الفصل السادس: الخلاص العظيم
"فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره" (عبرانيين 3:2)
بحثْنا في الفصل السابق في تدبير الله لخلاص الجنس الهالك، بواسطة ابنه الذي وهبه لنا. إذ أنه بموته التكفيري وقيامته المجيدة مهد سبيل الخلاص أمام البشر جميعهم. ولكن هذا لا يعني أن الكل سيخلصون فهناك شروط لا بد من مراعاتها قبل أن يستطيع الفرد أن يخلص.
اختبار الخلاص
جعل الله طريقة واحدة لخلاص جميع البشر "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله" (أفسس 8:2). الخلاص بنعمة الله ممكن بالإيمان الشخصي بالرب يسوع المسيح. هذا وليس لدى الله طريقة أخرى للخلاص.
يريدنا البعض أن نؤمن بأن الناس في العهد القديم كانوا يخلصون بحفظ الناموس. ولكن بولس في رسالته إلى أهل غلاطية كما في رسائله الأخرى يصحح هذا الرأي الخاطئ قائلاً "إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح... لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما" (غلاطية 16:2).
ثم يستمر بولس فيرينا كيف أن إبراهيم وغيره من قديسي العهد القديم الآخرين قد خلصوا بالإيمان وليس بحفظهم الناموس "كما آمن إبراهيم فحسب له براً" (غلاطية 6:3).
وكما قال يسوع "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يوحنا 56:8).
ونجد في عبرانيين 11: 24-26 هذه العبارة فيما يتعلق بموسى "بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون مفضلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر". إذاً فقد خلص هؤلاء الناس بإيمانهم بيسوع الذي كان مزمعا أن يأتي كما خلصنا نحن بالإيمان بالمسيح أتى.
وهناك أربعة أوجه لاختبار الخلاص:
1- الاهتداء
للخلاص جانبان، جانب الله وجانب الإنسان. الجانب الإلهي هو الولادة الجديدة الصائرة بالروح القدس في قلب المؤمن وهذا ماسنبحثه في الفصل القادم، عند دراساتنا لعمل الروح القدس، كما أننا سنبحث أكثر في عمل الله في الخلاص خلال تعمقنا في دراسة هذا الفصل. أما الآن فسنقصر بحثنا على جانب الإنسان في الخلاص وسنسميه "الاهتداء" والاهتداء معناه التحول فعندما يختبر أي إنسان الخلاص فانه يغير وجهة سيره وهناك درجتان أو خطوتان يخطوهما الإنسان في هذا الاختبار.
(1) التوبة. قبل أن يخلص الإنسان يجب أن يتوب عن خطاياه. ولكن ما هي التوبة؟ التوبة، أولاً شيء أكثر من الشعور بالذنب. لا يقدر الإنسان أن يخلص حتى يشعر بتبكيت على خطاياه. وهذا هو الفرق الذي كان بين الفريسي والعشار وقد صعد كلاهما إلى الهيكل يصليان. لم يفكر الفريسي بأنه خاطئ ولم يشعر بأي تبكيت على الخطية بينما صرخ العشار "ألهم ارحمني أنا الخاطئ" (لوقا 13:18) أي أنه أدرك حالته الخاطئة أمام الله. ولكن الشعور بالذنب وحده ليس توبة. لأنه قد يشعر الفرد بتبكيت شديد على الخطية ولكنه لا يتوب. قليلون في هذا العالم هم الذين لم يدركوا- أحياناً – أنهم خطأة. فيهوذا الاسخريوطي عرف أنه أخطأ ولكنه لم يتب. لقد شعر بالحزن من جراء ما فعل ولكن حزنه هذا لم يؤدّ به إلى التوبة بل إلى الانتحار.
ثانياً، التوبة تعني أكثر من الحزن على الخطية. فكثيرون حزنوا لأنهم خطاة ولكنهم لم يتوبوا. والكتاب المقدس يذكر لنا نوعين من الحزن. الحزن الذي حسب مشيئة الله والحزن الذي حسب العالم: "لأن الحزن بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة. وأما حزن العالم فينشئ موتاً" (2 كورنثوس 10:7).
إن حزن العالم هو ذلك النوع من الحزن الذي يشعر به العالم. إذ أنه قد يكون حزناً مسبباً عن افتضاح خطايا الفرد، ولأن على هذا الفرد أن يواجه النتائج المترتبة عليها. ولهذا السبب فإن التوبة على فراش الموت قل أن تكون توبة حقيقية.
قبل بضع سنين زرت إنساناً كان يعتقد أنه قريب من الموت. وقد أظهر لي ندامة عميقة على خطاياه. ولكن ما إن شفاه الله حتى عاد إلى حياته الأولى وإلى مسلكه القديم. إن الحزن الذي حسب مشيئة الله يصدر عن إدراك الإنسان لطبيعة الخطية الفظيعة وأنها شيء ضد الله. هذا النوع من الندم ليس توبة ولكنه – حسب ما يقول بولس – يقود إلى التوبة.
ثالثاً، التوبة تغيير في التفكير من جهة الخطية وعلاقتها بالله ومن ثم فهي تغيير للحياة. التوبة هي التحول عن الخطية مخافة للرب. إن مجرد الإصلاح لا يعدّ توبةً حقيقية فالإنسان قد يصلح من ذاته لأسباب مختلفة.
إنما التوبة الخالصة اختبار داخلي يكشف عن نفسه بتغيير ظاهر في مجرى حياة الفرد. وهذا التغيير الظاهر قد يكون أبرز في البعض منه في البعض الآخر إذ أنه يعتمد على تعمق الفرد في الخطية. وكلما عظمت الخطية كلما كان التغيير الظاهر أكثر بروزاً ووضوحاً. ولكن التوبة اختبار ضروري للجميع. لأن الكل أخطأوا. قد يشعر الشخص بتبكيت على خطيته ثم هو يرى الخطية بالنسبة لعلاقتها بالله القدوس. ولذلك يصمم في قلبه على هجر خطاياه. أما هذا التغيير الظاهري في سيرته في الحياة فهو ثمر التوبة. طلب يوحنا المعمدان من الفريسيين والصدوقين قائلاً "اصنعوا أثماراً تليق بالتوبة" (متى 8:3 ). وبهذه الطريقة يثبتون أنهم قد تابوا حقاً.
رابعاً التوبة اختبار ضروري. التوبة ليست الخلاص ولكنها شيء يرافق الخلاص، شيء بدونه لا يمكننا اختبار الخلاص. ولذلك فالأسفار المقدسة تصر على ضرورة التوبة فقد قال يسوع لأناس عصره "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لوقا 3:13).
خامساً، التوبة الحقة مصحوبة برد المسلوب. فعندما يتوب الشخص توبة صحيحة يصمم ليس على عدم السير في الخطية فقط ولكن عليه، ما دام باستطاعته، أن يعوض عن خطايا الماضي. بالطبع هناك أشياء كثيرة فعلها الإنسان ولا يستطيع أن يعوض عنها. ولكن هناك أشياء كثيرة يستطيع أن يعوض عنها. فإن كان التائب سارقاً فالتوبة بالنسبة له ليست التصميم على الامتناع عن السرقة فقط ولكن أيضاً رد الأشياء التي سرقها. لأن زكا عندما اختبر التوبة الحقة وقف أمام الشعب وقال "إن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف" (لوقا 8:19).
هذه هي إذاً الخطوة الأولى في اختبار الاهتداء. وهي التوبة، أي الرجوع عن كل الخطايا المعروفة.
(2) الإيمان. إن الإيمان الذي يمنح الخلاص ليس إيماناً بكتاب، حتى ولو كان هذا الكتاب هو الكتاب المقدس. وليس إيماناً بعقيدة مستقيمة. وليس إيماناً بمؤسسة حتى ولو كانت هذه المؤسسة كنيسة. إن الإيمان الذي يخلص هو الإيمان بالرب يسوع المسيح.
قال بولس أنه يعظ "بالتوبة إلى الله والإيمان الذي بربنا يسوع المسيح" (أعمال 21:20). يجب أن تكون التوبة لله، لان الخطية ضد الله. والإيمان يجب أن يكون بالرب يسوع المسيح لأنه هو الذي كفر عن خطايانا.
هناك عدة عناصر في الإيمان.
أولاً، هناك التصديق، ويعتبر العنصر العقلي في الإيمان. فحتى يخلص الإنسان عليه أن يصدق شيئاً وبما أن الإيمان هو بالرب يسوع المسيح فيجب عليه أن يصدق شيئاً عن المسيح. يجب عليه أن يسلم عقلياً بحقيقة شخص المسيح وعمله كما هو في العهد الجديد.
أما أقل ما يمكن أن يؤمن به الإنسان ومع ذلك يخلص فهذا ليس للإنسان أن يقدره. كم أحب عبارة قالها راع صديق قبل بضع سنين: "إني أفضل أن أؤمن كثيراً جداً من أن أؤمن قليلاً جداً". ولكن التصديق في حد ذاته ليس الإيمان الذي يخلّص. فقد يصدق الفرد كل ما ورد في الكتاب المقدس مما له علاقة بالمسيح، ومع ذلك لا يكون مسيحياً حقيقياً.
ثانياً، لا بد من القبول. فحتى يخلص الفرد لا بد من أن يقبل يسوع المسيح مخلصاً شخصياً له. يجب أن يعتبر عمل المسيح المخلّص خاصاً به. فقد يؤمن الفرد بأن الطعام يحفظ الحياة وينمي الجسم. ولكنه سيموت جوعاً إن لم يتناول الطعام. وعليه، فقد يعتقد فرد بأن المسيح قد مات من أجل خطاياه وكفر عنها جميعاً ًومع هذا فقد يموت في خطاياه إن لم يقبل المسيح مخلّصاً شخصياً له. "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يوحنا 12:1).
ثالثاً، الإيمان يشتمل على التسليم. فالإيمان المخلص ليس الاعتقاد بالمسيح وقبوله فقط لكنه التسليم للمسيح. هو أن يشعر الإنسان بالتبكيت من جراء خطاياه ويعرف أنه هالك ويرى في يسوع المسيح أمله الوحيد فيسلم ذاته له.
مثل هذا الاختبار مثل رجل سقط في بحر هائج فراحت الأمواج تتقاذفه بعيداً عن الشاطئ، ولكن قارباً من قوارب النجاة أقبل لنجدته. قد يؤمن هذا الإنسان اليائس بأن هذا القارب سيوصله سالماً إلى الشاطئ، وبأن البحّار الذي في القارب بحّار ماهر يستطيع التغلب على صاخب الموج ليقود القارب في مجراه، ولكنه لن ينقذ حتى يتسلق جانب القارب ويرمي بنفسه إلى قاعه ويستسلم لعناية البحار. والخاطئ قد يؤمن بأن المسيح قد كفر عن خطاياه وبأنه قادر أن يخلصه من خطاياه ولكنه لم يخلص أبداً حتى يسلم ذاته للمسيح.
هاتان هما الخطوتان اللازمتان للتجديد. التوبة لله والإيمان بالرب يسوع المسيح.
2- التبرير
إن اختبار الخلاص هو أكثر من الاهتداء، والتحول عن الخطية أو الرجوع إلى الرب يسوع المسيح. وهو أكثر من التجديد أو الولادة الجديدة بروح الله. إن الإنسان عندما يتوب عن خطاياه ويضع ثقته بالمسيح يغفر له الله خطاياه. لكن الله يعمل أكثر من هذا أيضاً، إنه يستعيد الخاطئ إلى الرضى الإلهي.
عندما عاد الابن الضال إلى بيت أبيه، سأل أباه أن يصفح عنه ويجعله أحد خدامه. لكن الأب لم يصفح عنه فحسب بل أعاده إلى موضعه في البيت وعامله كأنه لم يضل. هذا هو بالضبط ما يفعله الله للخاطئ الذي يرجع إليه بالتوبة والإيمان فهو لا يغفر له فحسب ولكنه يعيده إلى رضاه الإلهي ويعامله وكأنه لم يخطئ. هذا ما ندعوه تبريراً، أي العمل الذي يعمله الله ليعلن أن الخاطئ قد أصبح باراً بالإيمان بالمسيح.
لقد قال بولس الكثير عن التبرير. أعلن أن البشر يتبررون بالإيمان، وليس بأعمال الناموس. ومن أهم ما جاء في رسالته إلى أهل رومية 1:5-2 قوله "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح، الذي به أيضاً قد صار لنا الدخول بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون، ونفتخر على رجاء مجد الله". إن هذه الأعداد لتصرّح بأنّ التبرير عمل الله المتجاوب مع إيمان الإنسان والذي ينتج السلام مع الله، والدخول إلى النعمة الإلهية والفرح المقيم.
3- التبني
إن الله لا يسامح المؤمن ويبرره فقط ولكنه يضمه إلى عائلته ويجعله ابنه الخاص "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب" (رومية 15:8).
إنه لعجيب حقاً أن يصفح الله عنا ويعيدنا إلى الرضى الإلهي، ولكن أعجب العجائب كلها أن نعتبر أبناء الله. لقد كان هذا الأمر عجيباً حتى في نظر يوحنا التلميذ الحبيب الذي حينما تأمّل بهذه الحقيقة المباركة صرخ قائلاً "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (1 يوحنا 1:3). وليس البشر أبناء الله بالطبيعة، لأنهم جميعاً بالطبيعة أبناء الغضب (أفسس 3:2 ) ولكنهم يصبحون أبناء الله بالإيمان بالمسيح "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" (غلاطية 26:3).
4- التقديس
من طبيعة الأطفال الاعتياديين أن ينموا، وإذا ظل الطفل عاجزاً عن النمو جسمياً وعقلياً فلا لا بدّ لابن الله من أن ينمو في قوامه الروحي. فالإنسان بعد ولادته بروح الله يكون طفلاً بالمسيح. ولكن المسيحي الصحيح لا يبقى طفلاً. ففي رسالة بطرس الأولى 2:2 يقول الرسول "وكأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به". ثم ينهي رسالته الثانية بهذا القول "ولكن انموا في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح".
أما بولس فقد عبَّر عن هذا النمو بقوله "إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح كي لا نكون في ما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم" (أفسس 13:4-14).
هذا النمو في الاختبار المسيحي هو ما يعرف بالتقديس. إنه عمل لا يتم في هذه الحياة كما يدعي البعض بل هو تقدّم وتدرّج يصل إلى تمامه عندما يشاهد المسيحي وجه الرب الممجد. "أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" (يوحنا 2:3).
التقديس يبدأ باختبار التجديد، ثم يتدرج بعمل الروح القدس في القلب والحياة ثم يصل إلى تمامه المجيد في حضرة الرب. كما قال الحكيم قديماً "أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل" (أمثال 18:4). إنه يبدأ بنور فجر الولادة الجديدة ويشع ببهاء متزايد كلما ارتفعت الشمس في الحياة اليومية ثم يصل إلى أوج علاه في مجد اليوم الخالد.
بعض الحقائق عن الخلاص
لا بد من التفكير الواضح والانتباه الدقيق في دراستنا للأسفار المقدسة خاصةً فيما يتعلق بهذا الموضوع الحيوي، لأن هذه هي النقطة التي طالما يخطئ البشر فيها.
1.هبة مجانية
"أما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (رومية 23:6 ). لا يستطيع البشر شراء الخلاص كما لا يستطيعون اكتسابه بالأعمال الصالحة "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (أفسس 8:2-10)
فنحن لا نخلص بالأعمال الصالحة، ولكن لأعمال صالحة. وهذا كان درساً صعباً على الناس تعلمه. فقد أصروا على نيل الخلاص بأعمالهم الصالحة أو بسلوكهم وأخلاقهم الحسنة. ولكن الخلاص هبة الله المجانية ولن يحوزه إنسان إلا إذا رغب في قبوله هبة مجانية. ولكن قائلاً يقول ألم ينادِ بولس: "تمموا خلاصَكم بخوف ورعدة؟" (فيلبي 12:2). ولكن لنعلم أن بولس قد خاطب بكلماته هذه أناساً مؤمنين لأنه في العدد التالي يقول "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة". فالله هو الذي يعمل في داخل الإنسان والإنسان يتمم هذا العمل في الظاهر.
إن مثل هذا كمثل والد أعطى ولده مزرعة. فالمزرعة لم تكلف الابن شيئاً إذ أنها هبة مجانية من والده. ولكن ما ينتجه الابن منها يعتمد على ما يضعه فيها. فإن هو أهملها فهي ستنبت أعشاباً وشوكاً ولن تعطي ثمراً. ولكن إن هو اعتنى بها فإنها ستعطي محاصيل وافرة.
وهكذا الخلاص هبة مجانية من الله لم يكلف الفرد الذي قبله أي شيء. ولكن ما يجنيه من الحياة المسيحية يعتمد على ما يزرعه فيها. فإن كان مهملاً عديم العناية فستكون حياته في حالة فقر روحي مدقع. ولكن إن هو بذل جهده فيها فسيحصل على مكافأة وفيرة. وهذا ما عناه بولس في قوله "إن بقي عمل أحد قد بناه عليه فسيأخذ أجرة. إن احترق عمل أحد فسيخسر وأما هو فسيخلص ولكن كما بنار" (1 كورنثوس 14:3-15).
2. اختبار شخصي فردي
إن كلمة الله تعظم قيمة الفرد وكرامته الشخصية البشرية. وفي اختبار الخلاص فإن الله لا يتعامل مع البشر كعائلات أو جماعات. قد يخلُص عددٌ من الناس في وقت واحد، ولكن لا بد من أن يختبر كل واحد الخلاص لنفسه. "فإذاً كل واحد منا سيعطي عن نفسه حساباً لله" (رومية 12:14).
هذا ما أنذر به بولس مسيحيي رومية. وبما أن هذا حق فإنه ينتج لنا حقيقتين يجب التأكيد عليهما.
(1) كفاءة النفس. للفرد ملء الحق في أن يتعامل مع الله من أجل نفسه. وهذا ما نعبر عنه أحياناً بالكفاءة النفسية فالفرد لا يحتاج إلى كاهن أو كفيل في اقترابه من الله. فهو قادر أن يأتي مباشرة إلى الله دون مساعدة إنسان أو مؤسسة. يجب أن يتعامل مع الله بنفسه. لأنه لا يستطيع أحد أن يجيب عنه أمام الله. ولا يمكن أن تقوم هناك ديانة نيابية. قد يساعد الوالدون والأصدقاء في تقريب الفرد إلى الله. ولكنهم لا يمكنهم أن يتعاملوا مع الله بدلاً منه.
(2) حرية النفس. للفرد ملء الحق في أن يتعامل مع الله بنفسه. وهذا حق لا يمكن لفرد أن يسلبه إياه. هذا ندعوه حرية النفس. فالفرد يجب أن يكون حراً في أن يقرأ ويفسر كلمة الله لنفسه. ويجب أن تكون له الحرية لأن يعبد الله حسب توجيهات ضميره.
فلا حق للإنسان أو للمؤسسات أن تحول بين النفس وبين الله أو أن تعيق النفس من تقربها الى الله فما دام الفرد مسؤولاً أمام الله عن نفسه فهو إذاً حر بان يتقرب بنفسه الى الله. قد يساعده الآخرون ولكن لا حق لهم في ان يعيقوه.
3.اختبار ثلاثي
للخلاص ثلاث مراحل.. اختبار أولي - تجديد، اختبار نام - تقديس، اختبار نهائي - تمجيد، أي خلاص من لعنة الخطية، خلاص من سلطة الخطية، وأخيراً الخلاص من حضور الخطية. والخلاص من الخطية له ثلاث صيغ:
ماض، (تخلصنا) وهذا هو التجدبد (أفسس 5:2-8)، حاضر، (نحن نخلص) وهذا هو التقديس (فيلبي12:2)، مستقبل، (سنخلص) وهذا هو التمجيد (رومية 9:5،11:13).
4.أبدي في مداه
عندما يخلص الإنسان حقاً فإنه يكون قد خلص إلى الأبد. فقد قال يسوع "خرافي تسمع صوتي وأناأعرفها فتتبعني وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي، أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي" (يوحنا 27:10-29).
تسمى هذه الحقيقة من الناحية البشرية ثبات القديسين، أما من ناحية الله فتسمى الحفظ الإلهي.
فالقديسون يثبتون والله يحفظهم "واثقاً بهذا عينه أن الذي ابتدأ فيكم عملاً صالحاً يكمّل إلى يوم يسوع المسيح" (فيلبي 6:1 ). "أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص مستعد أن يعلن في الزمان الأخير"(بطرس 5:1 ).
ولا يتمشى هذا مع وعد الله فحسب ولكن مع الكلمات التي استعملت في وصف الخلاص. وعندما يؤمن إنسان بالرب يسوع المسيح فإنه ينال هبة الحياة الأبدية. "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية" (يوحنا 36:3 ).
وما دامت أبدية فلا يمكن أن تتوقف ولكنها تدوم إلى الأبد.
5.يدعو إلى الاعتراف العلني
قال بولس "لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت أن الله أقامه من الأموات خلصت. لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص" (رومية 9:10-10 ). هل يخلص شخص لم يعترف بإيمانه بالمسيح علناً أم لا يخلص؟ هذا ما لا يستطيع الإنسان أن يقوله. ولكنه من المؤكد أن الشخص الذي يرفض الاعتراف العلني بإيمانه لا يختبر الشبع الكامل في الخلاص.
6.يظهر ذاته بالطاعة
هذه هي كلمات ربنا "إن أحبني أحد يحفظ كلامي" (يوحنا 23:14 ). كما يقول في العددالرابعوالعشرين من ذات الأصحاح "الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي "وكاتب الرسالة إلى العبرانيين يقول "وإذ كمّل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي" (عبرانيين 9:5). الخلاص إذاً يظهر ذاته بالطاعة.
والطاعة لها وجهان إيجابي وسلبي. فهي تعني الامتناع عن كل شر، "وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم" (يعقوب 27:1). وهي تعني أيضاً عمل ما هو صالح وتكريس الحياة لخدمة الله. إن وجهي الطاعة يظهران في رومية 1:12-2 "فأطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذا الدهر. بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة".
7.الخلاص مهيأ لكل البشر
إن الأسفار المقدسة تعلن أن الله يتأنى علينا "وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة" (2 بطرس 9:3) "الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تيموثاوس4:2).
إن محبة الله الشاملة لكل العالم هي التي جعلته يرسل ابنه إلى العالم "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 16:3).
ولخلاص العالم مضى يسوع إلى الصليب ومات: "وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً" (1يوحنا 2:2).
لقد فوّض الله كنيسته لنشر الإنجيل لكل العالم:" فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم" (متى 19:28).
كان من الصعب على اليهود قبول هذه الحقيقة. فقد ظنوا أنّ الخلاص لليهود فقط. وعندما حمل بطرس رسالة الإنجيل بقوة الروح القدس إلى بيت كرنيليوس أحدث شيئاً من البلبلة في كنيسة أورشليم التي كانت في ذلك الحين مؤلفة من يهود مسيحيين. ولكن "ليس عند الله محاباة". وليس له شعب مفضل بين الأمم. لقد منح البعض فرصاً أعظم مما منح الآخرين ولكن الفرص العظيمة تحمل معها دائماً مسؤوليات جسيمة.
عقيدة الاختيار
إن عقيدة الاختيار في الكتاب المقدس كانت حجر عثرة للكثيرين. فالأسفار المقدسة تعلن أن الله قد اختار أفراداً معينين للخلاص، حتى قبل أن يولدوا "لأنه وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيراً أو شراً لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعوا قيل لها أن الكبير يستعبد للصغير كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو" (رومية 11:9-13 ).
والعبارة الواردة في أفسس (4:1-5) أقوى من هذه العبارة أيضاً "كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته".
وفي 2 تسالونيكي 13:2 يقول "وأما نحن فينبغي لنا أن نشكر الله كل حين لأجلكم أيها الأخوة المحبوبون من الرب أن الله اختاركم من البدء للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق". وهناك آيات أخرى كثيرة يمكن اقتباسها من الكتاب المقدس تظهر فيها عقيدة أو تعليم الاختيار.
ترى هل يبين لنا مثل هذا التعليم محاباة من جانب الله وهدماً لحرية الفرد؟ لا ينكر أحد أن هناك بعض الغموض في هذه العقيدة أو هذا التعليم. وبالطبع لا يستطيع أحد الادعاء بشرحها شرحاً وافياً. ولكن الأسفار المقدسة تقول إن الاختيار قائم على سابق علم الله: "لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه" (رومية 29:8) "المختارين بمقتضى علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة ورش دم يسوع المسيح" (بطرس 1:1-2). إن الله غير محدود بزمان وليس عنده حاضر أو ماض أو مستقبل ولكن له وجوداً أبدياً وهو عالم بكل الأشياء منذ البداية. وهكذا فاختيار الله لا يلغي حرية الإنسان في الاختيار كما أنه عالم بما سيختاره الإنسان وهذه الآيات المأخوذة من الأسفار المقدسة تلقي بعض الضوء على هذه العقيدة الصعبة أو الغامضة ولكنها لا تشرحها شرحاً وافياً.
لا يحتاج الإنسان، لكي يخلص أن يفهم جميع العقائد المتعلقة بالخلاص. فقد جعل الله خطة الخلاص في منتهى البساطة في منتهى البساطة والوضوح حتى يستطيع أي صبي أو بنت أن يعمل بها. إن كلمة الله لا تقول لك: "افهم وفسر كل الحقائق التي يعتمد عليها الخلاص لكي تخلص"، ولكنها تقول: "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص" (أعمال 31:16).
يعثر كثيرون من الناس ولا تعجبهم خطة الخلاص وسبب ذلك أن تلك الخطة بسيطة للغاية. فهؤلاء يظنون أن لا بد لهم أن يعملوا شيئاً به يساعدون الله لكي يخلصهم. ولكن الكلمة تقول: "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان، وذلك ليس منكم- هو عطية الله، ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (أفسس 8:2-9).
عندما أراد المسيح مرة أن يفسر الخطة التي وضعها الله للخلاص أشار إلى حادثة وقعت قديماً لبني إسرائيل في أثناء تجوالهم في البرية. وذلك كان أن تذمروا بسبب ما لاقوا من الشدائد في سيرهم في البرية، فعاقبهم الله بأن أرسل عليهم حيات محرقة زحفت إلى خيامهم فلدغت كثيرين من أفراد الشعب. فصرخ الشعب إلى الله طالبين الرحمة. عندها أمر الله موسى أن يصنع حيةً نحاسيةً ويرفعها على رأس سارية في وسط المخيم. ووعد الله أنّ كل من لدغته إحدى الحيات يستطيع أن يبرأ وينجو من الموت إن هو رفع عينيه ونظر إلى الحية النحاسية (انظر سفر العدد 4:21-9 ).
وطبَّق المسيح هذه الحادثة فقال: "وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 14:3-15 ).
أسئلة للمراجعة والامتحان
1-ما هما خطوتا الاهتداء؟
2-ما هي العناصر الثلاثة التي تدخل في الإيمان؟
3-ما الذي نعنيه بالتقديس؟
4-ما الذي نعنيه بقولنا الخلاص يتم في ثلاث مراحل؟
5- ناقش الخلاص كاختبار شخصي.
- عدد الزيارات: 5936