دائرة كهنوت المسيح، والنتائج المترتبة عليه
أولاً-دائرة كهنوت المسيح
ذكرنا فيما سلف أن رؤساء كهنة اليهود كانوا يدخلون بدم ذبيحة الكفارة إلى قدس الأقداس الأرضي، لكن المسيح دخل بدم نفسه إلى الأقداس[1] السماوية. ومن ثم يكون له المجد قد نقل دائرة الخدمة الكهنوتية نهائياً من الأرض إلى السماء، والآيات التالية تؤكد لنا هذه الحقيقة الثمينة:
1-"وأما رأس الكلام (أو بالحري تاجه وأسماه)، فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا، قد جلس في يمين العظمة (ب) في السموات، خادماً للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان" (عبرانيين8: 1- 2).
2-"فإنه (أي المسيح) لو كان على الأرض، لما كان كاهناً، إذ يوجد (عليها) الكهنة الذين يقدمون قرابين حسب الناموس. الذين يخدمون شبه السماويات وظلها. كما أوحى إلى موسى وهو مزمع أن يصنع المسكن" (عبرانيين8: 4- 5). والأشياء التي في السموات روحية، أما التي أمر الله موسى بإقامتها فكانت مادية.
3-".. إن طريق الأقداس (السماوية) لم يظهر بعد (أي في العهد القديم) ما دام المسكن الأول (أو بالحري الهيكل اليهودي) له إقامة... أما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة، فبالمسكن الأعظم والأكمل، غير المصنوع بيد، أي الذي ليس من هذه الخليقة. وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه، دخل مرة واحدة إلى الأقداس (السماوية) فوجد فداء أبدياً (عبرانيين9: 8- 12).
4-"... فكان يلزم أن أمثلة الأشياء التي في السموات (أي أواني الهيكل اليهودي) تطهر بهذه" أي بدماء الذبائح الحيوانية. أما السموات عينها (فتطهر)[2]بذبائح (ج) أفضل من هذه. لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية بل إلى السماء عينها، ليظهر الآن أمام وجه الله (أو بالحري حضرته) لأجلنا" (عبرانيين9: 23- 24).
ثانياً- واجبنا إزاء كهنوت المسيح السماوي
1-ملاحظة المسيح أو بالحري الاتجاه إليه وحده:
قال الرسول "من ثم أيها الإخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية، لاحظوا رسول اعترافنا ورئيس كهنته[3]، المسيح يسوع، حال كونه أميناً للذي أقامه. كما كان موسى أيضاً في كل بيته" (عبرانيين3: 1- 2) وبالتأمل في هذه العبارة نرى:
(أ)-أن المؤمنين الحقيقيين أصبحوا، بفضل كفارة المسيح الدائمة الأثر قديسين (د) وشركاء الدعوة السماوية، أو بالحري مكرسين لله وكاملين أمامه، ومدعوين للوجود معه في أمجاده السماوية.
(ب)-أن اليهود كانوا يعتزون كل الاعتزاز بموسى وهرون. فالأول كان رسول الله، والثاني كان رئيس كهنته. لكن ربنا يسوع المسيح قام في إنسانيته مقام الاثنين معاً وبدرجة مطلقة. فهو الرسول[4]ورئيس الكهنة معاً. والرسول هو الذي يأتي ببركات الله إلى البشر، ورئيس الكهنة هو الذي يأتي بالبشر إلى الله في حالة القبول أمامه. ومن ثم إذا كان هناك رسل كثيرون فالمسيح هو الرسول. وإذا كان هناك رؤساء كهنة كثيرون، فهو وحده رئيس الكهنة. لأنه هو وحده الذي قام بهاتين المهمتين على أكمل وجه. ولذلك يجب أن نلاحظ أو بالحري أن نتجه إليه ونجعله قبلة أنظارنا ومحط آمالنا. وقول الوحي عن التلاميذ إنهم لم يروا أحداً إلا يسوع وحده (متى17: 8) هو توجيه سماوي لكي نكتفي بالمسيح. فكما أنه هو الفادي الوحيد (مزمور 34: 22)، والراعي الوحيد (يوحنا10: 11) والأسقف أو الناظر الوحيد (1بطرس2: 25)، والمعلم الوحيد (متى23: 8، 10) هو أيضاً رئيس المهنة الوحيد.
(ج)-لقد كان موسى أميناً لله، إذ كان على استعداد للتضحية بحياته من أجل شعبه (خروج32: 32). أما المسيح فضحى بحياته فعلاً. وضحى بها ليس لأجل شعب خاص، بل لأجل كل الشعوب دون استثناء، حاملاً في نفسه دينونة خطاياهم جميعاً (الأمر الذي لم يكن لموسى أو غير موسى أن يفعله)، وذلك لكي لا يهلك كل من يؤمن به إيماناً حقيقياً بل تكون له الحياة الأبدية (يوحنا3: 16). فضلاً عن ذلك فإن أمانة المسيح لله تجعله يحافظ على المؤمنين الحقيقيين بوصفهم عطية الآب له (يوحنا17: 6)، ومن ثم لا يمكن أن يهلك واحد منهم (يوحنا10: 28).
2-التمسك بالإقرار:
فقد قال الرسول: "فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات، يسوع ابن الله، فلنتمسك بالإقرار..." (عبرانيين4: 14)، وبالتأمل في هذه العبارة نرى:
(أ)-إن المسيح بوصفه رئيس كهنة، لا يأخذ مركز السيادة علينا (وإن كان له كل الحق في ذلك كما في أي موقف آخر)، بل يأخذ مركز الخدمة لنا. ولذلك لا يقول الرسول عن المسيح إنه رئيس كهنة علينا أو فوقنا، بل رئيس كهنة لنا، وذلك على نفس النسق الذي به هو المخلص لنا، والراعي لنا، والمعلم لنا. لأنه تبارك اسمه وسبق وقدس (أو بالحري خصص) نفسه لأجلنا (يوحنا17: 19).
(ب)-إن المسيح بوصفه رئيس كهنة، هو أسمى من هرون وغير هرون بما لايقاس، ولذلك فإن الوحي الإلهي يسجل لقبه مصحوباً بكلمة "عظيم". فهو عظيم في كهنوته وعظيم في فدائه، كما هو عظيم في ذاته، وعظيم في مكانته، وعظيم في خدماته، وعظيم في صبره وطول أناته، وعظيم في تواضعه، وعظيم في محبته ورحمته ووجوده، وكل شيء آخر.
(ج)-إن المسيح بوصفه رئيس كهنة، اجتاز ليس حجاباً لقدس أقداس أرضي، كما كان يفعل هرون، بل اجتاز السموات عينها ليمثلنا أمام الله على أساس كمال كفارته لأجلنا، وأيضاً على أساس كونه ابن الله صاحب السموات بأكملها. فقد غادرها له المجد بإرادته، ومن ثم كان له أن يعود إليها بإرادته أيضاً.
(د)-إن المسيح وهو الآن في المجد الأسنى لا يزال هو بعينه "يسوع"، الذي عرفناه على الأرض في وداعته وتواضعه، ومحبته وحنانه، واستعداده التام للخدمة في كل وقت من الأوقات. فالمجد السماوي لم يغير من صفاته (كما يغير الرقي الأرضي "مثلاً" من صفات الناس، بسبب كونه حادثاً بالنسبة إليهم) لأنه في ذاته رب المجد من الأزل إلى الأبد.
(هـ)-وطالما أن المسيح اجتاز السموات، يجب أن نتطلع إليه هناك، ونحن متمسكون كل التمسك به كرئيس الكهنة الوحيد لنا. لأن هذا التمسك فضلاً عن أنه يفتح المجال أمامنا للإفادة من خدماته الكهنوتية السابق ذكرها، فإنه يكرم شخصه ويمجده كثيراً، إذ يرى فيه أشخاصاً يثقون فيه ويعتمدون عليه.
3-التقدم بثقة إلى عرش النعمة:
فقد قال الرسول: "فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة، لكي ننال رحمة ونجد نعمة، عوناً في حينه" (عبرانيين4: 16)، وبالتأمل في هذه العبارة نرى:
(أ)-إن عرش الله بالنسبة لنا، ليس عرش القضاء والدينونة بل إنه، بفضل كفاية كفارة المسيح، هو عرش النعمة (أي المحبة والجود واللطف معاً) الأمر الذي يدعونا للتقدم إليه بكل ثقة واطمئنان. فقد قال الرسول عن المسيح "الذي به لنا جراءة وقدوم بإيمانه عن ثقة" (أفسس3: 12). كما قال لأن به، لنا كلينا[5]، قدوماً في روح واحد إلى الآب (أفسس2: 18).ومن ثم فإن اقترابنا إليه مباشرة ليس فيه ادّعاء من جانبنا- كما يتهمنا البعض- لأن كل نقص فينا، سواء أكان في الداخل أم في الخارج، قد كفر الله عنه وأنهاه من أمامه إلى الأبد، وذلك في الصليب.
وإذا كان الأمر كذلك، فليس هناك شيء في الوجود يستطيع أن يحرمنا من التمتع بالله، أو يدعونا للتردد في التقدم إليه، بل في ثوب البر الذي خلعه علينا المسيح، والذي هو أنقى وأبهى من ثوب هرون رئيس كهنة اليهود بما لا يقاس، لنا أن نتقدم إلى الله بثقة لم يكن يحلم بها رئيس الكهنة هذا. وهذه الثقة فضلاً عن أنها تمجد الله إذ يرى فيها تصديقاً لأقواله وتقديراً لها كما ذكرنا، فإنها تعود علينا بخير الجزاء. فقد قال الرسول: "لا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة" (عبرانيين10: 35).
(ب)-أما الغرض من تقدمنا إلى عرش النعمة، فهو لكي ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه- والرحمة هي التعضيد الذي نحتاج إليه في حالة الضعف أو التقصير. والنعمة هي المؤازرة التي نحتاج إليها بعد ذلك، لكي نظل راسخين وثابتين. والعون هو النجدة[6]التي نحتاج إليها عندما نمر في ضيقة ما. غير أن الله لا يمدنا بالرحمة والنعمة والعون دفعة واحدة في أول علاقتنا به، بل يعطينا كلا من هذه الإحسانات، في الوقت الذي يرانا في حاجة إليها، ذلك لكي نظل ناظرين إليه ومعتمدين عليه، لأنه لا يمكن أن تكون هناك بركة بالاستقلال عنه.
4-الدوافع التي تشجعنا على التقدم إلى الله:
قال الرسول: " فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً، بالحجاب أي جسده، وكاهن عظيم على بيت الله لنتقدم" (عبرانيين10: 19- 23)، وبالتأمل في هذه العبارة نرى:
(أ)-دم يسوع:
نظراً لأن دم ذبيحة الكفارة اليهودية لم يكن كافياً لنزع الخطية من أمام الله إلى الأبد، كان رؤساء كهنة اليهود يضعونه في عيد الكفارة مرة كل عام على غطاء التابوت[7]، وعلى هذا الأساس كانوا يستطيعون على الرغم من ضعفهم الذاتي أن يمثلوا وقتئذ أمامه تعالى في هذه المرة. أما دم المسيح فقد نزع الخطية من أمام الله إلى الأبد، ولم تعد بع حاجة إلى تقديمه لله مرة أخرى تحت أي شكل من الأشكال. ومن ثم أصبح للمؤمنين الحقيقيين، على الرغم مما فيهم من ضعف، امتياز الاقتراب من الله ليس مرة واحدة في السنة، كما كان يفعل رؤساء الكهنة في العهد القديم، بل في كل وقت من الأوقات.
كما أن هناك فرقاً هائلاً بين الحالة التي كان يتقدم بها رؤساء الكهنة المذكورين إلى قدس الأقداس الأرضي، وبين الحالة التي نتقدم بها نحن إلى عرش الله في السماء. فأولئك كانوا يتقدمون في رعب وخوف خشية أن يكونوا قد نسوا مراعاة طقس من الطقوس، فيلقوا حتفهم في الحال. أما نحن فنتقدم بكل ثقة حاملين معنا استحقاقات كفارة المسيح التي لا حد لها، والتي تستر كل ما ظهر واستتر من نقائصنا، بل وتخلع علينا أيضاً بر الله الذي لا مثيل له في الوجود[8].
(ب)-الطريق:
إن الطريق الذي يؤدي فعلاً وليس رمزاً إلى الله لم يكن معروفاً في العهد القديم، إذ أن الذي فتحه هو المسيح، وذلك بدخوله إلى الأقداس السماوية بعد إتمام كفارته الثمينة كما ذكرنا. وهذا الطريق حي أي لا يعتريه البلى والزوال (كما حدث للطريق الذي كان يؤدي إلى قدس الأقداس الأرضي)، بل يظل كما هو كل حين في كامل جدته. لأن دم المسيح الذي فتح هذا الطريق، وإن كان قد سفك منذ عشرين قرناً تقريباً، لكنه لا يزال بكل تأثيره وقوته، وسيبقى كذلك إلى أبد الآباد، إذ أن قيمته هي قيمة المسيح نفسه. وهذا الطريق حي أيضاً لأن المسيح الحي يهب الحياة لكل السالكين فيه، على النقيض من الطريق الذي كان يؤدي إلى قدس الأقداس الأرضي، فإن الذبائح الحيوانية لم تستطع أن تعطي حياة أبدية للذين كانوا يقتربون بها إلى الله.
(ج)-الحجاب المشقوق[9]:
لم يكن لهرون أن يرى قدس الأقداس في غير يوم الكفارة، لأنه كان هناك حجاب أمام هذا المكان. ولما كان الحجاب المذكور رمزاً لجسد المسيح (عبرانيين10: 20)، فقد انشق من أعلى إلى أسفل عندما دان الله الخطية في جسد المسيح على الصليب (رومية8: 3). ومن ثم لم يعد بعد هناك حجاب مادي أو معنوي بيننا وبين الله، الأمر الذي يفتح أمامنا المجال للدخول في كل حين إلى الأقداس السماوية بواسطة المسيح دون عائق أو مانع. لأن جسده الذي انشق (أو مات) قام به المسيح من الأموات. وهو له المجد حتى الآن في هذا الجسد في السماء كسابق لأجلنا، علامة على فتحه الطريق أمامنا، أو بالحري على أنه له المجد هو طريقنا المفتوح إليها.
(د)-الكاهن العظيم:
إن الدخول إلى الأقداس السماوية لا يتطلب فقط كفارة عن الخطية، وطريقاً حديثاً حياً، وحجاباً مشقوقاً أو منزوعاً، بل يتطلب أيضاً معونة ترقى بنفوسنا ونحن في جسد الضعف، حتى نستطيع التقابل بأرواحنا مع الله، وهنا يظهر المسيح الكاهن العظيم الذي يرثي لنا ويمد يده الكريمة للأخذ بناصرنا. فنستطيع في شخصه الكريم أن نتقابل مع الله أبينا، ونقدم له العبادة اللائقة بجلاله، وننال أيضاً منه ما نحن في حاجة إليه من تعضيد ومؤازرة.
5-شروط التقدم إلى الله:
"..لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير، ومغتسلة أجسادنا بماء نقي" (عبرانيين10: 22)- ومن هذه العبارة نرى:
(أ)-القلب الصادق:
أو بالحري القلب المخلص الذي يظهر ما يبطن. وهذا القلب هو الذي يدرك حق الإدراك حاجته الماسة إلى الله، ويسعى فعلاً للاقتراب منه والوجود في حضرته.
(ب)-يقين الإيمان:
هو الإيمان الذي لا يشوبه ريب أو شك من جهة القبول الكامل أمام الله في المسيح. وإيمان مثل هذا ضروري للتمتع بالله ونوال طلباتنا التي نرفعها له (عبرانيين11: 6).
(ج)-القلب المرشوش من ضمير شرير:
كلمة "الرش" مستعملة هنا بالمعنى المجازي، وهي مستعارة من رش دم الذبائح في العهد القديم (خروج24: 6- 8) وليس المقصود بهذه العبارة أننا لا نشعر بالخطية التي تصدر منا، أو أن ضمائرنا لا تبكتنا عليها، بل المقصود بها أننا نثق أن الله كفر عن خطايانا تماماً، ولذلك لا تعود تزعجنا بشرها ودينونتها. إذ على أساس هذا التكفير يزول الضمير الشرير أو ضمير الخطايا[10] (عبرانيين 10: 3)، ويحل محله ضمير صالح أو بالحري ضمير متيقن من غفران كل الخطايا بفضل دم المسيح الكريم (يوحنا5: 24، رومية8: 1).
(د)-الأجساد المغتسلة بماء نقي[11]:
"غسل الأجساد" مستعمل هنا بالمعنى المجازي أيضاً، فهو مستعار من غسل الكهنة لأجسادهم قبل الدخول إلى القدس الأرضي (خروج29: 4)، و "الماء النقي" يرمز إلى كلمة الله، لأنها هي التي توصف بالنقاء (أمثال30: 5)، كما أنها هي التي تزيل العيوب والنقائض (يوحنا15: 3، أفسس5: 26). وليس المراد بالأجساد هنا، الكيان المادي فينا وحده، بل حياتنا بأسرها[12]، لأن الكيان المادي هو مجرد غلاف لا قيمة له إزاء الجوهر الذي يحويه.
ومن ثم يكون المراد بالغسل هنا، وضع نفوسنا تحت تأثير كلمة الله لكي تقضي على كل زغل فيها، حتى نتهيأ روحياً للعبادة أمام الله، بعد ما أصبحنا من جهة مركزنا في المسيح، مقبولين أمامه كل القبول.
مما تقدم يتضح لنا أن خدمات ربنا يسوع المسيح الكهنوتية، وإن كانت قد منحتنا امتياز الدخول بالإيمان إلى حضرة الله، وأعدت لنا كل ما هو لازم لوجودنا هناك كاملين بحسب ما يتطلبه هذا الامتياز بالنسبة إلى قداسته تعالى، غير أن هذه الخدمات لا تدعونا للتهاون في سلوكنا، بل بالعكس تدعونا للتدقيق الكامل في حياتنا الباطنية وأعمالنا الخارجية معاً، لأنه له المجد لا يطيق الخطية حتى إذا صدرت في أبسط مظاهرها، من أحد المؤمنين الحقيقيين.
18-كان في الهيكل الأرضي قدس وقدس أقداس، أما السماء (حيث حضرة الله) فكلها أقداس، لأنه هناك مكان أقدس من مكان.
19-لإيضاح المقصود "بتطهير السموات" نقول: إن خطايانا، وإن كانت قد عملت على الأرض، لكن تأثيرها المخزي قد بلغ السماء، حيث حضرة الله. ولذلك كان من الواجب أن تطهر السموات من تأثير خطايانا إرضاء لعدالة الله وقداسته، قبل تمتعنا الفعلي بغفران خطايانا على الأرض.
20-المراد بهذه الكلمة كما يتضح من الآية الواردة بها، أنه كما أن المسيح هو رسول اعترافنا هو أيضاً رئيس كهنة اعترافنا، أو بالحري هو الشخص الوحيد الذي نعترف به رسولاً ورئيس كهنة. ولذلك فالقول (بأنه يستنتج من هذه الآية أنه في العهد الجديد يوجد كهنة رسميون بين المؤمنين، يكون المسيح رئيساً لهم) لا نصيب له من الصواب لأن الآية لا تقول عن المسيح إنه رئيس كهنتنا أو رئيس كهنتهم، بل رئيس كهنته، أي كهنة الاعتراف.
21-يدعى المسيح من الناحية الإنسانية "الرسول" لأنه هو الذي أعلن لنا مقاصد الله وأتى لنا ببركاته. ولكن مع ذلك هناك فروق جوهوية بينه وبين أي رسول من الرسل. فالمسيح هو الرسول، وهو أيضاً الرسالة، لأنه ذات "كلمة الله" كما أنه له المجد ولد من عذراء بقوة الروح القدس، وكان معصوماً عن الخطية كل العصمة كما أنه بعد موته بإرادته كفارة عن البشر، قام من بين الأموات، الأمر الذي لم يتوافر في أي رسول أو غير رسول.
22-أي المؤمنون الحقيقيون من اليهود والأمم على السواء.
23-كلمة "العون" يراد بها في الأصل الاستجابة السريعة للصراخ. فمن هذه الآية يتضح لنا أن الله وإن كان لمحبته الشديدة لنا، يستجيب لصلاتنا، غير أن الأمر يتطلب منا الإخلاص والثقة واللجاجة فيها، لأنه لكماله لا يرسل هباته إلا إلى النفوس المهيأة لها تماماً.
24-كان "الغطاء" هو الجزء العلوي من التابوت. وفي الوقت نفسه كان، مع تمثال الكروبين المثبتين فوقه، وحدة قائمة بذاتها ترمز إلى عرش الله. كما سيتضح من الباب التالي.
25-وطبعاً يجب ألا يغيب عنا أنه مع قبولنا أمام الله في المسيح، يجب أن تكون حياتنا الروحية بلا عيب، حتى نستطيع التمتع العملي بالله، كما سيتضح فيما يلي.
26-مما تجدر الإشارة إليه أن الأعمدة التي كان يعلق عليها هذا الحجاب (على النقيض من الأعمدة الأخرى التي كانت في خيمة الاجتماع) كانت مجردة من كل زينة، لأنها مع حجابها كانت رمزاً إلى المسيح كالمرفوض من العالم في مجيئه الأول (إشعياء53: 3، يوحنا1: 11).
27-مما تجدر الإشارة إليه إن الطبيعة العتيقة وإن كان من الممكن أن تختفي(كما تختفي الخطايا التي تصدر منها)، تحت تأثير الشركة المستمرة مع الرب، لكنها تظل قابعة في أعماق نفوسنا بكل فسادها. فيدب في نفوس بعض المؤمنين دبيب اليأس والفشل إذا شعروا يوماً بهذا الفساد. ولكن نظراً لأن الله دان هذه الطبيعة في الصليب (رومية8: 3)، لذلك يجب ألا ينزعج أحد المؤمنين الحقيقيين بسببها، أو يظن أنه لوجودها فيه لم يتحرر من ضمير الخطايا، كما يتضح لنا أعلاه.
28-إن ترتيب فقرات العبارة التي نحن بصددها، يدل على أن الرسول كان قد وضع أمامه عندما كتبها، العملين الرئيسين اللذين كان كهنة العهد القديم يقومون بهما عند الدخول إلى القدس، رمزاً لما يجب أن يقوم به المؤمنون في العهد الجديد (روحياً) قبل الصلاة. فإن هؤلاء الكهنة كانوا (أولاً) يمرون بمذبح المحرقة حيث الدم الذي يعلن لهم بصفة رمزية تكفير الله عن خطاياهم. وبعد ذلك كانوا يمرون بالمرحضة لكي يغتسلوا بمائها ما يكون قد علق بأقدامهم من أقذار، حتى يكونوا أطهاراً أيضاً من الناحية الرمزية.
29-فكلمة الأجساد هنا، مثل كلمة "الأجساد" الواردة في (رومية12: 1).
- عدد الزيارات: 4216