Skip to main content

القبض على المسيح في بستان جثسيماني

"حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلَامِيذِ: "اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ". ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ: "نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي" (متى 26:36-38).

كل قادم وراءه نور، يسبِقه ظلُّه. فالصليب قادمٌ وراءه نور الخلاص، لذلك يظهر الآن ظله كثيفاً بعد ظهوراته الخفيفة السابقة، لأنه قبل غروب الشمس مرة أخرى، يظهر الصليب ذاته. خرج الإسخريوطي من علية العشاء وكان ليلاً. وبعد خروجه رسم المسيح فريضة العشاء الرباني، وتحدث بمناسبتِهِ، ثم ألقى على تلاميذه عظته الوافية وصلاته الشفاعية. فلا بد أن الليل كان قد انتصف عندما كمُلت الصلاة. لكن المسيح لا يستغني في هذا الوقت الرهيب عن اختلاء خصوصي مع الآب استعداداً لِمَا ينتظره، فإن الاستعدادات العدائية في المدينة تتكامل.

خرج المسيح ومعه تلاميذه الإثنا عشر من العلية يمرُّون بالأزقة المسقوفة تحت ستار السكينة والظلام، ويجتازون وادي قدرون في نور البدر متوجِّهين شرقاً إلى بستان في سفح جبل الزيتون، يملكه أحد محبّي المسيح في منطقةٍ اسمها جثسيماني (معناها معصرة). لذلك نرجح أن شجر هذا البستان في معصرة جبل الزيتون كان من نوع الزيتون. وأن المسيح اختار ظل هذه الأشجار الكثيف مخدعاً للصلاة.

وعندما دخلوا البستان أجلس المسيح ثمانية من التلاميذ هناك، وأوصاهم أن يصلُّوا لئلا تتغلب عليهم التجربة التي تأتيهم. وتقدم أكثر إلى الداخل يرافقه تلاميذه الثلاثة: بطرس ويعقوب ويوحنا، فشاهدوا المسيح في حزن واكتئاب. كان الثلاثة قد رافقوه على جبل التجلي، وشاهدوا منه بهجة ومجداً وجلالاً. وكانت هذه المشاهدة الجديدة على جبل الزيتون ضرورية لإِعلان بشريته الحقيقية، كما أعلنت مشاهد جبل التجلي بنويته الحقيقية للّه. قد أراهم المسيح في جبل التجلي شمس عظمته في أفقها الأرضي، وها هو في جثسيماني يريهم بداءة كسوفها في آلام اتضاعه، كسوفاً لا يقلُّ عجباً عن مجدها. فالحادثان مرتبطان برباطٍ لا ينفصم.

اختار المسيح الانفراد التام في مصارعته الأخيرة مع إبليس، ومقابلته العظمى مع أبيه، وتسليمه التام لمشيئته. ونحن نتعجب أن المسيح الذي قَبْل هذا الوقت بساعة كان يقدِّم عظة ثم صلاة ملؤها الابتهاج والمجد، يقول الآن: "نفسي حزينة جداً حتى الموت". السبب أنه قد أتت الساعة التي لأجلها جاء من السماء. ثم أوصى رفقاءه الثلاثة قائلاً: "امكثوا ههنا واسهروا معي". وتقدَّم قليلاً وانفصل عنهم نحو رمية حجر، وجثا على ركبتيه وخرَّ على وجهه على الأرض، وكان يصلي. ما ألطف وأجمل وأكرم طلبه منهم "اسهروا معي"!

المسيح يصلي في جثسيماني

"ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ". ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلَامِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَاماً، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: "أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ". فَمَضَى أَيْضاً ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ إِلَّا أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ". ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذلِكَ الْكَلَامَ بِعَيْنِهِ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: "نَامُوا الْآنَ وَاسْتَرِيحُوا. هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الْإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. قُومُوا نَنْطَلِقْ. هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ" (متى 26:39-46).

ها هو المسيح بطل السماء الطاهرة، ووحيد الآب وواحد معه، لا يطيق ما يراه أمامه من ساعةٍ فيها يخفي هذا الآب وجهه عنه. وسبب ذلك أنه في موته الفدائي سيتحمَّل لعنة الشريعة كحامِل خطايا البشر. وهو لا يطيق ذلك، إنْ كان لدى الآب وسيلةٌ أخرى لتخليص البشر بغير هذا العذاب الفائق. إنه يأبى أن يتحمل غضب أبيه ولو لحيظة. هذه أسباب اكتئابه الآن وصراخِه في صلاته لكي تعبر عنه الساعة إنْ أمكن، وطلبه من الآب ثلاث مرات أن يُجيز عنه هذه الكأس. كان في جهادٍ يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دمٍ نازلة على الأرض.

علم المسيح أن إبليس لا يهاجمه وحده ليثنيه عن عزمه في تتميم الفداء بموته على الصليب، بل يهاجم أيضاً تلاميذه، فحذَّر تلاميذه من إبليس وأوصاهم أن يسهروا معه ويصلوا لأجله ولأجل ذواتهم. كنا نظن أن النوم يستحيل عليهم في ساعة كهذه، لكن الواقع أنهم استسلموا حالاً للنوم كما ناموا على جبل التجلي.

ثم ركع المسيح للصلاة، وتحدث مع أبيه. لم يطلب أن تعبر عنه هذه الكأس وسكت، لكنه مضى يقول: "لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت".

بعد الصلاة الأولى عاد المسيح إلى تلاميذه وأيقظهم، ثم وجَّه توبيخه اللطيف إلى بطرس أولاً، ثم إلى الجميع بقوله: "لماذا أنتم نيام؟ أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة". وأردف توبيخه بعبارة الحنوّ: "أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف". ثم عاد إلى صلاته ثانية، وكانت مؤثرة أكثر من الأولى، وفيها لهجة المعاناة والألم. وبعدها وجد الثلاثة مثقَّلين أيضاً بالنوم، ولما أيقظهم لم يعلموا بماذا يجيبونه. ثم مضى وصلى ثالثة الصلاة السابقة قائلاً ذلك الكلام بعينه. من عدم استجابة الآب للمسيح في كل ما طلبه، وعلى الصورة التي طلبها في بشريته، عرفنا أهمية شُربه هذه الكأس، لأن محبة اللّه الغير محدودة لابنه الوحيد، لا يمكن أن تتركه في عذابات كهذه دون اضطرار كلي. لكن الآب الذي يحب البشر الساقطين الذين جعلوا أنفسهم أعداءه، لم يشفق على ابنه (الوحيد) بل بذله لأجلنا أجمعين (رومية 8:32).

لما أيقظ المسيح بطرس ويعقوب ويوحنا ثالث مرة، أكد لهم أن فرصة السهر والصلاة قد فاتت، فنومهم ويقظتهم سيَّان. قال: "ناموا الآن واستريحوا. يكفي. قد أتت الساعة. هوذا ابن الإنسان يُسلَّم إلى أيدي الخطاة". محبُّوه نيام لكن الخائن يقظان. الإسخريوطي لا يحتاج إلى وصية أن يسهر. أليست هذه شهادة التاريخ أن "أَبْنَاءَ هذَا الدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ فِي جِيلِهِمْ" (لوقا 16:8)؟ مع أن سهر قوات الشر في العالم مدعاةٌ لمضاعفةِ سهرِ قواتِ الخير ويقظتها.

وأظهر المسيح مرة أخرى اهتمامه بيهوذا الذي باع نفسه، كما باع سيده بثلاثين من الفضة، مع أنه جاهد ليربّيه في الصلاح ويقوده إلى الخلاص، فقال: "هوذا الذي يسلّمني قد اقترب". سلّم المسيح نفسه لأبيه في هذا البستان قبل أن يسلّم جسده لأعدائه عند باب البستان، وبذلك التسليم تمَّ الفداء جوهرياً، وصار فِعْل الصليب وآلامه الجسدية تكملةً فقط لعمله الجوهري في جثسيماني.

يهوذا يقود الرؤساء

"وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ الِاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ. وَالَّذِي أَسْلَمَهُ أَعْطَاهُمْ عَلَامَةً قَائِلاً: "الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ". فَلِلْوَقْتِ تَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ وَقَالَ: "السَّلَامُ يَا سَيِّدِي!" وَقَبَّلَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا جِئْتَ؟" حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوُا الْأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ. وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لِأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! أَتَظُنُّ أَنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الْآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟" (متى 26:47-54).

نعود بالفكر إلى الإسخريوطي الذي قضى مع شيوخ اليهود هذه الساعات في التدبير لنجاح مشروعهم، بينما كان غيرهم من أهل المدينة مثقلين بالنوم بعد وليمة عشاء الفصح، والمسيح وتلاميذه في البستان. فارق الإسخريوطي المسيح والتلاميذ في علية العشاء، وهو يعلم أنه لا سلاح معهم إلا السيفين، ولا أنصار لهم بين الشعب في ساعات النوم، فطمأن شركاءه الرؤساء أن المسيح لن يستخدم قوته المعجزية ليتخلص منهم، لأنه أعلن مراراً نيّته أن يسلِّم نفسه للصليب، فلا صعوبة تُذكر في القبض عليه في العلية وتسليمه باكراً للحكومة الرومانية، ما دام الجمهور نائماً.

لكنهم لم يجدوه في العلية، فرأى الإسخريوطي أن يفتشوا عنه في بستان جثسيماني، حيث يُرجَّح وجوده. فزادوا القوة التي معهم وهيأوا ما يحتاجون إليه لأجل عملهم خارج المدينة. نعلم أن الذين بلغوا البستان هم يهوذا والجند الروماني المقيم بجوار الهيكل، الذين وضعهم الوالي تحت إمرة رؤساء اليهود، وخدام رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين وشيوخ الشعب، حتى أصبحوا جمعاً كثيراً بمشاعل ومصابيح وسلاح بسيوف وعصيّ. ولئلا يقع غلط في الليل ويقبض الجند على أحد التلاميذ بدلاً من المسيح فيتسنّى له الهرب من بينهم تحت جناح الليل، تم الاتفاق أن الإسخريوطي الذي يعرف المسيح جيداً يعطيهم علامة تقيهم من الغلط. وقال لهم: "الذي أقبله هو هو".

تقدم الإسخريوطي إلى المسيح وقال: "السلام يا سيدي". وقبّله لا قبلة واحدة بسيطة بل قبلات عديدة، كأنه أوفر الناس حباً له. أما المسيح فكان لا يزال يحاول أن يخلّصه من فساد قلبه إن أمكن، فقال له: "يا صاحب، لماذا جئت؟ يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟". وعمل المسيح هذا مع الإسخريوطي مثال مفيد يقدِّم لأعظم الخطاة رجاء بأن المخلِّص لا يهمله لكثرة شروره. وفيه درس لصيادي النفوس يجعلهم يتمسكون إلى النهاية بتخليص النفوس الهالكة مهما توغلت في الآثام.

يظهر أن يهوذا وبعض القادة دخلوا البستان، بينما بقي الباقون خارجاً ينتظرون أوامر القادة. وعندما خرج يهوذا مع المسيح من البستان، رأى المسيح الجمع المحتشد بالأسلحة، فكان همُّه الأول أن يحمي تلاميذه من الضرر، فسأل الجمهور: "من تطلبون؟" أجابوه: "يسوع الناصري". فقال لهم "أنا هو". فأرعبتهم هيبته جداً حتى رجعوا إلى الوراء، هم والخائن، وسقطوا على الأرض. بذلك تأكد لهم أنهم لا يأخذونه دون إرادته.

ولما نهضوا أعاد السؤال عليهم ثانية. فلما أجابوا كالأول، دون أن يتقدموا قال لهم: "قد قلتُ لكم إني أنا هو، فإنْ كنتمُ تطلبونني فدعوا هؤلاء (أي تلاميذه) يذهبون". وقف أمامهم كآمِرٍ فأطاعوا. ليست هذه المرة الأولى التي أرعب المسيح فيها جمهوراً معادياً فأحبط مقاصدهم ضده، لكنها أعظم تلك الحوادث وأغربُها. لقد اكتسب المسيح من سهره وصلاته وتسليمه للآب في البستان قوة وهَيْبة جديدة. وعندما شاهد أعداؤه هيبته ظهر جُبْنهُم، لأن ضمائرهم كانت تشهد ضدهم.

لم ينصرف التلاميذ عند قول المسيح لأعدائه: "دعوا هؤلاء يذهبون" لأنهم تذكروا وعْدَهم أنهم يذهبون معه للسجن والموت، وأن سيدهم قال لهم في هذا المساء: "مَنْ ليس له سيف فليبعْ ثوبه ويشتري سيفاً". ولما قالوا له: "هنا سيفان". قال لهم: "يكفي" ظنوا أنه يريدهم أن يدافعوا عنه بالقوة. فلما رأوا أن الذين أمسكوه لم يكتفوا بمَسْكه، بل أوثقوه (أي ربطوا يديه وراء ظهره، كعادتهم عند مَسْك أصحاب الجرائم الكبيرة" تحمَّسوا فسألوا سيدهم بعبارة التعظيم أمام خصومه: "يا رب، أنضرب بالسيف؟".

يظهر أن بطرس لاحظ أن المهاجِم الأعظم على سيده، كان عبد رئيس الكهنة، فلم يصبر ليسمع جواب المسيح، بل استَّل السيف الذي معه، وضرب به هذا العبد (واسمه ملخس) على رأسه ليقتله، لكنه لم يصِبْ إلا أذنه اليمنى فقطعها. اهتم المسيح حالاً بإصلاح خطأ بطرس، كما اهتم أن يُظهِر حبَّه لأعدائه واستعدادَه أن يفعل معجزة لخيرهم، وفي الوقت ذاته يوضح لأعدائه مقامه الحقيقي. لم يتسلطوا عليه إلا برضاه، فأظهر أولاً استياءه من فعل بطرس، وأمَرَه أن يردَّ سيفه إلى غمده. وذكَّره بالحكمة القديمة القائلة إن: "الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون". ثم علّمه أنه لا يحتاج إلى بشرٍ يخلِّصون، فهو لا ينتظر من التلاميذ أن يعِينوه بالقوة. ولو احتاج لمعونة لطلب من أبيه فيرسل له أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة. أَوَلا يعلم بطرس حتى الآن أن القبض على سيده ينبغي أن يكون لكي تُكمل نبوات التوراة؟ ثم طلب المسيح أن يقدموا ملخس إليه، وهذا يعني تخفيف القيود التي تقيد يدي المسيح. فلما حلوه، مد يده وشفى أذن ملخس وفقاً لوصيته: "أحسنوا إلى مبغضيكم". وكانت هذه المعجزة خاتمة معجزاته قبل صلبه.

ولما عرف التلاميذ أن المسيح لا يطلب مساعدتهم، وأن بقاءهم تحت الخطر لا يفيد سيدهم شيئاً، تركوه كلهم وهربوا. فتمت نبوته لهم وهم في العلية أنهم جميعاً سيتركونه.

  • عدد الزيارات: 11291