عقيدة "الخلاص بالإيمان والأعمال"، والكتاب المقدس
أولاً – أسباب الاعتقاد بأن الخلاص يكون بالإيمان والأعمال
إذا رجعنا إلى كتب الذين يعتقدون أن الخلاص يكون بالإيمان والأعمال معاً، نرى أن السبب في اعتقادهم هذا، يرجع إلى فهم بعض الموضوعات الواردة في الكتاب المقدس فهماً يختلف عن المقصود منها، لذلك نستعرض فيما يلي هذه الموضوعات، لنرى الغرض الحقيقي منها:
1- ثمن الخلاص:
إن "الخلاص بالإيمان" الوارد في الآية "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله" (أفسس 2: 8)، وغير ذلك من الآيات[2]، ليس معناه أن الإيمان هو ثمن الخلاص، حتى كان يجوز القول إن قيمته أقل من قيمة الخلاص، ومن ثم يجب إضافة الأعمال الصالحة إليه، بل معناه أن الإيمان هو الوسيلة التي ننال بها هذا الخلاص، لأن ثمن الخلاص هو دم المسيح دون سواه. فقد قال الوحي للمؤمنين "اشتريتم بثمن" (1 كورنثوس 6: 20)، وإن هذا الثمن هو "دم المسيح" (1 بطرس: 18 – 19).
وإن كان ذلك كذلك، فإن الإيمان لا يزيد عن كونه الثقة القلبية (أو بالحري حالة الاستقبال الروحية) التي تهيئنا للحصول على الخلاص الذي أحسن الله به إلينا على أساس دم المسيح – والفقير الذي يمد يده إلى ثري كريم واثقاً أنه سيحصل منه على إحسان ما، لا يدفع بمد يده أو بثقته ما يعادل الإحسان الذي سيناله منه، بل يتناوله هبة مجانية لا أكثر ولا أقل، ومن ثم يكون الفضل كله لهذا الثري الكريم، وهكذا الحال معنا، فإننا عندما نتناول الخلاص من الله بالإيمان، لا نكون قد دفعنا ثمن هذا الخلاص، بل نكون قد تناولناه هبة مجانية منه تعالى، ومن ثم يكون الفضل وكل الفضل له.
ولزيادة الإيضاح نقول: كما أن الهدايا والهبات تعطى مجاناً مع أنها في ذاتها لها ثمن، وربما ثمن عظيم، هكذا الخلاص، فمع أنه كلف المسيح ثمناً لا قدرة لنا على الإحاطة به، قد وهبه الله لنا مجاناً، وذلك لسببين: (الأول) إننا لا نستطيع أن ندفع جزءاً يسيراً من ثمن الخلاص، لأن الأعمال الصالحة التي نقوم بها لا تستطيع أن تكفر عن خطية واحدة من خطايانا، إذ أن هذه الأعمال كما ذكرنا في المقدمة، محدودة في قدرها، بينما حق الله الذي نسيء إليه بسبب أي خطية من الخطايا، لا حد لقدره؛ والأشياء المحدودة في قدرها لا تستطيع أن تفي مطالب أمر لا حد لقدره. (الثاني) إن الله قصد بالخلاص إحساناً لنفوسنا، والإحسان إذا كنا نقدم شيئاً في سبيل الحصول عليه، لا يكون إحساناً. ومن ثم عندما نحصل عليه بالإيمان (أو بالحري بالإيمان الحقيقي)[3]، لا نكون قد دفعنا ثمناً له، بل نكون قد تناولناه هبة مجانية من إلهنا الذي يفيض قلبه بالحب والعطف من نحونا. فقد قال الرسول "أما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (رومية 6: 23).
وإذا كان ذلك كذلك، فليس هناك شخص مسيحي يعرف فساد الطبيعة البشرية العتيقة الكامنة في نفسه، وشناعة الخطايا التي تصدر منها من وقت لآخر (سواء بالفعل أم بالفكر)، ومقدار العيوب التي تلطخ بها هذه الطبيعة معظم الأعمال الصالحة[4] التي يحاول القيام بها، يمكن أن يخطر بباله أن يضع هذه الأعمال جنباً إلى جنب مع دم المسيح الكريم، ويطلب من الله أن يعفو عنه ويقبله في حضرته لأجل استحقاقهما معاً لأن من يتصرف هذا التصرف، يقلل من شأن دم المسيح ويجعله غير كاف للخلاص، أو يرفع من شأن أعماله التي يدعوها صالحة، لكي يكون لها قدر عظيم بجانب دم المسيح، أو (إن جاز التعبير) يرتدي أوراق الشجر فوق قميص الجلد الذي صنعه الله لستر عيوبنا، حتى يعلن أمام الملأ اجتهاده الشخصي في زيادة ستر عيوبه والظهور بمظهر من الكمال لا يستطيع (حسب رأيه) أن يحققه له قميص الجلد وحده، الأمر الذي لم يكن يخطر ببال آدم أو غير آدم على الإطلاق (تكوين 3: 1 – 8) ومن ثم فإن إضافة الأعمال التي ندعوها الصالحة، إلى دم المسيح للحصول على الخلاص، إهانة بالغة للمسيح، وخطية قائمة بذاتها إلى جانب الخطايا الأخرى التي تصدر منا في بعض الأحيان.
2- ماهية الحياة الأبدية:
إن الحياة الأبدية الواردة في الآية "من يؤمن بالابن فله حياة أبدية" (يوحنا 3: 36) وغير ذاك من الآيات[5]، ليست متعة جسدية من طعام وشراب وما شاكلهما من متع (اقرأ رومية 14: 17، ومتى 22: 30)، أو متعة روحية لا علاقة لها بحالة نفوسنا الباطنية، سوف نحصل على أيهما بعد انتقالنا من العالم الحاضر كما يعتقد بعض الناس، حتى كان يجوز القول إن الحياة الأبدية هي مكافأة عن الأعمال الصالحة التي نقوم بها في هذا العالم، بل هذه الحياة، هي حياة الصلة بالله، ولذلك فهي امتداد للحياة الروحية التي يهبها الله لنا ونحن على الأرض بواسطة الإيمان الحقيقي بالمسيح، ويجعلنا بها أهلاً للتوافق معه والتمتع به[6]. وكل ما في الأمر أننا عندما ننتقل إلى السماء، نستطيع التمتع بالله بواسطة هذه الحياة تمتعاً لا يشوبه نقص على الإطلاق، لأننا نكون قد تحررنا من جسد الخطية والشيطان والعالم جميعاً. وإذا كانت الحياة الأبدية هي امتداد للحياة الروحية التي نحصل عليها بالإيمان الحقيقي في الوقت الحاضر، فطبعاً لا تكون مكافأة عن الأعمال الصالحة بأي حال من الأحوال.
3- موقف المؤمنين الحقيقيين إزاء الأعمال الصالحة:
إن الخلاص بواسطة الإيمان دون الأعمال، الوارد في الآية "وأما الذي لا يعمل لكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر، فإيمانه يحسب له براً" (رومية 4: 5)، وغير ذلك من الآيات[7]، لا يفسح المجال أمام المؤمنين الحقيقيين لعمل الشر أو الإقلال من عمل الخير، كما يعتقد القائلون بالإيمان والأعمال. لأن هؤلاء المؤمنين مولودون من الله (1 بطرس 1: 3)، وحاصلون على طبيعته الأدبية كما ذكرنا في هامش سابق، ولذلك فهم لا يكرهون الشر فحسب، بل ويسعون بتأثير الروح القدس في نفوسهم إلى القيام بكل الأعمال الصالحة التي يستطيعون القيام بها. غير أنهم لا يقومون بهذه الأعمال لكي يخلصوا من دينونة خطاياهم، بل لكي يمجدوا الله الذي خلصهم من هذه الدينونة [وذلك تنفيذاً لقول المسيح "لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (متى 5: 16)]، إذ أن دينونة خطايانا قد حملها المسيح بأسرها على الصليب (1 بطرس 2: 24)، ولم يبق لنا منها شيئاً لنتحمله نحن. ومن البديهي أن يكون الأمر كذلك، لأنه لو ترك المسيح لنا خطية واحدة، لما استطعنا أن نكفر عنها بكل أعمالنا الصالحة، ولكان مصيرنا جميعاً إلى جهنم النار تبعاً لذلك.
كما أننا إذا قارنا بين الأعمال الصالحة التي يعملها المؤمنون الحقيقيون لأجل تمجيد الله، وبين تلك التي يعملها المؤمنون بالاسم لأجل الحصول (كما يعتقدون) على الخلاص، يجد أن الأولى أسمى من الثانية وأفضل منها بما لا يقاس، إذ فضلاً عن أن العامل في الأولى هو الله نفسه (فيلبي 2: 13)، الأمر الذي يجعلها طاهرة نقية، وأن العامل في الثانية هو الطبيعة البشرية، الأمر الذي يجعل أعمالها الصالحة ملطخة بالشوائب كما ذكرنا في هامش سابق، فإن الأعمال الأولى يقدمها المؤمنون الحقيقيون لله كصدى لمحبته السامية التي سبق وأحبهم بها، ولذلك فإنهم لا ينتظرون من ورائها مكافأة أو جزاء، أما الثانية فهي أعمال يقوم بها المؤمنون بالاسم رغبة في كسب الصفح والغفران (كما يعتقدون)، ولذلك فهي أعمال تجارية يقفون بها إزاء الله موقف الند أمام الند، وكأنهم يقولون لله "خذ وهات"، الأمر الذي يجرد الأعمال الصالحة التي يقومون بها من كل أثر للصلاح يمكن أن يبقى فيها، لأنهم بتصرفهم هذا يتجاهلون حقيقة ذواتهم كبشر مجبولين من تراب الأرض لا حول لهم ولا طول، كما يتجاهلون فضل الله الذي لا حد له عليهم وعلى غيرهم من الناس – هذا الفضل الذي لا يمكن لهم جميعاً مهما ضحوا بأعز وأغلى ما لديهم، أن يكافئوا الله بما يتناسب مع ذرة واحدة منه.
4- نوع البر الذي يتمتع به المؤمنون الحقيقيون أمام الله:
إن التبرير بالإيمان الوارد في الآية "فإذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رومية 5: 1) وغير ذلك من الآيات[8]، وليس معناه أن المؤمنين الحقيقيين يصبحون كاملين أو أبراراً في طبيعتهم، بل معناه أنهم يحسبون كاملين أو أبراراً في المسيح وبواسطته، فقد قال الوحي "وأما الذي لا يعمل (شيئاً كثمن للخلاص)، ولكن يؤمن (إيماناً حقيقياً بالمسيح) الذي يبرر الفاجر، فإيمانه يحسب له براً" (رومية 4: 5). ولذلك فإن هذا البر لا يكون براً ذاتياً بل براً اكتسابياً فحسب، لأنه لم يعمل بواسطة المؤمنين الحقيقيين، بل عمل بواسطة الله في المسيح، ثم أعطى لهؤلاء المؤمنين هبة مجانية. وقد أشار الوحي على هذه الحقيقة، فقال "ظهر بر الله .... بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل ، وعلى كل الذين يؤمنون" (رومية 3: 21).
ولإيضاح معنى البر الاكتسابي نقول: كما أن الخطايا التي حسبت على المسيح عندما كان معلقاً على الصليب، هي خطايانا نحن وليس خطايا ذاتية له، كذلك ما يحسب لنا نحن المؤمنين من بر، هو بر الله في المسيح وليس براً ذاتياً لنا. فنحن بالإيمان بالمسيح لا نصير إذاً أبراراً في ذواتنا أو طبيعتنا، بل نحسب فقط أبرارً بسبب وجودنا في المسيح[9]، وحصولنا على طبيعته الأدبية بالولادة الروحية من الله، ولذلك قال داود النبي في تطويب الإنسان الذي يحسب له براً بدون أعمال "طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم، طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية، (رومية 4: 6 – 8)
فشخصية المؤمنين الحقيقيين القديمة التي كانوا فيها تحت الدينونة بسبب الخطية الأصلية والخطايا الفعلية، قد نزعت عنهم شرعاً من أمام ا لله، لأن المسيح أخذها على نفسه بقبوله الصلب نيابة عنهم، وصارت لهم عوضاً عنها شخصيته البارة التي لا عيب فيها على الإطلاق، وذلك بقيامته من الأموات، لأنه أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا (رومية 4: 5) – وطبعاً ليست هناك وسيلة غير هذه يمكن أن نتبرر بها أمام الله، لأننا جميعاً خطاة إن لم يكن بأعمالنا فطبيعتنا وأفكارنا. فقد قال الوحي "الجميع زاغوا وفسدوا معاً، ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (رومية 3: 12). ومن ثم ليس هناك مجال أمامنا للتبرر أمام الله، إلا بالبر الاكتسابي الذي خلعه المسيح علينا.
5- مدى تأثير كفارة المسيح:
إن المسيح لم يكفر بموته على الصليب عن خطية آدم وحده كما يعتقد القائلون بالإيمان والأعمال. بل وكفر أيضاً عن كل خطايا المؤمنين الشخصية. فمن جهة تكفيره عن خطية آدم، قال الوحي عن المسيح إنه "يرفع خطية العالم" (يوحنا 1: 29)، وإنه "حمل خطية كثيرين[10]" (أشعيا 53: 12). ومن جهة تكفيره عن خطايا المؤمنين الشخصية، قال الوحي عن المسيح إنه "أسلم من أجل خطايانا" (رومية 4: 5) وإنه مات من أجل خطايانا" (1 كورنثوس 15: 10) وإنه "بذل نفسه لأجل خطايانا" (غلاطية 1: 4) وإنه "صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا" (عبرانيين 1: 13) وإنه "حمل هو نفسه خطايانا" (1 بطرس 2: 44) وإنه "كفارة لخطايانا" (1 يوحنا 2: 2) وإنه "تألم مرة واحدة من أجل الخطايا" (1 بطرس 3: 18). وقال للناس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا" (أعمال 2: 38) وإن "كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (أعمال 10: 43) وإنه "غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه" (1 يوحنا 2: 12) وإن الله سامحكم "بجميع الخطابا" (كولوسي 2: 13) وإنه "يطهرنا من كل خطية" و "يغفر خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1 يوحنا 1: 7 – 10) – وكلمات "الخطايا" بالجمع، و "كل خطية"، و"كل إثم" بدون قيد ما، الواردة في هذه الآيات، لا يراد بها طبعاً خطية آدم بل خطايانا نحن. ومما يثبت هذه الحقيقة ا لأدلة الآتية:
(الأول) استحالة تكرار كفارة ا لمسيح: لو فرضنا أن المسيح مات نيابة عن آدم وحده، بسبب الخطية الواحدة التي أتاها، يكون من الضروري أن يموت كذلك نيابة عن كل واحد منا مرات بعدد الخطايا التي تصدر منه، حتى تغفر له هذه الخطايا. ولكن المسيح لن يقدم نفسه كفارة بعد الصليب بأي شكل من الأشكال، فقد قال الرسول عنه "إنه دخل إلى الأقداس، لا ليقدم نفسه مراراً كثيرة كما كان يفعل رئيس الكهنة ... فإذ ذاك كان يجب أن يتألم مراراً كثيرة منذ تأسيس العالم، ولكنه الآن قد أظهر مرة (واحدة) عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية (أو بالحري يمحوها عن المؤمنين الحقيقيين من أمام الله)[11] بذبيحة نفسه" (عبرانيين 9: 24 – 26).
ولذلك إن كان هناك مجال لغفران خطايانا الشخصية، يكون هذا الغفران هو بذات الكفارة التي قدمها المسيح مرة على الصليب وذلك لسببين (أ) إن الله لا يحب آدم وحده بل ويحبنا نحن أيضاً. فمكتوب "هكذا أحب الله العالم (أجمع) حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3: 16). (ب) إن كفارة المسيح على الصليب لعظمتها التي لا حد لها، لا تكفي فقط للتكفير عن آدم، بل وعن جميع الناس كذلك. فمكتوب عن المسيح "وهو كفارة لخطايانا، وليس لخطايانا فقط، بل ولخطايا كل العالم أيضاً" (1 يوحنا 2: 2).
(الثاني) تكفير المسيح عن نفوسنا، وليس عن خطايانا فحسب: إن المسيح لم يكفر عن خطايانا بالانفصال عن نفوسنا، بل كفر عن نفوسنا بذاتها، لأنها هي التي تستحق القصاص بسبب معاصيها، فقد قال الوحي "مات البار عوضاً عن الآثمة" (1 بطرس 3: 8)، كما قال "الرب فادي نفوس عبيده" (مزمور 34: 22)، أي أنه كفر عنهم أو بالحري عن نفوسهم. وبما أن المسيح كفر عن نفوسنا، فهو لم يكفر عن أجزاء منها تحتوي على عدد خاص من الخطايا، بل كفر عنها بكل ما فيها من خطايا، لأن النفس لا تتجزأ بأي حال من الأحوال.
(الثالث) عدم إفادتنا من كفارة المسيح بشيء، لو كانت عن آدم وحده: لو كانت كفارة المسيح هي عن خطية آدم وحده، لما كانت تعود على واحد من نسله بفائدة ما، ولهلك تبعاً لذلك جميع الناس بما فيهم الرسل والأنبياء، لأنهم جميعاً خطاة مثل غيرهم من البشر، وليس في وسع واحد منهم أن يكفر عن خطية واحدة من خطاياه مهما عمل من أعمال صالحة كما ذكرنا فيما سلف. ويكون مثل كفارة المسيح في هذه الحالة، مثل خدمة خلصت بعض الناس من خطر الموت في منطقة واحدة ثم تركتهم لمثل هذا الخطر في آلاف المناطق، فإنها لا تكون قد خلصتهم أو أبقت على حياتهم. وبما أن الأمر لا يمكن أن يكون كذلك من جهة كفارة المسيح، لأن الوحي يعلن لنا أن كل من يؤمن بالمسيح إيماناً حقيقياً تكون له الحياة الأبدية (يوحنا 3: 16)، إذاً لا بد أن يكون المسيح قد كفر عن خطايا البشر جميعاً، أو بالحري عن نفوسهم جميعاً، وأن كل من يؤمن به إيماناً حقيقياً، تكون له الحياة الأبدية كما أعلن الوحي.
ثانياً – خطأ الاعتقاد بأن الخلاص يكون بالإيمان والأعمال
إننا مع تقديرنا للأعمال الصالحة وحثنا لأنفسنا ولغيرنا على القيام بها والإكثار منها، نعلن بناءً على كلمة الله أن هذه الأعمال ليست شرطاً ثانياً مع الإيمان للحصول على الخلاص، بل إن الشرط الأول والأخير الذي وضعه الله أمامنا للحصول عليه هو الإيمان الحقيقي بالمسيح كما ذكرنا فيما سلف. ولكي لا ندع مجالاً للشك أمام أحد من جهة هذه الحقيقة، نذكر فيما بعض الأدلة الكتابية التي تثبت خطأ الاعتقاد بأن الخلاص يكون بالإيمان والأعمال.
1- كفاية كفارة المسيح إلى الأبد:
لو كانت الكفارة التي قدمها المسيح على الصليب غير كافية للتكفير عن خطايانا، لكان هناك مجال للظن بوجوب تكميلها أو تكميل خلاصنا بها ببعض الأعمال الصالحة. لكن هذه الكفارة، كما أعلن الوحي، كافية للتكفير عن خطايانا، وليس عن خطايانا فقط، بل وعن خطايا كل العالم أيضاً (1 يوحنا 2: 2)، لأن قيمتها مرتبطة بالمسيح، والمسيح لا حد لقدره على الإطلاق ولذلك قال الوحي عنه إنه "دخل إلى الأقداس بدم نفسه، فوجد (لنا) فداء أبدياً" (عبرانيين 10: 14)، وليس إلى فترة محدودة من الزمن. وقد أشار المسيح إلى كفاية كفارته، فقال قبل نزوله عن الصليب هذه الكلمة الخالدة: "قد أكمل" (يوحنا 19: 3)، وقد صادق الله على هذه الحقيقة، فشق حجاب الهيكل من أعلى إلى أسفل (متى 27: 51) معلناً بذلك أنه على أساس كفارة المسيح يرحب في حضرته بالخطاة الذين يتوبون عن خطاياهم ويؤمنون بالمسيح إيماناً حقيقياً. وإذا كان الأمر كذلك، فلا يمكن أن يكون خلاصنا الأبدي (أو جزء من هذا الخلاص، إن كان يتجزأ) متوقفاً على شيء من الأعمال الصالحة التي تقوم بها – وانشقاق حجاب الهيكل من أعلى إلى أسفل، وليس من أسفل إلى أعلى (أو بالحري من جانب الله وليس من جانبنا) دليل واضح على الحقيقة المذكورة.
2- الحياة الأبدية هبة وليست أجرة:
إن الوحي يعلن لنا أن الحية الأبدية هي هبة من الله فقد قال "وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا". (رومية 6: 23)، وما دامت الحياة الأبدية هي هبة من الله، لا يكون الحصول عليها متوقفاً على الأعمال الصالحة. ولذلك إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس نرى أنه، وإن كان يحرضنا على القيام بالأعمال الصالحة ويعدنا بالمكافأة الطيبة عنها[12] لكن ينفي فكرة توقف الخلاص الأبدي (أو جزء منه، إن كان يتجزأ) على هذه الأعمال نفياً باتاً. فقد قال "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم، هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد" (أفسس 2: 9)، لأنه لو كان الخلاص بالأعمال لما كان بالنعمة، وما دام بالنعمة كما تنص هذه الآية، لا يكون بعد بالأعمال. وقد أشار الرسول بوضوح إلى هذه الحقيقة فقال "فإن كان (الخلاص) بالنعمة، فليس بعد بالأعمال، وإلا فليست النعمة بعد نعمة" (رومية 11: 6). وقال أيضاً "فأين الافتخار؟ قد انتفى. بأي ناموس: أبناموس الأعمال؟ كلا، بل بناموس الإيمان[13]. إذا نحسب إن الإنسان يتبرر بدون أعمال الناموس" (رومية 3: 27 – 28). وأيضاً "أما الذي يعمل (شيئاً كثمن للخلاص) فلا تحسب له الأجرة (أي الخلاص) على سبيل نعمة، بل على سبيل دين (أي أن هذا الإنسان يجعل الله مديناً له بالخلاص، وليس منعماً أو متفضلاً به عليه، الأمر الذي يتعارض مع الحق الإلهي كل التعارض)، أما الذي لا يعمل (شيئاً كثمن للخلاص)[14] ولكن يؤمن بالمسيح الذي يبرر الفاجر، فإيمانه يحسب له براً" (رومية 4: 4 – 5). وأيضاً "متبررين مجاناً (أو بالحري بدون أي مقابل من جانبكم) بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح" (رومية 3: 24). وأيضاً "لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تيطس 3: 5).
3- عدم تحديد الأعمال الصالحة:
كما أنه لو كانت الحياة الأبدية تتوقف على الإيمان والأعمال معاً، لكان الوحي قد حدد لنا القدر الذي يجب على كل منا القيام به من كل نوع من الأعمال الصالحة (وليس من جهة الصدقة فحسب)[15]، حتى لا تقل أعمال أي واحد منا عن المستوى العام الذي يتطلبه الله للحصول على الحياة الأبدية. لأنه لا يمكن أن يتركنا الله في هذا الموضوع الخطير إلى حكم الضمير فينا، إذ أن الضمير ليس مقياساً ثابتاً للحكم، وذلك لاختلاف تقديره للأمور من شخص لآخر، بل ومن وقت لآخر في الشخص الواحد، حسب الظروف والأحوال. وبما أن الوحي لم يحدد لنا القدر الذي يجب علينا القيام به من كل نوع من الأعمال الصالحة، وفي الوقت نفسه قلما يوجد مؤمن حقيقي مهما كانت تقواه يستطيع القيام بكل الأعمال الصالحة التي يجب عليه الامتناع عنها، سواء أكانت هذه الخطايا بالفعل أو بالفكر، لذلك فالحياة الأبدية لا يمكن أن تكون مكافأة عن الأعمال الصالحة أو الحياة الكاملة، بل لا بد أن تكون هبة من الله على أساس كفارة المسيح وحدها، كما أعلن الوحي.
4- منح الحياة الأبدية في الوقت الحاضر:
لو كان الحصول على الحياة الأبدية (أو جزء منها، إن كانت تتجزأ)، يتوقف على شيء من الأعمال الصالحة، لكانت هذه الحياة تعطي لنا بعد انتقالنا من العالم الحاضر، حتى يكون من الممكن تقدير هذه الأعمال ومعرفة ما نستحقه من جزاء عنها. لكن الحياة الأبدية لا تمنح للمؤمنين الحقيقيين بعد انتقالهم من هذا العالم، بل تمنح لهم بمجرد إيمانهم وهم لا يزالون فيه كما ذكرنا فيما سلف. فقد قال المسيح "الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني، فله (أي له الآن، وليس سوف يكون له في المستقبل) حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل (وليس سوف ينتقل) من الموت إلى الحياة" (يوحنا 5: 24). وقال الرسول بولس "ونحن أموات بالخطايا، أحياناً مع المسيح (وليس سوف يحيينا معه)، وأقامنا معه (وليس سوف يقيمنا معه) وأجلسنا (وليس سوف يجلسنا)[16] معه في السماوات في المسيح يسوع" (أفسس 2: 1 – 10). وقال أيضاً "شاكرين الآب الذي أهلنا (وليس سوف يؤهلنا) لشركة ميراث القديسين في النور. الذي أنقذنا (وليس سوف ينقذنا) من سلطان الظلمة ونقلنا (وليس سوف ينقلنا) إلى ملكوت ابن محبته" (كولوسي 1: 12 – 13). وقال يوحنا الرسول "نحن نعلم أننا قد انتقلنا (وليس سوف ننتقل) من الموت إلى الحياة" (1 يوحنا 3: 14). وقال أيضاً "بهذا أظهرت محبة الله فينا، أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا (الآن) به" (1 يوحنا 4: 9)، وقال أيضاً "إن ا لله أعطانا (وليس سوف يعطينا) حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله (الآن) الحياة، ومن ليس له ابن الله، فليست له الحياة. كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم (الآن) حياة أبدية" (1 يوحنا 5: 11 – 13)، ولذلك لا يمكن أن تكون الحياة الأبدية متوقفة على شيء من الأعمال الصالحة بأي حال من الأحوال[17].
وهنا يتساءل بعض الناس: ألا تسند الأعمال الصالحة الإيمان في الحصول على الخلاص، بأي وجه من الوجوه؟ (الجواب) هذا السؤال خطأ في تركيبه، لأن الإيمان ليس ثمن الخلاص أو جزءاً من ثمنه، إذ أن ثمن الخلاص هو دم المسيح دون سواه، ولذلك يجب أن يصاغ السؤال المذكور هكذا: ألا تسند الأعمال الصالحة دم المسيح في الحصول على الخلاص، بأي وجه من الوجوه؟ وأمام هذا السؤال يجيب السائل نفسه قائلاً: كلا. لأنه لا يستطيع أن ينكر أن دم المسيح قد حقق كل مطالب عدالة الله إلى الأبد، وأنه طالما قد حققها إلى الأبد، لا تكون ثمة حاجة إلى شيء من الأعمال الصالحة بجانبه، لكي ننال الخلاص أو جزءاً من الخلاص – إن كان الخلاص يتجزأ.
مما تقدم يتضح لنا: (أولاً) إن المسيح ليس طريقاً للخلاص حتى نحتاج إلى طريق آخر معه، بل إنه الطريق الوحيد للخلاص (يوحنا 14: 6)، وكما أن السلم التي رآها يعقوب كان أحد طرفيها يمس الأرض والطرف الآخر يمس السماء (تكوين 28: 12)، ولم تكن هناك حاجة إلى سلم أخرى معها، هكذا الحال مع المسيح، الذي لم يكن هذا السلم إلا رمزاً له (يوحنا 1: 51)، فإنه هو الطريق الوحيد للخلاص والتمتع مع الله في السماء.
(ثانياً) إن من يقول إنه يؤمن بالمسيح، ولكن خلاصه يتوقف على ما يقوم به من أعمال صالحة، يكون مؤمناً بهذه الأعمال وليس مؤمناً بالمسيح، لأن المؤمن بالمسيح يعتمد في خلاصه على المسيح دون سواه.
(ثالثاً) إن من يقول إنه آمن بالمسيح لكن إيمانه ضعيف، ولذلك يرفع من شأنه ببعض الأعمال الصالحة حتى يصبح مقبولاً لدى الله، يكون معتمداً على إيمانه وليس على المسيح،وهذا هو الخطـأ بعينه لأن ثمن الخلاص ليس هو الإيمان بل هو دم المسيح، ودم المسيح فيه كل الكفاية للخلاص، ولا يمكن أن تزيد من كفايته كثرة الأعمال الصالحة، أو تقلل من كفايته قلة هذه الأعمال.
ومن ثم فالخلاص الأبدي مضمون لكل مؤمن حقيقي، سواء أكان إيمانه قوياً أم ضعيفاً، لأن الشرط الوحيد في إيمان الخلاص، أن يكون حقيقياً (أو بالحري أن يكون صاحبه حاصلاً على حياة روحية من الله بواسطة الولادة الثانية منه)، أما القوة والضعف فأمران يتعرض لهما كل مؤمن حقيقي طالما هو في العالم الحاضر، مثله في ذلك مثل أي كائن حي في الوجود من الناحية الجسدية.
[2]- مثل "آمن بالرب يسوع المسيح، فتخلص أنت وأهل بيتك" (أعمال 16: 31) و"الذي يؤمن به (أي بالمسيح) لا يدان" (يوحنا 3: 18) و "إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت" (رومية 10: 9).
[3]- الإيمان الحقيقي هو قبول المسيح في النفس قبولاً تولد به النفس من الله ولادة روحية، تحصل بها على طبيعة جديدة تجعلها أهلاً للتوافق معه في صفاته الأدبية السامية. أما مجرد الاقتناع العقلي برسالة المسيح أو الاعتراف الشفوي بها فهو إيمان اسمي لا قيمة له لدى الله – وقد تحدثنا عن هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب "طريق الخلاص".
[4]- وهذه العيوب كثيرة، نذكر منها: التعرض للانشغال بأمور الدنيا أثناء العبادة والصلاة، أو السقوط في خطية بالفكر أو الفعل أثناء الصوم والاعتكاف، أو القيام بالأعمال الصالحة لأغراض شخصية مثل الحصول على مديح من الناس، أو ثواب من الله، أو .. أو ... وأشعيا النبي الذي رأى هذه العيوب، قال لله "وقد صرنا كلنا كنجس، وكثوب عدة (ليس أعمال شرنا فحسب، بل وأيضاً) كل أعمال برنا" (أشعيا 64: 6). ومن البديهي أن يكون الأمر كذلك، لأنه إذا كان الإنسان خاطئاً بطبيعته، فإن كل ما يصدر منه يكون ملوثاً بالخطية، مثله في ذلك مثل عين الماء. فإنها إذا كانت قذرة، يكون الماء الذي يجري منها قذراً أيضاً.
[5]- مثل "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3: 16)، وإن من يؤمن بالمسيح ولو مات فسيحيا، وإن كان حياً وآمن به فلن يموت إلى الأبد (يوحنا 11: 25).
[6]- وقد أشار المسيح إلى هذه الحياة فقال "وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل" (يوحنا 10: 10). كما أشار إليها بطرس الرسول فقال عن الله "كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا (وليس سوف تهب لنا) كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة الذين بهما قد وهب لنا (وليس سوف يهب لنا) المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها (الآن) شركاء الطبيعة الإلهية (الأدبية) هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة" (2 بطرس 1: 3 – 4) والرسول الذي اختبر هذه الحياة في نفسه قال " إن ناموس روح الحياة في المسيح قد اعتقني من ناموس الخطية والموت" (رومية 8: 2). كما قال "مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ" (غلاطية 2: 20)
مما تقدم يتضح لنا (أولاً) أن الحياة التي يعطيها الله لنا بواسطة الإيمان الحقيقي ليست مجرد قوة روحية، إذا أحسنا استخدامها نحصل على الحياة الأبدية، وإذا لم نحسن استخدامها لا نحصل على هذه الحياة، بل إنها الحياة الأبدية بعينها. لأنها مرتبطة بالمسيح الذي ارتبطنا نحن به، والمسيح هو الإله الحق والحياة الأبدية (1 يوحنا 5: 20). (ثانياً) إن الذين لا يحصلون على هذه الحياة في العالم الحاضر، لا يمكن أن يحصلوا عليها في العالم الآخر على الإطلاق، لأن الوقت الحاضر هو الوقت الذي يمكن للمرء أن يتوب فيه عن الخطية، ويولد من الله بالإيمان الحقيقي ولادة تؤهله للتوافق معه إلى الأبد.
[7]- مثل "إذاً نحسب أن الإنسان يتبرر بدون أعمال الناموس" (رومية 3: 27 – 28) و "متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح" (رومية 3: 24).
[8]- مثل "ولكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1 كورنثوس 6: 11) و "لأن غاية الناموس هي البر لكل من يؤمن" (رومية 10: 4) وأن بالمسيح "يتبرر كل من يؤمن" (أعمال 13: 28 – 29).
[9]- "الوجود في المسيح" كما يتضح من (أفسس 1: 3 – 7، 2: 6) يراد به اختفاء المؤمنين معنوياً في المسيح، بدرجة لا يظهر منهم أو من أعمالهم شيء، ويكون الظاهر من جهتهم أمام الله هو المسيح وحده. ولإيضاح هذه الحقيقة نقول: إذا وضع إنسان يداً مشوهة له في قفاز جميل (مثلاً)، يختفي تشويهها ولا ينفر أحد منه – وهكذا الحال معنا من جهة كوننا في المسيح، فإنه يستر عيوبنا ويخلع علينا كماله الذي يفوق كل كمال.
[10]- مما تجدر الإشارة إليه، أن "الخطية" يراد بها في الكتاب المقدس "الخطية التي نشترك نحن جميعاً فيها، أو بالحري الطبيعة العتيقة الخاطئة التي ورثناها عن آدم". أما كلمة "الخطايا" فيراد بها "النتائج الرديئة لهذه الطبيعة، سواء أكانت هذه النتائج بالفكر أم بالفعل"
[11]- ومحوها عن هؤلاء المؤمنين، إن هو إلا توطئة لمحوها من العالم بأسره، وذلك عندما يقضي المسيح على الأشرار قضاء تاماً.
[12]- وهذه المكافأة، كما يتضح مما يلي، هي الأكاليل التي يعطيها الله للمؤمنين الذين يخدمونه ويضحون لأجل اسمه، وذلك بالإضافة إلى الحياة الأبدية، لأن هذه الحياة هي هبة منه على أساس كفارة المسيح، وليست أجراً عن عمل من الأعمال الصالحة.
[13]- عبارة "ناموس الإيمان" لا يراد بها أن الإيمان له ناموس خاص مثل ناموس العهد القديم، يفرض على المؤمنين القيام بأعمال خاصة وإلا تعرضوا للعذاب الأبدي، بل يراد به مبدأ الإيمان الذي يخلص الله على أساسه كل الخطاة الذين يتوبون عن خطاياهم، ويأتون إليه متكلين بكل قلوبهم على خلاصه الأبدي في المسيح.
[14]- إن الرسول بقوله هذا، لا يعفي المؤمنين الحقيقيين من وجوب القيام بالأعمال الصالحة، بل يحول نظر الخطاة عن هذه الأعمال كوسيلة للحصول على الخلاص، بسبب عدم صلاحيتها للتكفير عن خطية واحدة من الخطايا كما ذكرنا. أما المؤمنون الحقيقيون الذي خلصوا من دينونة الخطية بصليب المسيح، فيجب أن يقوموا بهذه الأعمال بكثرة ووفرة، لكي يمجدوا الله الذي أنعم عليهم بالخلاص.
[15]- إن المبلغ الذي يخصصه المؤمنون للفقراء والأعمال التي تمجد الله في العالم، يجب ألا يقل عن عشر ما يحصلون عليه من مال (ملاخي 3: 10) – هذا من جهة شريعة العهد القديم. أما من جهة شريعة العهد الجديد، فقد أوصانا الوحي أن نكون كرماء في التوزيع وإن أدى الأمر، علينا أن نبيع ما لدينا ونعطي صدقة (1 تيموثاوس 6: 18، لوقا 12: 33)
[16]- فالمؤمنون الحقيقيون حال كونهم في المسيح، هم في نظر الله أشخاص حلت عليهم دينونة الخطية. فماتوا ودفنوا مع المسيح شرعاً، ثم قاموا بحياة جديدة معه، وجلسوا أيضاً معه في السماويات، ولذلك لا يتعرضون للموت الثاني أو العذاب الأبدي فيما بعد. وقد وضح أحد الكتاب هذه الحقيقة فقال: إن النار التي اشتعلت في مكان وأحرقت ما فيه، لا يمكن أن تشتعل فيما بعد في هذا المكان. وهكذا الحال من جهة دينونة الخطية: فنظراً لأنها وقعت على المسيح عوضاً عن البشر، لا يمكن أن تحل بعد على الذين يتخذونه نائباً عنهم ومخلصاً لهم.
- عدد الزيارات: 19088