هل هي مجرد صدفة؟
نستطيع أن نرى بوضوح من خلال التمعن في صفحات الكتاب المقدس الإشارات والحوادث الكثيرة التي تدور حول شخص سيأتي ليخلص العالم من الخطية. والعهد القديم كان يمهّد السبيل إلى هذا المجيء المنتظر من خلال نبواته وأمثلته ورموزه المتعددة، ففي الإصحاح الثالث من سفر التكوين يبدأ الله بإعلان خطة الخلاص للبشرية عندما وعد حواء في جنة عدن بأن من نسلها سوف يولد مخلص يسحق رأس الحيّة (الشيطان) والحيّة سوف تسحق عقبه، وهذا ما نطق به الله ذاته عندما تكلم إلى الحيّة قائلاًَ: " وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، هو (أي المسيح الذي سيولد من نسل المرأة بدون زرع الشر) سوف يسحق رأسك (رأس الحية) وأنت (الحية) تسحقين عقبه " (تكوين 15:3). وهذا الأمر مخالف لنواميس الطبيعة حسب المفهوم البشري إذ لا يوجد شخص في الوجود يمكن أن ندعوه نسل المرأة سوى يسوع المسيح. فكل كائن بشري مولود من زرع رجل سوى المسيح وحده الذي ولد من نسل المرأة إذ لم يكن له أب بشري.
فعندما سمعت حواء هذا الحكم من الله في جنة عدن ظنّت أن ابنها البكر هو الذي سوف يسحق رأس الحية لذلك دعت اسمه قايين قائلة: " اقتنيت رجلاً من عند الرب " بيد أن قايين كان من نسل الرجل أي آدم وليس من الرب. وبعد ذلك استمرت أجراس النبوة في العهد القديم تُقرع معلنة أن الشخص الموعود سوف يولد من ذرية إبراهيم والذي من نسله سوف تتبارك جميع قبائل الأرض (تكوين 3:12). وقد استمر تأكيد هذا الوعد لسحق ابن إبراهيم، ثم ليعقوب ابن اسحق الذي كان له اثني عشر ولداً. وقبل وفاة يعقوب جمع أولاده وباركهم و تنبأ أن أبنه يهوذا هو الذي سوف يأتي منه الشخص الموعود به إذ قال عنه: " لا يزول قضيب (صولجان) من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب " (تكوين 10:49). وكلمة شيلون تعني الشخص الذي يشيل أو يحمل الرئاسة على كتفه أو الذي له الحكم.(أشعيا 6:9).
وتستمر صيحات وأصداء هذه النبوة ترن في العهد القديم معلنة أن هذا المخلص سيولد من عذراء كما قال النبي اشعياء: " ها العذراء تحبل ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل " (اشعيا 14:7).
وتمر السنون تلو السنون والصوت لا يزال يدوّي ولكن النبوة تكشف بعاداً وتفاصيل جديدة عن هذا المخلص الذي تنتظره الأجيال سوف يولد في بيت لحم اليهودية كما قيل بالنبي ميخا: " أما أنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة أن تكوني في بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على اسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل " (ميخا 2:5).
فدعنا الآن أن نرجع إلى الوراء قليلاً ونتذكر أنه عندما أخطأ آدم و أخطأت حواء وعلما بعريهما قام السيد الرب بذبح حيوان وسفك دمه وصنع أقمصة من جلد وألبسهما لكي يستر عريهما معلّماً إياهما من خلال هذا العمل أنه كان لا بدّ من سفك دم بريء للتكفير عن خطاياهما.
كان قايين وهابيل مولودين بالخطية من آدم وحواء، وقد علّمهما أبواهما أن طريق الفداء الوحيد هو من خلال كفارة الدم، وإذ آمن هابيل بتعليم والديه له قدّم ذبيحة من خيار غنمه ومن سمانها فنظر الرب برضى لقربانه، أمّا قايين على الجانب الآخر، وبحسب خطته الخاصة، فقد قدّم قرباناً إلى الرب من ثمار الأرض، لكن ربانه رض لأنه: " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " (عبرانيين :22:9). وهذا ما أعلنه لنا الرب عندما قال: " لأن نفس الجسد هي في الدم، فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم لأن الدم يكفر عن النفس " (لا ويين11:17).
لا بد وأن قصة الفداء بالدم كانت قد تعممّت على الناس في ذلك الوقت، فنرى أن نوح بعدما خرج من الفلك بنى مذبحاً للرب وقدّم عليه ذبائح من الحيوانات الطاهرة و من الطيور الطاهرة وما هذا إلا رمز واضح لذبيحة المسيح الكفارية عن الخطايا. فالحيوانات الطاهرة هي رمز لناسوت المسيح والطيور الطاهرة رمز إلى لاهوته.
ثم نرى موسى انبي يتعلّم أيضاً من ذبيحة الفصح في مصر ورش دمها على القائمتين والعتبة العليا أن الطريق الوحيد للهروب من قضاء الله هو الدم، وقد رأى أن الخروف المذبوح كان بديلاً عن الأبكار وأنه الوسيلة الوحيدة للخلاص.
وهذا يقودني إلى القصة المؤثرة والتي تمثل قمّة الطاعة والتضحية وهي قصة أبونا إبراهيم خليل الله الذي تعلم من الكبش الذي قدّمه عوضاً عن ابنه أن هذا الكبش ما هو إلا رمز " للذبح العظيم " حمل الله الذي يرفع خطية العالم.
والسؤال الذي يطرح نفسه و لا يزال يدوي صده عبر الأجيال هو: " هل صدفة أن المكان الذي يقال له الجلجثة يقع في نفس مكان جبل المريا حيث طلب الله من إبراهيم أن يقدم ابنه ؟ وهل هو مجرّد الصدفة أن الملك سليمان بنى هيكل الله على هذا الجبل عينه لكي يقدّم هناك ذبائح لله؟ " (أخبار الأول 1:3).
وهل مجرد الصدفة أن بعد ألفي عام يساق المسيح " كحمل الله الذي يرفع خطيئة العالم " إلى المكان ذاته لكي يعلّق على الصليب كآخر ذبيحة تقدم للتكفير عن خطايا العالم؟.
هل حدث صدفة أن النبي أشعياء كتب عن موت المسيح قبل حدوثه بسبعمائة عام قائلاً: " محتقر ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به. لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا... ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازّيها لم يفتح فاه... غنه ضرب من أجل ذنب شعبي. وجعل مع الأشرار قبره و مع غني عند موته. على انه لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غش. أما الرب فسرّ بأن يسحقه بالحزن إذ جعل نفسه ذبيحة اثم... من تعب نفسه يرى ويشبع وعبدي البار. بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها... إنه سكب للموت نفسه. وأحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين " (أشعياء 3:53-12).
هل صدفة أن يشير إليه يوحنا المعمدان قائلاً: " هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم؟ " (يوحنا 29:1).
دعني عزيزي القارئ أن أضع أمامك بعض الأسئلة التي تساعدك في بلورة هذه الصورة الرائعة:
هل يمكن أن يكون النجار الذي أتى من الجليل هو المسيا المنتظر و التي تحققت فيه كل نبوات الكتاب المقدّس؟.
وهل ولد من عذراء كما تنبا أشعياء؟ (أشعياء 14:7).
ثم هناك آلاف المدن والقرى في العالم، فهل ولد المسيح في بيت لحم اليهودية بالذات كما تنبأ ميخا؟ (ميخا 2:5).
وهل خانه أحد رفاقه المقربين إليه كما أعلن ذلك داود النبي؟ (مزمور 16:22).
وهل أعطي خلاً ليشربه ساعة عطشه على الصليب كما كتب عنه داود؟ (مزمور 21:69).
و هل صلب بين أثمة كما تنبأ عنه أشعياء؟ (أشعياء 21:53).
وهل ثقبوا يديه ورجليه كما تنبأ عنه المرنم (داود)قبل موته بألف سنة؟ (مزمور 16:22).
وهل تم دفنه في بر رجل غني كما سجل أشعياء؟ (أشعيا 9:59).
وهل حمل خطايا كثيرين وهل شفع في المذنبين؟ (أشعيا 12:53).
و هل قام من بين الأموات كما تنبأت عم ذلك النبوات؟ (مزمور 10:16).
و هل... وهل... وهل.....
هناك أسئلة كثيرة تدور في أذهاننا جميعاً عندما نقرأ مئات من النبوات المفصلّة عن مولده وحياته وموته وقيمته وهذه كلّها لم تكن تتحقّق إلا فيه وحده لا سواه.
إننا نقرأ في أول الرسالة التي كتبت للعبرانيين ما يلي. " الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء. الذي به أيضاً عمل العالمين. الذي و هو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس عن يمين العظمة في الأعالي " (عبرانيين 1:1-3). وهكذا تبّين أن يسوع المسيح هو ابن الله الوحيد والذي فيه قد تحققّت كل مواعيد العهد القيد.
بعد إتمام كل النبوات وكل ما كتب عنه صعد يسوع إلى السماء، والآن تنتظر البشرية جميعها مجيئه البارك لكي يتمّم كل بقية النبوات ويختطف المؤمنين ويقيم ملكوته. لقد حفظ كلمته وتمّم كل النبوات السابقة ونحن الآن نتوقّع إتمام بقية النبوات. لذلك لا نراه عجيباً عندما كتب عنه لوقا البشير قائلاً: " يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا " (أعمال 43:10).
سوف نحاول في الصفحات التالية أن نأخذك عزيزي القارئ في جولة روحية نغوص فيها في أعماق الكتاب المّدس، بهديه القديم والجديد، لكي يتاح لك أن تطّلع على الشهادات التي قدّمها أنبياء العهد القديم عن هذا المخلص العجيب وكيف تمّّّت هذه النبوات في العهد الجديد.
صلاتي إلى الله القدير أن يمنحك إعلاناً واضحاً عن طبيعة هذا المخلص العجيب لكي تقبله بالإيمان مخلصاً لنفسك ورباً لحياتك وعندئذ تولد ثانية وتكون لك الحياة الأبدية؟ " الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله " (يوحنا 36:3).
- عدد الزيارات: 5338