ثورة الوجوديين
إن الوجودية حديثة العهد ومنذ عهد ليس ببعيد كانت تعتبر أحدث شيء في الفلسفة. وبالرغم من أنها قد تجاوزت عهد الجدة فإنها لا تزال تستحدث أشكالاً جديدة. بعض الناس يرددون بعض مصطلحاتها لئلا يتهموا بأنهم لا يماشون العصر.
ولكنني لا أزال أقول أن الموقف الوجودي قديم قدم الإنسان واختباراته في الحياة. فأن الناس جميعاً لهم أوقات يتصرفون فيها وكأنهم وجوديون، كما أن عدداً كبيراً من رجالات التاريخ كانوا يفكرون تفكيراً وجودياً لا لبس فيه ولا إبهام. وأساطير الشعوب القديمة تدور حول حبكات وجودية الخصائص. والكتاب المقدس ذاته يعج بالوجودية وبشكل قوي جلي. ( ويقول بعض العقلانيين أن هذا سبب الشكوى من الكتاب المقدس.) وكثيراً ما نرى بعضهم يقول أن الشعب العبراني وجودي في جوهره بخلاف ما كان عليه الشعب الإغريقي الذي كان يتمرس بالعقلانية الموضوعية. ولكن من ناحية أخرى أشرنا سابقاً إلى أن سقراط كان يميل في تفكيره إلى الوجودية. وقد أخذ علماء الإغريقية يكتشفون أن هناك غير سقراط ممن كان يفكر تفكيراً وجودياً.
وفي خلال فترات التاريخ الغربي كانت الدوافع الوجودية تثبت وجودها دوماً. وكان الكتاب المقدس أحياناً، وأحياناً أخرى كانت الأزمات النفسية، والثورات الاجتماعية، هي التي تحرك هذه الدوافع وتثيرها. فقد كانت حركة الإصلاح الإنجيلي أحد هذه الدوافع في فترة ما، وكان مارتن لوثر أشد الناس وجودية في تفكيره. ولا يزال الناس الذين يدرسون حياة لوثر وكلفن (Calvin) يخطئون في تفسير مذهبيهما الوجوديين فيجعلون منهما نظامين تجريديين.
فإذا كان موقف الرجل الوجودي المذهب قديم العهد،وإذا كانت الوجودية تعود لتظهر سنة بعد سنة فإن الواحد منا يتساءل لماذا كان على التاريخ أن يتوقف طويلاً حتى عصرنا الحديث ليشهد ولادة - أو بالأحرى تفجر- الوجودية كفلسفة؟ ولماذا تعهد القرن التاسع عشر والقرن العشرون رعاية الحركة وأسبغا عليها اسماً تعرف به، ولماذا نشأ للوجودية أدب في هذين القرنين؟
إن الجواب عن مثل هذا السؤال يقع في منطق أحداث التاريخ المعاصر وحركاته الفكرية. إن عالمنا الحديث نتيجة سلسلة من الأحداث العمياء والتغييرات التي وقعت من غير عمد - ولكنها جاءت، في نتائجها كأنها عن عمد وتصميم. جاءت هذه الأحداث بطبل وزمر رافعة شعارات تعد بها جماهير الناس بالتحرر من عبودية الماضي. ولكنها أسفرت في الواقع عن سلب الجماهير حريتها، وكانت أحياناً تستغوي الناس وتستهويهم وأحياناً أخرى تحطهم وترمي بهم إلى مهاوٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ لا تليق بالكرامة الإنسانية.
- عدد الزيارات: 3297