أصحاب الحق في القيام بالمعمودية
أما وقد عرفنا أن المعمودية ليست هي الولادة من الله، بقي علينا أن نعرف من هم أصحاب الحق في القيام بالعماد، ولذلك نقول:
حقاً إن الربّ قال للرسل دون غيرهم: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (متى 28: 19) ـ ولكن بالرجوع إلى الكتاب المقدس، يتّضح لنا أن الرب لم يقدّم هذه الوصية لهم بصفتهم الشخصية، حتى كان يجوز الظن بوجوب وجود خلفاء لهم يقومون بالعماد، بل قدّمها لهم بصفتهم أوائل المؤمنين الحقيقيين. أو بالحري أوائل الكارزين بإنجيله في العالم، كما يتّضح مما يلي:
1- إن فيلبّس عمّد كثيرين من السامريين، وعمّد أيضاً وزير ملكة الحبشة (أعمال 8: 12-39)، مع أنه لم يكن واحداً من رسل المسيح بل كان فقط كارزاً بالإنجيل (أعمال 21: 8)، وواحداً من الشمامسة السبعة، الذين أقامهم الرسل للعناية بالأرامل (أعمال 6: 5).
2- إن حنانيا لم يكن أيضاً واحداً من رسل المسيح، بل كان واحداً من المؤمنين الحقيقيين أو الأنبياء الذين كانوا بينهم، ومع ذلك عمّد بولسَ الرسولَ نفسه (أعمال 9: 18).
3- إن بولس الرسول على الرغم من كرازته بالإنجيل في كورنثوس، لم يعمّد فيها إلاّ عدداً قليلاً من المؤمنين. فقد قال "أشكر الله أني لم أعمّد أحداً منكم إلاّ كريسبس وغايس، حتى لا يقول أحد أني عمّدت باسمي. وعمّدت أيضاً بيت اسطفانوس. عدا ذلك لست أعلم هل عمّدت أحداً آخر ؛ لأن المسيح لم يرسلني لأعمّد بل لأبشر" (1كورنثوس 1: 14-17).
4- فضلاً عن ذلك فإننا إذا رجعنا إلى التاريخ الكنسي، نرى أن الشمامسة كانوا هم الذين يعمّدون الداخلين إلى المسيحية (الخريدة النفيسة ج1 ص147-156، تاريخ آباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولى ص32).
وإذا كان الأمر كذلك، اتّضح لنا أن فكرة وجوب وجود خلفاء للرسل لكي يقوموا بالعماد، لا تستند إلى أساس كتابي أو تاريخي، وذلك لسببين (الأول) إن الربّ لم يعيّن بولس الرسول للعماد، مع أنه أعظم الرسل وأكثرهم جهاداً في نشر الإنجيل. (الثاني) إن الشمامسة والمبشّرين والأنبياء والمؤمنين الحقيقيين العاديين الذين كانوا يكرزون بالإنجيل، كانوا يقومون بالعماد، حتى في أيام الرسل أنفسهم كما ذكرنا.
- عدد الزيارات: 3320