مقدمة
اتضح لنا من كتاب "طريق الخلاص" أن الإنسان لا يستطيع أن يخلص نفسه من قصاص خطاياه، أو يجعلها أهلاً للتوافق مع الله في صفاته السامية بواسطة ما يقوم به من أعمال صالحة. لأن الخطايا التي يأتيها هي إساءة إلى حق الله، والأعمال الصالحة لا تستطيع أن تمحو هذه الإساءة، إذ أن الأعمال المذكورة مهما كثرت، هي محدودة في قدرها، بينما حق الله الذي أسيء إليه بسبب الخطايا لا حد لقدره، والأشياء المحدودة في قدرها لا تستطيع أن تفي مطالب أمر لا حد لقدره. ومن جهة أخرى، لأن الأعمال الصالحة مهما كثرت، لا تستطيع أن تحرر الإنسان من سلطة الخطية الكامنة في نفسه وتجعله أهلاً للتوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية، إذ أن سقوط الإنسان في الخطية أورثه قصوراً ذاتياً جعله عاجزاً عن هذا التوافق بقدرته الذاتية. ومن ثم فإن الخلاص من قصاص الخطية لا يكون إلا بكفارة المسيح، لأنها هي التي وفت مطالب عدالة الله إلى الأبد، وأن القدرة على التوافق مع الله في صفاته المذكورة، لا يكون إلا بحياة المسيح الروحية في النفس، لأنه هو الذي بسبب كماله المطلق يستطيع أن يسمو بها إلى درجة التوافق مع الله، ولذلك لا يكون الخلاص من قصاص الخطية والتوافق مع الله بمجهود الإنسان بل بفضل الله، ويكون السبيل للتمتع بهذين الامتيازين، هو قبول المسيح في النفس، أو بالحري الإيمان الحقيقي بشخصه.
لكن الذين لا يعرفون هذه الحقيقة يقولون إن الإيمان مهما كان حقيقياً، ليس بكاف للحصول على الخلاص، بل يجب أن تضاف إليه الأعمال الصالحة. ويرجع السبب في ذلك إلى اعتقادهم أن هناك آيات كتابية وحججاً عقلية تدل على ذلك.
ولما كان موضوع الخلاص من قصاص الخطية والتوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية أعظم الموضوعات أهمية، لأنه جوهر الكتاب المقدس وخلاصته، جمع الكاتب الآيات والحجج التي يعتمد عليها القائلون "بأن الخلاص يكون بالإيمان والأعمال" وناقشها بكل إخلاص وتدقيق في هذا الكتاب، حتى تظهر الحقيقة بكل وضوح وجلاء.
ولا يفوت الكاتب في هذه المقدمة أن يسجل شكره للأساتذة الذين عاونوه في دراسة المراجع اليونانية التي احتاج إليها في كتابه. جزى الله الجميع خير الجزاء – والله هو القادر أن يرافق هذا الكتاب بنعمته، لأجل مجده وخير الراغبين في معرفة السبيل إلى خلاصه.
المؤلف[1]
[1] - ملاحظة – إيراد هذا الكتاب، مثل إيراد الكتب الأخرى التي يصدرها الكاتب، يخصص بأكمله للأعمال الخيرية.
- عدد الزيارات: 3102