الفصل الثاني: تصادم أساسي
لا يستطيع الناس أن يفهموا ذواتهم، أو أن يدركوا كنه العالم المحيط بهم بيسر. غير أنهم لا ييأسون بل يستمرون في محاولتهم. وليست الأسطورة والشعر وعلم الفلك والكيمياء والدين والرسم والطب والفلسفة سوى محاولات بشرية للكشف عن المجهول وإدراك كنهه. وجميعها محاولات من شأنها أن تعين الإنسان في كشفه عن المجهول. ولكن علماً واحداً منها لا ولن يبلغ درجة الكمال.
إذا أقدم المرء على أمر جلل يريد درسه ويرغب في تفهمه، عليه أن يتحلى بالموضوعية، وإذا تعذر عليه أن يتحلى بالموضوعية فإن أهواءه ورغائبه تحول بينه وبين الحقيقة التي ينشدها، أو أن عواطفه تسد عليه مسالك التعقل الرصين الهادئ. وقد يكون أن بعض الحقائق التي تهمنا تبدو وكأنها أخطر شأنا من الحقائق التي تهم العالم. فإن اختباراتنا المريرة تعلمنا ألا نثق بذواتنا أحياناً إذا عجزنا نحن أيضا عن أن نكون موضوعيين.
إن الموضوعية صفة يتميز بها النضوج العقلي،وخاصة تتميز بها الحضارة الراقية. ومن شأنها تيسر السبل إلى منجزات عظيمة في حقل المعرفة. ولكن الموضوعية أحياناً تمنع علينا الفهم. والوجودية نتيجة كون الموضوعية محدودة.
- عدد الزيارات: 2760