البركات المترتبة على كفارة المسيح
إن هذه البركات لا يمكن الإحاطة بقدرها، لأنها عظيمة بسبب عظمة المسيح له المجد. ولذلك نكتفي بالقول إن البركات المذكورة نوعان: بركات خارجية وبركات باطنية. والأولى يرانا الله حاصلين عليها بفضل كفارة المسيح الذي آمنا به إيماناً حقيقياً، بغض النظر عما فينا من ضعف ونقص. أما الثانية فمرتبطة بكياننا الباطني، لأنها تؤثر على نفوسنا في الداخل تأثيراً يسمو بها إلى حالة التوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية، كما يتضح مما يلي:
أولاً- البركات الخارجية
1-الغفران:
فقد قام الرسول "فليكن معلوماً عندكم أيها الأخوة، أنه بهذا (أي بالمسيح) ينادي لكم بغفران الخطايا" (أعمال13: 38). وقال أيضاً "حتى ينالوا (أي المؤمنون الحقيقيون) بالإيمان بالمسيح، غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين" (أعمال26: 18). وأيضاً إن كل من يؤمن به (إيماناً حقيقياً) ينال باسمه غفران الخطايا (أعمال10: 43). كما قال للمؤمنين الحقيقيين "قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه" (1يوحنا2: 12)- والله عندما يصفح عن الخطايا لا يذكرها على الإطلاق، فتصبح كأنها لم تقترف أبداً، فقد قال "أصفح عن إثمهم، ولا أذكر[1] خطيتهم فيما بعد" (إرميا31: 31- 34)[2].
2-التبرير:
لا يراد بالتبرير الصفح فقط عن خطايا المؤمنين الحقيقيين، بل واعتبارهم أيضاً أبراراً (أو بالحري كأنهم لم يخطئوا على الإطلاق، وفي الوقت نفسه عملوا كل البر الذي يريده الله)، وذلك بناء على قيامة المسيح من بين الأموات، لأنه بقيامته هذه أقام المؤمنين الحقيقيين لارتباطهم بشخصه المبارك كل الارتباط (أفسس2: 6).
فقد قال الرسول عنه "الذي أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا" (رومية4: 25). وقال للمؤمنين الحقيقيين "متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح" (رومية3: 24). كما قال لهم "..لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1كورنثوس6: 11).
3-الصلح والسلام مع الله:
فقد قال الرسول للمؤمنين الحقيقيين "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رومية5: 1). وقال أيضاً "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح" (2كورنثوس55: 19- 21) وأيضاً: إن الله "صالح الكل لنفسه بالمسيح عاملاً الصلح بدم صليبه بواسطته" (كولوسي1: 20).
4-عدم الهلاك أو النجاة من الدينونة الأبدية:
إن الناس بصفة عامة يخشون يوم الدينونة (إشعياء33: 14). لكن بفضل كفارة المسيح أصبح المؤمنون الحقيقيون لا يخشون هذا اليوم. فقد قال المسيح "من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني، فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة. بل قد انتقل من الموت إلى الحياة" (يوحنا5: 24). كما قال عن نفوس هؤلاء المؤمنين "وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي[3]" (يوحنا10: 28). وقال بطرس الرسول عنهم "إنهم بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص[4] مستعد أن يعلن في الزمان الأخير" (1بطرس1: 5). وقال بولس الرسول "إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح[5] (رومية8: 1).
ثانياً-البركات الباطنية
1-الولادة الجديدة:
هذه الولادة ليست (كما يقول بعض المسيحيين) إصلاح الطبيعة البشرية العتيقة بالصوم والصلاة والعمل بالوعظ (على فرض أنها تصلح بهذه الوسائل)، أو هي بدء صفحة جديدة في الحياة بواسطة التوبة عن الخطية ومحاولة الابتعاد عنها، أو هي قبول المعمودية والتناول من العشاء الرباني بانتظام، أو هي الانضمام إلى كنيسة ما ومزاولة بعض النشاط الديني فيها، أو هي دراسة الكتب الروحية والسعي للعمل بما جاء بها (وإن كانت هذه كلها أمور طيبة في حد ذاتها) بل إنها (أي الولادة الجديدة) هي حصول الإنسان الحقيقي بالمسيح، على حياة روحية من الله تهيؤه للتوافق معه في صفاته الأدبية السامية[6]، وذلك بتأثير روح الله وكلمته في نفسه.
وقد أشار الرسل إلى الولادة المذكورة فقالوا: "كل من يؤمن (إيماناً حقيقياً) أن يسوع هو المسيح، فقد ولد من الله" (1يوحنا5: 1). وأن "الله ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات" (1بطرس1: 3). وأنه شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه: (يعقوب1: 18). وأن المؤمنين الحقيقيين ولدوا لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد" (1بطرس1: 23). وأن الله وهبهم كل ما هو للحياة والتقوى، لكي يصيروا شركاء الطبيعة الإلهية (الأدبية) هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة (2بطرس1: 3- 4) كما أشار المسيح إلى هذه الولادة من قبل فقال: "ينبغي أن تولدوا من فوق... المولود من الروح هو روح[7](يوحنا3: 6). كما قال عن المؤمنين الحقيقيين إنهم ولدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله (يوحنا1: 13)[8].
2-البنوة الروحية لله:
نظراً لأن المؤمنين الحقيقيين ولدوا من الله ولادة روحية، لذلك صاروا في جوهرهم أبناء وأولاداً له. فقد قال الرسول لهم: "بما أنكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً (أو هاتفاً) يا أبا[9] الآب" (غلاطية4: 6). وأيضاً "أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب، الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله" (رومية8: 15- 16). وأيضاً "انظروا أية محبة أعطانا الآب، حتى ندعى أولاد الله" (1يوحنا3: 1). وأيضاً "فلستم بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله" (أفسس 2: 19).
3-الحصول على الروح القدس:
فقد قال الرسول للمؤمنين: "إذ آمنتم، ختمتم بروح الموعد القدوس" (أفسس1: 13). و "إنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كورنثوس3: 16). وأن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله" (1كورنثوس 6: 19). وبخضوع المؤمنين للروح القدس يميت فيهم شهوات الجسد الباطلة (رومية8: 13). ويهيئهم لتقديم الصلاة التي تتوافق مع مشيئة الله (رومية8: 26- 27). كما يأخذنا مما للمسيح ويخبرهم (يوحنا14: 26، 1يوحنا2: 27، 1كورنثوس2: 6- 16).
4-الحصول على الحياة الأبدية:
وهذه الحياة ليست فقط هي التمتع بالله بعد الانتقال من العالم الحاضر كما يظن بعض الناس، بل إنها أيضاً الحياة الروحية التي يهبها الله للمؤمنين الحقيقيين عند ولادتهم الروحية منه بواسطة روح الله وكلمته كما ذكرنا فيما سلف، وبها يستطيعون التوافق معه في صفاته الأدبية السامية في العالم الحاضر والآتي معاً. فقد قال المسيح إن من يسمع كلامه ويؤمن بالذي أرسله، فله (الآن) حياة أبدية (يوحنا5: 24). وقال الرسول إن الله أعطانا (الآن) حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن، فله[10](الآن) الحياة... (1يوحنا5: 11- 12). ومن ثم فإنهم بانتقالهم من هذا العالم، لا يمرون في أطوار مختلفة حتى يتهيئوا للوجود في السماء (كما يقول بعض الناس)، بل إنهم ينتقلون إلى السماء مباشرة وفي كيانهم الحياة الروحية التي تتوافق مع السماء.
5-"إن عدم ذكر الله لخطايا المؤمنين الحقيقيين" ليس معناه أن الله ينساها، لأنه تعالى لا ينسى أبداً، بل معناه أنه لا يذكرها بعد كخطايا تستحق القصاص.
6-وهذا على النقيض مما نفعله نحن أيضاً في بعض الأحيان، فإننا إذا صفحنا مرة عمن يسيء إلينا، قد لا ننسى إساءته، ومن ثم تظل بأذهاننا تبعث إلينا من وقت لآخر بالنفور والاشمئزاز منه.
7-فصيانة المؤمنين الحقيقيين من الهلاك، لا ترجع إذاً إلى الأعمال التي تدعى الصالحة (وإن كانت هذه واجبة)، بل إلى تعهد المسيح بحراستهم والمحافظة عليهم بنفسه، وهو له المجد لا يمكن أن يتنكر لأي عهد من عهوده.
8-الخلاص الذي نتوقعه يراد به الخلاص من الطبيعة العتيقة، بواسطة تغيير أجسادنا إلى صورة جسد المسيح الممجد (فيليبي3: 21) الذي يتلاءم مع الوجود في السماء- أما الخلاص من الدينونة الأبدية، فقد أصبح ملكاً لنا بمجرد إيماننا بالمسيح إيماناً حقيقياً كما ذكرنا.
9-عبارة "السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح"، ليست شرطاً للنجاة من الدينونة (لأن شرط النجاة منها هو الإيمان الحقيقي بالمسيح)، بل إنها صفة للمؤمنين الحقيقيين، إذ أن هؤلاء يسكن فيهم روح الله (1كورنثوس6: 19)، ومفروض فيهم أنهم ينقادون به في حياتهم (رومية8: 14).
10-هذا مع العلم بأنه بالحصول على هذه الطبيعة لا تزول الطبيعة العتيقة، بل تبقى كما هي بكل ميولها. ومن ثم توجد في المؤمنين الحقيقيين طبيعتان مختلفتان. وهذا ما دعا الرسول إلى مخاطبتهم بالقول "اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد. لأن الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر..." (غلاطية5: 16).
11-تحدثنا بالتفصيل عن الفرق بين الولادة الثانية وبين المعمودية، في كتاب "الخلاص بين الوحي والمفاهيم البشرية"، فليرجع إليه القارئ إذا أراد.
12-الولادة من دم هي الولادة من جنس ما. والولادة من مشيئة جسد هي محاولة الإنسان في أن يكون ابناً لله، بمجهود الجسدي. والولادة من مشيئة رجل هي رغبة إنسان في جعل أبنائه أولاداً لله.
13-"أباً" كلمة سريانية معناه الآب. ونظراً لشيوع استعمالها في العصر المسيحي، سجلت كما هي وسجل بعدها معناها باللغة المترجم إليها الكتاب المقدس. ولذلك فإن هذه الآية تقرأ فقط: "صارخاً: أيها الآب".
14-ففعل الكينونة غير الظاهر (في اللغة العربية) في هذه الآيات، ليس في الأصل مستقبلاً "ستكون"، بل مضارعاً "تكون". ومن ثم فإن من لا يحصل على هذه الحياة في العالم الحاضر، لا يكون أمامه مجال للتمتع بالله في البداية، مهما صلى الناس لأجله، أو قدموا صدقات باسمه، لأنه ليس هناك مجال للتوبة أو تغيير المصير بعد الانتقال إلى العالم الآخر (لوقا16: 26).
- عدد الزيارات: 4567