نعظ بها وسط جماعة المؤمنين، وعندما نفسرها، ونطبقها، وعندما نتشارك بها في علامات العهد، وعندما نتمسك بها في التأديب الكنسي. وبمعنى أشمل، هنالك ما هو أكثر من ذلك مما يمكن أن نعتبره جزءاً لا يتجزأ من خدمة الكلمة، فيتحقق هذا مثلاً عندما نطبق الكلمة ونمارسها ونخضع لسلطانها في قلوبنا وحياتنا، في مهنتنا وعملنا، في البيت والحقل والمكتب، في العلوم وفي الفنون، في الدولة وفي المجتمع، في أعمال الرحمة وفي إرساليتنا في قلب العالم، وفي كل مناحي حياتنا ومجالاتها. فيجب أن تكون الكنيسة عمود الحق وقاعدته (1 تي 3: 15). وهذا يعني أن تكون القاعدة والأساس الذي يحمل الحق ويحافظ عليه ويثبته في مواجهة العالم. وعندما تهمل الكنيسة هذه الحقيقة وتتناساها، فإنها بذلك تتخلى عن واجبها وتقوِّض كيانها ووجودها.

وعندما تتراخى الكنية في واجبها هذا، تدب الاختلافات في وجهات النظر حول معنى كلمة الله. ومع أن الكنيسة وُهبت موعد الروح القدس الذي أعطى لها ليرشدها إلى كل الحق، فإن هذا لا يعني أن الكنيسة - سواءٌ كلها أو بعض أجزائها - قد نالت عطية العصمة. فقد ظهرت الهرطقات المختلفة التي نبعت من خلفية وثنية أو يهودية حتى في كنائس العصر الرسولي. وهذان هما التياران اللذان يهددان الكنيسة من هذا الجانب أو ذاك خلال كل العصور، وهذا ما يجب أن تتجنبه الكنيسة بيقظة كاملة وعناية فائقة.

وفي مواجهة مثل هذه الهرطقات، سواء من اليمين أو اليسار، يجب على الكنيسة أن تتكلم في تصميم كامل ووضوح تام، وتُبرز الحق الذي يقدمه الله نفسه في كلمته. وتحقق الكنيسة هذا عن طريق مجامعها الصغرى أو الكبرى (السنودسات)، والتي فيها تقرر، طبقَاً لما تعتقده، ما يجب التمسك به كحق إلهي، وبالتالي كتعليم بشأن موضوع معين، وهكذا يقود الحق الموجود في الكتب المقدسة كل من يؤمنون به ويقبلونه إلى إقرار أو قانون للإيمان. (إن إقرار الإيمان هو مسؤولية كل المؤمنين كما أن هذا ما تمليه عليهم قلوبهم). إن من يؤمن بحق بكل قلبه ونفسه لا يمكن إلا أن يقر بإيمانه، أي يشهد للحق الذي حرره، وللرجاء الذي غرسه هذا الحق في قلبه[9]. وعلى ذلك فكل كنيسة وكل مؤمن - إن كانت عنده شهادة الروح القدس يعترف ويقر بأن كلمة الله هي الحق. وإذ تنمو الأخطاء والهرطقات في دهاء متزايد، تجد الكنيسة نفسها مضطرة أكثر فأكثر لأن يزداد اهتمامها بالحق الذي تعترف به وتصوغ إقرارات إيمانها في عبارات محددة لا تحتمل التأويل. وكان من الطبيعي أن إقرار الإيمان الشفوي أصبح إقراراً مكتوباً تحت ضغط الظروف.

ونعلم أن هنالك من عارضوا، لأسباب مختلفة، أمر صياغة مثل هذه الإقرارات والحفاظ عليها. فعلى سبيل المثال، قالت جماعة الريمونستراتز الهولندية[10]، إن أي إقرار إيمان يتعارض مع السلطة المطلقة للكتاب المقدس، ومع حرية الضمير، ويعوق النمو في المعرفة. إلا أن مثل هذه الاعتراضات تتأسس على سوء فهم للموضوع. فقوانين الإيمان وإقراراته ليس من شأنها أن تدفع الكتاب المقدس إلى الوراء، بل تتمسك به وتحميه من النزوات الشخصية. كما أنها لا تصادر حرية الضمير بل تساندها في مواجهة كل أنواع الأرواح المُضلَّة التي تعمل على تضليل النفوس الضعيفة التي تجهل الحقائق. وأخيراً فإن إقرارات الإيمان لا تعوق النمو في المعرفة، ولكنها تحفظ المعرفة كي تنمو في الإطار الصحيح، كما أن إقرارات الإيمان يعاد فحصها وتتم مراجعتها في ضوء الكتاب المقدس باعتباره المقياس الوحيد للإيمان. ويمكن أن يتم هذا الفحص والمراجعة في أي وقت، وإن كان ذلك يجب أن يتم بالطرق المشروعة والتي لها ما يبررها.

وقانون الإيمان الرسولي (الإثنا عشر بنداً) هو أقدم إقرارات الإيمان المسيحية. ولم يقم الرسل أنفسهم بصياغته، ولكنه نشأ في بداية القرن الثاني. ونما من الوصية الخاصة بالمعمودية التي نجدها في (مت 28: 19) وكان إقرار الإيمان أصلاً أقصر مما هو عليه اليوم، وإن كانت نقاطه الأساسية هي إياها بعينها. فقد كان خلاصة قصيرة للحقائق العظيمة التي تقوم عليها المسيحية،و من هذا المنطلق فإنها ما زالت الأساس المشترك والرابطة التي لا تنفصم لوحدة المسيحية جمعاء. وأضيفت إلى قانون الإيمان الرسولي هذا أربعة قوانين أخرى للإيمان ولكلها صفة المسكونية (أي العمومية) وكلها تقبلها كنائس كثيرة. وهذه الأربعة هي: قانون إيمان مجمع نيقية عام 325، ثم القانون المعروف باسم قانون الإيمان النيقوي وهو الذي وإن كان قد اشتمل على قانون نيقية إلا أنه في الواقع أشمل منه وظهر في حيز الوجود في وقت لاحق له بكثير، وقانون مجمع خلقيدونية عام 451،[11] ثم أخيراً قانون الإيمان المعروف باسم قانون الإيمان الأثناسي.

وتقدم قوانين الإيمان هذه كلها العقيدة بشأن المسيح والثالوث، وهما القضيتان اللتان انشغلت بهما الكنيسة في قرونها الأولى. وما هو تفكيركم بشأن المسيح؟ كان هذا أهم سؤال يجب على الكنيسة أن تجيب عنه بينها وبين نفسها وفي مواجهة العالم بأسره على أساس كلمة الرب.

انضم إلى جانب وجهة النظر اليهودية إزاء هذه القضية كل من كانوا على استعداد لأن يعترفوا بالمسيح كإنسان، إنسان مرسل من الله، إنسان نال مواهب غير عادية، يؤيده روح النبوة، مقتدر في الأفعال والأقوال، إلا أنه في ما عدا ذلك لا يعدو كونه إنساناً. أما من الجانب الوثني، فكان هنالك من كانوا على استعداد لأن يعترفوا بيسوع كابن الآلهة، كائن إلهي جاء من السماء، وأعلن عن نفسه، كملائكة العهد القديم، لفترة وجيزة على الأرض في جسد غير حقيقي. إلا أن هؤلاء لم يكونوا على استعداد لأن يعترفوا به باعتباره ابن الآب الوحيد الذي تجسد. وفي مواجهة هاتين الهرطقتين، كان على الكنيسة أن تتمسك، تمشياً مع الكتاب المقدس، بأن المسيح كان بالحقيقة ابن الله الوحيد، هذا من ناحية وأنه من الناحية الأخرى تجسد فعلاً وحقيقة. وكان هذا هو إقرار إيمان الكنيسة الذي عبرت عنه في قوانين الإيمان بعد فترة طويلة من الصراع في سبيل تحديد المفردات المناسبة للتعبير عن هذه القضية. فرفضت،كما فعل يوحنا الرسول، كل التعاليم المعادية للمسيحية التي أنكرت بأن ابن الله قد ظهر في الجسد (1 يو 2: 18، 22؛ 4: 2، 3). وهكذا احتفظت الكنيسة المسيحية، عن طريق صياغة قوانين الإيمان هذه وتأكيدها، بجوهر الديانة المسيحية، وما تتميز به عن غيرها من الديانات. وهذا هو ما يجعل للمجامع والسنودسات التي قدمت لنا هذه القوانين مثل هذه الأهمية الجوهرية في المسيحية جمعاء. فهنالك اتفاق في الكنائس المسيحية بشان الحقائق التي تلخصها قوانين الإيمان الرسولية، والعقيدة بشان شخص المسيح، والثالوث، وهذا يربط الكنيسة معاً في مواجهة اليهودية والوثنية. وهذه هي الوحدة التي يجب ألا ننساها أو نتغافل عنها، بسبب الانقسامات المؤسفة التي قد تفصل كنيسة عن الأخرى.

إلا أنه من منطلق هذه القاعدة المشتركة نمت كثير من الاختلافات والانقسامات. وأدى تطبيق التأديب الكنسي إلى انفصال جماعة المُنتانيين في النصف الثاني من القرن الثاني، والنوفاتيين في منتصف القرن الثالث، والدوناتيين في القرن الرابع. أما ما هو أخطر من كل ذلك بكثير جداً فهو الانقسام الذي دب شيئاً فشيئاً بين الكنيسة في الغرب والكنيسة في الشرق. وقد أسهمت في ذلك أسباب كثيرة. فهنالك أولاً ذلك النفور المتبادل بين اليونانيين واللاتين، والتوتر المستمر بين القسطنطينية وروما، والصراع على السيادة بين البطاركة والبابا. وأضيف إلى ذلك بعض الخلافات الأقل شأناً من حيث العقيدة والعبادة. وكان أهم هذه هو إقرار الكنيسة اليونانية بأنه في الكيان الإلهي ينبثق الروح القدس من الآب فقط، لا من الآب والابن كما علَّمت الكنيسة الغربية. وإذا بالانقسام الذي كان يحدث بين وقت وآخر يصبح انقساماً دائماً عام 1054. والكنيسة الشرقية، التي تفضل أن تعتبر نفسها الكنيسة الأرثوذكسية (المستقيمة العقيدة) لأنها تفترض أنها استمرت أمينة لتعاليم الكنيسة الأولى، عانت كثيراً من الخسائر، إذ تكونت داخلها جماعات كثيرة (كالمسيحيين الأرمن والنسطوريين في سوريا، وأتباع توما من مسيحيي بلاد فارس، واليعاقبة الذين نادوا بالطبيعة الواحدة في سوريا، والأقباط في مصر، والموارنة في لبنان). كما أثر عليها أيضاً ظهور الإسلام الذي فتح القسطنطينية واستولى عليها عام 1453. إلا أن الكنيسة الشرقية حققت كسباً كبيراً إذ قَبِلَ السلافيون المسيحية، وإذ استمرت موجودة كالكنيسة الأرثوذكسية في اليونان وتركيا وروسيا وفي بعض البلاد الأصغر من ذلك كبلغاريا، ويوغوسلافيا ورومانيا.

أما في الغرب فقد ازدادت الكنيسة الكاثوليكية اتساعاً بقيادة أساقفة روما. وبعد فترة اضطهاد طويلة جاءت حقبة من الهدوء والامتيازات وعلو الشأن على اثر قبول الإمبراطور قسطنطين المسيحية. ومع أن الاتجاهات الدنيوية تغلغلت في الكنيسة، إلا أن الكنيسة حققت الكثير من عصر قسطنطين إلى عصر الإصلاح. وكما قاومت الكنيسة الوثنية وانتصرت عليها في القرون الأولى، كذلك عملت بعد ذلك بجد لتربح الشعوب إلى المسيحية، وتنشر الحضارة في أوربا، كما حافظت على الحقائق العظمى التي تنادي المسيحية بها، وفي ثبات يُمتَدح حرصت على استقلال الكنيسة، وتعاونت تعاوناً مؤثراً في تنمية الفنون والعلوم المسيحية. إلا أنه رغم كل هذه الأمور التي تستحق الثناء، لا يمكن أن ننكر أن الكنيسة وهي توسع رقعتها وتزيد من قوتها وسطوتها، سارت في اتجاهات بعيدة عن اتجاهات الكنيسة الرسولية الأصلية. وبدا هذا واضحاً في مناحٍ ثلاثة:

أولاً: رفعت الكنيسة الكاثوليكية شيئاً فشيئاً من شأن التقليد حتى أصبح قاعدة مستقلة للإيمان، جنباً إلى جنب مع الأسفار المقدسة وأحياناً في مواجهتها. فهنالك تعاليم وممارسات في الكنيسة الكاثوليكية مما لا يمكن تأييده ولا بآية واحدة من الكتاب المقدس مثل القداس، وعزوبية من يهتمون بالشئون الدينية، ورفع البعض إلى مرتبة القديسين (من قبل الكنيسة)، والحبل بلا دنس بمريم العذراء، وما شابه ذلك. وهم يتمسكون بهذه العقائد والممارسات على أساس "التقليد". ويقولون إن التقليد لا يشمل سوى "ما كان يؤمَن به في كل مكان، ودائماً، ومن قبل الجميع". والبابا، في آخر المطاف، هو الذي يحدد ما يمكن اعتباره ضمن التقليد أم لا.

وهكذا غيرت روما العلاقة بين الكتاب المقدس والكنيسة. فلم يعد الكتاب المقدس كتاباً لا غنى للكنيسة عنه، ولكنه مجرد كتاب نافع للكنيسة، فيما أصبحت الكنيسة لا غنى عنها بالنسبة للكتاب المقدس. فليس للكتاب المقدس أي سلطان سوى متى منحته الكنيسة مثل هذا السلطان بأن تعلن بأنه يستحق التصديق. فيقولون إن الكتاب المقدس غامض في ذاته، ويحتاج إلى الكنيسة لتوضحه، فلا أسبقية له على الكنيسة كما أنها لا تتأسس عليه، بل يقولون على نقيض ذلك أن للكنيسة أسبقية على الكتاب المقدس وتشكل الأساس الذي يقوم عليه الكتاب المقدس. فإن كان الأنبياء والرسل قد نالوا عطية الوحي، فإن البابا أيضاً، عندما يتحدث بصفته الرسمية بحكم وظيفته البابوية ينال تأييداً خاصاً من الروح وبذلك يكون معصوماً. فللكنيسة اكتفاء ذاتي، ويمكنها، عند اللزوم، أن تمضي في مسيرتها دون الكتاب المقدس فهي وسيط الخلاص الواحد الحقيقي الكامل. وتمتلك الكنيسة وتوزِّع فوائد النعمة المتضمَّنة في الفرائض المقدسة. فالكنيسة هي الواسطة الواحدة للنعمة، وهي الكيان الإلهي وملكوت الله على الأرض.

ثانياً: إن لم تكن الكنيسة الكاثوليكية قد فقدت تماماً لب الإنجيل، أي نعمة الله المجانية، وتبرير الخطاة بالإيمان وحده، فإنها قد مزجته بعناصر غير نقية، وبذلك أفسدت التمييز بين الناموس والإنجيل. ولقد أصاب هذا التشويه الإنجيل الأصيل في قرون المسيحية المبكرة، إلا أن هذا نما كثيراً بمرور الزمن واكتسب التأييد الرسمي. ففي الصراع بين أغسطينوس وبيلاجيوس، ذلك الصراع الذي ما زال قائماً، وقفت كنيسة روما شيئاً فشيئاً، ولاسيما بعد الإصلاح، إلى جانب بيلاجيوس، وذلك لا بالكلام فقط بل بالعمل. نعم! إن الله يعطى المقدرة لمن يسمع الإنجيل ليعطي ظهره للخطية والذات ويتجه نحو الله والنعمة، ويثبت في الحياة الجديدة، إلا أن الإرادة والثبات والمثابرة، إنما هي مساهمة الإنسان نفسه في الخلاص. ولذلك فإن الإنسان يجب أن يكتسب الدخول إلى ملكوت السماء عن طريق الأعمال الصالحة.

وتعتبر كنيسة روما أن هنالك نوعين من الأعمال الصالحة. فهنالك حفظ الوصايا المألوفة التي تنطبق على الجميع، وهنالك الأعمال التي تتعلق بحفظ بعض ما أشار به المسيح بالإضافة إلى أعمال الناموس مثل العزوبية والفقر والطاعة. والنوع الأول أسلوب طيب للحياة، إلا أن الثاني أفضل وأصعب، وإن كان أقصر وأكثر أمناً. والنوع الأول يُقصد به العلمانيون، أما الثاني فيخص رجال الدين -الرهبان والراهبات. وكل من يسلك سبيل الأعمال الصالحة هذا ينال دائماً من الكنيسة، عن طريق الفرائض المقدسة، قدراً من النعمة بحسب استحقاقه. وأخيراً فإن المرء يصل إلى الملكوت السماوي متى ثبت للنهاية، ولا يتحقق هذا في وقت تجديده ولا في وقت موته، ولكنما بعد سنوات من العذاب في المطهر.

ثالثاً: وسرعان ما فصلت الكنيسة الكاثوليكية بين الإكليروس والعلمانيين. فليس المؤمنون بالمعنى العام بل الإكليروس هم الكهنة بالمفهوم الصحيح. وهنالك تصنيفات مختلفة داخل إطار الإكليروس.

والكلمتان شيخ وأسقف كلمتان متبادلتان في العهد الجديد وتطلقان علي من يشغلون الوظيفة الكنسية نفسها. إلا أنه في عصر مبكر، هو القرن الثاني الميلادي، أُغفلت هذه الوحدة، ورفعت وظيفة الأسقفية إلى مستوى أعلى من الشمامسة والشيوخ (الذين عرفوا باسم الكهنة) واعتبروا تدريجياً خلفاء الرسل والمحافظين على التقليد. وأصبح الأساقفة أعلى مركزاً من الكهنة برتبهم المختلفة. وأقل شأناً من رؤساء الأساقفة والبطاركة وأخيراً البابا. وتبلغ الرئاسات الكنسية قمتها في البابا، الذي أعلنت كنيسة روما رسمياً في المجمع الفاتيكان المنعقد بروما عام 1870 أنه معصوم من الخطأ. فهو أبو الكنيسة كلها (البابا: الأب). "ورئيس الكهنة" خليفة بطرس، وهو وكيل المسيح في السلطة على الكنيسة، وهو أعلى سلطة تشريعية وقضائية. وهو الذي يدير شئون الكنيسة كلها بمعاونة مجموعة كبيرة من الموظفين الكنسيين كالكرادلة، والأساقفة، ووكلائهم وغيرهم.

هذه الأخطاء التي بدأت كانحرافات طفيفة عن جادة الصواب، تفاقمت وازدادت سوءاً على مر القرون. وتطورت ونمت وما زالت تتطور وتنمو في الاتجاه الذي يجعل الكنيسة المسيحية الكاثوليكية القديمة تصبح بصفة مستمرة الكنيسة التي تخضع لكنيسة روما تماماً دون انفصال عنها، الكنيسة البابوية، والتي نجد فيها العذراء مريم، أم يسوع، والبابا كبديلين عن المسيح لدرجة يتوارى معها شخص المسيح وعمله.

وهذه البدع أو الأخطاء الثلاثة تطغى على وظائف المسيح كنبي، وكاهن، وملك وتتعدى عليها.

ولم ينمُ هذا الانحراف ويتطور دون مجهودات مستمرة جادّة ومتجددة تقف ضده. ولم تكن القرون الوسطى بصفة خاصة خالية من الأشخاص والاتجاهات التي تهدف نحو إدخال عناصر تسير بالكنيسة نحو ما هو أفضل. إلا أن كل هذه الحركات لم تُصِب إلا نجاحاً طفيفاً. وبعضها كف عن النشاط دون تأثيرات عملية تذكر، فيما أُخمدت بعض الحركات الأخرى بعنف وكُتمت أنفاسها بالدماء. وقد استُخدمت أساليب الكبت والإبادة نفسُها ضد حركة إصلاح القرن السادس عشر، لكنها لم تنجح هذه المرة. كان الوقت مناسباً ليحدث إصلاح، فقد كانت الكنيسة قد بلغت مستوى منحطاً من الروحانية والأخلاق حتى لم يعد شعبها نفسه يثق بها. وكان هنالك إحساس في كل مكان أن مثل هذا ينبغي ألا يستمر، كما كان هنالك شوق عارم لأن يحدث شيء ما، وقد سخر كثيرون في إيطاليا مثلاً من الديانة المسيحية، وسقطوا فريسة لعدم الإيمان. ولا يمكن أن نتصور ما كان يمكن أن يحدث للكنيسة دون الإصلاح الذي كان بركة حتى لكنيسة روما أيضاً وما زال كذلك حتى اليوم.

ولم يكن الإصلاح هو الحركة الوحيدة العظيمة التي أتت بها هذه الحقبة. فلقد سبقت الإصلاح وواكبته وتبعته حركات أخرى كل منها لها نفس الأهمية داخل نطاقها الخاص. فاكتشاف فن الطباعة، واكتشاف البارود، وقيام طبقة الشعب المتوسطة، واكتشاف أمريكا، وعصر النهضة في الآداب والفنون، والعلوم الطبيعية الحديثة والفلسفة، كل هذه الحركات والأحداث الهامة كانت دليل صحوة إدراك الذات والتحول من القرون الوسطى إلى العصر الحديث.

ومع أن حركة الإصلاح تقدمت على أساس مبادئها الخاصة، واتجهت نحو أهدافها الخاصة، فإن كل هذه الحركات حملت حركة الإصلاح وساندتها.

وبالإضافة إلى ذلك - وهذا أمر على جانب كبير من الأهمية - وجه الإصلاح اهتمامه نحو جذور المشكلة في معارضته لكنيسة روما. فلم يقنع الإصلاح بتحسين المظاهر الخارجية بل أكد ضرورة إزالة سبب الفساد. وليتحقق ذلك كان الإصلاح في حاجة إلى نقطة انطلاق قوية ثابتة، إلى معيار أو مقياس يمكن الاعتماد عليه، وإلى مبدأ إيجابي. ووجد الإصلاح كل هذا، في مواجهة تقاليد كنيسة روما، في كلمة المسيح التي اعترها (الإصلاح) جديرة بالقبول في ذاتها، ولأجل ذاتها، وليس على أساس شيء آخر: فهي ضرورية لحياة الكنيسة وخيرها، وهي كافية في ذاتها وواضحة. كما وجد الإصلاح أيضاً كل هذا، في مواجهة الأعمال الصالحة التي اعتبرتها روما أساساً خلاص البشر، في عمل المسيح الذي اعتبره "الإصلاح" عملاً كاملاً لا يحتاج لأن يكمله البشر. وأخيراً وجد الإصلاح كل هذا، في مواجهة البابا الذي اعتبر نفسه مثل المسيح المعصوم من الخطأ، في روح المسيح الذي انسكب على الكنيسة، وهو يقود أولاد الله كلهم إلى كل الحق.

ولم يجد الإصلاح هذا المبدأ الإيجابي عن طريق البحث العلمي والتأمل، بل عن طريق اختبار القلب المثقل بالجرم والإثم وقد وجد المصالحة والغفران في النهاية في نعمة الله المجانية. فلم يكن الإصلاح حركة فلسفية أو علمية، بل تميز بكونه حركة دينية أخلاقية. وكما يحدث دائماً في حالات الانقسام والانفصال، انضم كثيرون إلى الحركة بدوافع لا تتصف بالنقاء والشرف. إلا أن من شكلوا لب الإصلاح والعنصر الأساسي فيه كانوا أولئك المتعبين والرازحين تحت نير روما، أولئك الذين وجدوا مرة أخرى راحة لنفوسهم عند قدمي المخلص.

كان اختبار غفران الخطايا هذا كافياً للوثر. فكان كافياً له أنه وجد "إلهاً محباً منعماً". نعم! لقد استطاع من هذه النقطة المتميزة التي اتخذها لنفسه أن يتطلع في حرية أكبر وباتساع في الأفق ليرى العالم كله أكثر مما رأته روما التي اعتبرت أن العالم الطبيعي له دائماً الصفة الدنيوية وما يشوبها من دنس. إلا أنه، وقد اعتمد تماماً على التبرير الذي حصل عليه بالإيمان فقط، ترك كل ما هو دنيوي عالمي - الفن والعلم والدولة والمجتمع - لحال سبيله. فقد حصر الإصلاح اللوثري نشاطه في حدود استعادة وظيفة الوعظ لمكانتها. وإذ وجد في الكتاب المقدس إجابة السؤال: كيف يخلص الإنسان؟ توقف عن بذل أي مزيد من المجهود.

أما بالنسبة لزونجلي وكلفن اللذين قاما بالإصلاح في سويسرا، فقد بدأ نشاطهما حيث توقف النشاط اللوثري. وقد وصل كلاهما كلوثر إلى الإصلاح لا عن طريق المجادلات العقلية بل عن طريق اختبار الخطية والنعمة، الإحساس بالذنب والتمتُّع بالمصالحة. وكان هذا الاختبار هو نقطة الانطلاق بالنسبة إليهما، إلا أن هذا لم يكن نقطة توقف ولا نهاية المطاف عندهما. فتقدم كلاهما إلى ما هو أبعد من ذلك، سواء للوراء أو للأمام. فمن وراء نعمة الله التي تعبّر عن نفسها بغفران جرم الخطية، هنالك سيادة الله، ذلك الكائن غير المحدود الذي يستحق العبادة في كل كمالاته، وفضائله. ورأى زونجلي وكلفن أنه إن كان لله السيادة في عمل الخلاص، فإن له السيادة أيضاً - دائماً وفي كل مكان - في الخلق وفي إعادة الخلق. وإن تربع على عرش قلب الإنسان، فينبغي أن يكون كذلك في عقله وفي عمل يده، في البيت والمكتب والحقل، وفي الدولة وفي المجتمع، وفي الآداب وفي العلوم. فلم يكتفيا بالإجابة عن التساؤل: كيف يخلص الإنسان؟ بل قادهما ذلك لأن يعودا إلى سؤال آخر أسمى وأعمق وأشمل، كيف يمكن أن يكون، لله المجد الذي يستحقه ويليق به؟ ولذلك فبالنسبة لزونجلي، وأكثر من ذلك بالنسبة لكلفن، فإن عمل الإصلاح ما بلغ سوى نقطة البداية عندما حصلا على سلام القلب في دم الصليب. وبدا العالم وكأنه منفتح أمامهما، لا ليُترَك لحال سبيله ولكن ليُقتحَم ويقدَّس بكلمة الله والصلاة. فبدا كل منهما في بيئته المباشرة بأن وجّه جهده للكنيسة والمدينة حيثما كان يعيش. فلم يستردا لوظيفة الوعظ مكانتها فقط، بل تجاوزا ذلك إلى خدمة العبادة والتأديب الكنسي. ولم يصلحا حياة يوم الأحد الدينية فقط، بل الحياة المدنية والاجتماعية في أيام الأسبوع الأخرى، ولم يصلحا مجرَّد حياة المواطنين الخاصة بل الحياة العامة للدولة. وانتشرت حركة الإصلاح من موطنهما إلى بلاد وأماكن أخرى. فقد حُصِر الإصلاح اللوثري نشاطه بصفة رئيسية في ألمانيا والدانمارك والسويد والنرويج. أما إصلاح كلفن فوجد قبولاً في إيطاليا وإسبانيا والمجر وبولندا وسويسرا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وانجلترا واسكتلندا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا. ولولا تصدي اليسوعيين لحركة الإصلاح بهجومهم المضاد في بلدان كثيرة ودفعهم حركة الإصلاح إلى الوراء في محاولة لتحطيمها، لأنهت حركة الإصلاح سيادة روما العالمية بصفة نهائية وبلا رجعة.

ولم تتحقق لحركة الإصلاح مثل هذه الفتوحات. فلقد هاجمت كنيسة روما الإصلاح من البداية. وفي تعمد ووعي كاملين اتخذت روما موقفها المضاد للإصلاح في المجتمع التريدنتيني، ومن ذلك الوقت تقدمت في نفس الاتجاه الذي حددته لنفسها عندئذ. وفضلاً عن ذلك، فإن حركة الإصلاح أضعفت نفسها بانقساماتها الداخلية والمشاحنات التي لا نهاية لها. فقد ظهرت جنباً إلى جنب مع إصلاح الحركات السوسينيانية والأنابابتية. وكانت نقطة البداية لكل من هاتين الحركتين هي نفسها نقطة البداية الأساسية للإصلاح، وهي فكرة الصراع الذي لا يمكن بلوغ أي توفيق بشأنه ما بين الطبيعة والنعمة، وهو نفس التعارض ما بين الخليقة الأولى والخليقة الجديدة، ما هو بشري وما هو إلهي، العقل والإعلان، الأرض والسماء، البشرية والمسيحية، وغير ذلك من الصور والأشكال التي يمكن أن نعبّر بها، مما استمر الإحساس به في عصر الإصلاح وما زال صراعاً نشطاً حتى اليوم. ولم تكن الحركات الانفصالية والانقسامات التي ظهرت في القرن السادس عشر هي الوحيدة. فقد تزايدت هذه قرناً بعد قرن، فظهرت في القرن السابع عشر الحركة الأرمينية في هولندا، والحركة "الاستقلالية" في انجلترا والحركة "التُقوية" في ألمانيا. ثم أضيفت إلى هذه في القرن الثامن عشر حركة هيرَنْهوت، وحركة الميثودست، وحركة سويدنبرج، واكتسح في نفس هذا القرن فيضان المذهب الذي نادى بالإيمان بدين طبيعي مبني على العقل وليس على الوحي والذي يسمى بمذهب الربوبية Deism جميع الكنائس. وحدثت نهضة دينية قوية بعد الثورة الفرنسية في بداية القرن التاسع عشر شملت كنيسة روما والكنائس البروتستانتية. ولكن رغم ذلك توالت الانقسامات فظهرت الحركة الدرابية وحركة أرفينج والمورمونية والحركة الأرواحية (أي الاعتقاد بأن هنالك اتصالاً بين أرواح الموتى والحياء) وغيرها من مختلف الجماعات التي تساقطت كأجزاء متناثرة من كنائس كان الضعف قد أصابها وقد استنفد قوتها روح الشك واللامبالاة الذي دب داخلها. أما من خارج الكنيسة فقد نظمت قوة فكرة الأحدية Monism - سواء في صورتها المادية أو في صورة فكرة وحدة الوجود Pantheism - صفوفها لتوجِّه ضربة قاضية للديانة المسيحية كلها.

وبذلك بدا وكأن كلّ أمل في وحدة كنيسة المسيح وعموميتها قد ضاع تماماً. . . إلا أن هنالك عزاءً واحداً، فالمسيح يجمع خاصته من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة وسيأتي هو بهم جميعاً، وسوف يسمعون صوته. فتكون رعية واحدة وقطيع واحد، وراعٍ واحد (يو 10: 16).

[9] مت 10: 22؛ رو 10: 9، 10؛ 2 كو 4: 13؛ 1 بط 3: 15؛ 1 يو 4: 2، 3.

[10] جماعة الريمونستراتز (أي المعارضين أو المحتجين) جماعة عارضت الفكر الكلفيني ونادت بالفكر الأرميني ورفض آراءهم سنودس دورة عام 1619.

[11] قانون الإيمان الخلقيدوني لا تقبله الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وبالتبعية الكنيسة الحبشية كما لا يقبله السريان والأرمن الأرثوذكس. وهذه الكنائس تتمسك بفكرة الطبيعة الواحدة للمسيح (المترجم).

  • عدد الزيارات: 590