الأدلة على كفاية كفارة المسيح
بما أن نفس المسيح، لاتحادها بلاهوته اتحاداً مطلقاً (كما ذكرنا بالتفصيل في كتاب: الله وكيفية إعلانه عن ذاته، (هي أثمن من نفوس البشر جميعاً بدرجة لا حد لها، لذلك فهي كافية للتكفير عنهم، حتى لو تضاعفت عددهم مرات كثيرة. ولأهمية هذه الحقيقة، نذكر فيما يلي بعض الأدلة الكتابية عليها.
1-شهادة المسيح:
(أ)-كان المسيح قد قال قبل الفداء الذي تممه على الصليب: "لأنه هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا3: 16)- والتمتع بهذه الحياة بواسطة الإيمان الحقيقي فحسب، دليل على كفاية كفارة المسيح فيفاء كل مطالب عدالة الله وقداسته.
(ب)-وعندما كان له المجد معلقاً على الصليب، قال للص (الذي ندم على خطاياه ولجأ إليه مؤمناً بشخصه إيماناً حقيقياً): "اليوم تكون معي في الفردوس" (لوقا23: 43)- ونظراً لأن هذا اللص كان يستحق العذاب الأبدي بسبب جرائمه، وأن مجرد ندمه لارتكابها لم يكن يؤهله للحصول على الغفران أو التوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية. لذلك فتمتعه بالله في الفردوس إلى الأبد بناء على إيمانه الحقيقي بالمسيح، دليل على كفاية كفارة المسيح للخلاص من الخطية ونتائجها.
(ج)-فضلاً عن ذلك، فإن آخر عبارة قالها المسيح قبل موته على الصليب هي: "قد أكمل" (يوحنا19: 30)- وهناك فرق بين الانتهاء من عمل وبين إكماله. فالانتهاء من العمل معناه الفراغ منه بإتمامه أو بغير إتمامه، أما إكماله فمعناه إتمامه عن آخره. ولذلك فالمسيح بقوله "قد أكمل"، أعلن أنه لم ينته من عمل الكفارة فحسب، بل وأكمله أيضاً إلى التمام.
2-شهادة الرسل:
(أ)-قال بطرس الرسول عن المسيح إنه "حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة" (1بطرس2: 24). وقال أيضاً "فإن المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى الله مماتاً في الجسد ولكن محيي في الروح" (1بطرس3: 18).
(ب)وقال كاتب الرسالة إلى العبرانيين عن المسيح إنه ذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد (عبرانيين2: 9). وقال بولس الرسول للمؤمنين "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (أفسس2: 8- 9). وقال لهم أيضاً "متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه" (رومية3: 24، 25).
(ج)-وقال يوحنا الرسول "دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" والمسيح "كفارة خطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايانا كل العالم أيضاً" (1يوحنا1: 7، 2: 2).
وكل آية من هذه الآيات تدل على كفاية كفارة المسيح لكل المؤمنين الحقيقيين في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن الأعمال التي يدعونها الصالحة سواء أكانت كثيرة أم قليلة.
3-شهادة الأحداث المنظورة:
(أ)-انشقاق حجاب الهيكل: عندما قال المسيح "قد أكمل"، انشق حجاب الهيكل من فوق إلى أسفل (لوقا23: 45)- وطبعاً ما كان لينشق (أو بالحري ما كان الله ليشقه) في هذه اللحظة لولا أن كفارة المسيح قد وفت كل مطالب عدالته تعالى. لأنه بشقه للحجاب المذكور كأنه يقول للناس: لقد كفر المسيح عن خطاياكم تكفيراً تاماً ولذلك فتحت لكم بابي على مصراعيه، فهلّموا إليَّ لكي تتمتعوا بالوجود في حضرتي دون عائق أو مانع.
(ب)-قيامة المسيح من الأموات: لو أن المسيح ظل ميتاً في قبره، لكان هناك مجال للطعن في كماله، بدعوى أنه له المجد لا يفرق شيئاً عن باقي الناس الذين يسود عليهم الموت بسبب خطاياهم. ولكان هناك أيضاً مجال للطعن في كفاية فديته التي نادى بها، بدعوى عدم إيفائها لكل مطالب عدالة الله. لكن قيامته من بين الأموات (يوحنا20و 21)، لم تدع مجالاً لهذا الطعن أو ذاك.
(ج)-خراب الهيكل اليهودي: فهذا الهيكل العظيم الذي كان قد أمر بتقديم الذبائح فيه كل يوم للحصول على عفوه ورضوانه، لم يبق له أثر بعد ارتفاع المسيح على السماء بسنوات، إذ اقبل عليه تيطس القائد الروماني سنة 70م وأحرقه، فهبط إلى الأرض من عليائه تحقيقاً لقول المسيح عنه فيما سلف، إنه لا يترك فيه حجر على حجر لا ينقض (متى24: 2) الأمر الذي يدل على أن ذبائحهم كانت مجرد رموز إلى كفارة المسيح، وبالتبعية يدل على أن كفارة المسيح هي الكفارة الحقيقية التي يدوم تأثيرها إلى الأبد.
- عدد الزيارات: 5224