Skip to main content

نشأة الكهنوت

الباب الثاني: نشأة الكهنوت وكهنوت المسيح الخاص

1-لما كان الغرض من تقديم الذبائح (التي أشرنا إليها في الباب السابق) هو التقرب إلى الله والحصول على غفرانه ورضاه، لذلك كان الذين يقدمونها يدعون كهنة. ومن ثم فإن الكهنوت قديم قدم الإنسان، لأن هابيل ونوح وابراهيم واسحق ويعقوب وأيوب كانوا يقدمون الذبائح لله كما ذكرنا. وبالإضافة على ذلك، كان هناك كاهن في أيام ابراهيم، يقدمه الكتاب المقدس كشخص فريد من نوعه، يدعى ملكي صادق (تكوين14)- ويعرف كهنوت هؤلاء جميعاً بـ "كهنوت البطاركة"، أو الآباء القدامى.

2-ونظراً لأن رؤساء العائلات هم الذين كانوا يقومون بعدهم بذبيحة الفصح التي أشرنا إليها فيما سلف (خروج12)، لذلك يعرف كهنوت هؤلاء بـ "كهنوت رؤساء العائلات".

3-وبعد فترة من الزمن اتسعت دائرة الكهنوت، وأصبح لكل الفتيان أيضاً امتياز تقديم الذبائح لله (خروج24: 4- 8). ولذلك أصبح الكهنوت يعرف باسم "الكهنوت القومي العام". وقد أشار الله إليه في قوله لبني إسرائيل "إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي، تكونون لي خاصة من جميع الشعوب... وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة" (خروج19: 6) لكن لأنهم لم يسمعوا لصوت الله ولم يحفظوا عهده، سقط حقهم في الكهنوت المذكور. ومن ثم انقطعت علاقتهم مع الله، وأصبحوا عاجزين عن الدنو منه.

4-ومن الناحية الأخرى بما أن الله كان قد وعدهم بأن يكون معهم (لأنهم دون غيرهم من الشعوب القديمة، كانوا يؤمنون به)، وبما أن وجوده معهم كان يتطلب وجودهم في حالة القداسة اللائقة به، وهذا ما كان يتعذر عليهم بلوغه، لذلك فرحمة بهم أقام من بينهم من يمثلونهم وينوبون عنهم بصفة رمزية أمامه. فاختار هرون وأولاده لهذه المهمة، ومن ثم كان هؤلاء، دون غيرهم، هم الذين يكهنون له (خروج28: 1- 43) ولكي يشغلوا هذا المركز بحالة مرضية أمامه، هيأهم تعالى بمراسيم معينة، كما أوصاهم بالقيام بأعمال خاصة- ولذلك صاروا هم الذين يملأون الفراغ بين الله وباقي اليهود، إذ كانوا يتقدمون بالذبائح إليه عن أنفسهم وعن غيرهم أيضاً. وبذلك كانوا هم الذين يحولون بين الله ونزول قضائه العاجل على العصاة منهم (عدد16: 48).

وقد أشار بولس الرسول إلى عمل هرون، ورؤساء الكهنة الذين خلفوه في مركزه، فقال: "وكان كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس، يقام لأجل الناس (أي للنيابة عنهم) في ما لله، لكي يقدم قرابين وذبائح عن الخطايا..." (عبرانيين5: 1و 2).

إنما نظراً لأن الذبائح الحيوانية التي كانت تقدم لله لم تكن كافية في ذاتها للتكفير عن الخطايا، كما أن الكهنة جميعاً كانوا خطاة مثل غيرهم من الناس، والخطاة لا يستطيعون في ذواتهم أن يقتربوا إلى الله أو يقرّبوا أحداً إليه، لذلك لم تكن ذبائحهم إلا ذبائح رمزية، ولم يكن كهنوتهم إلا كهنوتاً رمزياً أيضاً. والأمور الرمزية هي أمور وقتية، إذ أنها تشير إلى أمور حقيقية، فإذا جاءت هذه بطلت تلك- ومن ثم إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس، نرى أن الله كان قد قصد منذ الأزل أن يكون المسيح هو وحده الذبيحة الكفارية (1بطرس1: 19- 20) كما قصد أن يكون هو وحده الكاهن الذي يقرّب المؤمنين الحقيقيين إليه (عبرانيين7: 21)، لأنه بموته الكفاري على الصليب، استطاع أن يوفي كل مطالب عدالة الله من جهة هؤلاء المؤمنين. وبعمله الروحي في نفوسهم استطاع أن يجعلهم أيضاً مهيئين للتوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية، كما ذكرنا فيما سلف.

  • عدد الزيارات: 6238