كيف سقط الإنسان؟
فجأة يبرز في وسط هذا المشهد الجميل الرائع الشيطان مستخدما الحية في إسقاط الإنسان فمن هو الشيطان؟وما أصله؟ وهل خلق الله ذلك المخلوق الرجيم؟ أو خلقه ملاكا رحيما حكيما ثم انحدر ذلك الملاك وسقط عن طريق التصلف والكبرياء؟ إن حرقيال وأشعياء يشتركان معا في كشف النقاب عن أصل هذا المخلوق العجيب ففي سفر حزقيال نقرأ هذه الكلمات وكان إلى كلام الرب قائلا: يا ابن آدم ارفع مرثاة على ملك صور وقل لع: هكذا قال السيد الرب أنت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال كنت في عدن جنة الله كل حجر كريم ستارتك عقيق أحمر ز ياقوت أصفر وعقيق أبيض وزبرجد وجزع ويشب وياقوت أزرق وبهرمان وزمرد وذهب أنشأوا فيك صنعة صيغة الفصوص وترصيعها يوم خلقت أنت الكروب المنبسط المظلل
وأقمتك على جبل الله المقدس كنت بين حجارة النر تمشيت أنت كامل في طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم حزقيال11:28و15 ومع أن الحديث موجه إلى ملك صور لكن الأوصاف التي يتضمنها الحديث لا يمكن أن تنطبق على إنسان بشري ساقط وكل ما في الأمر أن ملك صور اختير كرمز للشيطان لأنه كان يؤله نفسه كما فعل الشيطان تماما والشخص الموصوف هنا خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال كان يسكن عدن جنة الله وهي قطعا غير عدن الجنة التي أسسها الله للإنسان وكان الكروب المنبسط المظلل وقد أقامه الله على الجبل المقدس وتمشي بين حجارة النار وكان مخلوقا كاملا في طرقه من يوم خلق حتى وجد فيه إثم فمن يكون هذا المخلوق الذي كان بهيا وكاملا سوى الشيطان وما هو سر سقوط الشائن الرهيب؟ يجيبنا إشعيا بالقول كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح؟ كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم؟ وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات أرفع كرسي فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال أصعد فوق مرتفعات السحاب أصير مثل العلي اش14:12:14 فالسر في سقوط الشيطان هو التصلف والكبرياء هو أنه أراد أن يرفع كرسيه فوق كواكب الله وأن يصير مثل العلى لكنه هوى من مركزه الرفيع لأن قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح أم 18:16 وقد يسأل سائل: لماذا لم يبد الله الشيطان من الوجود حين سقط حتى لا يكون سببا في سقوط الإنسان؟ و إجابة هذا السؤال تتلخص في أن الله قد سمح في حكمته أن يبقي الشيطان ليظهر للبلأ الأعظم شروره فلا يترك مجالا للشك عند الملائكة من جهة عدالته إذ أنه لو أباد الله الشيطان مباشرة بعد عصيانه لجاز أن يشك الملائكة في عدالة الله لكن الله ترك الشيطان ليرى الملائكة و الناس خداعه المخيف وشره الفظيع و الشقاء المجسم الذي جلبه على الخليقة بتمرده على خالقه حتى إذا حان يوم عقابه الأبدي تجلت عدالة الله في وضوح و جلاء وفوق ذلك يمكننا أن نستعير أيضا الكلمات التي وجهها الله لفرعون كإجابة على سؤالنا بخصوص بقاء الشيطان إذ قال الله لفرعون إني لهذا بعينه أقمتك لكي أظهر فيك قوتي ولكي ينادي باسمي في كل الأرض رو17:9 أجل لقد أبقى الله الشيطان ليظهر فيه قوته ويستخدمه في إعلاء مجده الذي لا يزول والذي يهمنا هنا هو أن نسجل ما هو سبب الخطيئة في العالم لم يكن هو الله المحب الطيب القدوس بل كان الشيطان الطاغي المتكبر النجس بعد ما هوى مركزه السامي إلى درك العصيان وقد قال رب المجد في وصفه الشيطان ذلك كان قتالا للناس حين البدء ولم يثبت به الحق لأنه ليس فيه حق متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب أبو كذاب يو 44:8 والآن لندخل إلى جنة عدن لنرى كيف جرب الشيطان الإنسان وكيف قاده إلى السقوط؟؟ يصور لنا كاتب سفر التكوين منظر التجربة التي أسقطت الإنسان في هذا التعبير وكانت الحية أحيل حيوانات البرية التي عملها الرب الإله ويقينا أن الشيطان قد استخدم الحية في خداعه الغريب حتى صارت رمزا دائما لشخصيته الأثيمة وهذا ما يؤكده لتا يوحنا في رؤياه قائلا فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله طرح إلى الأرض وطرحت معه ملائكته رؤ12:9 فالحية التي تقدمت لتجربة حواء كانت تحمل صوت الشيطان إلى قلب الإنسان وما أخدع هذا الصوت الناعم الجميل الذي قال عنه بولس الرسول محذرا ولكني أخاف كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح 2كو13:11 فكيف تكلم الشيطان بواسطة الحية إلى حواء؟ وما هي السموم التي حملنها كلماته إلى الإنسان وهو في برارته ونقاوته؟.
1-كان صوت الشيطان هو صوت الشك في كلمة الله:
لم يكن لدى حواء كلمة الله وكان ثباتها في طاعة هذه الكلمة يعني الحياة والسعادة والهناء الدائم وكان عصيانها يحمل في طياته الموت والشقاء
والعذاب الأليم وكان هدف الشيطان أن يدخل الشك في قلب حواء في صدق كلمة الله وهذا هو عمله على مر العصور والدهور فتكلم بواسطة الحية قائلا أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ سؤال كاذب ماكر خداع يحمل كل عناصر الخيانة والغدر فقطعا كانت تعلم الحية ماذا قال الله وكانت ترى حواء وهي تنتقل بين أشجار الجنة وتأكل ما تريد من أثمار لكنها أرادت بسؤالها هذا أن توجد مجالا للحديث مع حواء لتغرر بها فتأكل من ثمر الشجرة المحرمة وتعصي وصية الله وانزلقت المرأة إلى الفخ الذي أحكم الشيطان وضعه وأجابت الحية قائلة من ثمر شجر الجنة تأكل وأما من ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا إذا لم يقل الله لا تأكلا من كل شجر الجنة وإذا سرا رائعا يكمن في ثمر هذه الشجرة المحرمة؟ ومن أجل هذا السر منعهما الله أن يأكلا منه وهذا أمر يدعو إلى الشك والتفكير وإذ بدأ عقل حواء يفكر هتفت الحية قائلة لن تموتا أو بعبارة أخرى لا تصدق الله يا حواء فليست كلمته هي الفيصل وهكذا غرس الشيطان بذور الشك في صدق كلمة الله في قلب حواء و هذه أولى خطوات الانحدار؟؟
2- كان صوت الشيطان هو صوت الشك في دينونة الله:
في لغة ماكرة ناعمة همست الحية في أذن حواء بالعبارة لن تموتا ومع أن هذه الكلمة تحوي كل معاني الشك في صدق الله فهي كذلك تحمل في طياتها كل عناصر الشك في دينونة الله فكأن الحية تقول في عبارة أخرى، ليس هناك موت، ولا عقاب، ولا دينونة !! و إلى اليوم مازال الشيطان يبذر ذات البذور في قلوب البشر، مشككا إياهم في حقيقة دينونة الله، ليستهينوا بالشر، ويستخفوا بالعصيان، وإذ دخل الشك في قلب حواء صارت قريبة من السقوط و الانهيار.
3- كان صوت الشيطان هو صوت الشك في محبة الله
تركزت عينا حواء في ثمر الشجرة المحرمة، واستطردت الحية تقول بصوتها الخادع : ((الله عالم أنكما يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر)) كيف انسابت هذه الكلمات إلى أذني حواء ؟ أي صورة رسمتها في ذهنها لله ؟ هنا بجدر بنا أن نقف قليلا , فلا شك أن حواء قالت لنفسها : إذا كان ثمر هذه الشجرة سيجعلنا كالله , فلماذا حرمنا الله من أكله ؟ ألعله لا يحبنا بالكفاية ؟ ألعله لا يريد لنا الرفعة والمجد والجلال ؟ وبدأت بذور الشك في محبة الله تغمر هذا القلب النسائي الضعيف , واجتمعت عليه كل عناصر الإغراء والغواية من شك في صدق كلمة الله إلى شك في حقيقة دينونة الله , إلى شك في محبة الله , وعندما تملكت هذه الشكوك قلب حواء بدأ صوت التحذير الإلهي يضعف في ذهنها , وصوت الإغراء الشيطاني يقوى في أرجاء نفسها ! ثم تأتي نهاية المأساة , فينتصر الشيطان على الإنسان , وتنظر حواء إلى الشجرة فترى ((أن الشجرة جيدة للأكل ,وأنها بهجة للعيون ,وأن الشجرة شهية للنظر , ثم نقرأ عن الخاتمة المخيفة ((فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل)) وهكذا سقطت حواء أم الإنسانية , وسقط معها آدم أبو البشر أجمعين !!
نتائج سقوط الإنسان
عصت العائلة البشرية الأولى صوت الله , وأطاعت صوت الشيطان , وأسدل الستار على عصر برارة الإنسان, بل أسدل على هنائه , وسعادته , وبدأت الدراما الإنسانية تأخذ مكانها على مسرح الأرض الجدباء.
وهنا يليق بنا أن نتتبع النتائج الرهيبة لسقوط الإنسان , فتعال معي لنسر في كهوف هذه المأساة الإنسانية الكبرى , ونرى ما جرته من شقاء على البشرية جمعاء !!
الإحساس بالعري
فتح الإنسان عينيه بعد أن عصى إلهه ليرى نفسه عاريا , والإحساس بالعري هو أكبر دليل على ضياع الشعور بالبراءة , فالطفل الصغير دون سن المسئولية لا يشعر بالعري لأن إدراكه لمعنى الشر لم يكمل بعد , أما الإحساس بالعري , فيعني أن العين لم تعد بسيطة كما كانت , وأن العقل بدأ يفكر أفكاراً رديئة
ولما أ حس الإنسان بعريه حاول أن يستر نفسه، لكن بماذا؟ بأوراق تين لا بد أن تجف و أن تكشف ما ورائها من عورات.
ومحاولة ستر الجسد العاري، تقابلها محاولة أخرى أعمق و أخطر شأناً هي محاولة كبت الشعور بالذنب, وتغطيته إما بالنسيان، أو بالاعتذار، أو بالتهوين، أو بعدم المبالاة، أو بالانغماس في المشاغل والملذات للهروب من مواجهة الله، وكل هذه أوراق تين لا تستطيع أن تستر ذنب الإنسان.
و جاء الرب الإله !!
فهل استقبله آدم ليحييه التحية الواجبة على المخلوق نحو خالقه ؟ وهل أسرع إليه كعادته كل يوم ليتحدث معه حديث الشركة القلبية الحبية ؟!
الإحساس بالخوف
لقد طغى عنصر جديد على حياة هذا المخلوق بعد أن عصى وصية الله، هو عنصر الإحساس بالخوف، والخوف والخطيئة صنوان لا يفترقان.
جاء الرب الإله، فلما سمع آدم وامرأته صوته عند هبوب ريح النهار أحسا بالخوف، واختبئا في وسط شجر الجنة. قالت لهما الحية أنهما سيصيران كالله، وها هما ينزلان درجة في سلم الانحدار، فيملأهما الخوف من مواجهة الله، و يسرعان للاختباء وسط الأشجار، تماما، كما يفعل الكثيرون اليوم، حين يختبئون وراء أشجار المذاهب الدينية، أو وراء أشجار المظاهر الكنسية، أو وراء أشجار العلم و الأدب وحسن اللياقة... أشجار كلها إلى ذبول.
الإحساس بالعداء
وألقى الله أول سؤال سمعه إنسان عاش على هذه الأرض ((آدم...أين أنت ؟)) وأجاب آدم ((سمعت صوتك فخشيت لأني عريان فاختبأت)) وكشف الإنسان في إجابته عن حقيقة إحساسه من نحو الله , إحساس الخوف بدل إحساس الحب ,وإحساس العداء والهرب بدل إحساس القرب !! ومع الإحساس بالعداء لله , شعر الإنسان بالعداء لأخيه الإنسان , ونرى ذلك في محاولة آدم إلقاء التبعة على حواء , وذكر شخصيتها دون أي لقب يدل على الحب والوفاء فقد قال لله ((المرأة التي أعطيتني)) , ولم يقل شريكة حياتي أو أليفة وحدتي ومنذ ذلك اليوم والعداء مستحكم بين الناس , نراه في الحروب , والخصام , وسفك الدماء !! وكل هذه المشاعر والأحاسيس ملأت كيان الإنسان بعد السقوط
وسأل الله آدم ((من أعلمك أنك عريان , هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها)) ويقينا أن الله كان يعرف أن آدم قد أكل من الشجرة لكنه سأله ليعطيه فرصة للاعتراف بخطيته , ولكننا بدلا من أن نسمع اعترافا وشعوراًً بالندم , نسمع إجابة جريئة متبجحة تخرج من فم الإنسان إذ يقول ((المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت)) , وكأنه بهذه الإجابة يضع مسئولية سقوطه على الله , لا على طاعته للشيطان وسماعه لصوت الإغراء الآتي من حواء !!
وسأل حواء : ما هذا الذي فعلت ؟ ومرة ثانية , يتنصل الإنسان من المسئولية ,. فتجيب المرأة وهي نصف البشرية الثاني : ((الحية غرتني فأكلت))
ولا يسأل الله ((الحية)) , لأنه يعرفها يعرف أن الشيطان قد استخدمها , وأنه يتحداه بإسقاطه للإنسان !!
وهنا يجلس الله في مجلس القضاء , ويتخذ العدل مجراه
ويبدأ الله في إصدار عقوباته على المذنبين
ويصدر الله العقوبة الأولى على الحية قائلا ((لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل أيام حياتك وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه))
ثم يصدر العقوبة على المرأة قائلا ((تكثيراً – أكثر أتعاب حبلك بالوجع تلدين أولاداً والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك)).
ويأتي دور آدم ويصدر الله ضده هذا القصاص ((لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها لأنك تراب والى التراب تعود)) 3 : 14-19
وفي عقوبة آدم تتجسد خطيئة الإنسان , وتظهر مسئوليته في طاعته بمحض حريته لصوت الشيطان لقد وضع الله الإنسان في هذا الامتحان , ليعلمه أنه وكيله الذي أقامه على مخلوقاته التي وضعها تحت إمرته , وأنه لابد أن يعطي حسابا لله إذا أساء تصرفه في وكالته , والشخص الذي يفقد الإحساس بوكالته لله , يفقد حتما فهمه لحقيقة أصله ونهايته , ويكون قلبه مرتعا لكل أنواع الشر , ومن المستحيل أن يخلق الله محلوقا عاقلا دون أن يرسم له حدود حياته التي لا يجب أن يتعداها , والمخلوق العاقل ينبغي أن يشعر دائما بمسئوليته أمام خالقه , وبضرورة الطاعة لوصيته
أما آدم فلم يطع الله , بل سمع لقول امرأته , وفضلها عن إلهه , ولذا كان هو المسئول الأكبر في مأساة السقوط , وبسببه جاءت اللعنة للأرض , وجاء للبشر التعب والكد , وانبتت الأرض الملعونة الشوك والحسك , وصار الإنسان التعس المسكين عبداً لبطنه يأكل لقمة العيش بعرق الجبين
إلى متى ؟ ((إلى أن تعود إلى الأرض التي أخذت منها لأنك تراب والى تراب تعود))
وهكذا نفذ الله كلمته ((لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت)) , وشرعت قوى الموت تشتغل في الإنسان , من الناحيتين الروحية والجسدية , حتى إذا انتهى يوم حياته عاد إلى التراب
ثم جاءت الخطوة الأخيرة ((فطرد الرب الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكر وبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة شجرة الحياة)) وخرج الإنسان الطريد إلى أرض الأشواك , التي صارت مسرحاً للدراما الكبرى التي صنعها الإنسان
وتفشت الخطية في كل مكان وطأته أقدام الإنسان !! وكان أول إنسان ولد من حواء هو ((قابين)) القاتل الأول الذي لوث الأرض بدماء هابيل أخيه
لقد كان آدم نائبا وممثلا لجميع الجنس البشري الذي كان في صلبه يوم تعدى وصية الله , فبعد طرده من الجنة ولد نسلا ساقطاً نظيره في حالة الفساد الروحي والأدبي , وتحت حكم الموت والدينونة التي استحقها بعصيانه على الله , وقد ورث هذا النسل عن أبويه الأولين حياة العداوة لله , والتمرد على شرائعه ووصاياه , وهذا ما يقرره بولس الرسول في كلماته ((من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع)) رو 12:5 , وما يؤكده داود في قوله ((هاأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي)) مز 5:51 , وهكذا كان أول مولود للإنسان الساقط , ولداً قاتلا نجسا
ثم ظهر في العالم الموجود وقتئذ مبدأ تعدد الزوجات عندما ((اتخذ لامك لنفسه امرأتين)) تك 19:4 , مع أن الله يوم خلق الإنسان , خلق امرأة واحدة لرجل واحد , وسجل كاتب سفر التكوين كلماته ((لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً)) تك 24:2
ومع هذا كله ابتدع الإنسان الموسيقى العالمية , ليغرق في غمرة أصواتها متاعبه , وينسى همومه , وينسى معها أبديته ومطاليب إلهه , فبزغ على مسرح التاريخ ((يوبال الذي كان أباً لكل ضارب بالعود والمزمار))21:4.
ثم شرع الإنسان في إنشاء صناعاته الخفيفة والثقيلة ونبغ في هذا ((توبال قايين الضارب كل آلة من نحاس وحديد)) تك 22:4 وانغمس الإنسان في الموسيقى , والرقص , والطرب , والغناء و وانحدر في دنياه الجديدة إلى الحضيض
صار الحب سلعة تباع , والشرف كلمة ساذجة بلا معنى , والسيف هو القانون الوحيد , واخترق الإنسان أيسر السبل لسد أرخص غرائز الحياة , فمن اتجار بالرقيق الأبيض , إلى سطو , إلى سرقة , إلى أي شيء وكل شيء لا تقره شريعة السماء
وغرقت مدينة الإنسان الطريد في اللهو , والعمل الشاق فلم تعد تستطيع أن تتبين ما تعاني من أمراض
لقد سد الشيطان فم البشرية بالمخدر , حتى لم يعد في مقدورها أن تتحدث فتشكو ما تحسه من مرارة أرهقها السهر , والعمل والشراب , فلم تعد قادرة على الشكوى مما هي فيه من محنة وعلى مر التاريخ ظهر المستغلون , والمستبدون , والمحتكرون , وأصحاب الأهواء , وانتشرت الخطيئة في جميع أركان الأرض , تجدها في كل عاصمة , وكل مدينة , كما تجدها في القرى الصغيرة حتى لو تخفت هذه القرى بين صخور الجبال , بل تجدها في أكثر بلاد الدنيا صرامة , وعبادة , وتصوفاً , ومع الخطيئة تجد كل صنوف الألم , والحرمان , والعذاب
- عدد الزيارات: 6005