مشيئة الله وخلاص البشر
إن الله الذي أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية، لا يمكن أن يقسو على بعض الناس ويسمح بطرحهم في جهنم دون سبب ما. ومن ثم فالقول [بأن الخلاص يتوقف على مشيئة الله واختياره، وليس على إيمان الناس أو أعمالهم]، لا نصيب له من الصواب. وفيما يلى الحجج التي يعتمد عليها أصحاب هذا القول مصحوبة بالرد عليها:
1. [قال بولس الرسول عن الله إنه "كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، إذ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مشيئته" (أفسس 1: 4-5) وقال أيضاً "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابنهِ" (رومية 8: 29)، وقال بطرس الرسول عن المؤمنين إنهم "مُخْتَارِينَ بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآب السَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (ابطرس 1: 2)، ولذلك فكل عمل يقوم به الناس للحصول على الخلاص لا يجدي، إلا إذا كان الله قد اختارهم من قبل لهذا الخلاص].
الرد: وإن كان الوحي يعلن لنا أن الله قد اختار المؤمنين الحقيقيين للخلاص، لكنه يعلن من الناحية الأخرى أن المسيح قال لجميع الناس "تَعَالَوْا إِلَيَّ يا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" (متى 11: 5) 123
كما قال لهم "مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجاً" (يوحنا 9: 37) وإنه خاطب أورشليم مرة بالقول "كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أن أَجْمَعَ أولادكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا" (متى 23: 37)، كما أعلن أن الله "إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ, بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا" (حزقيال 33: 11)، وأنه "يُرِيدُ أن جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإلى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (اتيموثاوس 2: 4).
وبمقابلة هذه الآيات مع الآيات الواردة في حجة المعترضين، يتضح أن الله وإن كان قد اختار المؤمنين الحقيقيين للخلاص، غير أنه لا يأتي بهم إليه رغماً عنهم بل بإرادتهم، الأمر الذي يدل على أن هناك علاقة مباشرة بين اختيار الله الأزلي لهم، وبين إيمانهم وطاعتهم له في الزمن الحاضر. لذلك وإن كنا لا نعرف كل شيء عن الاختيار الأزلي لسمو أفكار الله عن أفكارنا (رومية 11: 33)، لكن يمكننا أن نقول بكل يقين أن هذا الاختيار لا يقوم عقبة أمام أي إنسان في سبيل التوبة والإيمان الحقيقي، لأن الاختيار ليس إلا مظهراً من مظاهر نعمة الله الذي يؤكد للراغبين في الإتيان إليه بإخلاص، بأنهم معروفون لديه منذ الأزل، وأنه عينهم من هذا الوقت (إن جاز أن يسمى الأزل وقتاً) للخلاص والحياة معه إلى الأبد.
(ب) لذلك فكل خاطىء يضع في قلبه أن يتوب عن خطاياه ويقبل إلى المسيح، سوف يرى أن الله يعضده ويساعده ويبعث إلى نفسه بكل رجاء وأمل. وسوف يعلم في النهاية (إن كان يؤمن إيماناً حقيقياً) أن الفضل في خلاصه لا يرجع إلى وجود صلاح فيه أكثر من غيره من الناس، بل إلى نعمة الله التي أنقذته. أما الذي يظل في خطاياه ويقول (إن كان الله قد اختارني، فلابد أنه سيأتي بي أنه رغماً عني في يوم من الأيام)، وهكذا يظل عائشاً في خطاياه، ففضلاً عن أنه يبني اعتقاده على غير أساس، فإن قوله هذا دليل على أنه يصر على البقاء في الخطية، وبالتالي على أنه غير أهل للخلاص منها، لأن الله لا يخلص أحداً من الخطية رغما عنه. إذ أنه خلق الإنسان بإرادة حرة لكي يكون مسئولاً عن قبول الخلاص أو رفضه.
ولذلك فكل من يحتج بالاختيار الأزلي ولا يسلم حياته للمسيح، لا يمكن أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، وليس هذا فحسب بل وتتدهو حالته كثيراً، ويكون مثله مثل الجائع الذي يقول: إذا أراد الله أن يطعمني، فإنه يرسل إلي الغذاء الذي أحتاجه، دون أن أعمل أو أشقى، ومن ثم فإنه يظل في جوعه حتى يموت، محكوماً عليه من نفسه بأنه لا يستحق الحياة.
مما تقدم يتضح لنا أن المسيح يعرض نفسه على جميع الناس، والناس لهم أن يقبلوه ولهم أن يرفضوه. فإن قبله واحد منهم بالإيمان الحقيقي يصبح للتو ابناً لله له حياة أبدية معه. وإن رفضه آخر أو آمن به إيماناً اسمياً، يظل في خطاياه ويجلب علىنفسه شقاء أبدياً وبئس المصير.
2. [إن كان الخلاص يقدم لجميع الناس دون استثناء، فلماذا قال الوحي عن عيسو ويعقوب قبل ولادتهما "إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ" (رومية 9: 11)].
الرد: (أ) إن استعباد عيسو ليعقوب، أو بالحري صيرورته أصغر منه مقاماً أمر متعلق بالزمن الحاضر وليس بالأبدية (تكوين 27: 28- 29)، لأنه ليس هناك في الأبدية مجال لاستعباد أحد للآخر. ولذلك لا يراد بالآية التي نحن بصددها أن الله أنعم بالخلاص الأبدي على يعقوب دون عيسو، بل أنه أعطى الميراث الأرضى للأول دون الثاني. ويرجع السبب في ذلك (كما يتضح من الكتاب المقدس) إلى أن الله كان يعلم منذ البدء أن عيسو سيكون مستبيحاً (تكوين 25: 29- 34)، أما يعقوب فسيكون حريصاً (تكوين 27: 25- 29)، والحريص أولى بالميراث من المستبيح.
(ب) كما أنه بدراسة الاصحاح الوادرة فيه هذه الآية، يتضح لنا أن الله قصد بهذا التصرف الذي لا يؤثر على عيسو من جهة الأبدية في قليل أو كثير، مثالاً يعلن به للبشر مبدأ معاملته معهم من جهة الخلاص الأبدي، حتى لا يدعي بعض الناس أن لهم الأولوية على غيرهم من جهته، لكونهم (مثلاً) أكبر أو أقوى منهم، بل أن يعتمدوا جميعاً على نعمة الله التي تشمل كبيرهم وصغيرهم سواء بسواء، طالما يتوافر فيهم الإيمان الحقيقي. لأن الله لا يحب شخصاً لانه كبير في عيني نفسه أو أعين الناس، ولا يحتقر آخر لأنه صغير في عيني نفسه أو أعين الناس، بل يحب الجميع ويدعو الجميع دون استثناء. وقد وجه الرسول أنظار اليهود بصفة خاصة إلى هذه الحقيقة، حتى لا يعتمدوا على الادعاء بـأن لـهم (بسبب نسبتهم إلى إبراهيم، أو بسبب إيمانهم بالله قبل باقى الامم) الأفضلية على سواهم، بل يعلموا أنهم مع كل الامم على قدم المساواة أمام الله إذ أنهم خطاة مثلهم وفى حاجة إلى نعمته ورحمته مثلهم.
3. [إن الله نفسه قال "أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ" (رومية 9: 13) الأمر الذي يدل على أن خلاص بعض الناس وهلاك البعض الآخر، يتوقف أولاً وأخيراً على مشيئة الله وحدها].
الرد: (أ) لما كبر عيسو ويعقوب، انحرف كل منهما في سلوكه عن الله: فالأول احتقر البكورية وازدراها. والثانى خدع أباه كما خدع حماه. وبناء على عملهما كانا لا يستحقان معاً محبة من الله أو عطفاً. ولكن الله أحب يعقوب الصغير (أي عامله بالرحمة) وأبغض عيسو الكبير (أي عامله بالعدل)[1]، ولا اعتراض على معاملة الله لأي منهما على الاطلاق، لأن الله كما يتصف بالرحمة يتصف بالعدل أيضاً. فضلاً عن ذلك فقد عامل يعقوب بالرحمة لأن يعقوب كان يشعر أنه إنسان ضعيف في مسيس الحاجة إلى رعاية الله (تكوين 22: 1-12)، وعامل عيسوبالعدل لأن عيسوكان يعتز بقوته ويفخر بها كثيراً (تكوين 27: 41)، وتصرف الله هذا يتوافق مع حكمته وكماله كل التوافق.
(ب) أما الاعتراض [لماذا لم يرحم الله عيسوكما رحم يعقوب؟]. فليس له مجال على الإطلاق، لأن الله لا يعمل عملا إلا وله مبرراًته التي لا يستطيع أمامها كائن أن يعترض أو يحتج (رومية 3: 19) فعيسو احتقر البكورية وامتيازاتها الطيبة التي آلت إليه مجاناً، كما كان (وهو إنسان لا حول له ولا طول) يعتز بقوته وبطشه اعتزازاً كبيراً، لذلك لا يكون أهلاً لأن يعامله الله بالنعمة المجانية، لأن من شأن هذه النعمة أنها لا تتجه إلا للذين يشعرون بحاجتهم الماسة إليها، هذا مع العلم بأن الذي يعترض بالاعتراض المذكور لا يشفق على عيسو بل يشفق على نفسه هو. إذ يريد مع حياة الإباحة التي يحياها، أن ينال من الله رحمة ولطفاً. لكن لن تجدي عليه المماحكة في الكلام خيراً، لأنه أن لم يتب عن خطاياه ويقدر نعمة الله الغنية ويؤمن بالمسيح إيماناً حقيقياً، فإنه يهيء نفسه للشقاء الأبدي، إذ أن الله لا يشمخ عليه، فما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً (غلاطية 6: 7).
4. [إن الله قال "إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ وَأَتَرَأَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَأَفُ" (رومية 9: 15)، وهذا دليل على أن الإنسان ليس له يد في الحصول على رحمة الله وخلاصه].
الرد: إن الله لا يقول إنه يرحم من يرحم ويظلم من يظلم، بل يقول إنه "يرْحَمُ مَنْ يرْحَمُ وَيَتَرَأَفُ عَلَى مَنْ يَتَرَأَفُ "ولذلك لا يجوز أن يتخذ أحد هذا القول، دليلاً على أنه تعالى ظالم أو متعسف. إذ أنه بإعلانه عن رحمته ورأفته، يعلن للبشر أنه لا يعاملهم على أساس سلوكهم وتصرفاتهم بل على أساس رحمته ورأفته، الأمر الذي يفتح المجال للخلاص أمامهم جميعاً، إذا تابوا والتجأوا إليه بالإيمان الحقيقي.
5. [قال الرسول "فَإذاً لَيْسَ لِمَنْ يَشَاءُ وَلاَ لِمَنْ يَسْعَى بَلْ لِلَّهِ الَّذِي يَرْحَمُ" (رومية 9: 16)، وهذا دليل على أن سعي الإنسان نحو الخلاص لا يجدي عليه نفعاً، وأن مصيره الأبدي متعلق بقضاء الله دون سواه].
الرد: بالتأمل في هذه الآية مع الآيات السابقة واللاحقة لها، يتضح لنا أنه لا يراد بها أن الله لا يعطي الخلاص للذين يسعون إليه بالتوبة والإيمان الحقيقي، بل أنه لا يعطيه للذين يسعون إليه بالبر الذاتي، كما كان اليهود يفعلون من قبل.
فقد قال الرسول بعد هذه الآية مباشرة "إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا فِي أَثَرِ الْبِرِّ أَدْرَكُوا الْبِرَّ - الْبِرَّ الَّذِي بِالإيمان. وَلَكِنَّ إسرائيل وَهو يَسْعَى فِي أَثَرِ نَامُوسِ الْبِرِّ لَمْ يُدْرِكْ نَامُوسَ الْبِرِّ! لِماذا؟ لأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِالإيمان بَلْ كَأَنَّهُ بِأعمال النَّامُوسِ" (رومية 9: 30)
6. [إن الله قال لفرعون "إِنِّي لِهَذَا بِعَيْنِهِ أَقَمْتُكَ لكي أُظْهِرَ فِيكَ قُوَّتِي" وقد فسر بولس الرسول هذه العبارة فقـال "فَإذاً هو يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ" (رومية 9: 18- 19)، وهذا دليل على أن الله هو الذي يقسي قلوب بعض الناس، وبالتالي هو الذي يحرمهم من الخلاص].
الرد: إن الله كان قد أعلن عن ذاته لفرعون بمعجزات متعددة، لكن فرعون أصر على عدم الإيمان به، ومن ثم قسى الله قلبه أو بالحري تركه لقساوته[2] الطبيعية. والله بتصرفه هذا، لم يظلم فرعون على الاطلاق، لأن فرعون استغل حلم الله وطول أناته في المعاندة والمقاومة، ومن ثم حق لله أن يعامله بالمعاملة التي تليق به، أو بالحري أن يتركه وشأنه ليحصد نتائج عصيانه، وهذه هي معاملة الله ليس مع فرعون فحسب، بل وأيضاً مع كل الذين يأبون الإصغاء لصوته. فمثلاً قال الرسول عن الرومان الذين كانوا يدعون الحكمة وهم فجار وعبدة للأوثان "وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أن يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إلى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ" (رومية 1: 28) وهذه المعاملة معاملة عاجلة لأن الذين لا يستثمرون عقولهم التي أعطاها الله لهم في التعرف عليه والسير في سبيله، يستحقون أن يتركهم الله في الجهل الذي أحبوه، إذ أن من له (ثمر للإيمان بالله) سيعطى ويزداد، أمـا مـن ليس له (هذا الثمر) فالذي عنده (من الفهم والإدراك) يؤخذ منه" (متى 12: 13)
7. [قال الرسول "أَمْ لَيْسَ لِلْخَزَّافِ سُلْطَانٌ عَلَى الطِّينِ أن يَصْنَعَ مِنْ كُتْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ وَآخَرَ لِلْهوانِ؟ فَماذا إن كَانَ اللهُ وَهو يُرِيدُ أن يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُبَيِّنَ قُوَّتَهُ احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ - وَلكي يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ الَّتِي أيضاً دَعَانَا نَحْنُ إِيَّاهَا لَيْسَ مِنَ الْيهود فَقَطْ بَلْ مِنَ الأُمَمِ أيضاً" (رومية 9: 21 -24). وهذه العبارة دليل على أن الإنسان ليس في يده أن يخلص أو يهلك، بل إن الخلاص والهلاك، هما في يد الله دون سواه].
الرد (أ) إن هذه العبارة لا تدل مطلقاً على أن الإنسان ليس في يده أن يخلص أو يهلك، بل تدل على أن الله إذا أراد أن يظهر عدالته (وله الحق وكل الحق في ذلك)، فإنه يظهرها مع العصاة الذين يحتملهم بصبر كثير، ومع ذلك يتوغلون في شرورهم وآثامهم. وإذا إراد أن يظهر نعمته (وله الحق وكل الحق في ذلك)، فإنه يظهرها مع الأشخاص الذين يهابونه ويطلبون رحمته، ليس من بين اليهود فقط، كما كانوا يظنون بسبب نسبتهم إلى إبراهيم، بل ومن جميع الأمم أيضاً.
(ب) وإذا كان ذلك كذلك، فليس هناك مجال أمام أي فريق من الناس للتباهي أمام الله بأعمالهم، أو الاعتراض على معاملته معهم، لأن من يحصل على الغفران والحياة الأبدية، لا يحصل عليهما بناء على استحقاقه الذاتي، بل بناء على قبوله لخلاص الله المجاني. ومن يحرم من الغفران والحياة الأبدية، لا يحرم منهما لأن الله لا يحبه، بل لأنه رفض هذا الخلاص مع أنه مقدم إليه مجاناً، كما هو مقدم إلى غيره سواء بسواء.
فالله يمد يده إلى جميع الناس دون استثناء بالرحمة والعطف، مقدماً لهم جميعاً غفراناً كاملاً وحياة أبدية على أساس كفارة المسيح، وما على الذين يريدون التمتع بهذا الإحسان إلا قبوله بالإيمان الحقيقي هبة مجانية من يده الكريمة. أما الذين يرفضونه، فطبعاً سيحرمون منه إلى الأبد، محكوماً عليهم من أنفسهم بأنهم لا يستحقون غفراناً أو حياة أبدية.
[1] - هذا مع العلم بأن بالرجوع إلى (سفر ملاخي 1: 1، 2) يتضح لنا أن الحديث عن المحبة ليعقوب والبغضة لعيسو، لم يكن عنهما بصفة شخصية أوخاصاً بخلاص أو هلاك أحدهما، بل كان عن معاملات الله السياسية في العهد القديم، للأمتين اللتين تكونتا من هذين الرجلين على الأرض لأسباب خاصة.
[2] -مما تجدر الإشارة إليه أن الوحي يسند أحياناً بعض تصرفات الشرار إلى الله نفسه، ليس لأنه فاعلها بل لأنه يسمح لهم بأن يفعلوها لشرهم. فمثلاً قال إشعياء النبي عن الله أنه أعمى عيونَ اليهود وأغلظَ قلوبَهم (يوحنا 12:40). والمراد بهذا القول ليس أن الله هو الذي قام بهذين العملين لهم، بل أن اليهود هم الذين قاموا بهمل لأنفسهم، وقد سمح الله لهم بعملهما لأنهم رفضوا وصاياه رفضاً تاماً.
- عدد الزيارات: 5305