Skip to main content

الفصل الخامس: الكتاب المقدس جدير بالثقة

بعد تفحص تلك الأخطاء المزعومة والتي تشمل ليس فقط الأمثلة الواردة في الفصل السابق بل الكثير غيرها أيضاً، نستطيع القول بأنه ليس هناك أي خطأ حقيقي في الكتاب. ونحن ندعو هذا الكتاب بـ "الكتاب المقدس"، فإذا كان قد احتوى على أخطاء فلا يحق لنا مطلقاً بأن ندعوه "مقدساً". ولكن كم يختلف موقفنا منه حينما نقترب إليه ككلمة الله بالتمام وكقانون موحى به ومنزه عن الخطأ والدستور الوحيد للإيمان والحياة! إذ ذاك نقبل بكل استعداد ورحابة صدر بياناته عن الحق وننحني أمام تصريحاته تعبيراً عما وجب من احترام ونرتجف بالفطرة أمام تهديداته ونتكل بكل أمل على مواعيده وعندما ننادي بكلمة الله من المنبر أو في غرفة الدراسة وعندما نعزي المريض على فراش الآلام أو في فقيد ما، أو حينما نجد أخوتنا البشر يجاهدون ضد تجاربهم رازحين تحت الهموم ونسعى لمواساتهم ومنحهم العزاء، كم نكون شكورين لوجود الكتاب الذي هو جدير بكامل ثقتنا!

هناك ما يسمى بقانون الوثائق القديمة الذي هو مقبول لدى العلماء المختصين بدراسة الكتب والمخطوطات القديمة، دينية كانت أو غير دينية، هذا القانون يمكن تلخيصه كما يلي:

"الوثائق التي تبدو قديمة في مظهرها والتي لا تحمل على وجهها آثار التزوير، والتي وجدت في حفظ ملائم تحسب أصلية وحقيقية حتى يبرز برهان كاف ضد ذلك..."

ونحن نسلم بأن أسفار العهد القديم والجديد كلها نقية وصادقة. يتضح ذلك لنا عندما نحكم عليها على ضوء هذا المبدأ المتضمن في قانون الحكم على الوثائق الأثرية. وقد يبدو لأول وهلة أنه من الصعب جداً فهم السبب الذي دفع الكثيرين للبحث عما يسمى بأخطاء الكتاب المقدس. لكننا عندما نفكر في المسألة ملياً نجد أن هذا الكتاب يدين الناس ويؤشر لهم على خطيئتهم. وهذا أمر غير مرغوب به إذ أن الشخص غير المتجدد يفضل قراءة الجريدة اليومية، أو رواية مثيرة، أو متابعة تفاصيل محاكمة أحد المجرمين عبر المذياع أو التلفزيون على قراءة فصل من الإنجيل! وبما أنه لا يريد الإصغاء إلى الحق فيما يتعلق بنفسه وبالعالم الذي يعيش فيه فإنه يحاول اكتشاف عيوب في الكتاب المقدس. والسبب الذي لا يدعه يترك الكتاب وشأنه هو أن الكتاب أيضاً لا يتركه وشأنه. وقد جاهد النقاد في كل عصر ومن كل طبقة جهاداً مريراً لاكتشاف بعض الأخطاء التي قد تدين الكتاب بالبهتان. وهم على الغالب لا يجدون مسرة كبيرة في إظهار أخطاء في مؤلفات فرجيل أو شيكسبير، أما الكتاب فلا يدعونه جانباً بل يداومون على انتقاده. وكم من الأحيان اتفق الكثيرون على مقاومة الكتاب المقدس مع أنه لم يكن بينهم، إلى جانب ذلك، أي قاسم مشترك يجمعهم.

1- شهادة علماء بارزين

يوجد في العصر الحاضر البعض من العلماء الذين يحاولون تكذيب الكتاب المقدس. هؤلاء غالباً ما يبدءون بشن غاراتهم على العهد القديم ثم ينتقلون في هجومهم على كل أجزاء العهد الجديد. ومع ذلك فهناك آخرون عديدون والذين يضاهون غير المؤمنين من العلماء من ناحية العلم والذكاء والذين يصرحون بأن الكتاب المقدس هو جدير بالثقة وبأنه يمكن الاعتماد عليه اعتماداً مطلقاً.

وقد صرح أحد علماء التفسير المؤمنين قائلاً: "لقد كرست نفسي لدراسة العهد القديم لمدة خمس وأربعين سنة. وقد درست موضوعي في كل لغاته وفي كل ما يتعلق بالآثار القديمة وبالتاريخ... والنتيجة التي وصلت إليها هي أن الله كلم آبائنا عبر الأنبياء بأنواع وطرق كثيرة، وأن العهد القديم في العبرية هو موحى به من الله مباشرة، وأن الله تعالى قد حفظه نقياً عبر العصور والأجيال بعناية تفوق الوصف".

ومهما طال انتظارنا فإننا لن نصل إلى أية نظرية تعطي بياناً وافياً عن أصل وسلطة الكتاب المقدس سوى كونه قد أتانا من الله. وقد وفدت النظرية تلو الأخرى تحاول التقليل من أهمية الوحي أو إنكاره ولم تلبث أن دحضت وطواها الزمن، وحتى يومنا هذا لم يطرح أي افتراض معاد لعصمة كلمة الله في الكتاب المقدس إلا وتهدم قبل أن يدوم أكثر من نصف قرن. هذا في حد ذاته اعتراف بأن الكتاب المقدس لا يمكن أن يعلل بأي واسطة أخرى غير تلك التي تكلم عنها الأنبياء أنفسهم. وليس هناك أي أمل بظهور نظرية أخرى يكون نصيبها أكثر نجاحاً في المستقبل، فالطريق الوحيد والمعقول الذي علينا إتباعه هو قبول الكتاب المقدس كما يقر هو بحقيقة أمره، أي أنه كلمة الله.

ومن المهم أن نلاحظ أنه عبر كل العصور الماضية كان الإيمان المسيحي ينمو ويترعرع بواسطة جد ونشاط شخصيات بارزة من المتيقنين بأن الكتاب المقدس هو بكامله موحى به من الله. إن المسيحية لم تستفد مطلقاً من الذين شكوا في الكتاب. ولذلك علينا ألا نصبح كأولئك التائهين الذين قال عنهم الكتاب أنهم قبلوا كلمة الله مخدومة بواسطة ملائكة ولكنهم لم يحفظوها.

2- في أساس اعتقادنا أن الكتاب المقدس معصوم عن الخطأ

حينما نصرح بأن الكتاب المقدس هو جدير بالثقة المطلقة سواء أكان ذلك من جهة بياناته الواقعية أو العقائدية أو الأخلاقية، فإننا لا نعني بأننا قد فحصنا شخصياً كل بيانات الكتاب بمقدار كاف من العناية بحيث نشعر بمطلق الارتياح في تأكيدنا بأنها جميعاً صحيحة. لقد وصلنا إلى الاستنتاج بأن الكتاب المقدس هو مجرد عن الخطأ أولا بملاحظتنا البيانات الكثيرة التي تشير إلى الوحي والعصمة، ثم بامتحان تلك البيانات الكثيرة التي تشير إلى الوحي والعصمة، ثم بامتحان تلك البيانات على ضوء الحقائق التي نحصل عليها من علم النقد والتفسير. ونظراً للدلائل العديدة التي تثبت صحة هذا الموقف وأهم هذه: المستوى الأخلاقي والروحي الموجود في الكتاب بأسره، وإرشاد الروح القدس الموعود به، والنبوءات العديدة التي تمت، والوحدة الداخلية في الكتاب بمجمله، والطريقة البسيطة والخالية من التغرض التي تُسرد بها البيانات، وعدم وجود أي أخطاء مثبتة ومبرهن عليها... من هذه إذاً فالكتاب هو موحى به تماماً. وإذا رفضنا هذا الاتجاه لا يبقى عندنا أي وسيلة معقولة تساعدنا على الوصول إلى غايتنا.

إن موقف العلماء المؤمنين من هذه القضية قُدم بشكل واضح وطريقة مقنعة. ذكر أحدهم أن "الكتاب المقدس يشهد لنفسه على كونه جديراً بالثقة التامة" وأضاف: "لو لم تكن الحالة كذلك لكان كل ما نستطيع قوله هو أن الكتاب لا يحتوي على أخطاء مبرهنة. ويتضح لنا ذلك إذا تذكرنا بأن آخر أجزاء الكتاب قد كتبت قبل نحو ألفي سنة، وأن الكتاب بأسره يعالج حقباً من التاريخ ليس لدينا معرفة كاملة عنها. وهو يسرد الكثير من اعتقادات واختبارات أشخاص كثيرين ممن لا نعرف عنهم سوى القليل. وهو يتضمن كذلك بيانات أعلنت بطريقة تفوق الطبيعة، وكذلك تشمل على نبوات لم تتم بعد. فليس هناك أي فرد حتى ولا أعظم العلماء يتمتع ولو بجزء بسيط من تلك المعرفة اللازمة والتي تخوله أن يبرهن - على أساس معرفته الخاصة – بأن الكتاب هو خال من الخطأ. ولكن الحال يختلف تماماً إذا كانت الشهادة عن كون الأسفار المقدسة جديرة بالثقة التامة هي جزء من ظاهرتها الطبيعية. فلا مانع عندئذ من التصريح بأن ذلك يعفينا من مسؤولية فحص فقراته لنتحقق من كونها تتفق مع ادعاءه. فنحن نصل إلى النتيجة بأن الكتاب هو خال من الأخطاء:

(1) لأنه لا يوجد برهان على خطأ واحد فيه.

(2) بسبب الشهادة التي يشهدها الكتاب عن أهليته التامة للثقة.

كما وأننا نتكل على الأسفار المقدسة لمعرفتنا بالحقائق التي تشكل الإيمان المسيحي. فإذا لم يعد لنا الحق بأن نثق بها عندما تخبرنا عن نفسها فكيف يمكننا الثقة بها عندما تخبرنا عن ألوهية المسيح والفداء التام بدمه والتبرير بالإيمان والتجديد بالروح القدس وقيامة الجسد والحياة الأبدية؟"

وعلاوة على ذلك فإن جدارة السيد المسيح بالثقة تتعلق بشكل وثيق بعصمة الكتاب. ففي الكلمات "لا يمكن أن ينقض المكتوب" و"إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" الإنجيل حسب (متى 5: 18). نسب المسيح يسوع سلطاناً مطلقاً لأسفار العهد القديم واقتبس منها كحكم نهائي، فإذاً سلطان الكتاب وسلطان المسيح هما متصلان بشكل وثيق. وقد ينحني البعض أمام الرب يسوع المسيح ويبتهجون به كربهم وسيدهم ومع ذلك فهم لا يتورعون أن ينسبوا إلى الكتاب المقدس ليس فقط أخطاء تاريخية بل أخلاقية أيضاً! وهكذا موقف متناقض لا يمكن الاحتفاظ به طويلاً لأنه من المستحيل أن نكون في آن واحد مؤمنين بالمسيح ومنتقدين له. ولا يمكن أن نبقى مستقيمي الرأي بخصوص يسوع المسيح بينما نقبل آراء النقاد الهدامين عن الكتاب المقدس! وكما سأل الرب في تلك الأيام: "ماذا تظنون في المسيح، ابن من هو؟"، يمكننا أيضاً أن نسأل المترددين في يومنا هذا: "ماذا تظنون في الكتاب المقدس، كتاب من هو؟". وكما أن يسوع المسيح هو في وقت واحد إله وإنسان هكذا نستطيع أن نقول بأن الكتاب هو من أصل إلهي وبشري. وكما كان المسيح إنساناً حقيقياً بكل معنى الكلمة، ومجرباً في كل شيء مثلنا، ولكنه بدون خطأ لكونه الله أيضاً، هكذا فإن الكتاب المقدس هو بالحقيقة كتاب بلغة وكلمات بشرية كتبه بشر مثلنا، ولكنه في نفس الوقت كتاب مجرد من الأخطاء لأنه كتاب إلهي أيضاً.

وعندما نقول أن الوحي قد امتد إلى كل أجزاء الكتاب لا نعني بأن نقول أن كل أجزاء الكتاب المقدس هي ذات نفس النسبة من الأهمية. إن سفر التكوين مثلاً أو بشارة متى أو سفر الرؤيا هي أهم بكثير من سفر أخبار الأيام الثاني أو نبوة حجي أو رسالة يهوذا. ليست كل الأجزاء ذات قيمة متساوية ولكنها كلها متساوية بصدقها وموضوعيتها.

عقيدتنا إذاً هي أن الكتاب هو تام وأنه لا يحتاج إلى إضافة أو تنقيح كما ورد في إحدى وثائق الإيمان: "فكل مشورة الله عن كل الأمور المتعلقة بمجده تعالى وبخلاص الإنسان وإيمانه وحياته، هي إما ظاهرة بكل وضوح في الكتاب المقدس أو يمكن استنتاجها منه، فلا يجوز إذاً أن يضاف إليه أي شيء في أي وقت كان، سواء أكان بادعاء وحي جديد من الروح أو بتقاليد بشرية".

  • عدد الزيارات: 3280