Skip to main content

الفصل الأول: عطية الروح القدس

العمل الأول الذي قام به المسيح بعد ارتفاعه إلى يمين الآب هو إرسال الروح القدس. فبارتفاعه إلى السماء، قَبِلَ شخصياً من الآب، الروح القدس الموعود به في العهد القديم، ولذلك يستطيع الآن أن يسكبه على تلاميذه كما وعدهم (أعمال 2: 33). والروح الذي أعطاه المسيح منبثق من الآب ومُعطى له من قِبَل الآب وموهوبٌ بالتالي للكنيسة (لو 24: 49؛ يوحنا 14: 26).

وإرسال الروح القدس هذا الذي جرى يوم الخمسين هو حدثٌ فريد في تاريخ كنيسة المسيح. فمثله مثل الخلق والتجسد، حدث مرةً واحدة فقط. ولم يسبقه أيُّ مَنحٍ للروح معادل له في الأهمية ولا حق له. وكما أن المسيح عندما حُبِلَ به اتخذ الطبيعة الإنسانية بحيث لن يعود يتخلى عنها أبداً، هكذا اختار الروح القدس الكنيسة في يوم الخمسين مسكناً له وهيكلاً، ولن يعود ينفصل عنها البتة. ويشير الكتاب المقدس بوضوح إلى الأهمية الخاصة لما حدث يوم الخمسين إذ يصفه بأنه "تدفق" أو "انسكابٌ" للروح القدس.

هذا لا يعني بالطبع أن نقول إنه لا ذكر لنشاط الروح القدس بمختلف أوجهه ولا مواهبه قبل يوم الخمسين. فقد سبق لنا أن لاحظنا أن الروح مع الآب والابن هو خالق جميع الأشياء، وأن الروح في مجال الفداء هو محدِثُ الحياة والخلاص جميعاً ومُعطي المواهب والقدرات كلَّها. ولكن هنالك فرقاً بين نشاط الروح القدس وهباته في أيام العهد القديم وبينهما في العهد الجديد. والفرق واضح وجوهري. ويبدو ذلك، أول كل شيء، في حقيقة كون تدبير العهد القديم قد تطلّع دائماً إلى ظهور عبد الرب الذي سيستقر عليه روح الرب بكل ملئه، بوصفه روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب (إش 11: 2). وفي المقام الثاني، يتنبأ العهد القديم نفسه، بالرغم أنه من وجود مواهب ونشاطٌ للروح القدس بصورة ما، إلا أن الروح لن ينسكب على كل بشر - بنين وبنات وشيوخاً وشباباً وعبيداً وإماءً - إلا في الأيام الأخيرة.[1]

وكلتا النبوءتين قد تمّتا في العهد الجديد. يسوع هو المسيح. مسيح الله فائق المجد. أجل، قد حُبِلَ به بالروح القدس، وقد مُسِحَ عند معموديته بالروح القدس. ولكن ليس هذا هو كلَّ ما في الأمر، بل إنه قد عاش وعمل في كل حين بذلك الروح أيضاً. به اقتيد إلى البرية (لو 4: 1)، وبه رجع إلى الجليل (4: 14) وبه كُرز بالإنجيل، وشفى المرضى، أخرج الشياطين،[2] وأسلم نفسه للموت (عب 9: 14)، وأُقيم، وتعيّن ابن الله بقوة (رو 1: 4). وعلى مدى الأربعين يوماً التي انقضت في ما بين قيامته وصعوده، أعطى تلاميذه وصايا بالروح القدس.[3] وعند صعوده الذي به أخضع لنفسه جميع أعدائه وأُخضعت له جميع الملائكة والسلاطين والقوات (أف 4: 8؛ 1 بط 3: 22) أخذ الروح القدس بملئه وكل سلطانه. فإذ صعد إلى العلاء، سبي سبياً، أعطى الناس عطايا، وارتفع فوق جميع السماوات لكي يملأ الكل (أف 4: 8 - 10).

نوال المسيح للروح القدس هو امتلاك مطلق بمعنى إن الرسول بولس استطاع أن يقول في (2 كورنثوس 3: 17) إن الرب (أي المسيح بوصفه الرب الممجد) هو الروح. ولا يعني بولس بهذا القول، بطبيعة الحال، أن يلغي التمايز بين الاثنين، لأنه في الآية التالية يعود فيتكلم مباشرة عن الروح (في قوله "الرب الروح"). بل أن الروح القدس قد صار في المسيح إلى كمال الملء، حتى إن المسيح - إذا جاز التعبير - قد تشبّع به كلياً، أو تمثّله تماماً. فبقيامة المسيح وصعوده صار هو "روحاً مُحيياً" (1 كو 15: 45). وله الآن الأرواح السبعة (أي الروح في ملئه كما أنه هو مالك الكواكب السبعة) (رؤ 3: 1). وروح الله هو إذ ذاك روح الابن، روح المسيح، الروح الذي - ليس من حيث الكينونة الإلهية فقط بل على توافق معا وبالنسبة إلى تدبير أزمنة الخلاص أيضاً - ينبثق من عند الآب والابن ويُرسله الابن كما يرسله الآب (يو 14: 26؛ 15: 26؛ 16: 7).

فعلى أساس طاعته الكاملة حصل المسيح على حرية التصرف المطلق في ما يتعلق بالروح القدس وجميع مواهب ذلك الروح وقواته. فيمكن للمسيح الآن أن يعطي هذا الروح لمن يشاء، وبالكيل الذي يريد، لا على خلافٍ مع مشيئة الآب والروح كليهما، بل وفاقاً لها بالطبع. فإن الابن يُرسل روح الآب (يو 15: 26). والآب يرسل الروح باسم الابن (يو 14: 26). والروح لا يتكلم من نفسه، بل يتكلم بكل ما يسمعه. فكما مجّد المسيح على الأرض الآب في كل حين، هكذا أيضاً يمجّد الروح بدوره المسيح، فيأخذ منه كل شيء ويخبر تلاميذه (يو 16: 13، 14). وعلى هذا، يضع الروح القدس نفسه في خدمة المسيح بغير حد. وفي الروح القدس وبه يُعطي المسيح للكنيسة مما له ومن بركاته.

فليس بالقوة إذاً ولا بالقدرة يسود المسيح في الملكوت الذي أعطاه إياه الآب. إنه لم يفعل هذا في اتضاعه، ولن يفعله في ارتفاعه. بل يستمر في أداء كامل عمله، النبوي والكهنوتي والملكي، بطريقة روحية من مقامه في السماء. فهو لا يحارب إلا بأسلحة روحية فقط. إنه ملك نعمةٍ وملك قوة، لكنه في كلا الحالين يُجري مُلكه بالروح القدس الذي يستخدم بدوره الكلمة كواسطة نعمة. فبذلك الروح يعلّم ويرشد كنيسته، ويعزيها ويقودها ويسكن فيها. وبذلك الروح عينه يبكّت العالم على خطية، وعلى برّ، وعلى دينونة (يو 16: 8 - 11). ولسوف يكون النصر النهائي الذي يحرزه المسيح على جميع أعدائه نصراً للروح القدس.

بعد ارتفاع المسيح إلى يمين الله، يمكن أن يتم الوعد الثاني المبيّن في العهد القديم، إنه يتحدث عن سكب الروح القدس على كل بشر. وكان لابد أولاً أن ينال المسيح ذلك الروح ويخصّصه لنفسه بالتمام، قبل أن يعطيه لكنيسته. فقبل ذلك الحين، أي قبل الصعود، لم يكن الروح القدس قد أعطي بعد، لأن المسيح لم يكن قد مُجِّد بعد (يو 7: 39). ولا يعني هذا بالطبع أن الروح القدس لم يكن موجوداً قبل تمجيد المسيح، فإنه يُشار إليه في العهد القديم مراراً وتكراراً. وتُفيدنا الأناجيل أيضاً أن يوحنا المعمدان امتلأ من الروح القدس (لو 1: 15)، وأن سمعان أتى به الروح القدس إلى الهيكل (لو 2: 26، 27)، وأن يسوع حُبِل به بالروح القدس وبه مُسِح، وهكذا دواليك. بالإضافة إلى أنه لا يمكن أن يعني ذلك أن التلاميذ لم يكونوا يعلمون قبل يوم الخمسين أن الروح القدس موجود. لأنهم تعلموا خلاف ذلك من العهد القديم ومن المسيح بالذات. حتى تلاميذ يوحنا الذين قالوا لبولس في أفسس إنهم لم يقبلوا الروح القدس ولا سمعوا أنه يوجد (أع 19: 2) لا يعقل أن يكون قصدهم أنهم يجهلون كلياً حقيقة وجود الروح القدس. فما قصدوا قوله هو أنهم لم يلاحظوا أي عملٍ غير معتاد للروح القدس، أي حدث يوم الخمسين. لأنهم كانوا يعلمون أن يوحنا المعمدان كان نبياً أرسله الله وأهلّه الروح. لكنهم ظلّوا تلاميذ ليوحنا ولم ينضموا إلى المسيح وجماعته، وهكذا لبثوا خارج نطاق الكنيسة التي قبِلت الروح القدس يوم الخمسين. ففي ذلك اليوم انسكب الروح القدس على نحوٍ لم يسبق له مثيل.

كان العهد القديم قد سبق فعبّر عن هذا الموعد، ويسوع أيضاً اتخذه وأشار إليه مراراً في تعليمه. وسبق يوحنا المعمدان فقال عن المسيح الذي كان آتياً بعده، إنه لن يعمّد بالماء مثله بل بالروح القدس وبالنار المطهِّرة والمحرقة.[4] ووفقاً لهذا التصريح وعد الرب يسوع تلاميذه بأنه بعد ارتفاعه سيرسل إليهم من عند الآب الروح القدس الذي يرشدهم إلى جميع الحق. وبقوله هذا كان يشير صراحة إلى فاصل بين نوعين من نشاط الروح القدس. ذلك أن الروح القدس، بمقتضى نوعٍ واحد، وقد سُكب في قلوب تلاميذ المسيح، يعزّيهم ويرشدهم إلى الحق ويَمكُث معهم إلى الأبد.[5] غير أن روح التعزية والإرشاد هذا لا يُعطى إلا لتلاميذ المسيح. فالعالم لا يستطيع أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه (يو 14: 17). وعلى عكس ذلك، يقوم الروح القدس في العالم بنشاطٍ من نوعٍ آخر مختلف: فإذ يسكن في الكنيسة من حيث يمارس تأثيره في العالم، يبكّت العالم على خطية، وعلى برّ، وعلى دينونة، ويحكم عليه بالنسبة إلى هذه الثلاثة جميعاً (يو 16: 8 - 11).

وقد أتمّ المسيح وعده لتلاميذه بالمعنى الحصري، أي للرسل، قبل صعوده. فلما ظهر لهم ثانيةً في مساء يوم قيامته، عرّفهم بمهمتهم الرسولية على نحوٍ جليل، إذ نفخ فيهم وقال: اقبلوا الروح القدس؛ من غفرتم خطاياه تُغفر، ومن أمسكتم خطاياه تُمسَك (يو 20: 22، 23). فلأجل القيام بالوظيفة الرسولية التي ينبغي أن يمارسوها آنذاك، كانت تعوزهم عطية الروح الخاصة وقوته. وقد أعطاهم ذلك هو نفسه قبل صعوده. وهذا يمتاز نوعياً عن الانسكاب الذي أعطاه في ما بعد لتلاميذه بالاشتراك مع جميع المؤمنين به.

فالانسكاب التام حدث بعد أربعين يوماً من صعود المسيح (يوم الخمسين). كان اليهود آنئذٍ يعيّدون عيد الحصاد، تذكاراً لإعطائهم الشريعة على جبل سيناء. وكان التلاميذ في أورشليم ينتظرون إتمام وعد المسيح لهم، وهم كلّ حين في الهيكل يسبحون الله ويباركونه (لو 24: 29، 53). ولكنهم الآن لم يكونوا وحدهم. فقد كانوا يواظبون بنفسٍ واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء، ومريم أم يسوع، ومع إخوته، ومعهم آخرون كثيرون، إذ كان مجموع الأسماء معاً نحو مئة وعشرين (أع 1: 14، 15؛ 2: 1). وإذ كانوا مجتمعين هكذا، حصل بغتةً وعلى غير توقّع صوتٌ من السماء كصوت هبوب ريحٍ عاصفة، وملأ البيت كله حيث كانوا جالسين جميعاً، وليس فقط المكان الذي كان الرسل فيه، بل ظهرت في الوقت عينه ألسنة منقسمة كأنها من نار، جاءت على كل واحدٍ من المجتمعين هناك واستقرت عليهم أجمعين. وهكذا حصل انسكاب الروح القدس، مصحوباً بهذه العلامات الظاهرة التي تدل على نشاط الروح المطهِّر والمنوِّر. فقد امتلأ الجميع من الروح القدس (أع 2: 4).

ومثل هذا التعبير ورد من قبل أيضاً (خر 31: 3؛ مي 3: 8؛ لو 1: 41). لكن الفرق يكمن في المظهر. فحتى ذلك الحين كان الروح القدس يحل على قلّة من الأشخاص المتفرقين، وبصورة وقتية فقط لأجل غرض معين. غير أنه الآن انسكب على الكنيسة كلِّها بجميع أفرادها، وهو يظل ساكناً فيها وعاملاً باستمرار. وكما ظهر ابن الله أكثر من مرة في أيام العهد القديم لكنه اختار الطبيعة البشرية مسكناً دائماً فقط عندما حُبِل به، فكذلك أيضاً تماماً وُجدت في ما مضى جميع أنواع النشاط والقدرة الخاصة بالروح القدس، إلا أنه في يوم الخمسين فقط اتّخذ الروح القدس الكنيسة مسكنه الذي يستمر في تقديسه وبنيانه والذي لن يغادره البتة. وسُكنى الروح القدس يُعطي كنيسة المسيح كيانها المستقلّ. فلم تعد تلك الكنيسة بعد مقصورة على أمة واحدة ولا محصورةً ضمن حدود أرضٍ معينة، بل إنها الآن تحيا مستقلة بالروح الذي يسكنها وتنتشر على الأرض كلّها. ولم يعد الله يقيم في هيكلٍ أرضي، بل سكناه في الكنيسة، جسد المسيح. ففي ذلك اليوم ولدت هذه الكنيسة باعتبارها كنيسةٍ ذات رسالة تؤديها في العالم كله. فنـزول الروح القدس هو النتيجة الحتمية لصعود المسيح والبرهان على حقيقة هذا الصعود. ومثلما قدّس الروح أولاً المسيح بالآلام وكمّله ورفعه إلى أعلى مقام، كذلك هو الآن عاكفٌ بالطريقة نفسها على تكوين جسد المسيح إلى أن يبلغ قامته الكاملة، فيصير هذا الجسد هو ملء ذاك الذي يملأ الكل في الكل.

صاحَب انسكاب الروح هذا، في زمن التلاميذ الأولين، أنواعٌ شتى من القوات والأعمال الخارقة. فما أن امتلئوا من الروح القدس في يوم الخمسين، حتى ابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى، كما أعطاهم الروح أن ينطِقوا (أع 2: 4). وبحسب وصف لوقا، ينبغي لنا أن نحسب هذه الظاهرة معجزة كلام لا معجزة سماع. فقد كان لوقا رفيقاً لبولس ومعاوناً له، وشهد جيداً ظاهرة التكلّم بألسنة كما حدثت في كورنثوس مثلاً. وهو يتكلم عنها في (أعمال 10: 46، 47، 19: 6). فلا شك في أن هذه الظاهرة التي حدثت يوم الخمسين منوطة بالتكلّم بألسنة، وإلا فما كان في وسع بطرس أن يقول إن كرنيليوس وصحبه قد قبلوا الروح القدس كما كان بطرس وسائر التلاميذ قد قبلوه (أعمال 10: 47؛ قارن 11: 17 و 15: 8). غير أنه كان هناك فرق. إذ إن التكلم بألسنة، في (1 كو 14) كما في (أع 10: 46 و 19: 6)، لا تتبعه الصفة "أخرى"، بينما ترد هذه اللفظة صراحةً في (أعمال 2: 4). فحينما كان أفراد الكنيسة في كورنثوس يتكلمون بألسنة، لم يكن من يفهمهم إلا إذا حصلت ترجمة في ما بعد (1 كو 14: 2 وما يلي). ولكن في أورشليم كان التلاميذ يتكلمون بألسنة أخرى قبل أن يأتي الجموع ويسمعوهم. فمن المستبعد أن تكون معجزة سماع قد حصلت (أع 2: 4). ولما سمع الجموع الكلام، فهموا ما كان يُقال، لأن كل واحدٍ سمع التلاميذ بلغته التي نشأ عليها (أع 2: 6، 8). فاللغات الأخرى المشار إليها في الآية الرابعة هي بلا شكٍ اللغات التي تدعوها الآية السادسة لغات السامعين، والتي تسمَّى أيضاً في الآية الثامنة اللغات التي وُلِد فيها السامعون. إذاً، لم تكن تلك أصواتاً بلا معنى نطق بها الرسل، بل كانت ألسنةً "أخرى"، ألسنةً "جديدة" على حدّ قول مرقس في (مر 16: 17)، لغاتٍ لم تكن متوقّعة من جليليّين غير متعلمين (أع 2: 7). وفي تلك اللغات كلِّها أعلن التلاميذ عظائم الله؛ ولاسيّما تلك التي فعلها تعالى في أقرب عهد إليهم بإقامة المسيح وترفيعه (أع 2: 4 ثم 14 وما يلي).

ليس لنا أن نأخذ ما جاء في لوقا عن ذلك كما لو أنه يعني أن تلاميذ المسيح في تلك اللحظة عرفوا جميع اللغات الممكنة على الأرض وصاروا قادرين على التكلّم بها. ولا تعني أقوال لوقا أيضاً أن جميع التلاميذ تكلموا بجميع اللغات الأخرى. حتى إن القصد من وراء معجزة الألسنة هذه لم يكن تمكين التلاميذ من المناداة بالبشارة للغرباء بلغاتهم الخاصة لأن هؤلاء لم يكونوا ليفهموها إلا بهذه الطريقة. فإن الخمسة عشر اسماً الواردة في الآيات 9 - 11 لا تمثل لغاتٍ تماثلها عدداً، بل هي أسماء البلدان التي منها جاء الغرباء إلى أورشليم بمناسبة يوم الخمسين. وكان جميع الغرباء المذكورين قادرين على فهم الآرامية أو اليونانية، بحيث لم تدع الحاجة في هذا المجال إلى جعل الرسل قادرين على التكلم بلغاتٍ جديدة. ولا نجد في العهد الجديد في ما بعد أيضاً أي ذكرٍ لموهبة اللغات الغريبة هذه. حتى إن بولس، رسول الأمم، لا يتكلم عنها شيئاً، مع أنه كان ينبغي بكل تأكيد أن يحصل على هذه الموهبة أكثر من سواه. فقد كان في وسعه أن يتخاطب جيداً مع أهل زمانه بالآرامية واليونانية.

لذلك، كان التكلم بألسنة غريبة، يوم الخمسين، حدثاً فريداً. حقاً أنه كان على علاقة بالتكلم بألسنة كما هو معروفٌ عموماً ومُشار إليه في مواضع أخرى، ولكنه كان تكلماً من نوعٍ خاص وبدرجة أعظم. وقد صنّف بولس ذلك النوع العام والشائع في مرتبة أدنى من التنبؤ أهميةً. غير أن ما حدث في أورشليم كان ربطاً للتكلم بألسنة مع التنبؤ. فقد كان عمل الروح القدس، المسكوب آنذاك أول مرة في ملئه، قوياً جداً حتى إنه سيطر على كامل الوعي وعبّر عن نفسه بنطق أصواتٍ جليّة ميّزها السامعون باعتبارها لغاتهم الخاصة. وهكذا لم يكن غرض هذه المعجزة إعداد التلاميذ بمعرفة لغاتٍ أجنبية، بل بالأحرى - وعلى نحوٍ فائق للعادة - أن يتخلّف انطباعٌ عن الحادثة العظيمة التي حصلت أنئذٍ. وكيف كان ممكناً أن يتم ذلك على نحوٍ أفضل من جعل الكنيسة الصغيرة والحديثة العهد تُعلن عظائم الله بلغاتٍ عديدة؟ فعند الخَلق ترنّمت كواكب الصبح معاً وتهلّل بنو الله جميعاً. وعند ولادة المسيح أشاد جمهور الجند السماوي بمسرّة الله. ويوم ولادة الكنيسة، تُشيد الكنيسة نفسُها بعظائم الله في نغماتٍ شتى.

ومع أن للتكلم بألسنةٍ مكانةً بارزةً بين علامات يوم الخمسين، ينبغي لنا أن نتذكر أن انسكاب الروح في تلك الفترة الأولى تجلّى في عدّة قواتٍ وأعمال فائقة. فكانت عطيّة الروح القدس تُمنح عندما يُقبل أحدهم إلى الإيمان، وأحياناً عند المعمودية (أع 2: 28)، أو عند وضع اليد قبل المعمودية (أع 9: 17) أو بعدها (أع 8: 17؛ 19: 6). لكنها اشتملت عادةً على منح قوةٍ خاصة. وهكذا نقرأ عن إعطاء التلاميذ بالروح القدس جسارةً للتكلم بالكلمة (أع 4: 8، 31)، وقوة إيمانٍ خاصةً (أع 6: 5؛ 11: 24)، وعزاءً وفرحاً (أع 9: 31؛ 13: 52)، وحكمةً (أع 6: 3، 10)، وتكلّماً بألسنة (أع 10: 46؛ 15: 8؛ 19: 6)، ونبوّةً (أع 11: 28؛ 20: 23؛ 21: 11)، ورؤىً وإعلانات،[6] وقدرة عجيبة على الشفاء،[7] وإلى غير ذلك. وعلى غرار الأعمال المعجزية التي أجراها المسيح، فإن هذه القوات غير المعتادة التي ظهرت في الكنيسة سبّبت خوفاً ورعدةً عظيمين،[8] ومن جهةٍ، أثارت هذا القوات جماعة المعارضة فتحركت قلوب الأعداء بالحقد والاضطهاد. لكنها من جهةٍ أخرى أعدّت أيضاً التربة لقبول بذار الإنجيل. وقد كانت ضرورية في ذلك العهد الأول لتُعِد دخول الإيمان المسيحي إلى العالم.

وقد استمرت أعمال الروح غير المعتادة هذه طيلة العصر الرسولي. ونعرف هذا على الخصوص من شهادة الرسول بولس. فقد كان شخصياً موهوباً بمواهب الروح الخاصة وبدعوة غير عادية، أي بإعلانٍ خاصٍ من يسوع المسيح نفسه، أُتي به إلى التوبة على طريق دمشق، ودُعي ليكون رسولاً (أع 9: 3 وما يلي)، وفي ما بعد أيضاً جاءته إعلاناتٌ دورية.[9] وفي قرارة نفسه يعلم أن لديه مواهب العلم والنبوة والتعليم والتكلّم بألسنة (1 كو14: 6، 18). ويُجري آياتٍ وعجائب وأعمالاً تثبت رسوليته (2 كو 12: 12). ويعظ ببرهان الروح والقوة (1 كو 2: 4). والمسيح نفسَه عمل فيه لإطاعة الأمم، بالقول والفعل، بقوة آياتٍ وعجائب، بقوة روح الله (رو 15: 18، 19).

ولكن مع أن بولس كان مدركاً تماماً لوظيفته الرسولية ورفعتها، وناهضاً بأعبائها في كل حينٍ خيرَ إدراك، فقد أيقن أن مواهب الروح لم تُعط له وحده بل أيضاً لجميع المؤمنين. ففي 1 كورنثوس 12: 8 - 10 (قارن رو 6: 8) يذكر بولس عدداً من هذه المواهب، ثم يقول إن هذه كلَّها يعملها الروح الواحد عينُه، قاسماً لكل واحدٍ بمفرده كما يشاء. ويقدّر الرسول كل هذه المواهب أسمى تقدير. فالفضل لا يعود إلى المؤمنين أنفسهم، لأن هؤلاء لا يملكون شيئاً إلا وسبق أن أخذوه، ولذلك فلا أساس لديهم على الإطلاق للافتخار بأنفسهم واحتقار الآخرين (1 كو 4: 6، 7). وذلك أن جميع هذه المواهب والقدرات يتم إحرازها بالروح الواحد عينه. وهي إتمامٌ للنبوة الموعود بها في العهد القديم (غل 3: 14)، ومن الواجب اعتبارها جميعاً باكوراتٍ تبشّر بحصادٍ وفير وعربوناً لميراثنا السماوي العتيد.[10]

على أن بولس يورد تقييماً لجميع هذه المواهب غير المعتادة يختلف أساساً عما يراه كثيرون من الأفراد في الكنيسة. فقد كان في كورنثوس أشخاصٌ مجّدوا أنفسهم على أساس المواهب التي أُعطيت لهم بإظهار الروح، ونظروا باحتقار إلى الذين تلقّوا مواهب أقل أو لم يتلقوا أية موهبة قط. هؤلاء الأشخاص لم يستخدموا مواهبهم لمنفعة الآخرين، بل عرضوها تباهياً. وقد علّقوا أهميةً خاصة على التكلّم بألسنة، هذه الموهبة الغامضة والمبهمة. إلا أن بولس يشير إلى خطأهم (1 كو 12- 14). فأولاً، يبيّن بولس المعيار الذي به يجب أن تُقاس جميع هذه المواهب. هذا المعيار هو الاعتراف بيسوع المسيح رباً. فلا أحد، وهو يتكلّم بروح الله، يدعو يسوع مرذولاً. والذين يعترفون بيسوع رباً هم وحدهم يبرهنون أنهم يتكلمون بالروح القدس. فالعلامة المميّزة للروح القدس ولكل مواهبه وأعماله إنما هي كونه ملتزماً الاعتراف بيسوع ربّاً ( 1 كو 12: 3).

وثانياً، يبيّن بولس أن مواهب الروح كلَّها، وإن كانت جميعاً تفي بالمعيار الواحد عينه، هي مع ذلك متنوّعة ومتفاوتة، وهي توهَب لكل واحدٍ بمفرده لا بحسب استحقاقه أو قدره، بل بحسب مشيئة الروح المطلقة (1 كو 12: 4 - 11). ولذلك لا ينبغي أن تكون المواهب مناسبةً أو معطاة أساساً لتمجيد الذات واحتقار الغير. بل بالأحرى ينبغي أن تُمارس المواهب كلُّها، بإخلاصٍ وبرغبة صادقة، لمنفعة الآخرين، لأن جميع المؤمنين أعضاءٌ في جسد واحد، ويحتاج بعضُهم البعض (1 كورنثوس 12: 12 - 30). ولكن إذا استُخدمت المواهب لهذه الغاية، إذا خُصّصت لما يؤول إلى المنفعة (1 كو 12: 7)، أي منفعة الآخرين وفي سبيل بنيان الكنيسة، الأمر الذي جُعلت له (1 كو 14: 12)، فعندئذ يظهر التفاوت بين تلك المواهب، لأن إحداها تكون أنفع من الأخرى لبنيان الكنيسة، وهكذا يستطيع الواحد أن يتحدّث عن مواهب حسنة، ومواهب أحسن. من هنا ينصح الرسول المؤمنين، في (1 كورنثوس 12: 31)، أن يجدّوا فعلاً للمواهب "الحُسنى".

وفي سياق السعي المتواصل إلى المواهب الحُسنى، تبرز المحبة بوصفها الطريق الأفضل. فمن دونها تكون المواهب العظمى بلا قيمة (1 كو 13: 1 - 3). والمحبة تفوقهنّ جميعاً في فضلها (1 كو 13: 4 - 7). فالمحبة تتفوّق على جميع المواهب، لأن جميع المواهب ستبطل يوماً، أما المحبة فأبدية. وبين الفضائل الثلاث، الإيمان والرجاء والمحبة، تبرز المحبة أيضاً بوصفها أعظمهنّ ثباتاً (1 كو 13: 8 - 13). ولذلك ينبغي أن نسعى إليها قبل كل شيء، وإن كان الجدُّ في إثر المواهب الروحية محموداً في حدّ ذاته (1كو 14: 1). ولكن في جدِّنا للمواهب الروحية ينبغي أن نوجّه اهتمامنا نحو تلك المواهب التي تنفع لأجل بنيان الكنيسة والتي نمارسها بالمحبة أكثر من سواها. فمن زاوية النظر هذه، يأتي التنبؤ في منـزلة أسمى جداً من التكلم بألسنة. وذلك لأن الذين يتكلمون بألسنة لا يُفهم كلامُهم، ويتكلمون بأسرارٍ مبهمة على السامعين، يتكلمون في الهواء، تاركين الذهن والحكم خارج الحسبان، ولا يأتون بغير المؤمنين إلى الإيمان، بل يخلّفون انطباعاً بأنهم مرضى عقلياً. فإذا وُجد في الكنيسة من له هذه الموهبة، كان عليه أن يستخدمها ضمن حدود وقيود، ويُفضّل أن يُشفع ذلك بالترجمة أو التفسير. فإذ لم يوجد مترجم، فليصمت في الكنيسة! وعلى نقيض ذلك، فإن الذين يتنبأون، أي الذين يذيعون كلمة الله بإعلان الروح القدس، إنما يكلمون الناس ببنيان وتشجيع وتعزية. إنهم يبنون الكنيسة ويربحون غير المؤمنين. فبصرف النظر إذاً عن نوع الموهبة التي يكون الشخص قد نالها، فإن معيار أصالتها هو في الاعتراف بيسوع رباً، وهدفها هو بنيان الكنيسة. وإلهنا ليس إله تشويش بل إله سلام.

هذه المعالجة الجميلة لموضوع المواهب الروحية لم تُؤْتِ ثمارَها لكنيسة كورنثوس وحدها، بل تبقى ذات شأنٍ بالنسبة إلى الكنيسة عموماً على مرّ العصور. لأنه دائماً وأبداً يقوم أشخاص وجماعاتٌ ممن يعلّقون أهمية زائدة على الظواهر غير المألوفة والإعلانات والعجائب تفوق ما يعلقونه على عمل الروح في الولادة الجديدة والاهتداء وتجديد الحياة. فما هو فائقٌ الطبيعة يجذب الانتباه دائماً، أما العادي والطبيعي فلا يكاد أحد يلاحظه. والناس يولعون بالرؤى والإعلانات والظواهر وانخطافات النفس والغلوّ الزائف، فيما يُغمضون أعينَهم دون تقدّم ملكوت الله. أما بولس فكان ذا فكرٍ مغاير. فمع تقديره الكثير لمواهب الروح الفائقة، يناشد الإخوة في كورنثوس أن: لا تكونوا أولاداً في أذهانكم، بل كونوا أولاداً في الشرّ، وأما في الأذهان فكونوا كاملين (1كو 14: 20).

وهكذا ينقل الرسول مركز الثقل من إعلانات الروح الوقتية والعارضة إلى العمل العادي والثابت الذي ينجزه الروح في الكنيسة دائماً على الصعيدين الديني والأدبي. ومثل هذه الفكرة عن عمل الروح كان قد سبق الإعداد لها في أيام العهد القديم. فآنذاك أيضاً كان يُنسب إلى الروح القدس كلُّ نوعٍ من المواهب والقوات المعجزية، ولكن إذ أتيح للأنبياء وناظمي المزامير أن ينظروا عن كثب في ارتداد بني إسرائيل وفي خبث القلب البشري وخداعه، أعلنوا بأكثر وضوح وقوة أنه لن يصير الشعب شعباً لله بالمعنى الصحيح إلا بتجديد يُجريه فيهم الروح القدس. فالكوشي لا يقدر أن يغير جلده، ولا النمر رُقطه. هكذا لا يقدر الذين تعودوا الشر أن يصنعوا خيراً (إر 13: 23). فيجب أن يغير الله بروحه قلوب الناس كي يسلكوا في طرقه ويحفظوا وصاياه وأحكامه. إذ إن روح الرب وحده هو من يهب الحياة الحقيقية روحياً وأدبياً.[11]

وكرازة المسيح في إنجيل يوحنا تؤيد هذا كله. ففي حديث المسيح مع نيقوديموس يوضح أنه لا سبيل إلى ملكوت الله، ولا الإسهام فيه، إلا بالولادة الجديدة التي تحدث فقط بالروح القدس (يو 3: 3 - 5). وفي خطابه الوداعي (يو 14 - 16) يعرض بالتفصيل فكرة كون الروح الذي سيرسله من عند الآب بعد تمجيده مزمعاً أن يحلّ محله بين التلاميذ. لذلك كان خيراً لهم أن ينطلق عنهم، وإلا فما كان المعزي ليأتيهم. ولكن عندما يذهب هو نفسُه إلى الآب، عندئذ يقدر أن يرسل الروح إليهم، وقد أرسله فعلاً. ذلك لأن صعود المسيح إلى الآب سيكون هو البيّنة على أنه قد أتمّ على أكمل وجهٍ العمل الذي كان ينبغي أن يُنجزه على الأرض. وعندئذٍ يستطيع أن يجلس في مكانه عن يمين الآب، وله أن يقوم بعمله كرئيس كهنة وشفيع لأجل الكنيسة على الأرض، طالباً من الآب كل ما تحتاج إليه الكنيسة. بعبارة أخرى، يستطيع عندئذٍ أن يطلب من الآب ويرسل الروح القدس بكل ملئه إلى تلاميذه. إذ ذاك يحتلّ هذا الروح مكانه في ما بينهم، ومن بعد يكون الروح هو معزّيهم ومرشدهم، وشفيعهم ونصيرهم.

ولن يتكبد التلاميذ في ذلك أية خسارة. ذلك أنه لما كان المسيح شخصياً على الأرض، كان يدخل ويخرج مع تلاميذه حقاً، ولكن كان بينهم تنافرٌ وسوءُ فهمٍ غير أن الروح الذي سيأتيهم ما كان ليظل واقفاً خارجهم أو إلى جانبهم، بل يمكث معهم ويكون فيهم. وقد كانت إقامة المسيح على الأرض إلى حين، أما الروح الذي سوف يرسله فما كان ليتركهم، بل يمكث معهم إلى الأبد. في الواقع أن المسيح نفسه سيأتي إليهم ثانيةً في ذلك الروح. إنه لا يتركهم يتامى، بل يعود إليهم، ويضم نفسَه إليهم في الروح بطريقة كانت متعذرة من قبل. عندئذٍ يرونه من جديد، ويحيون كما هو حيّ، ويعترفون أن المسيح في الآب، وأنهم هم فيه وأنه هو فيهم. وفي المسيح يأتي الآب إليهم. وبالروح يأتي كلاهما. إذ إن الآب والابن معاً يأتيان إلى التلاميذ ويصنعان لنفسهما منـزلاً فيهم بالروح. ذلك هو إذاً ما يُنجزه الروح القدس في المقام الأول: شركةٌ بين الآب والابن من جهة، وبين التلاميذ من جهةٍ أخرى - شركةٌ لم يوجَد مثلُها من قبل.

وعندما يسهم التلاميذ في هذه الشركة ويحيون بها، عندما يثبّتون في المسيح كالغصن في الكرمة، حينما يصيرون أحباء لا عبيداً في ما بعد، فعندئذٍ، الروح عينُه الذي جعلهم يشتركون في هذه الشركة سوف يرشدهم في المستقبل إلى جميع الحق باعتباره هو روحَ الحق. لن يقتصر على تذكيرهم بما قاله لهم المسيح وعلَّمهم إياه شخصياً، بل سيشهد لهم دائماً عن المسيح. سيقول ما سمعه من المسيح وما قبله منه، بل يخبرهم بأمورٍ آتية أيضاً. ولن تقتصر شركة التلاميذ مع المسيح والآب فقط، بل سيُدركون أيضاً أن لهم هذه الشركة. فلسوف يُنوّر الروح القدس بصائرهم في ما يتعلق بالمسيح، وبكونه واحداً مع الآب، وبعلاقتهم بالآب والابن معاً. أما القصد النهائي فهو أن يكون جميع المؤمنين واحداً - على حدّ ما قاله المسيح بالحرف الواحد - "كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني" (يو 17: 21 وما يلي).

لما انسكب الروح القدس يوم الخمسين، كان من الطبيعي في تلك الفترة الأولى أن تجذب الانتباه تلك الظواهر الخارقة والتي بها تبدّى سكب الروح هكذا بكلِّ غنى. ولكن لا يجوز لنا لذلك السبب أن نغضّ الطرف عن الحقيقة الأخرى، والأهمِّ بكثير جداً في الواقع، ألا وهي أن التلاميذ، بعطيّة الروح القدس، اتحدوا - بأوثق طريقة - في كنيسةٍ واحدةٍ مستقلة مقدسة. فقد كان المسيح هو الرب والمخلِّص لتلك الكنيسة، وجميع المؤمنين واظبوا بثباتٍ وتعاونٍ على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات (أع 2: 42). وهكذا تحققت، ولفترة في الكنيسة بأورشليم، الوحدة التي سبق أن تكلّم المسيح عنها. ولما حلّ في ما بعد محلَّ حماسة المحبة الأولى موقفٌ قلبيٌّ وعقليٌّ أكثر اتصافاً بالهدوء، ولما تكاثرت الكنائس في أماكن أخرى وبين شعوب أخرى، ثم لما حدث لاحقاً قرن الانشقاق والانقسام من كل صنفٍ في الكنيسة المسيحية، اتخذت الوحدة التي تربط جميع المؤمنين صورةً مختلفةً وصارت أقلَّ حيوية وعمقاً، بل باتت في بعض الأحيان ضعيفةً جداً أو أوهى من أن تُلاحَظ. ولكن علينا ألا ننسى، في خضمّ جميع الفروقات والخلافات، أن وحدة الكنيسة في الجوهر ما تزال قائمةً حتى اليوم. ولسوف تصير في المستقبل ظاهرةً على نحوٍ أمجد مما كانت عليه في أورشليم خلال تلك الفترة القصيرة.

والرسول بولس، بين جميع الرسل، هو أكثر من يرفع أمام أبصارنا موضوع وحدة الكنيسة، وهو الذي يتمسك بهذه الوحدة شخصياً رغم كل انشقاقٍ كان له شاهد عيان حتى في تلك الأيام الأولى. فالكنيسة جسدٌ واحدٌ كلُّ عضو فيه يحتاج إلى الآخر، وينبغي لأعضائه أن يخدموا بعضهم بعضاً (رو 12: 4؛ 1 كو 12: 12 وما يلي). هذه هي حقيقة، لأن الكنيسة هي جسد المسيح.[12] فإن جذور وحدة الكنيسة ضاربةٌ في تربة الشركة مع المسيح وطالعةٌ منها. والمسيح هو رأس كلِّ مؤمن، وكلِّ كنيسة محلية، كما أنه رأس الكنيسة العامة. وجميع المؤمنين هم خليقة جديدة خلقها الله في المسيح لأعمالٍ صالحة قد سبق الله فأعدها لكي يسلكوا فيها (2كو 5: 17؛ أف 2: 10). والمسيح يسكن فيهم، وهم يحيون ويتحركون ويوجَدون في المسيح: إذ المسيح حياتُهم.[13] وترد العبارة "في المسيح" (أو "في الرب" و"فيه") أكثر من مئة وخمسين مرةً في العهد الجديد. وهي تدلُّ على أن المسيح ليس هو مصدر الحياة الروحية فقط، بل إنه أيضاً يسكن هكذا في المؤمن بصورة دائمة ومباشرة. هذه الوحدة قريبةٌ قُربَ ما بين حجر الزاوية والبناء، أو الرجل والمرأة، أو الرأس والجسم، أو الكرمة والأغصان. والمؤمنون هم في المسيح كما أن جميع الأشياء هي في الله بفضل الخلق والعناية. إنهم يحيون فيه كما يحيا السمك في الماء، والطير في الهواء، والإنسان في مهنته، والعالِم في دراسته. وهم معه مصلوبون وأموات ومدفونون، ومُقامون أحياءً وجالسون عن يمين الله ومُمجَّدون.[14] وقد لبسوا المسيح وشابهوا صورته، ويُظهِرون في جسدهم آلام المسيح وحياته، وهم مملوؤون (مكمّلون) فيه. وبعبارة أخرى، إن المسيح هو الكلُّ في الكل.[15] بالنسبة لهم.

وقد صارت هذه العلاقة الوثيقة ممكنة بفضل حقيقة كون المسيح، بالروح القدس، يشارك المؤمن في نفسه. فلأن المسيح بآلامه وموته أحرز الروح وكلَّ مواهبه وقواته على أكمل وجه بحيث يمكن أن يُدعى - المسيح نفسه - "الروح" (2كو 3: 17)، فلذلك أيضاً اكتسب الحق بأن يُعطي الروح لمن يشاء. وهكذا صار روح الله هو روح المسيح، روح الابن، روح الرب.[16] فقبول المرء ذلك الروح يعني قبوله المسيح، لأن من ليس له روح المسيح لا ينتمي إلى المسيح وليس من خاصته (رو 8: 9 - 10). وكما أعطى الله المسيحَ للعالم، كذلك يُعطي المسيحُ نفسَه للكنيسة بالروح. والمؤمنون هم روحُ واحد في المسيح (1كو 6: 17). وهم هياكل الروح القدس الذي به يسكن الله فيهم (1كو 3: 16 و 17؛ 6: 19). إنهم في الروح، وفيه يعترفون ويسلكون ويصلّون ويفرحون.[17] وهم روحيون، يفهمون ويحكمون في أمور الروح (رو 8: 2؛ 1كو 2: 14). كما أنهم ينقادون بروح الله دائماً، وفي رفقته إلى يوم الفداء.[18] ولهم جميعاً بذلك الروح قدومٌ إلى الآب وهم مبنيّون معاً على أساس الرسل والأنبياء مسكناً لله بالروح (أف 2: 18، 22).

بمثل هذه العبارات تتحدث الكلمة المقدسة عن تلك الوحدة العجيبة الكائنة بين المسيح والكنيسة، وقد بات يُشار إليها فيما بعد بتعبير "الاتحاد السري". ونحن بالحقيقة لا نستطيع أن نفهم هذه الوحدة في عمقها وأُلفتها الوثيقة. فهي تسمو جداً عن أفكارنا. ومن الواجب حتماً أن نميز، من حيث الطبيعة والنوع، بين هذه الوحدة الكائنة في ما بين أقانيم اللاهوت الثلاثة، لأن جميع هذه الأقانيم تتشارك في الكينونة الإلهية الواحدة بعينها، وأنه من الجوهري تماماً، أن يبقي المسيح والمؤمنون، كل متميزاً عن الآخر. حقاً إن وحدة المسيح والكنيسة تُقارن أكثر من مرة بالوحدة الكائنة بين المسيح والآب.[19] ولكن المسيح في تلك الأوقات لا يتحدث عن نفسه من حيث كونُه ابن الله الوحيد، بل باعتباره الوسيط الذي سيُرفَّع إلى يمين الله والذي بواسطته سيُتِمُّ الآب مسرّته. فكما أن الآب اختار خاصته في المسيح قبل تأسيس العالم (أف 1: 4) لمجد نعمته التي فيها جعلهم مقبولين عنده في المحبوب (أف 1: 6، 7؛ أع 20: 28)، هكذا أيضاً يجمعهم في المسيح كياناً واحداً (أف 1: 10). فالآب حال في المسيح باعتباره الوسيط، وبذلك يُقدِّم ذاته وبركاته إلى الكنيسة.

وبمثلما العلاقة بين الآب والوسيط وثيقةٌ وغير منفصمة، كذلك أيضاً هي العلاقة بين المسيح والمؤمنين به. ففي قوتها الداخلية تفوقُ كلَّ اتحاد يمكن أن يتواجد بين الخلائق، بل أيضاً تلك العلاقة بين الله والعالم الذي تراه. فإذ تتميز هذه الوحدة، من جهة، عن التمازج الذي يقول به معتقدو وحدة الوجود، فهي من الجهة الأخرى تفوقُ جداً التجاوُرَ الذي يقول به معتقدو الربوبية (التأليه الطبيعي)، كما تسمو على كل علاقة تعاقدية. ويعلّمنا الكتاب المقدس بعض ما يتعلق بطبيعتها إذ يشبّهها بالعلاقة بين الكرمة والأغصان، ورأس الجسم وأعضائه، والرجل وزوجته. إنها علاقةٌ توحّد كلياً وأبدياً بين المسيح كاملاً وكنيسته بجميع أفرادها في عمق كيانهم وجوهر شخصيتهم. علاقةٌ بدأت في الأزل إذ أعلن ابن الله استعداده للوساطة، ثم كان لها وجودُها الموضوعي في تمام الزمان إذ اتّخذ المسيح الطبيعة البشرية فدخل في شركةٍ مع شعبه وأسلم نفسه للموت ِلأجل خاصته. وتتحقق هذه الوحدة بالفعل شخصياً في كلِّ مؤمنٍ بمفرده حينما يأتي الروح القدس إلى داخله ويدمجه في جسد المسيح، وعندما يعترف هو بدوره بهذه الوحدة مع المسيح ويمارسها.

وتصطحبُ الشركةُ مع المسيح المشاركة في جميع بركاته وخيراته. فلا مشاركة لنا في خيرات المسيح ما لم شترك في شخصه، لأن خيراته لا تنفصل عن شخصه. ولو كانت الخيرات التي يهبُها المسيح عطايا مادية، لكان ذلك معقولاً إلى حدٍّ ما. فقد يُعطينا أحدهم ماله وأملاكه دون أن يعطينا نفسه. غير أن الخيرات التي يهبها المسيح هي روحية بنوعها. فقوامُها، قبل كل شيء، نعمته ورحمته ومحبته، وهذه عطايا شخصيةٌ تماماً في نوعها، ولا تُفصل عن شخص المسيح. وكنـز النِّعم لا يوجد في أي مكانٍ على الأرض - لا في يد بابا أو كاهنٍ مثلاً، ولا في كنيسةٍ أو "سرٍّ مقدس". فهو لا يوجد إلا في شخص المسيح إنه هو ذلك الكنـز. ففيه يلتفت الله إلينا بوجهه الكريم المُحِب، وفي ذلك خلاصُنا كاملاً.

وعلى عكس ذلك، فلا شركة مع شخص المسيح دون مشاركة في كنوزه وخيراته. والعلاقة بين الآب والمسيح، في هذا المجال أيضاً، هي الأساس والمثال للعلاقة بين المسيح والكنيسة. فالآب أعطى نفسه للابن، وبالتحديد أيضاً للابن بوصفه الوسيط بين الله والناس. ولم يحتفظ الآب لنفسه بشيء، بل أعطى الابن كل شيء. فكلُّ شيء قد دُفع إليه من لدن الآب (مت 11: 27؛ يو 3: 35). وكلُّ ما للآب فهو له (يو 16: 15؛ 17: 10). والآب والمسيح واحد؛ فالآب فيه وهو في الآب (يو 10: 38؛ 17: 21 - 23). وهكذا المسيح بدوره يُعطي نفسه وكل بركاته للكنيسة بالروح القدس (يو 16: 13 - 15). وهو لا يُبقي لنفسه شيئاً. وكم أن ملء اللاهوت يحلُّ جسدياً (كو 1: 19؛ 2: 9)، فكذلك هو أيضاً يكمِّل الكنيسة لتبلغ قياس قامة ملئه، حتى تُملأ إلى كلِّ ملء الله.[20] فالمسيح هو الكلُّ في الكلِّ (كو 3: 11).

إنه ملءٌ نناله في المسيح، ملءٌ إلهي، ملء نعمةٍ وحق، ملءٌ لا ينفد البتة يهب نعمةً فوق نعمة (يو 1: 14، 16). هذا الملء يحلُّ في المسيح نفسه، في شخصه، في طبيعته الإلهية وفي طبيعته الإنسانية، خلال حالة اتضاعه وحالة ارتفاعه. إن في تجسده ملء نعمة: فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح، إنه من أجلكم افتقر، وهو الغني، لكي تغتنوا أنتم بفقره (2كو 8: 9). وفي حياته وموته ملءُ نعمة: لأنه في أيام جسده تعلّم الطاعة مما تألم به، وإذ كُمِّل صار لجميع الذين يطيعونه مصدر خلاصٍ أبدي (عب 5: 7 - 9). وفي قيامته ملءُ نعمة: لأنه بالقيامة تبرهن أنه ابن الله بقوة، وقد ولدنا ثانيةً لرجاء حي (رو 1: 4؛ 1بط 1: 3). وفي صعوده ملءُ نعمة: إذ بها سبي سبياً وأعطي الناس عطايا (أف 4: 8). وفي شفاعته ملءُ نعمة: لأنه يقدر أن يخلِّص إلى التمام جميع الذين يتقدمون بواسطته إلى الله (عب 7: 25). إن فيه ملء نعمةٍ الغفران والولادة الجديدة والعزاء والحفظ والقيادة والتقديس والتمجيد. يا له من نهر نعمة في طوله وعرضه وعمقه، يحمل المؤمنين من البداية إلى النهاية، حتى الأبدية! إنه ملءٌ يعطي نعمةً فوق نعمةٍ، ونعمةً بدل نعمةٍ، مدعماً كل نعمةٍ بنعمةٍ أخرى في الحال، مبدِّلاً هذه بتلك على نحوٍ متواصل. فلا انقطاع في نهر النعمة ولا توقُّف. وكلُّ ما يأتي الكنيسة في المسيح إنما هو النعمة، كل النعمة، ولا شيءَ غير النعمة.

يحسن بنا إذاً أن نُجمِل جميع الخيرات التي يهبها المسيح، في الشركة معه، تحت لفظةٍ واحدة هي "النعمة". هذا الاسم الواحد يشتمل على ملء بركاتٍ غنية لا يُمكن سبر غورها. وقد سبق لنا أن ذكرنا، في الجزء الثالث من السلسلة، المصالحة التي أتمّها المسيح مع الآب بقربان نفسه الوافي. ففي المسيح، وضع الله غصبه جانباً ووقف موقف نعمة تجاه العالم (2كو 5: 19). والشخص الذي يقبل هذه المصالحة بإيمان قلبيّ، تفيض عليه جملة بركات، هي في الواقع الخلاص بالذات. وتذكر الكلمة المقدسة كثيراً من هذه البركات: الدعوة، التجديد، الإيمان، التبرير، غفران الخطايا، التبنّي، التحرر من الناموس، حرية الروح، الرجاء، المحبة، السلام، الفرح، الابتهاج، التعزية، التقديس، الحفظ، الثبات، التمجيد، وغيرها. حتى إن سردها الإجمالي متعذِّر، لأنها تشتمل على كلّ ما صدر من ملء المسيح، وسوف يصدر، للكنيسة ككُلّ ولكلّ مؤمن بمفرده، على مر جميع العصور وفي جميع الأحوال، في السرّاء والضرّاء، في الحياة والممات، في ما قبل القبر ما وراءه ومدى الأبدية.

ولما كانت هذه البركات كثيرة جداً وغنية، فمن المستحيل أن نفيها حقَّها من التأمل والشرح. ويصعب جداً أن نجري لها مسحاً شاملاً. وهنالك أيضاً مجازفة في معالجة هذه البركات بترتيب تسلسلي وفي تصنيف كلِّ واحدةٍ منها في مكانها من سياقها جميعاً. وتبعاً لهذا، يختلف التصنيف كثيراً بين لاهوتيّ وآخر. إلا أننا نستطيع عموماً أن نحدِّد ثلاث مجموعات رئيسية من البركات أو الخيرات. فأولاً، هنالك مجموعة الخيرات التي تُعِدُّ الإنسان لعهد النعمة وتُدخله فيه، وتُعطيه القدرة كي يقبل، من جانبه، بركات ذلك العهد ويمتلكها شخصياً. تلك هي بركات الدعوة والتجديد (بمعناه الحصري) والإيمان والتوبة. ثم، إن المجموعة الثانية تشتمل على تلك البركات التي تبدّل وضع الإنسان في نظر الله، وتحرِّره من الخطية، وتجدِّد ذهنه بالتالي. هذه البركات هي - على الخصوص - التبرير، مغفرة الخطايا، التبني، شهادة الروح القدس مع أرواحنا، التحرر من الناموس، حرية الروح، السلام، الفرح. وثانياً، لدينا مجموعة ثالثة من الخيرات، وهي تُحدِث تغييراً في حال الإنسان، وتفتديه من وصمة الخطيَّة، وتجدِّده حسب صورة الله. إلى هذه المجموعة ينتمي التجديد (بالمعنى الواسع)، والموت مع المسيح والقيامة معه، والاهتداء المستمر، والسلوك في الروح، والحفظ والثبات حتى النهاية. جميع البركات تكمل وتكتمل في المجد السماوي والخلاص الأبدي الذي أعدّه الله لخاصته. وسنخصص لهذا الموضوع فصلاً مستقلاً في نهاية هذه الأبحاث المتعلِّقة بالإيمان المسيحي.

وقبل ما نبدي لكل واحدة اهتماماً خاصاً من هذه المجموعات، ينبغي لنا أن نُلاحظ أن هذه الخيرات جميعاً، مثلها مثل شخص المسيح بالذات، لا يمكن أن تُمنح إلا بالروح القدس وحده. وقد لاحظنا فيما سبق أن الآب هو في المسيح، وأنه في المسيح لا غير يلتفت إلينا بوجهه الكريم، وأنه فيه فقط يأتي الآب إلينا ويصنع له منـزلاً عندنا. إنما المسيحُ هو كذلك أيضاً في الروح القدس، وهو لا يأتي إلينا إلا بالروح القدس فقط، ويريد أن يأتي إلينا فعلاً. وتُضفى على الروح صفة "القُدُس" بالتحديد لأن له بالآب والابن علاقةً خاصةً، وهو يجعل لنا - تبعاً لذلك - علاقةً خاصةً بالآب والابن كليهما. لذا ينبغي لنا ألا نفترض أننا نستطيع أن نحصل على الشركة مع الآب ومع المسيح بأية طريقة أخرى، مهما كانت، ما خلا الحصول عليها بالروح القدس فقط. فليتجنّب الإثم كلُّ من يُسمِّي اسم المسيح (2تي 2: 19).

فبحسب كلمة الله المقدسة أن الروح القدس هو العامل والمنفِّذ في التجديد والإيمان (يو 3: 5؛ 1كو 12: 4). فهو يبرّرنا ويؤتينا أن ندرك ذلك، ويشهد لحقيقة تبنّي الله إيانا أولاداً له.[21] وهو يسكب محبة الله في قلوبنا، ويعطينا سلاماً وفرحاً، ويحررنا من الناموس، ومن الجسد، ومن الخطية والموت.[22] وهو المعزي والنصير الذي يحمل قضيتنا، ويحمينا ويسندنا، الذي لا يتركنا كما تركنا المسيح بحسب الجسد، بل يبقى معنا دائماًن معزياً ومصلّياً فينا.[23] وهو ليس باعث الحياة الروحية فحسب، بل أيضاً حافظُها ومرشدها في كل حين: إنه ناموسُها وقانونها (رو 8: 2، 14؛ غل 5: 18). إنه يجدّد تلك الحياة ويقدّسها، ويجعلها تُثمر وتكون مرضيةً عند الله.[24] وحياة المسيحي بجملتها سلوكٌ في الروح (رو 8: 4 وما يلي؛ غل 5: 16، 25). والروح هو الذي يجمع المؤمنين كلَّهم في جسدٍ واحد، ويبنيهم هيكلاً واحداً، مسكناً لله (أف 2: 18 – 22؛ 4: 3، 4). وهو ضامن الميراث السماوي،[25] ومن سيُجري ذات يومٍ قيامة المؤمنين وتمجيدهم (رو 8: 11؛ 1كو 15: 44).

وبعبارة أخرى، إن المسيح وجميع خيراته، ومحبة الآب ونعمة الابن، لا تصير من نصيبنا إلا في شركة الروح القدس لا سواه.

[1]- إش 44: 3؛ خر 39: 29؛ يوئيل 2: 28 وما يلي.

[2]- متى 12: 28؛ لو: 4: 18، 19.

[3]- أع 10: 2؛ قارن يو 20: 21، 22.

[4]- مت 3: 11؛ يوحنا 3: 11.

[5]- يو 14: 16؛ 15: 26؛ 16: 7.

[6]- أع 7: 55؛ 8: 39؛ 10: 19؛ 13: 2؛ 15: 28؛ 16: 6؛ 20: 22.

[7]- أع 3: 6؛ 5: 5، 12، 15 و 16؛ 8: 7، 13، ومواضع أخرى.

[8]- أع 2: 7، 37، 43؛ 3: 10؛ 4: 13؛ 5: 5، 11، 13، 24.

[9]- أع 16: 6، 7، 9؛ 2 كو 12: 1 – 7؛ غل 2: 2.

[10]- رو 8: 23؛ 2 كو 1: 22؛ 5: 5؛ أف 1: 14؛ 4: 30.

[11]- مز 51: 12، 13؛ إش 32: 15؛ حز 36: 27.

[12]- رو 12: 5؛ أف 1: 23؛ كو 1: 24.

[13]- رو 6: 11؛ 8: 1، 10؛ 2كو 13: 5؛ غل 2: 20؛ في 1: 21؛ كو 3: 4.

[14]- رو 6: 4 وما يلي؛ غل 2: 20؛ 6: 14؛ أف 2: 6؛ كو 2: 12، 20؛ 3: 3.

[15]- رو 13: 14؛ 2كو 4: 11؛ غل 4: 19؛ كو 1: 24؛ 2: 10؛ 3: 11.

[16]- رو 8: 9؛ 1كو 2: 16؛ 2كو 3: 18؛ غل 4: 6؛ في 1: 19.

[17]- رو 8: 4، 9، 15؛ 14: 17؛ 1كو 12: 3.

[18]- رو 8: 15، 16؛ 2كو 1: 22؛ أف 1: 13؛ 4: 30.

[19]- يو 10: 38؛ 14: 11، 20؛ 17: 21 – 23.

[20]- أف 1: 23؛ 3: 19؛ 4: 13، 16.

[21]- رو 8: 15؛ 1كو 6: 11؛ غل 4: 6.

[22]- رو 5: 5؛ 8: 2؛ 14: 17.

[23]- يو 14: 16؛ أع 9: 31؛ رو 8: 26.

[24]- رو 15: 13، 16؛ غل 5: 23؛ 2تس 2: 13؛ تي 3: 5؛ 1بط 1: 2.

[25]- 2كو 1: 22؛ 5: 5؛ أف 1: 13؛ 4: 30.

  • عدد الزيارات: 422