Skip to main content

الفصل السابع: روح القوة

"لكنكم ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم" (أعمال 8:1).

إن أول ذكر للروح القدس في الكتاب المقدس وارد في العدد الثاني من الأصحاح الأول من سفر التكوين "وروح الله يرفّ على وجه المياه". ثم يلي ذلك آيات كثيرة في العهد القديم كلها تشير إلى الروح القدس. وهذه الإشارات كانت عادةً تتعلق بمنح هبة أو انسكاب قوة.

فهو الذي يهب الإنسان الحكمة والبراعة "وملأته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة" (خروج 3:31). كما أنه مانح القوة للقيام بأعمال خاصة "وإذا بشبل أسد يزمجر للقائه فحلّ عليه روح الرب فشقه كشق الجدي" (قضاة 5:14-6).

وهو الذي أوحى للأنبياء لينطقوا برسالة الله "فدخل فيّ روح لما تكلم معي وأقامني على قدميّ فسمعت المتكلم معي" (حزقيال 2:2).

كما أن بطرس يعلن أن الروح القدس هو الذي قاد كُتّاب أسفار العهد القديم "بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2 بطرس 21:1).

إلا أننا نجد التعليم الوافي عن الروح القدس في العهد الجديد.

شخص الروح القدس

الروح القدس هو الأقنوم الثالث في الوحدة الإلهية.

1-الروح القدس أقنوم أو شخص

إن لفظة "شخص" كما هي مستعملة فيما يختص بالثالوث غير واردة في الأسفار المقدسة. ومن الواضح أننا عندما نستعملها لا نعني بها ذات المعنى الذي تعنيه الكلمة في استعمالنا العادي لها. فعندما نتكلم عن شخص فإننا نقصد فرداً مستقلاً، ولكن عندما نتكلم عن ثلاثة أشخاص أو أقانيم في الثالوث الأقدس فإننا نشير إلى مميزات داخلية في الله.

يقول الدكتور ملنـز "إن الشخص الإلهي ليس أقل كياناً من الشخص البشري ولكنه أعظم". إن طبيعة هذه المميزات في الله لا يمكن تعريفها بعقولنا المحدودة. كما أن الأسفار المقدسة تبين الروح القدس كائناً ذا شخصية وليس مجرد تأثير أو قوة عاملة في العالم.

1- العمل الذي يقوم به. يتكلم الوحي عن الروح القدس على أساس أنه يعمل كشخص. فهو يشهد ويبكت ويعزي ويعلّم ويقود ويجاهد ويساعد. إنّ أعمالاً كهذه لا يمكن أن يعملها إلا من كان شخصاً.

2- تأثير الأعمال البشرية عليه. الروح القدس كشخصية يتأثر بأعمال الآخرين فهو قد يُقاوَم ويُحزن ويُغاظ ويُهان ويُجدف عليه. الشخص فقط هو الذي يمكن أن يتأثر هكذا بأعمال الآخرين.

2-الروح القدس هو الله

إن الأسفار المقدسة لا تبين الروح لنا كشخص فقط ولكن كشخص إلهي.

(1) يدعى إلهاً. عندما وبّخ بطرس حنانيا قال "لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس" (أعمال 3:5). ثم يستطرد في العدد الثاني ليقول "أنت لم تكذب على الناس بل على الله".

(2) صفات الله منسوبة إليه. يقال عن الروح القدس أنه موجود في كل مكان: "أين أذهب من روحك؟ أين أهرب" (مزمور 7:139). ووُصِف بأنه عالم بكل شيء: "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (1كورنثوس 10:2). ومن صفاته أيضاً أنه كلي القدرة: "ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء" (1كورنثوس 11:12).

(3) أنه يعمل عمل الله. الروح القدس يبكت على الخطية، وهو العامل في التجديد، أو الولادة الجديدة. ففي رومية 11:8 قيل عن القيامة أنها عمل الروح القدس: "وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم".

الوعد بالروح القدس

وكما أن الإعلانات عن الروح القدس كانت قائمة في زمن العهد القديم كان من الضروري أن يحصل إعلان خاص لحضوره وقوته. وكان لازماً أن يأتي بطريقة معينة ويسكن في العالم.

1. نبوات العهد القديم

لقد أنبئ بمجيء الروح القدس قبل يوم الخمسين بعدة قرون "ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء أسكب روحي في تلك الأيام" (يوئيل 28:2-29). وفي يوم الخمسين العظيم اقتبس بطرس هذا الوعد وأعلن أنه تم بحوادث ذلك اليوم (أعمال 17:2-18).

2. وعد يسوع

إن يسوع هو الذي أعطى المواعيد بمجيء الروح القدس ففي رسالته الوداعية لتلاميذه في العلية، قال: "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد روح الحق" (يوحنا 16:14). "وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء" (يوحنا 26:14). "لأته إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" (يوحنا 7:16). وفي يوم صعوده قال لتلاميذه "ها أنا أرسل إليكم موعد أبي، فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي" (لوقا 49:24).

حلول الروح القدس

إن لنا سجلاً حافلاً عن هذا الحادث العظيم في سفر الأعمال (1:2-4) "ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا".

هناك حقائق عديدة تتعلق بحلول الروح القدس تستحق منا عناية خاصة.

1-حادث أكيد محدد

إن حلول الروح القدس حادث أكيد محدد كمولد المسيح. ولن يكون هناك يوم خمسين آخر كما أنه لن يكون هناك تجسد آخر لابن الله. قد يكون هناك اختبارات خمسينية عندما يسلم أناس من رجال ونساء حياتهم بكاملها وكليتها للروح القدس. ولكنه لن يكون هناك يوم خمسين آخر كذلك الذي كان في العلية. وأما أولئك الذين يشيرون إلى حادث يوم الخمسين إثباتاً لما يسمى بالبركة الثانية فقد أخطأوا الهدف.

فيوم الخمسين كان المجيء المحدد للروح القدس ليبدأ عمله في العالم.

2. مرة واحدة وإلى الأبد

قال يسوع عندما وعد بمجيء الروح القدس "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد" (يوحنا 16:14). لقد كان الروح القدس في العالم منذ ألفي سنة تقريباً وسيمكث هنا حتى نهاية الدهر.

3. مصحوب بعلامات

لاحظ الرموز التالية ذات المعاني الضمنية:

(1) صوت هبوب ريح عاصفة (أعمال 2:2). إن النص الكتابي لا يقول لنا أن الريح كان الروح القدس. ولكن حلول الروح القدس كان مصحوباً بصوت هبوب ريح عاصفة وهذا كان رمزاً للروح القدس. وبذات الطريقة وصف يسوع الروح القدس حين قال: "الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح" (يوحنا 8:3).

إنّ هذا الرمز يشير إلى قوة الروح القدس. فهناك قوة هائلة في الروح العاصفة قوة تقتلع الأشجار من جذورها وتهدم البنايات القوية. فالروح القدس هو إذاً روح قوة.

(2) ألسنة كأنها من نار. وثم لا يقول الكتاب المقدس أن الروح القدس هو نار ولكن حلوله كان مصحوباً بظهور ألسنة منقسمة كأنها من نار. والنار عنصر مطهر ومدمّر، فالمعادن توضع في النار لتطهر من شوائبها، فالواحد يحترق والآخر يطهر. وبالطريقة نفسها، فإن الروح القدس يطهر الحياة من أدران الشر وحالما يدخل القلب لا بد وأن تفارقه الخطية.

4. يثمر نتائج مغيّرة

إن نتيجة حلول الروح القدس يمكن تلخيصها بكلمة واحدة – القوة. وهذا ما عناه حلوله كما قال يسوع "لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أعمال 8:1). وقال لتلاميذه أن ينتظروا حتى تأتي هذه القوة: "فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوةً من الأعالي" (لوقا 49:24). إن مجيء الروح القدس قد تميّز بقوة عجيبة. لم تكن قوة جسدية ولكنها قوة روحية.

(1) قوة مغيرة. لقد غيّر الروح القدس تلك الفئة من الرجال والنساء في العلية من جماعة سيطر عليها الرعب فاختبأت خلف الأبواب الموصدة إلى جماعة من الشجعان الذين فتحوا الأبواب على مصاريعها وخرجوا إلى شوارع المدينة المكتظة بالسكان معلنين البشارة بمخلص صُلِبَ ومات وقام.

(2) قوة منيرة. لقد كان يجتمع في ذلك الوقت في أورشليم جموع غفيرة من أنحاء الإمبراطورية الرومانية، ينطقون بلغات مختلفة. فمنح الروح القدس أولئك التلاميذ قوة النطق بهذه الألسنة المختلفة. "وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا" (أعمال 4:2).

(3) قوة مبكّتة. بتأثير موعظة بطرس تبكتت ضمائر الجميع على خطاياهم. "فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة" (أعمال 37:2).

(4) قوة مخلّصة. وعندما أخبرهم بطرس بما يجب أن يعملوه أطاعوا "فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس" (أعمال 41:2).

عمل الروح القدس

لقد أخبر يسوع بعدة أعمال سيعملها الروح القدس. ويمكننا وضع أعماله هذه تحت ثلاثة عناوين.

1.في الفرد:

ما الذي يعمله الروح القدس للفرد وفي الفرد؟

(1) التبكيت. الروح القدس يبكت الفرد على الخطية. فهو يكشف له جانباً من طبيعة الخطية وعواقبها ويوقظ فيه الشعور بذنبه أمام إله قدوس. والروح يستعمل وسائل مختلفة للتبكيت. فأحياناً يحصل التبكيت نتيجة لسماع كلمة البشارة، كما حدث في يوم الخمسين. وأحياناً من جراء شهادة الآخرين كما في حالة داود (2 صموئيل 13:12). وأحياناً من جراء اختبار مرعب كما في حالة سجان فيلبي.

(2) التجديد. عندما يشعر الفرد بتبكيت الضمير على خطيته فإنه يقوم بأحد أمرين. فإما أن يتقسّى قلبه ويقاوم الروح القدس وإما أن يفتح قلبه بالإيمان ويجعل الروح القدس يدخله. وعندما يتبع الأمر الأخير، يحل الروح القدس في قلبه ويجري عمل نعمة مغيرة لدرجة أننا ندعوه تجديداً أو ولادة جديدة.

يموت إنسان الخطية العتيق ليولد مكانه إنسان جديد في المسيح. قد لا يستطيع الإنسان فهم حدوث مثل هذا الأمر. ولكنه يستطيع أن يختبره. قال الأعمى الذي فتح يسوع عينيه أن هناك ملابسات كثيرة في الحادث لم يستطع فهمها ولكنه كان متأكداً من شيء واحد وهو "أنني كنت أعمى والآن أبصر" (يوحنا 25:9).

لقد أعلن ربنا أن اختبار التجديد أمر ضروري قبل أن يستطيع الفرد دخول ملكوت السموات. "الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يوحنا 5:3).

(3) التقديس. إن كلمة "قدّس" تعني جعله مقدساً. والتقديس هو عملية جعل الفرد مقدساً. والتقديس هو عمل الروح القدس: "مقدساً بالروح القدس" (رومية 16:15).

إن التبكيت هو عمل الروح القدس عندما يقف على باب القلب يقرع، والتجديد هو عمل الروح القدس عندما يدخل القلب بعد فتح الباب بالإيمان، والتقديس هو عمل الروح القدس إذ يسكن في القلب.

التقديس نمو الحياة المسيحية، وهو يشبه النمو الجسدي، في كونه تدريجياً. يبدأ بالتجديد وينتهي بالتمجيد. يكون نمو بعض الناس أسرع من غيرهم أو يكون نموهم أكثر من غيرهم، ولكن في كل حياة طبيعية نموّاً روحياً وتقدماً. هذا النمو يكثر أو يقل تبعاً لعمل الروح في القلب والحياة.

(4) التعزية. الروح القدس هو المعزي الأعظم لقلوب البشر. فعندما قال يسوع لتلاميذه أنه منطلق عنهم امتلأت قلوبهم حزناً: "لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم" (يوحنا 6:16). لكنه أكد لهم أنّ المعزي سيأتي حاملاً لهم معه سلاماً وفرحاً: "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد روح الحق" (يوحنا 16:14-17).

هذا جزء من عمل الروح القدس أن يجلب العزاء للقلوب الحزينة.

(5) الإنارة. الروح القدس يُظهر الحقَّ لعقول المؤمنين وقلوبهم وهو المعلم العظيم كما قال يسوع "وأما متى جاء ذلك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يوحنا 13:16).

الروح ينير عقول المؤمنين ليفهموا حقيقة كلمة الله "ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة. ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً" (1كورنثوس 14:2). إن الكتاب المقدس في أعمق معانيه كتاب مغلق لأولئك الذين ليس لهم روح الله.

(6) الشفاعة. قلنا سابقاً أن للمسيحي شفيعين: المسيح عن يمين الآب والروح القدس في القلب. وقد جاء ذكر شفاعة الروح القدس في رومية 26:8-27 هكذا: "وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاتنا. لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها. ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين". وبهذين الشفيعين أولهما في السماء وثانيهما على الأرض يصبح المسيحي محصناً تحصيناً منيعاً.

أما عمل الروح القدس في حياة المؤمنين فيتلخص في الاسم الذي أعطي له "البركليط". اللفظة مأخوذة من الكلمة اليونانية parakletos التي معناها المرافق ومن ثم فهو المعين، والروح القدس هو معين المسيحي في كل طريقة يحتاجها.

هذه التسمية للروح القدس "بركليط" مقصورة على كتابات يوحنا وتُرجِمَت هذه الكلمة بالكلمة "المعزي"، فليس في اللغة ما هو أقرب معنى إلى الكلمة اليونانية. فالروح القدس هو كل ما تؤديه الكلمات المختلفة من معنى وأكثر. فهو المعلم، والهادي، والمعزي، والشفيع،... الخ...... إنه الذي يسد حاجات المسيحي كلها.

2. في الكنيسة

تخبرنا الأسفار المقدسة بأن الروح القدس يسكن في الكنيسة. والكنيسة تدعى هيكل الروح القدس. فقد كتب بولس إلى كنيسة كورنثوس قائلاً "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم؟" (1 كورنثوس 16:3). كما كتب لأهل أفسس قائلاً: "الذي فيه أنتم أيضاً مبنيون معاً مسكناً لله في الروح" (أفسس 22:2).

ما هو عمل الروح في الكنيسة؟ ويمكننا ذكر أمور عدة باختصار في هذا المجال.

(1) البنيان. "وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر" (أعمال: 31:9). فالروح القدس هو الذي يبني الكنائس.

(2) الإرشاد. "وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه" (أعمال 2:13). "لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة" (أعمال 28:15). وهكذا نرى أن الروح القدس قد أرشد كنيسة أنطاكية كي تبدأ المشروع التبشيري العظيم كما أرشد كنيسة أورشليم لحل قضية عويصة.

(3) منح المواهب. لنصغ إلى كلمات بولس إلى كنيسة كورنثوس. "فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد... ولكنه لكل واحد يعطي إظهار الروح للمنفعة. فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد، ولآخر عمل قوات ولآخر نبوة ولآخر ترجمة ألسنة. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء" (1كورنثوس 12: 4، 7- 11).

(4) إعطاء القوة للخدمة. "لكنكم ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم" (أعمال 8:1). هذا وعد الرب لتلاميذه لما قام من القبر. فبقوة الروح القدس سارت الكنيسة الأولى لتربح الانتصارات. وبدون الروح القدس تمسي الكنيسة منظمة هزيلة عاجزة.

3. في العالم

فيما يتعلق بعمل الروح القدس قال يسوع: "متى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي. وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً. وأما على دينونة فلأنّ رئيس هذا العالم قد دين" (يوحنا 8:16-11) فبكلمة "العالم" عنى يسوع العالم الشرير غير المؤمن. إنها ذات الكلمة التي استعملها يعقوب عندما قال "أيها الزناة والزواني أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله فمن أراد أن يكون محباً للعالم فقد صار عدواً لله" (يعقوب 4:4) وهي ذات الكلمة التي استعملها يوحنا عندما قال "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب " (1يوحنا 15:2). إن كلمة "يبكت" تعني "يقنع" أو "يوبخ". فهي تحمل فكرة الإقناع عن طريق تقديم البرهان فالروح القدس يبكت العالم على ثلاثة أمور.

(1) تبكيت على الخطية. "على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي". إن الروح يبكت العالم على حقيقة الخطية وطبيعة الخطية. فهو يرينا أن أعظم الخطايا هي خطية عدم الإيمان.

فالمسيح لم يقل "على خطية لأنهم زناة أو قتلة، أو سكيرون" لكنه قال "لأنهم لا يؤمنون بي". تلك كانت الخطية التي كان العالم مذنباً بها في ذلك الزمن وهي الخطية التي ما زال العالم مذنباً بها اليوم.

(2) التبكيت على البر. "وأما على بر فلأني ذاهب إلى الآب ولا ترونني أيضاً". إن قادة اليهود قد اتهموا يسوع بأنه خاطئ "نحن نعلم إن هذا الإنسان خاطئ" (يوحنا 24:9). وقد صرّح يسوع بأنه بار "من منكم يبكتني على خطية" (يوحنا 46:8) وكانت قيامته ورجوعه إلى الآب هما الدليل على بره.

لا يستطيع إنسان أن يدعي البر لأن الكل قد أخطأوا. لكنّ المسيح بموته التكفيري، ورجوعه إلى الآب يقدم براً منسوباً لأولئك الذين يؤمنون. "أما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهوداً له من الناموس والأنبياء بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون" (رومية 21:3-22). "وأوجد فيه وليس بري الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح البر الذي من الله بالإيمان" (فيلبي 9:3).

(3) التبكيت على الدينونة. "وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين". الخطية تجلب الدينونة. وهذا ثابت من الدينونة التي حلّت بالشيطان، رئيس هذا العالم. لأنه ظن أنه بالصليب قد نال نصراً ولكن الآية انعكست فأصبح الصليب اندحاره المخزي. وعندها دين وحكم عليه.

فإن كان رئيس هذا العالم قد دين، إذاً فإن أولئك الذين من العالم لا بد أن يدانوا. فعندما وقف بولس أمام فيلكس "كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة" (أعمال 25:24).

ثمر الروح القدس

إذا كان الروح القدس يمكث في حياة إنسان فإن حضوره هذا سيظهر بفضائل ونعم معينة لا يمكن أن تظهر في حياة ذلك الإنسان إلا بوجود الروح القدس. وبولس يدعو هذه بثمر الروح القدس "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف إيمان وداعة تعفف" (غلاطية 22:5-23). إنه ككرمة تحمل ثلاثة عناقيد.

1. ثمر في الحياة الداخلية

أما العنقود الأول فإنه يظهر ذاته في الحياة الداخلية- محبة فرح سلام. والمحبة المذكورة هنا ليست تلك العاطفة التي غالباً ما أطلقوا عليها اسم الحب. إنه شيء أعمق وأرحب وأسمى وأعظم من تلك العاطفة. إنه مبدأ متسلط أساسي للحياة. إنه شيء لا يستطيع إنتاجه إلا روح الله.

وإلى جانب المحبة يأتي الفرح. وهناك فرق شاسع بين الفرح والمسرّة. فالمسرات تعتمد على شروط خارجية ولكنّ الفرح ينبع من القلب ويستقل عن المؤثرات الخارجية. يستطيع العالم أن يمنحك المسرة ولكنه عاجز عن منحك الفرح.

ثم يأتي السلام. فعندما يمكث الروح القدس في القلب، فإنه يمنح سلاماً- سلاماً للضمير الذي عرف أذى الخطية، سلاماً للقلب الذي كان كسيراً، سلاماً للنفس التي كانت مضطربة.

2. ثمر في الحياة الخارجية

العنقود الآخر هو الثمر الظاهر في الحياة الخارجية- طول أناة ولطف وصلاح. وبطول الأناة نعني أن نتحمل الظلم بهدوء. إنها القدرة على قبول الإساءة دون الرد بها، وأن نعامل المزعجين دون أن ننـزعج، وأن نسيطر على غضبنا عندما نواجه الإساءة والافتراء.

ثم اللطف، واللطف خطوة فوق الصبر لأن الصبر هو ساكن وهادئ أما اللطف فهو فعّال. هو أن تفعل شيئاً لمساعدة الآخرين. اللطف ينجح حيث تخفق القسوة.

والصلاح يتبع اللطف. وهذا نعمة من ناحيتين. إنه يعني نقاوة الحياة كما يعني الخدمة غير الأنانية. الصلاح أبعد مدى من اللطف. فاللطف هو المساعدة متى لاحت الفرصة ولكن الصلاح يسعى في طلب الفرص. الصلاح هو البر العامل.

3. ثمر في علاقة الفرد بنفسه

العنقود الثالث هو الثمر الظاهر في علاقة الإنسان بنفسه: إيمان وداعة تعفف. فالإيمان يعني الأمانة أو الصدق والإخلاص للناس ولله.

والوداعة لا تعني الضعف. فقد كان يسوع وديعاً ولكنه لم يكن عاجزاً. والوداعة هي عكس الكبرياء والمفاخرة وعكس الروح غير المسامحة.

وثم التعفف، وهو ضبط النفس. وما أكثر ما جاهد البشر لضبط نفوسهم والانفعالات النفسية والميول الشيطانية في طبيعتهم. والقوة الوحيدة على وجه هذه البسيطة التي تمكن الإنسان من السيطرة على نفسه هي روح الله.

استجابة الإنسان للروح القدس

إن العهد الجديد يذكر مواقف مختلفة يستطيع البشر اتخاذها ليستجيبوا للروح القدس.

1. قد يقاوم الإنسان الروح القدس

هذه هي الكلمة التي فاه بها استفانوس في مخاطبته الذين قاوموا رسالته: "يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان أنتم دائماً تقاومون الروح القدس كما كان آبائكم كذلك أنتم" (أعمال 51:7). هذا هو موقف غير المؤمن الذي يقسي قلبه تجاه الروح القدس. والمسيحي يكون مذنباً في مقاومة الروح، عندما يرفض إطاعة البواعث التي يغرسها الروح في قلبه.

2. قد يزدري الإنسان بالروح القدس

هذه هي الكلمة المستعملة في عبرانيين 29:10 "ازدرى بروح النعمة". فالكلمة قد قيلت عن هؤلاء الذين أثر عليهم الروح القدس بقوة. إنها قريبة جداً من الخطية التي لا تغتفر. إنّ المذنبين بازدرائهم بالروح القدس هم الذين رفضوه وطردوه من حياتهم بطيش وعجرفة.

3. قد يحزن الإنسان الروح القدس

كان بولس يكتب إلى أناس مسيحيين عندما استعمل هذه الكلمة "لا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء" (أفسس 30:4). وبالطبع فإن الروح القدس يحزن بغير المؤمنين إذ يقاومونه ولكنه يحزن للمسيحيين عندما يهملونه ولا يطيعونه. إنها صورة الآب الحزين لتصرفات ابنه الشاذ العاصي.

4. قد يطفئ الإنسان الروح القدس

كان بولس يخاطب مسيحيي تسالونيكي عندما قال "لا تطفئوا الروح" (1 تسالونيكي 19:5). فالتشبيه إطفاء النار بسكب الماء عليها وقد وصف الروح القدس بأنه كالنار. وصاحب حلولَه يوم الخمسين ظهورُ ألسنة مثل النار. إنه يشعل نيران المحبة والغيرة في قلب المسيحي وقد يطفئ الفردُ الروحَ باللا مبالاة والإهمال وعدم الطاعة.

5. قد يمتلئ الفرد بالروح القدس

هذه هي المثالية التي حث بولس المسيحيين الأفسوسيين عليها "ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح" (أفسس 18:5 ). وهناك فرق بين أن يكون لك الروح القدس وبين أن تمتلئ بالروح القدس.

كل مسيحي فيه الروح القدس "إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له" (رومية 9:8 ). إنّ مجيء الروح القدس إلى القلب بما يحمله من قوة للتجديد هو الذي يجعل الإنسان مسيحياً. على كل حال فقد يكون الروح القدس لشخص ما ولكن دون أن يكون هذا الشخص ممتلئاً به. قد يكون الإنسان مسيحياً ولكن دون أن يكون مسيحياً ممتلئاً بالروح.

المسيحي مشبه بإناء. فقد قال المسيح عن شاول الطرسوسي "لأنّ هذا لي إناء مختار" (أعمال 15:9 ) كما قال حنانيا لشاول "قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس" (أعمال 17:9 ).

لا بد من إتمام شرطين حتى يمتلئ الإناء.

(1) أن يفرغ. لا يمكن أن يملأ إناء بماء نقي حتى يفرغ من الماء الملوث. وقبل أن يمتلئ المسيحي بالروح، يجب أن يفرغ من الذات، يفرغ من الخطية ويفرغ من كل شيء لا ينسجم وروح الله. لا يمكن لإنسان أن يتمسك بشيء غير طاهر ثم يكون ممتلئاً بالروح القدس.

(2) يسلّم. قبل أن يملأ الإناء لا بدّ من أن يسلّم لاستعمال من يريد أن يملأه وكذلك فالمسيحي لا يمكن أن يمتلئ بالروح حتى يسلّمَ نفسه بكاملها للروح. ودعونا نستعمل مثلاً آخر. إنسان يملك بيتاً يريد تأجيره. ولكن عنده بعض أشياء يريد حفظها في البيت. ولذلك هو يجمعها في غرفة واحدة ويغلق بابها ويضع المفتاح في جيبه. ثم يقول للمستأجر يمكنك استعمال كل البيت باستثناء هذه الغرفة. فقد أبقيتها لنفسي. بمثل هذه الطريقة يعامل بعضُ الناس الروحَ القدس. هناك شيء في حياتهم لا يرغبون في التخلي عنه. هناك غرفة لا يرغبون في تسليمها. لذلك فهم يغلقون بابها ويقولون للروح القدس: لك كل حياتي باستثناء تلك الغرفة بالذات فقد أبقيتُها لنفسي. مثل هذا الإنسان لا يمكن أن يمتلئ بالروح.

أسئلة للمراجعة والامتحان

1- ابحث في شخص الروح القدس.

2- اذكر بعض الأمور التي ميّزت حلول الروح القدس.

3- ما هو عمل الروح القدس في الفرد؟

4- ما هي العلاقة المثالية بين الفرد والروح القدس؟

5- ما هي بعض ثمار الروح؟

  • عدد الزيارات: 7930