أولى معجزات المسيح
"وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. وَدُعِيَ أَيْضاً يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ. وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: "لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ". قَالَ لَهَا يَسُوعُ: "مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ! لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ". قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: "مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ". وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "امْلَأُوا الْأَجْرَانَ مَاءً". فَمَلَأُوهَا إِلَى فَوْقُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: "اسْتَقُوا الْآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ". فَقَدَّمُوا. فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْراً، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ - لكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا - دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ وَقَالَ لَهُ: "كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَّوَلاً، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الْآنَ". هذِهِ بِدَايَةُ الْآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ فَآمَنَ بِهِ تَلَامِيذُهُ" (يوحنا 2:1-11).
نحن من الذين يتمسكون بأنه لا يجوز أن يسمَّى حادثٌ ما معجزة، طالما يمكن أن يكون له تفسير طبيعي. إلا أن تصديق حدوث المعجزات قد زاد احتمالاً بسبب ما توصَّل إليه الإنسان في هذا الزمان من التسلُّط على قوانين الطبيعة، لكي يستخدمها لأجل نتائج مدهشة جداً. فقد تفوَّق علماء هذا العصر على رجال العصور الماضية، في إحداث غرائب كانت تُعدّ معجزات - كالطيران والسفر إلى القمر. فإذا كان المخلوق يصنع أحياناً ما يفوق العقل، فهل يُستصعب أن يفعل الخالق ما يشاء بالقوانين التي سنَّها؟ فالاكتشافات والاختراعات التي تتجدَّد وتزداد حيناً بعد آخر تؤكد إمكان حدوث المعجزات الإلهية وتجعلها معقولة، بل وضرورية أيضاً، لأنها برهانٌ ناطق حسي لوجود خالق متسلط على خليقته. وللبرهان الحسي أهمية كبرى. والمعجزات ضرورية أيضاً لأنها من أفعل الوسائل التي بها يعلن الإله للإنسان ما يريد أن يعرفه الإنسان عن ذات الله وإرادته.
ولا نقول إن تدوين معجزات المسيح ضروري لتأييد عظمته. ولم ينسب البشيرون إليه فعْل المعجزات في كل سني حياته السابقة لخدمته التبشيرية عند بلوغه سن الثلاثين، وفي ذلك دليل مهمٌّ على صدق أخبارهم. لكن إذا صدَّقنا حدوث معجزات فعلها أنبياء ورسلٌ بقوة إلهية مُنحت لهم، نصدق بالأحرى أن صاحب القوة الأصلي، أي الإله المتأنس متى ظهر بين الناس يفعل معجزات بقوته الذاتية، يمتاز فيها على كل من فعلها سواه.
كانت معجزات المسيح معجزات رحمة لا معجزات نقمة. ولم يفعل سوى معجزتين نتج عنهما أذى وخسارة مادية، وذلك بقصد تعليمنا درساً روحياً. ولم يفعل معجزة مطلقاً لأجل منفعته الذاتية، ولا لأجل إثارة الدهشة، ولا لأجل جذب الناس إلى الإيمان به، بل لأجل تثبيت الذين آمنوا، لأنه كان يرفض طلب اليهود بأن يريهم آيات لكي يؤمنوا. وفي عمل معجزته الأولى أظهر مجده فآمن به تلاميذه. وفي كل معجزاته معنى عميق وهدف روحي فبواسطتها كان يعلن أفكاره ومبادئه وتعاليمه السامية، وصفاته الفائقة جمالاً وقداسة.
ثم أن كثيراً من تحرُّكات المسيح وأسفاره ما كان ليُعرف لولا خبر معجزاته. من أمثلة ذلك سفره إلى نواحي صور وصيداء الذي ورد في قصة معجزته هناك، ومقدار حنوّه نحو الناس جميعاً، الواضح في معجزات الشفاء وإشباع الألوف. وسلطانه على مغفرة الخطايا الذي ظهر في معجزة شفاء المفلوج في كفر ناحوم، ونحو ذلك. فلو حُذف من أخبار المسيح قسم المعجزات والأمور المتعلّقة بها، لضاع القسم الأكبر من أخبار إنجيله، ولتعطَّلت سائر الأخبار لعدم معرفتنا صادقها من كاذبها. فضلاً عن ذلك فإن معجزاته أثبتت صدق دعواه أنه نزل من السماء. وقد شعر المُخلصون بذلك في زمانه كما شعر بها خصومه من رؤساء اليهود.
تحويل الماء إلى خمر
من المعجزات التي ليس لها تفسير طبيعي معجزة المسيح الأولى التي حدثت في قرية قانا الجليل، بلد تلميذه الجديد نثنائيل، الذي فاق كل زملائه في صراحة شهادته للمسيح وقوتها. ونستنتج أن هذا التلميذ في غيرته الجديدة، دعا سيده الجديد ورفقاءه في الإيمان ليكونوا ضيوفاً عليه كما فعل متى لما آمن (لوقا 5:19-39)، وكما فعلت ليدية في أيام الرسل (أعمال 16:15).
وفي أثناء زيارة المسيح لقانا، حدث فيها عرس دُعي إليه هو وأمه وإخوته وتلاميذه من مدينة الناصرة، على بُعد نحو ساعتين سيراً على الأقدام. ولا يُستبعَد أن تلاميذ المسيح توقعوا أن يرفض المسيح قبول هذه الدعوة، فقد حسبوه مثل معلمهم الأول المعمدان. وتصوّروا أن يتبع المسيح خطة المعمدان وسَلَفِه العظيم إيليا، ويتنحى عن الأفراح العالمية، ملتزماً طريقة النُسك والتقشف. ولربما يفتكرون أن رجلاً كبيراً من رجال الدين، مثل المسيح يترفع عن الامتزاج مع المحتفلين في العرس، لأن في أيام العُرس السبعة لا بد أن يتغلّب مهرجان الأفراح على الصبغة الدينية التي ألبسوها للأفراح، والتي جعلتهم يفرضون على العروسين قضاء اليوم السابق للعرس في الصلاة والصوم والاعتراف بخطاياهما، وكان يُطلب من العروس أن تحضِر كفَنَيْن تهدي منهما كفَناً لعريسها، فيرتديان هذا الرداء سنوياً في عيدي رأس السنة والكفارة.
لكن لا يصح لمخلِّص البشر جميعاً أن يتبع خطة سلفه المعمدان، من هذا القبيل فيقدم من الدين الوجه الغضوب العابس وينادي بالوعيد للخطاة، لكن يُنتظر منه أن يشارك كل البشر في أحوالهم المختلفة، في أتراحهم وفي أفراحهم، لأنه أتى ليُظهر محبة الله لجميع الناس. فعليه أن يمثّل الوجه الرضيّ البشوش منادياً بالسعادة، وهو صاحب البشارة المفرحة وموضوعها، وعليه أن يكمل صورة الدين بتأييد مبدأ صاحب البشارة والمؤانسة والأفراح الجسدية الشريفة، رمز الفرح الروحي الذي هو من أركان ملكوته.
مثّل المعمدان الصرامة الدينية، ومثّل المسيح بالأكثر اللطف الديني. ساق المعمدان الناس إلى التوبة، ودعاهم المسيح إليها. أتى المعمدان لا يؤاكل الناس ولا يشاربهم، وأتى المسيح يأكل ويشرب ويقبل الدعوات للولائم، وأن تُقام له الولائم الخصوصية. لبس المعمدان الجلد ووبر الإبل، ولبس المسيح أثواباً كانت موضوع طمع العسكر الروماني الذي صلبه. قال المعمدان في مقدّمة وعظه: "يَا أَوْلَادَ الْأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الْآتِي؟" (متى 3:7). وابتدأ المسيح وعظه بقوله: "طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لِأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (متى 5:3). فأخذ تلاميذ المسيح القدوة من معلمهم الجديد لما لبَّى الدعوة إلى العرس في قانا.
وفي أثناء العرس فرغت الخمر، فعلمت مريم العذراء بذلك بسبب معرفتها القريبة بأهل العرس، لكن المدعوّين لم يعلموا، فقالت أمه: "ليس لهم خمر" وذلك إمّا لأن آمالها به تجدّدت بواسطة الأخبار الجديدة عمّا حدث له على ضفة الأردن، فقصدت أن تدعوه ليرى الناس مقدرةً تليق بما تعلمه هي عن أصله ومقامه، أو لأنها حسبت مجيئه مع زمرة تلاميذه كان سبب فروغ الخمر، أو لأن روح افتخار الأمومة الطبيعي، جعلها تحسب أن تعظيم ابنها يُنيلها هي أيضاً عظمة، أو بدافع آخر نجهله نحن.
ومن إجابة المسيح عليها يتّضح أنها تدخّلت تدخُّلاً في غير محله، إذ قال لها: "مالي ولك يا امرأة. لم تأتِ ساعتي بعْد". ولا بد أن المسيح علم أنها تحتاج إلى تعليقٍ يحتوي شيئاً من القساوة، حتى تفهم جيداً شأنه الجديد، واختباراته الجديدة، والتغيير الكليّ في علاقاته العائلية. فكان كلامه بمثابة فاصل جديد بينه وبينها. كما ويبيّن لها في قوله "مالي ولك" أنها لم تعُدْ أمه كما كانت في الماضي، وليست إرادتها قانونه. إيضاحاً لذلك قال لها: "يا امرأة بدلاً من "يا أمي". قبل هذا الوقت كان يجوز أن يتعلم منها ويأتمر بأمرها، لكن الآن عليها أن تتعلم هي منه، وأن تأخذ كل الحذر من أن تلمّح أقل تلميح بأنه يفتقر إلى إرشاد بشري، كأنه قاصر في معرفة الواجب، أو مقصّر في إيفائه. وقد قبلت مريم التوبيخ اللطيف من ابنها وتسليمها له بكل رزانة، واحترامها إياه الذي ظهر عندما أمرت الخدام: "مهما قال لكم فافعلوه".
علم المسيح أن وقته قد جاء ليُجري المعجزات، فيظهر للجماهير ببراهين حسية إرساليته السماوية وسلطته الإلهية، فيعرف الكل ولا سيما تلاميذه - أن اتضاعه اختياري لا اضطراري، ويثبت إيمان الذين اتّبعوه حديثاً، ويربي شهرة تكفي لجذْب الجماهير إليه ليسمعوا تعاليمه، أما ساعته لأجل فعل المعجزة فلا تأتي إلا بعد ظهور العجز البشري الذي يبدأ عنده العون الإلهي.
كان في دار أهل هذا العرس ستة أجران حجرية، يتسع كل منها لنحو ثماني جرار ماء. وبسبب عدد المدعوّين الذين تمموا الغسلات اليهودية المطلوبة، فرغت تلك الأجران أو كادت أن تفرغ من مائها. ولما أتت ساعة المسيح ليصنع معجزته الأولى أمر الخُدّام أن يملأوا هذه الأجران ماء، فملأوها حسب أمره "إلى فوق". ثم أمر أن يستقوا منها، ويقدموا لرئيس المتكإ فأطاعوا. ولما ذاقها الرئيس، شهد للجودة الممتازة في هذه الخمر المقدمة أخيراً، وأدّى شهادته جهاراً، بعد أن نادى العريس وشكره لأنه قدم خمراً أجود مما شربوا أولاً.
كان قصد المسيح أن يخلّص أصحاب العرس في ساعة أفراحهم من العار، بسبب فروغ الخمر أثناء الوليمة، وأن يفعل ذلك بمعجزة واضحة لا تقبل الشك والتأويل، إذ قصد أن يقدم خمراً، فاختار آنية ماء لا آنية خمر، دفعاً للشك بأن آثار خمرٍ سابقة تكون قد حللت الماء بتأثير طبيعي، أو منحت الماء قليلاً من طعم الخمر. واختارها فارغة ليتحقق الجميع أن ما فيها هو ماء صرف. واختارها كبيرة حذراً من الظن أنه يمكن استحضار خمر من الخارج يكفي لملئها. وأمر أن يملأها خدام العريس وليس أتباعه هو، دفعاً لكل ظن بأن أعوانه استعملوا حيلة ومكراً ليعظّموه. وأمر أن يملأوها إلى فوق لكي لا يبقى محلٌ للقول إن خمراً أُضيفت إلى الماء بعد أن وضعه الخدام.
وهكذا شهد لحقيقة المعجزة عددٌ كاف من أهل القرية، هم الخدام، الذين لم يعرفوه قبلاً، وليسوا من أتباعه أو أنسبائه، فلا يظن أنهم يتواطئون معه في خدعة. بقي أن يشهد مسؤول لجودة الخمر، لكي لا يُقال إن التصوُّر ولَّد التصديق، وإن ما شربوه لم يكن خمراً حقيقية. وقد أدى هذه الشهادة أفضل شاهد، وهو رئيس المتكإ، إذْ نبَّه بكلامه جمهور الحاضرين. فلما تناقلت الألسن شهادة الخدام عن مصدر هذه الخمر الجديدة، عرف الجميع المعجزة الحقيقية التي صنعها المسيح. وبذلك "أظهر مجده فآمن به تلاميذه".
والذي أخبر بهذه المعجزة هو يوحنا الذي قال في المسيح: "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ" (يوحنا 1:3). فلا عجب إذا كان المسيح الذي يحوّل الماء إلى خمر بأسلوب طبيعي في عروق الكرمة، ثم في الأوعية المعهودة، يكون له الحق والمقدرة أن يفعل الأمر نفسه، لكن على كيفية جديدة خارقة للعادة.
بشهادة ثلاث حواس، أي البصر والذوق والشم، ثبت صدق هذه المعجزة الأولى. ولا سبيل لغير الحواس في تحقيق أي معجزة كانت. ويماثل تحويل المسيح الماء خمراً أعماله الدائمة، فهو الذي يحوّل الحسن إلى أحسن والثمين إلى أثمن. حوَّل عهد الناموس القديم إلى عهد النعمة الجديد، وحوّل الرموز الوقتية إلى الحقائق الأصلية، كما يحوّل المعمودية بالماء إلى المعمودية بالروح القدس، ويحوّل كلمة الإرشاد الديني البسيطة إلى كأس الخلاص الأبدي في قلوب سامعيها.
ومن جملة الأمور التي تبيّن لنا أن المسيح قدوة للبشر: موافقته على استعمال الخمر وتقديمه للمحتفلين بالعرس. لأنه يعلم الخفايا، وعمله قدوة لكل من يعلم عِلْمَه، فليس المقصود هنا السُّكر بالخمر، لأن السكر يؤذي الإنسان، وما نعلمه عن المسيح وعن مبادئه وتصرفاته يجعلنا نجزم بأنه لو كان في استعمال الخمر التي صنعها ضرر في حينه، لكان مستحيلاً أن يصنعها لهم. ولو تحوَّل التلذُّذ بما هو جائز، إلى عثرةٍ للآخرين يصير هذا التلذُّذ محرَّماً. ونحن نعلم أن شرب الخمر خطأ، لو ألجأ إلى السُّكر، أو لو أعثر الآخرين.
كانت أولى معجزات المسيح في حفل عرس، وبهذا قدّس وتوّج بالرضى سُنّة الزيجة، التي هي أقدم الأنظمة البشرية، وهو الذي سنّها في جنة عدن، حين كان أبوانا الأولان في حالة القداسة التامة - وكل نظام سواه سُنَّ بعد سقوطهما. ولأسباب غنية عن البيان لم يدخل هو في رباط الزواج الشريف، لذلك كان تكريمه الزواج بحضوره هذا الحفل، ذا أهمية مضاعفة. إذ أثبت فعلاً في قانا الجليل ما قاله رسوله: "لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ" (عبرانيين 13:4). وبذلك حذَّر الناس سلفاً من الوهم المضر المستولي على الكثيرين، بأن الزواج هو من باب التساهل مع الضعف البشري، وقد سُنَّ لأجل ردع الناس عن الرذيلة، وأن الامتناع عن الزواج فضيلة، فنتج عنه هذا الظن الفاسد تحقير الزواج وتكريم التبتُّل. واحتفال المسيح بالعرس يدحض هذا الظن، كما يدحضه قول الله لآدم وحواء قبل السقوط: "أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلَأُوا الْأَرْضَ" (تكوين 1:28).
كان حضور المسيح هذا العرس مقدمة جميلة لحضوره كل عرس يُقام بين المؤمنين، لأنهم يذكرون قول الإنجيل إن الزواج ينبغي أن يكون في الرب. وسوف يُحتفل في آخر الأيام بعرس المسيح العظيم: الذي حوّل الماء خمراً في عرس قانا الجليل، عندما يجلس هذا العريس السماوي على عرشه الملكي، وتكون العروس هي كل جماعة المؤمنين الذين يؤلّفون كنيسته المحبوبة المختارة. ولا يدوم هذا العرس الروحي سبعة أيام فقط بل إلى ما لا نهاية. فطوبى للمدعوّين إلى عشاء عرس الحمل (رؤيا 19:1-10).
وإكرام الزواج يتبعه إكرام العلاقات العائلية. فالأسباب في أحوال المسيح وتلاميذه التي اضطرتهم إلى بعض الإهمال في علاقاتهم العائلية، جعلت المسيح يُظهر اعتباره إياها في فاتحة خدمته، لئلا يظن التلاميذ أو غيرهم أنه لا يهتم بها، لأنها غير مهمة. ويؤيد المسيح المقام الرفيع لهذه العلاقات العائلية، وفي الوقت ذاته يقدّم عليها العلاقات الروحية الأولية الأسمى والأقدس والأهم التي تربط النفوس بإلهها، وبالمسيح مخلِّصها، وبأولاد الله الروحيين.
- عدد الزيارات: 16042