الفصل التاسع: العالم الآتي
"وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي" (عبرانيين 5:6)
تكلم يسوع في مناسبتين عن "العالم الآتي "أو "الدهر الآتي" (متى 32:12 ومرقس 30:10)، كما أن التعبير ذاته تكرر مرتين في الرسالة إلى العبرانيين (5:2 و5:6). والمقارنة هي بين هذا العالم أو هذا الدهر وبين الدهر الآتي. فالبعض قد انغمسوا في أمور هذا العالم لدرجة أنهم نسوا أن هناك عالماً آتياً.
إن معلوماتنا عن العالم الآتي معلومات محدودة فهناك الكثير عنه لا نعلمه. ولكن قد كشف لنا ما فيه الكفاية لنعرف كل ما نحتاج إلى معرفته.
الموت
الموت الطبيعي هو نصيب الجميع: "وكما وضع للناس أن يموتوا مرة" (عبرانيين 27:9). كل من عاش على الأرض مات عدا شخصين مجيدين أخنوخ وإيليا: "بالإيمان نقل أخنوخ لكي لا يرى الموت" (عبرانيين 5:11). "وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء" (2 ملوك 11:2). وكل من هو عائش على الأرض الآن سوف يموت ما لم يأتِ الرب في هذا الجيل.
ما هو الموت؟ إن الجواب عن هذا السؤال عسير كالإجابة عن السؤال: ما هي الحياة؟ الموت ليس انعدام الكيان. إنه يضع حداً للحياة على الأرض ولكن الإنسان عندما يموت لا يتلاشى كيانه. فقد قال يسوع "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها" (متى 28:10).
الموت هو انفصال النفس عن الجسد. وقد قال عنه الحكيم هكذا: "فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها" (جامعة 7:12). وقد وصف الموت أحياناً بأنه "تسليم الروح "وهذا هو الوصف الذي استعمل فيما يختص بموت يسوع عندما "صرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم وأسلم الروح" (متى 50:27).
وقد استعمل في العهد الجديد تشبيهان لوصف الموت، أولهما يتعلق بالجسد ودعي رقاداً. فعند الموت يظهر الجسم كأنه يستسلم للنوم. ونجد أن هذا التعبير "رقد" قد استُعمِلَ عدة مرات، فقصة موت استفانوس اختتمت بهذه الكلمات "وإذ قال هذا رقد" (أعمال 60:7). وقيل عن داود "بعد ما خدم جيله بمشورة الله رقد" (أعمال 36:13).
وقد عزّى بولس مسيحيي تسالونيكي عن موتاهم قائلاً: "ثم لا أريد أن تجهلوا أيها الأخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم" (1تسالونيكي 13:4). فكلمة "رقد" أو "نام" تتضمن أيضاً فكرة الصحو أو اليقظة. وفي الموت يرقد الجسد ولكنه يستيقظ في القيامة.
التشبيه الثاني الذي استعمل للموت يتعلق بالنفس أو الروح وقد سمي انطلاقاً. وكان هذا تعبير بولس المحبب إليه "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح" (فيلبي 23:1).
وهكذا فعند الموت يوضع الجسد فتحتضنه الأرض ليستريح ولكن الروح تنطلق إلى عالم آخر حيث تعيش إلى الأبد.
الحالة المتوسطة
وهذه تتعلق بمكان الميت وحالته بين الموت والقيامة. أين يذهب الإنسان عند موته؟ إلى أين تنطلق الروح؟ هناك كلمة عبرية في العهد القديم هي "شيول "وقد قابلتها في العهد الجديد الكلمة اليونانية "هاديس". لقد ترجمت هاتان الكلمتان بكلمتي "الهاوية" و" الجحيم" والمقصود هو مقر الموتى، دون إشارة لحالة الميت. فكل الذين ماتوا يقيمون في "هاديس".
هذا لا يعني أن ليس هناك جهنم. فهناك كلمة ترجمت بالصواب إلى "جهنم" وهي الكلمة التي استعملها مخلصنا عندما قال "خير لك أن تدخل الحياة أقطع من أن تكون لك يدان وتمضي إلى جهنم إلى النار التي لا تطفأ" (مرقس 43:9).
هناك حقائق معينة عن حالة الموتى تكشف لنا عنها الأسفار المقدسة.
1. الأبرار
ماذا يحدث لنفس المسيحي عندما يموت؟ يقول البعض بأنها ترقد في القبر مع الجسد. ورأي كهذا يعارض ما جاء في الأسفار المقدسة معارضة تامة. فقد قال يسوع للص على الصليب "اليوم تكون معي في الفردوس" (لوقا 43:23). وعندما تكلم بولس عن موته قال "لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح" (فيلبي 23:1). وفي سفر الرؤيا 13:14 يأتينا هذا التأكيد المبارك "طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن".
تظهر لنا والحالة هذه ثلاث حقائق تتعلق بموت الأبرار. إنهم في الفردوس وأنهم مع المسيح وأنهم سعداء. وهذا ينقض كل اعتقاد بالمطهر حيث يقال بأن نفوس الأبرار يجب أن تقضي فترة عذاب قبل أن تتهيأ لدخول غبطة المفديين وسعادتهم.
2. الأشرار
لا تكشف لنا الأسفار المقدسة إلا القليل عن حالة الأشرار بين الموت والقيامة. فهناك عبارتان تعطياننا كل ما نعرفه تقريباً عن هذا الموضوع. ففي مثل الغني ولعازر يقول يسوع "مات الغني أيضاً ودفن فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب" (لوقا 22:16-23). وفي رسالة بطرس الثانية 9:2 نجد هذا الوصف عن موت الخاطئ "يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء من التجربة ويحفظ الأثمة إلى يوم الدين معاقبين". وكما أن الموتى الأبرار قائمون في حضرة الرب في حالة سعادة هكذا الموتى الأشرار فإنهم مفصولون عن الرب وهم في حالة تعاسة.
رجوع المسيح
إن البعض لم يعد يعطي هذا التعليم الاهتمام الواجب لكثرة ما وضع من نظريات حول مجيء المسيح الثاني. مع أنه ذكر في كلمة الله أن هذا التعليم هو رجاء المسيحيين المبارك "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تيطس 13:2).
وهنا ومرة ثانية نجد أن معلوماتنا بهذا الصدد محدودة ولذلك فإنه لخطر دائم أن نذهب لأبعد مما كشف لنا في الأسفار المقدسة. على كل فهناك عدة حقائق أصبحت معروفة تتعلق برجوع المسيح.
1. يقينية رجوعه
ما من حقيقة كُشفت في كلمة الله بوضوح أكثر من هذه الحقيقة. وسنورد بعض الآيات بهذا المجال. عندما وقف التلاميذ على جبل الزيتون شاخصين إلى السماء والرب منطلق "إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض وقالا أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء. إنّ يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء" (أعمال 10:1-11). وبولس يقول "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينـزل من السماء" (1تسالونيكي 16:4). وفي عبرانيين 28:9 نجد ما يلي "هكذا المسيح... سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه".
قال يسوع لتلاميذه: "سمعتم أني قلت لكم أنا أذهب ثم آتي إليكم" (يوحنا 28:14). وقد قال الكثير لتلاميذه عن كيف يجب أن يكونوا مستعدين لرجوعه. والأصحاح الرابع والعشرون من بشارة متى وآيات مماثلة في البشائر الأخرى تتوسع في البحث عن رجوع الرب. أما أن نجعل موت الإنسان هو الإتمام لهذه المواعيد فهذا مما لا يتفق والأسفار المقدسة.
2. طبيعة رجوعه
أشياء عديدة كشفت حول هذا الموضوع.
(1) شخصي ومنظور. قال الرجلان اللذان ظهرا للتلاميذ على جبل الزيتون "إنّ يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء" (أعمال 11:1). سوف يرجع بذات الطريقة الشخصية التي فارقهم بها وسيكون مجيئه منظوراً للجميع. "هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين" (رؤيا 7:1). سيكون رجوعه أكثر من مجرد رجوع روحي.
(2) فجأة وعلى غير انتظار. هذا هو الوصف الذي وصفَ يسوعُ به رجوعَه. إنه سيكون بسرعة لمعان البرق: "لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان" (متى 27:24). وشعوب الأرض لن تكون مترقبة عودته "لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع، كذلك يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان" (متى 38:24-39).
(3) بمجد عظيم. "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه" (متى 31:25) "وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتياً في سحاب بقوة كثيرة ومجد" (مرقس 26:13). "لأن من استحى بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الإنسان بمجده ومجد الآب والملائكة القديسين" (لوقا 26:9).
3. وقت مجيئه
إن كثيراً من البلبلة حول مجيء المسيح الثاني تسببت عن محاولات البشر لتحديد وقت لرجوعه. فمنذ صعوده إلى السماء إلى يومنا هذا وبعض الناس يعتقدون بأن مجيئه سيكون في أيامهم. يحسن بنا أن نضع نصب أعيننا ما قاله ربنا عن عودته:
(1) الوقت يعرفه الآب وحده. يقول يسوع في إنجيل مرقس 32:13 "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب".
إن هذا السر لا يعرفه إلا الآب. وحسن أنه كذلك. لنفترض أن الناس عرفوا متى يرجع المسيح وكان الحادث المجيد قريباً وعلى الأبواب فستكون بلبلة كتلك التي كانت في تسالونيكي في أيام بولس.
وإذا تبيّن أن الوقت سيكون في المستقبل البعيد فسيهمله البشر إهمالاً تاماً. ولكن لأنه ما من بشر يعرف متى سيكون ذلك اليوم يظل الجميع يحيون في حالة استعداد له. "لذلك كونوا أنتم أيضاً مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان" (متى 44:24).
(2) إنذار بعدم تفحص أسرار الله. ليس للناس أن يتفحصوا الأسرار التي لم يَرَ الله مناسباً أن يكشفها. فعندما سأل الرسل المسيح بعد قيامته عن الوقت الذي فيه يردُّ المُلْكَ لإسرائيل أجابهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أعمال 7:1 ).
(3) موقف ترقب. إن موقف شعب الله يجب أن يكون موقف ترقب. فقد يعود الرب في أية لحظة. قال يسوع "اسهروا إذ أنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم" (متى 42:24). وأحسن ما نتهيأ به لمجيء الرب أن نكون مشغولين في العمل الذي أعطانا أن نعمله "طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا" (متى 46:24).
4. العصر الألفي
إن أي بحث عن رجوع الرب ليثير مجادلات وأسئلة تتعلق بالعصر الألفي. إنّ هذه الفترة ومداها ألف عام قد ذُكرت مرة واحدة في الكتاب المقدس في سفر الرؤيا 1:20-10. ويصادف مصاعب كثيرة شرح هذه المقطوعة في سفر مليء بالصور الكلامية والرموز. ولكن على كل حال هناك آيات من أسفار أخرى تلقي بعض الضوء على هذا الموضوع.
هناك مدرستان من المفسرين يطلق عليهما "القائلون بالمجيء قبل الألف" و"القائلون بالمجيء بعد الألف" وسنشرح باختصار ما تعتقد به هاتان المدرستان.
(1) القائلون بالمجيء قبل الألف. ترى هذه المدرسة أن الشرور ستزداد في العالم وستتوج هذه الفترة برجوع المسيح وسيكون لمجيئه ظاهرتان.
الأولى، يجيء أولاً لقديسيه، وفي هذا الوقت سيقوم الموتى بالمسيح، وسيتغير المسيحيون الأحياء. وسيختطف كلاهما – المقامون من الموت والأحياء بالمسيح – في السحب لملاقاة الرب. وهذا ما يُعرف أحياناً بالاختطاف وهو موصوف في تسالونيكي الأولى 15:4-17. وسيتبع هذا فترة ضيق على الأرض يؤمن بنو إسرائيل خلالها ويصبحون رسلاً للإنجيل.
ثانياً، يأتي مع قديسيه. فعندما تقترب فترة الضيق من نهايتها سيعود المسيح مع قديسيه ويتبع ذلك دينونة الأمم. والشيطان سيُقيَّدُ، ويملك المسيح مع قديسيه لمدة ألف عام. في نهاية هذه الفترة يطلق الشيطان من عقاله وتحدث معركة هرمجدون العظيمة التي فيها يظفر المسيح بنصره النهائي. والشيطان يُطرح في بحيرة النار. ثم يلي ذلك قيامة الأشرار حيث الدينونة أمام العرش الأبيض العظيم.
(2) القائلون بالمجيء بعد الألف. بناءً على ما تقوله هذه المدرسة من المفسرين فسيكون هناك نصر تدريجي للإنجيل في العالم. يتوج هذا النصر بفترة صلاح وعدل وسلام تستمر مدة ألف عام. ويجعل بعض المفسرين المعاصرين هذا العصر الألفي غير محدد فيقولون أنه يمتد من الصلب حتى نهاية العالم، وعند ظهور المسيح ستكون قيامة عامة للموتى والأبرار والأشرار تليها الدينونة.
ومن المحتمل أن الغالبية من المسيحيين اليوم يشعرون بأن همهم الأعظم يجب أن يوجه إلى عمل الرب لا إلى صرف وقتهم في مناقشات التفاصيل المتعلقة برجوع الرب، والبعض يدعون أنفسهم "الذين لا يعتقدون بحرفية الألف سنة". إن حقيقة رجوعه الأكيد ونصره النهائي يتفق فيها الجميع ويجب أن تكون هذه الحقيقة رجاءنا ومبعث إلهامنا الدائم.
القيامة
فيما يختلف الشعب المسيحي في الرأي حول ما يتعلق بالقيامتين – قيامة الأبرار وقيامة الأشرار- فإنهم يتفقون على أن الأبرار والأشرار سيقومون من الموت. وهذا ما تعلمنا به أسفار العهد القديم والعهد الجديد بوضوح. ففي سفر دانيال النبي 2:12 نرى هذه العبارة: "وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي". كما يقول بولس أيضاً "ولي رجاء في ما هم أيضاً ينتظرونه أنه سوف تكون قيامة للأموات الأبرار والأثمة" (أعمال 15:24).
فالأسئلة التي كانت تُسأل في أيام بولس عن القيامة ما زالت تُسأل اليوم "لكن يقول قائل كيف يقام الأموات وبأي جسم يأتون" (كورنثوس 35:15). إن قيامة الجسد حقيقة لا يصعب على من يؤمن بالله أن يقبلها. قال بولس لأغريباس "لماذا يعد عندكم أمراً لا يصدق إن أقام الله أمواتاً" (أعمال 8:26).
فإن كان الله في البدء قد صنع جسد الإنسان من تراب أفلا يقدر أن يقيم الجسد من التراب؟ إن الفداء لا يكمل حتى تأتي القيامة. فعندما يموت المسيحي فإن روحه تكون مع الرب، ولكن جسده يكون مدفوناً في الأرض. فهل هذه النهاية؟ إن الأسفار المقدسة تقول لا. فسيقام الجسد ثانية جسداً مفدياً مناسباً لسكنى روح مفدية. فكيف تكون طبيعة الجسد المقام؟ ليس في نص الكتاب المقدس إلا القليل عن قيام الأشرار، لكن هناك الكثير عن قيامة الأبرار. وقيامة المسيح تعطينا تأكيداً ومثالاً عن قيامة شعبه. وهناك حقيقتان ظاهرتان هما:
1. تظلّ للمقامين من الموت ذاتيّاتهم
إن الجسد المقام سيشابه الجسد المائت تماماً، فقد قام جسد يسوع من القبر وأظهر نفسه حياً لتلاميذه وأظهر لهم أثر المسامير في يديه. فقد كان إلى حد ذات الجسد الذي أضجع في القبر. وهكذا ستكون الحال مع أجساد شعب الله المقامة.
2. أجساد متغيرة
سيختلف جسد القيامة عن الجسد المائت، فبولس يقول "إن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله. ولا يرث الفساد عدم الفساد" (1كورنثوس 50:15)، ثم يصف التغيير الذي يحدث كما يلي "يزرع في فساد ويُقام في عدم فساد. يزرع في هوان ويُقام في مجد. يزرع في ضعف ويُقام في قوة يُزرع جسماً حيوانياً ويُقام جسماً روحانياً" (42-44).
مما تقدم نرى أن جسد القيامة سيكون عديم الفساد، قوياً ممجداً وروحياً. سيكون كجسد المسيح الممجد: "فإنّ سيرتنا نحن هي في السموات التي منها أيضاً ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فيلبي 20:3-21). "أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون، ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" (يوحنا 2:3).
الدينونة
يعتقد بعض المفسرين بأنه ستكون هناك أكثر من دينونة واحدة، بينما يعتقد آخرون بأنه ستكون دينونة واحدة فقط. على كل حال فالكل يتفقون على حقيقة الدينونة. إن العهد الجديد يحوي عبارات أكيدة كهذه: "لأنه أقام يوماً هو فيه مزمعٌ أن يدين المسكونة بالعدل" (أعمال 31:17). "وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة" (عبرانيين 27:9).
1. القصد من الدينونة
إن القصد من الدينونة ليس تقرير المصير. لأن هذا يتقرّر إلى الأبد حينما يموتُ الإنسان. فلن تكون للإنسان فرصة في العالم الآتي. ويقول الدكتور أ. هـ. سترونغ: "إن هدف الدينونة الأخيرة ليس التأكد من أخلاق الفرد بل الكشف عنها وتعيين الحالة الموافقة لها".
وبولس يقول: "لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّاً" (2 كورنثوس 5: 10).
إن قصد الدينونة سيكون منح الثواب أو العقاب. فلن ينال كل المخلصين الثواب ذاته. كما أنه لن يكون عقاب الهالكين بمقياس واحد. فالله سيعطي كلاً حسب أعماله وسيكون الثواب والعقاب حسب الفرص التي مُنحت للإنسان وحسب المسلك الذي سلكه فيها.
2. الديان
إن الأسفار المقدسة تعلن أن المسيح سيكون هو الديان: "لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ" (أعمال 17: 31). "لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ" (2 كورنثوس 5: 10).
إن الذي قدم نفسَه مخلِّصاً هو الذي سيقف الناسُ أمامَه ليُدانوا. لقد وقف يسوع أمام بيلاطس ولا بد من يومٍ يقف فيه بيلاطس أمام يسوع.
3. طبيعة الدينونة:
تُرى كيف تكون طبيعة هذه الدينونة الأخيرة؟
(1) شخصية. "إِذاً كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَاباً لِلَّهِ" (رومية 14: 12). لن يضيع الفرد في المجموع، وكل واحد سيعطي حساباً عن نفسه وليس عن غيره.
(2) عامة. إنها ستشمل كل الشعوب "لأننا جميعاً سوف نقف أمام كرسي المسيح" (رومية 14: 10). لن ينجو منها أحد. "ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله" (رؤيا 20: 12).
(3) دقيقة. ستشمل الدينونة الأفكار والأقوال والأعمال "إذاً لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويظهر أراء القلوب" (1 كورنثوس 4: 5). وبهذا الصدد يقول يسوع "ولكن أقول لكم أن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين" (متى 12: 36). كما أننا نقرأ في سفر الرؤيا20: 13 "ودينوا كل واحد بحسب أعماله".
(4) عادلة وبلا محاباة. إن الله لا يحابي الوجوه فموقف الإنسان على الأرض لن يكون له أية علاقة بموقفه أمام الله. لن يكون في ذلك اليوم أخطاء أو سوء تنفيذ للعدالة فكل واحد سينال ما يستحقه بالعدل.
(5) نهائية. لن يكون الحكم الصادر في الدينونة أي نقض لتلك الدينونة ولا استئناف لمحاكمة أخرى لأن الحكم الذي سيصدر في ذلك اليوم هو حكم أبدي.
الحالة النهائية
وسيكون الأبرار والأشرار في حالتهم النهائية بعد الدينونة. وستكون هذه الحالة أبدية في مداها.
1- الأبرار:
إن حالة الأبرار النهائية يمكن النظر إليها من ناحيتين.
(1) حالتهم. تقول الأسفار المقدسة أن الأبرار يدخلون حياة أبدية: "فَيَمْضِي هَؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ" (متى 25: 46). كل مسحيح حقيقي هو مالك للحياة الأبدية: "اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ" (يوحنا 3: 36). ولكن الخاتمة المجيدة ستكون في العالم الآتي.
الحياة الأبدية هي بما لا يقاس أكثر من مجرد وجود أبدي. فهي تشير إلى نوع الحياة أكثر مما تشير إلى مداها. إنها حياة الله في نفس الإنسان. إنها الحياة بكل ملئها، ومجدها وقوتها، حياة لا تحدها حدود الأرض، فقد قال يسوع: "وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ" (يوحنا 17: 3). إنها حياة شركة مع الله وخدمة مفرحة.
(2) مسكنهم. إن مسكن الأبرار النهائي هو السماء. وقد وصف يسوع هذا المسكن بأنه حقيقي: "فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لِأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَاناً آتِي أَيْضاً وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضا" (يوحنا 14: 2- 3).
لقد وُصِفت السماء بتشبيهات عديدة في كلمة الله، ولكن ليس هناك عبارة في اللغة نستطيع أن نصف بها مجد السماء، فليس فيها قط ما يسبّب الألم والأسى: "وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْد" (رؤيا 21: 4). سيكون في السماء كل ما يشبع اشتياق النفس العميق- راحة وسلام وفرح وشركة وخدمة.
2. الأشرار:
إن حالة الأشرار النهائية يمكن النظر إليها أيضاً من ناحيتين.
(1) حالتهم. كما يدخل الأبرار حياة أبدية يدخل الأشرار موتاً أبدياً. ولكن كما أن الحياة الأبدية لا تُشير بالدرجة الأولى إلى الكيان الأبدي فكذلك الموت الأبدي لا يعني انقطاع الكيان، إنه انفصال عن الله ومجد الحياة الأبدية. وكما أن حالة الأبرار هي حالة سلام وفرح فكذلك حالة الأشرار بؤس وعذاب "هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ مَتَى رَأَيْتُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ وَأَنْتُمْ مَطْرُوحُونَ خَارِجاً" (لوقا 13: 28).
(2) مسكنهم. إن مسكن الأشرار النهائي قد دُعيَ جهنم وهذا أيضاً مكان حقيقي. لقد وُصف بتعابير تشبيهية، ولكن هذه لم تمنع حقيقة جهنم الرهيبة. فقد قال عنها يسوع "الظلمة الخارجية" ومكان "حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ" (مرقس 9: 48). إن مسكن الأشرار حقيقي وأبدي.
إننا عندما نفتكر بهذه الأشياء تصبح آية يوحنا 3: 16 أثمن ما لدينا: "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ". ويزداد شعورنا بمسؤوليتنا في إيصال إنجيل الخلاص إلى العالم الهالك في الخطية.
أسئلة للمراجعة والامتحان
1- ما هما التشبيهان المستعملان لوصف الموت؟
2- ماذا نعرف عن وقت رجوع الرب؟
3- كيف تكون طبيعة جسد القيامة؟
4- ما هي الغاية من الدينونة؟
5- صف حالة الأخيار والأشرار النهائية؟
- عدد الزيارات: 5915