ماهية المعمودية والولادة من الله
الباب الثالث: الحجج الخاصة بالقيام بالمعمودية
يعتقد القائلون بالرئاسة الدينية [أن المسيح سلّم القيام بالمعمودية للرسل دون غيرهم، لأنها (كما يقولون) هي الولادة من الله، والسبيل إلى دخول ملكوته. فقد قال المسيح لنيقوديموس "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يوحنا 3: 5). ومن ثم يجب أن يكون للرسل خلفاء يقومون بالمعمودية إلى نهاية الدهر، لئلا يحرم أحد من هذا الملكوت ]، ورداً على هذا الاعتقاد نقول:
ماهية المعمودية([1]) والولادة من الله
بالرجوع إلى الكتاب المقدس يتّضح لنا أن العماد باسم المسيح هو إشهار الإيمان به، أو بالحري الاعتراف الرسمي بالموت معه والقيام معه، وذلك بواسطة النـزول في المعمودية والصعود منها. فقد قال الرسول "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات" (كولوسي 2: 12).
أما الولادة من الله فهي الحصول منه على طبيعة روحية نستطيع بها التوافق معه في صفاته الأدبية السامية إلى الأبد، وذلك بواسطة الإيمان بالمسيح إيماناً حقيقياً([2]). فقد قال الوحي إن كل من يؤمن بالمسيح (إيماناً حقيقياً) فقد ولد من الله (1يوحنا 5:1). ومن ثم فالولادة من الله تختلف عن المعمودية وللإيضاح نتحدث عن النقاط التالية:
أولاً – أدلة على أن حديث المسيح من نيقوديموس خاص بالولادة من الله، وليس بالمعمودية.
1- إن المسيح لم يقل لنيقوديموس إن كان أحد لا يعمّد، بل قال له: إن كان أحد لا يولد. والولادة (أو بالحري الولادة الروحية من الله) تختلف كل الاختلاف عن العماد، وليس من جهة اللفظ فقط، بل ومن جهة المعنى أيضاً كما ذكرنا.
2- إن المسيح لم يقل لنيقوديموس إن كان أحد لا يولد بالماء والروح (باستعمال حرف الجر "ب")، على نسق قول يوحنا لتلاميذه "أن أعمدكم بماء" (متى 3: 11)، بل قال له "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح". وهناك فرق كبير بين حرفي الجر"ب" و "من". فالأول يدلّ على العمل بواسطة خارجية، أما الثاني فيدل على التكوّن من شيء ما([3]). ومن ثم فالأول يتناسب مع العماد، لأن ماء المعمودية يستعمل كواسطة خارجية، أما الثاني فيتناسب مع ولادة النفس بواسطة كلمة الله (المعبر عنها هنا بالماء([4]) والروح القدس معاً، إذ بهذه الولادة تتكون للنفس طبيعة روحية جديدة كما ذكرنا.
3- إن المسيح قال لنيقوديموس عن الطريقة التي تتم بها هذه الولادة:
" الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها. لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب، هكذا كل من ولد من الروح "ـ وهذه الطريقة لا تنطبق على المعمودية، لأن المرء يمكن أن يعرف كل الترتيبات التي عملت أو تعمل أو ستعمل لعماده أما الولادة من الله فتحدث دون أي ترتيب أو انتظار من أحد، لأنها من أولها إلى آخرها من عمل الله ـ فقد يواظب إنسان على سماع كلمة الخلاص سنوات كثيرة، بل وقد يعظ بها الآخرين مرات متعددة، ومع ذلك لا تتأثّر نفسه بها. بينما قد يسمع غيره هذه الكلمة مصادفةً مرة واحدة، فتنفذ إلى أعماق قلبه بقوة الروح القدس، فيتوب ويتهيأ للتوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية في العالم الحاضر والآتي معاً.
4- إن المسيح وبّخ نيقوديموس لعدم معرفته بمعنى الولادة من الله (يوحنا 3: 9-12). وبما أن المسيح لا يُوبّخ إنساناً إلاّ إذا كان لا يعرف أمراً سبق الله وأعلنه له، لذلك لا يمكن أن يكون حديث المسيح مع نيقوديموس عن الولادة من الله، خاصاً بالمعمودية المسيحية التي نمارسها الآن، لأن هذه المعمودية لم تؤسس إلاّ بعد موت المسيح وقيامته (متى 28: 19)، إذ أن فيها إشارة إلى هاتين الحقيقتين (كولوسي 2: 12). أما الولادة من الله فكان تعالى قد أعلنها في العهد القديم من قبل . فقد قال "وأرشّ عليكم ماء طاهراً([5])، فتطهرون من كل نجاساتكم، ومن كل أصنامكم أطهركم وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديداً في داخلكم. وأنـزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم([6])، وأجعل روحي في داخلكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها" (حزقيال 36: 24-27)، ولذلك كان قديسو العهد القديم يعرفون هذه الولادة ويتوقون إليها بكل قلوبهم، فقط قال داود النبي (مثلاً) لله "قلباً نقياً أخلق فيَّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي" (مزمور 51: 10)، ومن ثم كان من المناسب أن يوبّخ المسيح نيقوديموس لجهله إياها.
5- فإذا أضفنا إلى ما تقدم أنه لو كان حديث المسيح مع نيقوديموس خاصاً بالمعمودية، لكان نيقوديموس قد طلب من المسيح أن يعمّده، كما طلب الحبشي من فيلبس المبشّر فيما بعد (الأعمال 5: 26-39)، أو على الأقل لكان قد سأله إن كانت المعمودية التي ذكرها تشبه معمودية يوحنا أو تختلف عنها، اتّضح لنا أن نيقوديموس لا بدّ أدرك أن حديث المسيح خاص بالولادة من الله، وأن هذه الولادة تتم بالإيمان الحقيقي بشخصه كما ذكرنا. ومما يثبت هذه الحقيقة أن المسيح ختم حديثه مع نيقوديموس بالقول "لأنه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3: 16-21).
ثانياً ـ أدلة على أن الماء الوارد في حديث المسيح مع نيقوديموس يراد به كلمة الله
بالرجوع إلى يعقوب (1: 18) و (1بطرس 1: 23) و (1كورنثوس 4: 15)، يتّضح لنا أن الولادة من الله تكون بواسطة تأثير "كلمة الله "في النفس لقيادتها إلى الإيمان الحقيقي. فمكتوب عن الله "شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه". ومكتوب عن المؤمنين أنهم "مولودون ثانيةً لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد". وأن الرسول ولد المؤمنين في كورنثوس بالإنجيل أو بالحري "بكلمة الله".
وبالرجوع إلى (يوحنا 3: 6)، يتّضح لنا أن الولادة من الله تكون أيضاً بواسطة "روح الله "، فمكتوب "المولود من الروح، هو روح".
ومن هاتين المجموعتين من الآيات، يتّضح لنا أن الولادة من الله تكون بواسطة كلمة الله وروح الله معاً. أو بالحري بواسطة مرافقة الروح القدس لكلمة الله في التأثير على نفوس الذين يقبلونها، تأثيراً يخلقها خلقاً جديداً. وبما أن حديث المسيح مع نيقوديموس ينصّ على أن الولادة من الله، تكون من "الماء والروح "إذن يكون المراد بالماء هنا، هو كلمة الله. لأنه هو المقابل للفظ "كلمة "، في الآيات الواردة في (يعقوب 1: 18) و (1بطرس 1: 23) و (1كورنثوس 4: 15) التي أشرنا إليها فيما سلف.
ومما يثبت أيضاً أن المراد بالماء هنا، هو كلمة الله الأدلة الآتية:
1- لا يمكن أن تكون هناك وسيلتان مختلفتان للولادة من الله، إحداهما من الماء والروح، والأخرى من الكلمة والروح.
2- هناك شبه كبير بين تأثير كلمة الله وبين تأثير الماء، فكلمة الله تغسل القلوب، والماء يغسل الجسد (يوحنا 15: 3).
3- إن الماء المادي لا يبعث حياة روحية إلى النفس (أو بالحري لا يجعلها تولد من الله)، لأن الذي يقوم بهذه المهمة هو كلمة الله، وذلك بسبب وجود هذه الحياة فيها، فمكتوب أنها حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح، والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته (عبرانيين 4: 12).
4- إن روح الله لا يمتزج في أي عمل من أعماله مع الماء العادي([7])، لأنه (أي روح الله) ليس مادة حتى يمكن أن يمتزج بالشيء العادي. ولكن نظراً لأن كلمة الله روحية، يمكن أن يمتزج بها روح الله ويعمل معها.
إن الولادة من "الماء والروح "وردت مرادفةً للولادة من "فوق". فقد قال المسيح لنيقوديموس "ينبغي أن تولدوا من فوق" (يوحنا 3: 5). وبما أن الماء من حيث هو مادة، لا وجود له في المجال المعبّر عنه بـ "فوق "، أو بالحري حضرة الله نفسها (لأن هذه الحضرة لا أثر للماء المادي فيها، إذ أن كل ما هناك روح في روح)، تكون الولادة من "فوق "أو من "الماء والروح "هي الولادة من كلمة الله وروحه كما ذكرنا، لأنهما هما اللذان يمكن إسنادهما إلى فوق، حيث الله في روحانيته المطلقة.
6- إن "الولادة من الماء والروح "وردت أيضاً مرادفةً للولادة من الروح وحده (كما يتّضح من يوحنا 3: 6)، وبما أنه لو كان المراد بالماء هنا، الماء المادي، لما جاز أن تكون الولادة منه ومن الروح، هي ولادة من الروح وحده، لأنهما يكونان في هذه الحالة شيئين مختلفين لا شيئاً واحداً، إذن المراد بالماء هنا، هو "كلمة الله "، لأنها تقترن مع روح الله كل الاقتران، وعمل أحدهما هو عمل الآخر. فالخلق (مثلاً) يسند إلى كلمة الله، كما يسند إلى روح الله، فقد قال داود النبي "بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه (أي روحه) كل جنودها" (مزمور 33: 6).
7- كما أن الكلمة وردت في الكتاب المقدس بكل صراحة بدلاً من "غسل الماء". فقد قال الوحي عن المسيح إنه "يقدّس الكنيسة (أو بالحري المؤمنين الحقيقيين) مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة([8]) (أفسس5: 6). وهكذا الحال من جهة النقاوة التي هي من خصائص الماء، فقد أسندت إلى الكلمة. فقد قال المسيح لتلاميذه "أنتم الآن أنقياء بسبب الكلام الذي كلمتكم به" (يوحنا 15: 3).
8- فضلاً عن كل ما تقدم، فإن الماء ورد رمزاً إلى كلمة الله في "العهد القديم "الذي كان يحفظه نيقوديموس. فقد قال تعالى فيه "لأنه كما ينـزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان إلى هناك "بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعاً للزارع وخبزاً للآكل، هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي، لا ترجع فارغةً، بل تعمل ما سررت به وتنجح في كل ما أرسلتها له" (إشعياء 55: 10-11).
وإذا كان الأمر كذلك، تكون الولادة من الماء والروح هي قطعاً الولادة من "كلمة الله وروح الله"، وكان من الواجب على نيقوديموس أن يعرف هذه الحقيقة تماماً. ولكن مما يؤسف له أنه بمعلوماته الناموسية الضخمة، لم تكن له فطنة أكثر من السامرية. فقد ظنت هذه أن الماء الذي وعدها المسيح به، هو الماء العادي (يوحنا4)، والحال أنه كلمة الحياة التي تعطي من يقبلها حياةً أبدية.
ثالثاً ـ الفرق بين الولادة من الله، وبين المعمودية
مما تقدم يتّضح لنا أن الولادة من الله تختلف عن المعمودية من النواحي الآتية:
1- الأولى يقوم بها الله وحده للمؤمنين الحقيقيين، فقد قال بطرس الرسول
" مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته ولدنا ثانيةً، لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات" (1 بطرس 1: 3). أما الثانية فيقوم بها الكارز بالإنجيل للمعترفين بالمسيح، كما سيتّضح من الفصل التالي:
2- والأولى تتم بواسطة تأثير كلمة الله وروحه في النفس. أما الثانية فتتم بواسطة نـزول الإنسان في المعمودية والصعود منها بعد ذلك([9]).
3- والأولى ينال المؤمن بها طبيعة روحية تؤهله للتوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية في العالم الحاضر والآتي معاً (1بطرس 1: 3-5).
أما الثانية فلا تؤهل من يمارسها إلاّ للانضمام الظاهري إلى الكنيسة المنظورة على الأرض.
4- إن كل المولودين من الله لهم حياة أبدية ولا يمكن أن يأتوا إلى دينونة. أما الذين اعتمدوا فحسب، دون أن يولدوا من الله، فلا نصيب لهم إلاّ العذاب الأبدي، كما كانت الحال مع سيمون الساحر (أعمال 8: 21-30).
5- والأولى كانت معروفة عند قديسي العهد القديم، ولذلك كانت لهم علاقة روحية مع الله (تكوين 5: 24، 15: 6 وأيوب 1: 8 ومزمور 72: 13). أما الثانية فلم يعرفها إلاّ مؤمنو العهد الجديد، لأنها مرتبطة بموت المسيح وقيامته (متى 28: 19)، (كولوسي 2: 12 و 13).
هذا وقد عرف المسيحيون منذ القديم أن الولادة من الله ليست هي المعمودية، بل هي التغيير الذي يحدث في النفس بواسطة تأثير كلمة الله وروحه فيها، ولذلك قالوا "إنه بمساعدة الولادة الجديدة، زالت عنا وصمة السنوات القديمة (التي عشناها بعيداً عن الله) وأشرف علينا نور من العلاء، إنه نور صاف جميل اخترق أعماق قلوبنا. وهذه الولادة الجديدة هي التي جعلتنا نشرق بنور المسيح على الآخرين"([10]) (تاريخ الآباء في القرون الثلاثة الأولى ص175). كما قالوا "إن ولادة النفوس ولادةً حقيقيةً من الروح القدس، تقودها إلى ملكوت السموات، وأنه بدون الروح القدس تكون هذه الولادة غير ممكنة". وقالوا "إن ربّنا يسوع المسيح أتى إلى العالم لكي يجدد النفوس التي فسدت بالأهواء والشهوات" (حياة الصلاة الأرثوذكسية ص233 و239 والخريدة النفيسة ج1 ص194). كما عرفوا أن ماء المعمودية هو فقط رمز إلى الضمير الصالح، أو بالحري رمز إلى عمل كلمة الله في هذا الضمير، لأنها هي التي تطهّره وتجعله صالحاً (تاريخ كنيسة أنطاكية ج1 ص460)، وذلك بناءً على ما جاء في (1بطرس 2: 19).
وفي العصر الحديث نادى كثير من الأرثوذكس بأن الولادة من الله تختلف عن المعمودية. فمثلاً قال الواعظ الفاضل يسى منصور في (كتاب عصمة الكتاب المقدس ص178) "إنه عندما يتوب الإنسان ويؤمن بكفارة المسيح، يشعر بسلام تام لتمتعه بغفران خطاياه. وفي هذا الاختبار ينال التجدد (أي الولادة الروحية من الله)، وينفصل عن ماضيه السيء، ويتمتع بحياة جديدة مقدسة، ولا تسود عليه الخطية بعد، بل يكرهها من كل قلبه". كما نادوا بأن "كلمة الله "هي التي تخلق المرء خلقاً جديداً وتلده مرة ثانية. فقد قال الراهب الفاضل متى المسكين ما ملخّصه "كلمة الله هي قوته المرسلة إلى العالم كطاقة روحية خلاقة لتجدد الإنسان. إنها حياة منبعثة من الله تتفاعل مع ذهن الإنسان وروحه وتتّحد بهما، فيصير الإنسان بواسطتهما حياً بالله وفي الله. فالكلمة مصدر الحياة الروحية للإنسان، وواسطة اتحاده السرّي بالله. وهي البذرة التي يولد منها مرة ثانية" (كتاب كلمة الله ص21 و 60)([11]).
[1] - كلمة "معمودية "معربة من الكلمة السريانية "معموديتو"، ومعناها "الغسل لأجل التطهير الطقسي". وهي نفس الكلمة المترجمة "غسل "في(مرقس 7: 1-5). و(لوقا 11: 37-39) و(عبرانيين 9: 10). ومن كلمة المعمودية، اشتقت كلمتا "اعتمد "و "عماد "وغيرهما. ومما تجدر الإشارة إليه أن العماد كان معروفاً قبل ظهور المسيح. فجماعة السبتيين من اليهود كانوا يعمدون بالماء كل وثني يتهود للدلالة على تخلصه من وزر الوثنية. ويوحنا المعمدان كان يعمّد التائبين من اليهود لكي يتهيؤوا لملكوت السموات على الأرض، أو بالحري لقبول المسيح ملكاً عليهم فيها (متى 3: 2 ، 4: 17 ومرقس 1: 14 و15)، لأن المسيح كان قد أتى في أول الأمر بهذا الوصف إتماماً لوعوده السابقة لآبائهم ولكن لما رفضوا ملكه عليهم (لوقا 19: 14)، رفضهم وفتح بالفداء باب الحياة الأبدية لكل من يؤمن إيماناً حقيقياً من جميع الأمم بدون استثناء، كما أعلنت التوراة أيضاً في بعض آياتها ـ وطبعاً كان المسيح يعرف منذ الأزل كل ما حدث في أيامه على الأرض.
[3] - ولذلك نرى في الترجمة الإنجليزية (مثلاً) أن الحرف الأول هو: With بينما الثاني هو Of.
[4] - سنتحدث عن هذه الحقيقة فيما يلي بالتفصيل.
[5] - الماء المادي لا يوصف بأنه طاهر أو نجس لأن الطهارة هي الخلو من الخطية، والنجاسة هي التلوث بها. ونظراً لأن الماء لا يخطئ ولا يبتعد عن الخطية، يكون المراد "بالماء الطاهر "المذكور أعلاه إشارة إلى شيء يطهر، أو بالحري يطهر القلب. وهذا الشيء (كما يتضح فيما يلي) هو كلمة الله، لأنها هي التي تقوم بهذه المهمة".
[6] - عبارة مجازية يراد بها نـزع العصيان من النفوس، وغرس روح الطاعة فيها.
[7] - حقاً إن روح الله هو الذي بعث الحياة داخل الماء عند الخلق، فتكونت فيه الكائنات الحية. لكنه لم يمتزج بالماء أو يتحد به. فضلاً عن ذلك هناك فرق بين بعث الروح القدس للحياة أو الحركة في هذه الكائنات، والذي لم يكن يتطلب أكثر من الرفرفة الخارجية (تكوين 1: 2) وبين بعث الحياة الروحية في النفوس، والذي يتطلب سكنى الروح القدس فيها، حتى يتهيأ للتوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية.
[8] - وإذا الأمر كذلك، أدركنا أن غسل الأرجل الذي قام المسيح به لتلاميذه، هو إشارة إلى غسل القلوب مما يعلق بها من شر، وذلك بوضعها تحت تأثير كلمة الله الفعالة. والدليل على ذلك أن المسيح قال لبطرس "إن كنت لا أغسلك، فليس لك معي نصيب" (يوحنا 13: 8)، والذي يحرم المؤمن من أن يكون له نصيب مع المسيح، ليس عدم غسل رجليه، بل عدم نقاوة قلبه.
[9] - مما تجدر الإشارة إليه في هذه المناسبة أنه جاء في كتاب "الذيذباخي" الذي يرجع تاريخه إلى القرن الثاني (كما يقال): "أن المعمودية تكون في ماء حي (أو بالحري في ماء جار) فإن لم يكن عندك ماء حي، عمّد في ماء آخر. وإن لم تستطع في ماء بارد، ففي ماء دافئ. وإن لم يكن لديك كلاهما، فصبّ بعض الماء على الرأس ثلاثاً، باسم الآب والابن والروح القدس" (تاريخ الآباء في القرون الثلاثة الأولى ص51) ـ ولعل هذا هو السبب في أن بعض الطوائف المسيحية تعمّد في الوقت الحاضر بواسطة الرشّ، والحال أن القاعدة الكتابية هي النـزول في الماء والصعود منه.
[10] - ظن البعض أن هذه العبارة هي عن المعمودية، ولكنها في الواقع عن الولادة من الله، لأن هذه الولادة هي التي تترتب عليها النتائج المذكورة أعلاه.
- عدد الزيارات: 5475