Skip to main content

الفصل الأول: ذلك الكتاب العجيب

"عجيبة هي شهاداتك" (مزمور 119: 129)

"الكتاب المقدس" هو الاسم الذي أُطلق على مجموعة الكتابات المقدسة التي نسميها "الأسفار المقدسة" لأن مؤلفه هو الروح القدس, ولأنه يبحث في أمور مقدسة.

مرة أعطي أحد الصينيين المثقفين نسخة من الكتاب المقدس, وبعد مدة رجع إلى المعطي وسأله "ما هو السر في هذا الكتاب الذي أعطيتني إياه الذي يجعله يختلف عن غيره من الكتب؟ أني قرأت الكثير من التعاليم الأخلاقية الجيدة في الأدب الصيني ولم أضطرب في داخلي عندما اقترفت خطأ ما قبل هذا الكتاب, وأما الآن فأشعر باضطراب كلما أخطأت. فما الذي يختلف يا ترى؟".

قال السياسي العظيم كلادستون "لقد تميز الكتاب المقدس بطابع خاص في أصله ولذلك فإن هناك فرقاً كبيراً يميزه عن أي كتاب يحاول منافسته".

إن الكتاب المقدس أكثر من كتاب عادي, إنه مكتبة تحوي ستة وستين سفراً ولذا دعي "بالمكتبة الإلهية" ففيه أسفار في القانون, والتاريخ, وسير العظماء, والشعر, والنبوات.

إن كاتب المزامير لم يكن له إلا القسم الصغير من العهد القديم غير أن هذا القسم بنظره كان كتاباً عجيباً "عجيبة هي شهاداتك" فكم يكون أعجب هذا الكتاب المقدس الكامل الذي هو بين أيدينا. إذاً ما الذي يجعل الكتاب المقدس عجيباً إلى هذا الحد؟.

إنه كتاب موحى به

الكتاب المقدس هو الكتاب الوحيد في العالم أجمع الذي يستطيع أن يدعي بحق بأنه موحى به بكل ما في كلمة الوحي من معنى.

1. معنى الوحي

قال بطرس "بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2 بطرس 1: 21). الكتاب المقدس كتبه أناس, ولكنهم كانوا أناساً مسوقين بالروح القدس.

وقولنا أن الكتاب كله موحى به لا يعني أن جميع أجزائه متعادلة الأهمية. فسفر اللاويين الذي يشرح الناموس الطقسي ليس له ذات الأهمية التي لرسالة رومية, التي تظهر خطة الله العظيمة للخلاص. الفصل العاشر من سفر التكوين, الذي يعطينا لائحة بالأسماء, لا يمكن مقارنته بالأصحاح الثالث من إنجيل يوحنا الذي يظهر محبة المخلص. ولكن كل جزء من الكتاب المقدس له موضعه الخاص وهو جزء متمم لهذا الكل. إن إعلان الله بحد ذاته كان بصورة تدريجية. والعهد القديم هو بمثابة الأساس للعهد الجديد. وقولنا أيضاً أن الكتاب موحى به لا يعني بأن الكاتب لم يقم بجهد للوصول إلى الحقائق من دونها. فإن لوفا مثلاً يقول في مقدمة إنجيله "رأيت أنا أيضاً إذ تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس" (لوقا 1: 3). إذاً لقد قام بمجهود دقيق ليتأكد من الحقائق مقتاداً بإرشاد سماوي في عمله.

لقد كتب الكتاب المقدس باللغتين العبرية واليونانية- العهد القديم كتب باللغة العبرية, والعهد الجديد كتب باليونانية. عن الوسيلة الوحيدة لنسخ الأسفار في تلك الأيام كانت نسخها باليد وهذه عملية شاقة طويلة فكان عددها قليلاً جداً وهكذا فقدت المخطوطات الأصلية, وكل ما هو بين أيدينا اليوم نسخ عن النسخ الأصلية المكتوبة باليد, وكتابنا المتداول اليوم هو ترجمة لهذه النسخ القديمة. كانت النسخ الأصلية موحاة بها من الله وهناك كل الأدلة على أن كمال أو نـزاهة النسخ الأصلية قد صينت بطريقة عجيبة.

2. طريقة الوحي

لا يتفق كل المسيحيين على طريقة الوحي. كما لا يتفق جميع المعمدانيين في هذا الموضوع. ولك هناك على العموم اجتهادين سنأتي على ذكرهما للاستفادة.

(1) الوحي الميكانيكي. يعتقد البعض بالوحي الحرفي الكامل, أي بأن كل كلمة في الكتاب أملاها الروح القدس بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وقد كتب الناس ما أمرهم الله أن يكتبوه حرفياً. ففي سفر الخروج 24: 4 نقرأ ما يلي. "فكتب موسى جميع أقوال الرب" وفي ارميا 30: 1-2 نقرأ ثانية "الكلام الذي صار إلى ارميا من قبل الرب قائلاً هكذا تكلم الرب إله إسرائيل قائلاً اكتب كل الكلام الذي تكلمت به إليك في سفر". ويقول بولس أيضاً "ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله التي نتكلم بها أيضاً لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل ما يعلمه الروح القدس" ( 1 كورنثوس 2: 12-13).

وحقيقي أيضاً أن الكتّاب لم يفهموا أحياناً كل ما هو مضمون فيما كتبوه. فاشعياء والأنبياء الآخرون لم يتفهموا تماماً كل ما كتبوه عن حوادث المستقبل بل كانوا يكتبون ما أمرهم الله بأن يكتبوه: "الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء.الذين تنبؤا عن النعمة التي لأجلهم. باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها" (1 بطرس 1: 10-11).

(2) الوحي الديناميكي. ويمكننا أن نسميه الوحي الفكري. أي ما يعارض الإيحاء الحرفي. وبناءً على هذه النظرية, نقول أن الكلمات كانت من وضع الكاتب واختباره ولكن الحقيقة المدونة كانت من الله. أي أن الفكرة فكرة الله والصيغة التي صيغت بها هي من وضع الكاتب, وهذا ما يعطي الكتًاب مجالاً لتبيان شخصيتهم وهذا ما يفسر تنوع الأساليب في الكتابات المتعددة الحاضرة.

وسيان ما كانت طريقة الوحي, فالذين دونوا الكتاب كانوا تحت قيادة إلهية مكنتهم من تدوين ما أراد الله أن يدونوه. ويشرح الدكتور أ, ه. سترونغ هذه النظرية بقوله "يظهر أن مدوني الأسفار قد سيطر عليهم الروح القدس بطريقة جعلتهم يتفهمون ويتحسسون حتى الحقائق الجديدة التي كان عليهم أن يدوِّنوها وكأنها من بنات أفكارهم. ثم تركوا لأعمال أذهانهم للتعبير عن هذه الحقائق مع استثناء واحد هو أنهم كانوا محفوظين بقوة خارقة للطبيعة تمنعهم من اختيار الكلمات الخاطئة وعند مسيس الحاجة كانوا يمنحون الكلمات الصحيحة. فالوحي إذاً حرفي بنتائجه وغير حرفي من حيث تقبُّلها".

3. أدلة الوحي

ما هو الدليل على أن الكتاب المقدس كتاب موحى به؟

(1) ادِّعاء مدوّني الكتاب المقدس أن الذين دوّنوا الكتاب يدعون بأنهم كانوا ينطقون بلسان الله أو أن الله كان يتكلم بهم. "اسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض، لأن الرب يتكلم" (أشعيا 2:1). "فكانت كلمة الرب إليَّ قائلاً...." (أرميا 4:1). "وأعرفكم أيها الأخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمّته. بل بإعلان يسوع المسيح" (غلاطية 11:1-12). وقد أعلن بولس أن "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع" (2 تيموثاوس 16:3). وهناك أقوال أخرى كثيرة في الكتاب تؤيد وحيه.

(2) وحدة الكتاب المقدس: لم يكتب الكتاب المقدس شخص واحد بل اشترك في كتابته أشخاص عدة يمثلون نواحي شتى في الحياة، فمنهم الراعي والمزارع وصياد السمك والفلاح ولم يكتب جميعه في عصر واحد إذ هناك فترة التقارب الستة عشر قرنا مابين كتابة السفر الأول والأخير من الكتاب. ولم يكتب في مكان واحد إذ كتبت أجزاء منه في البرية وأخرى في فلسطين وغيرها في أماكن متعددة امتدت من روما إلى بابل ولم تكتب النسخ الأصلية لتؤلف كتابا واحدا لأن كل كاتب كتب مستقلا عن الآخر ومع هذا كله لما جمعت هذه الأسفار بإرشاد الروح القدس أتت كتاباً واحداً له وحدة عجيبة لا يفسرها شيء سوى أن يد الله الهادية كانت تعمل فيه.

(3) محتويات الكتاب المقدس: يحتوي الكتاب المقدس على حقائق ونبوات ورسالة للبشر لا يمكن أن تكون من إنتاج العقل البشري المجرد.

أولا: هناك حقائق دُوّنت في الكتاب المقدس لا يمكن للبشر معرفتها لو لم تكن قد أعلنت لهم من الله. تظهر الطبيعة بعض صفات الله، ولكن الحقيقة الكاملة المتعلقة بطبيعته وقصده تعرف فقط بواسطة النص الموحى به والذي قدمه لنا بكلمته. وهناك حقائق لا يمكن فهمها إلا إذا أدركناها روحياً "ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً" (1 كورنثوس 14:2).

ثانياً: إتمام النبوات يشهد بوحي الأسفار. أن العهد القديم يحوي نبوات لم تتم إلا بعد مرور عدة قرون. فمكان ولادة يسوع وطرقتها قد أنبئ عنها قبل حدوثها بسبع مئة سنة، والأصحاح الثالث والخمسون من اشعياء يحتوي على وصف عجيب لآلام الرب وموته كما نرى هذا التعبير يتردد مرارا في الأناجيل "ليتم ما قاله الله بالنبي". وفي المجمع في الناصرة قرأ يسوع من الفصل الحادي والستين من سفر اشعياء ثم أغلق الكتاب وقال: "اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم" (لوقا 21:4). فكيف يمكن للبشر أن يهتكوا حجب المستقبل ليخبروا بالضبط والتأكيد عن أشياء ستتم؟ ليس من جواب أكيد سوى: لقد أوحى الله لهم بذلك.

ثالثاً: إن رسالة الكتاب المقدس تثبت أنه موحى به. فقد قيل عن يسوع "لم يتكلم قط إنسان هكذا" (يوحنا 46:7). وهذا حق لأنه لم يقم مطلقاً إنسان كذلك الإنسان. وعلى ذات الغرار يمكن القول عن الكتاب المقدس بأنه :"لم يتكلم كتاب قط كهذا الكتاب" لأنه لم يقم مطلقاً كتاب كهذا الكتاب. فهو يعلمنا عن ماهية إلهنا كما يظهر لنا قباحية الخطية ونتائجها الوخيمة كما يشير إلى طريق الخلاص. لقد كانت تعاليم الكتاب هي المنبع الأسمى لمثاليات العالم الروحية والخلقية. ولولا الكتاب لظل العالم يتخبط في الظلام الروحي.

(4) شهادة يسوع: إن أقوال يسوع تؤكد وحي الكتاب. إذ طالما اقتبس من أسفار العهد القديم معتبراً إياها ذات سلطة إلهية. "قال لهم يسوع أما قرأتم في الكتب. الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبَلِ الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا" (متى 42:21). "فأجاب يسوع وقال لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله" (متى 29:22). "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لوقا 27:24).

كان الناس يتساءلون عن وحي أسفار العهد القديم ولكن يسوع لم يخطر بباله مثل هذا التساؤل على ما يظهر. فقد اتخذ حادثتين من حوادث العهد القديم، تلك الحوادث التي كان يدور حولها التساؤل، واستعملهما لإيضاح حقائق أبدية أولاهما تتعلق بالطوفان فقال "لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع، كذلك يكون أيضا مجيء ابن الإنسان: (متى 38:24 – 39).

والثانية، هي أن البعض قد استخف بقصة يونان والحوت ولكن يسوع قال "لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" (متى 40:12). وقد قال يسوع أيضاً في حديثه الأخير مع تلاميذه قبيل موته "في بيت أبي منازل كثيرة و إلا فإني كنت قد قلت لكم" (يوحنا 2:14). لم يكن يسمح لتلاميذه أن يتبقوا بآمال لو لم تكن هذه الآمال تتحقق. وعلى الأساس ذاته لو لم تكن الأسفار التي آمنوا بها صحيحة لكان قد أخبرهم بذلك.

الوعد الذي وعد به يسوع تلاميذه يؤكد وحي أسفار العهد الجديد "وأما المعزي الروح القدس الذي سير سله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يوحنا 26:14).

وهذا يفسر لنا كيف استطاع الكتَّاب أن ينقلوا أحاديث يسوع الطويلة بعد مضي سنين عديدة على تفوهه بها.

وقد قال يسوع ثانية "أن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذلك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يوحنا 12:16- 13).

(5) تأثير الكتاب المقدس حيثما وجد الكتاب وجد التغيير في حياة البشر وحياة الأمم، فمن تأثيره تحوّل الخطأة إلى قديسين والأمم المتوحشة المتأخرة إلى أبناء الله. لقد ولد التعزية في القلوب الحزينة والشجاعة في الأرواح اليائسة.

وما من رائعة في الأدب أو الموسيقى أو الفن إلا وكان مرجعها إلى تأثير الكتاب ولذلك قال جورج وشنطن "لا يمكن أن يساس العالم سياسة صالحة بدون الله والكتاب المقدس" أما يوحنا ر.كرين فيقول "لم يمر بأمة تغيير كالذي مرّ بإنكلترا في الفترة التي تفصل بين أواسط ملك إليزابيث واجتماع البرلمان الطويل. إذ أن إنكلترا قد أصبحت شعب كتاب وذلك الكتاب كان الكتاب المقدس.

إنه كتاب ديني

لا يتطرق الكتاب المقدس إلى جميع مناحي الحياة فلم تكن الغاية منه تعليم العلوم أو ما يتفرع منها. إنه أولا وقبل كل شيء كتاب ديني يوجه الإنسان إلى الله ويعلمه كيف يعيش وبما أنه كتاب ديني يجب أن نشدد على الحقائق التالية:

1- كتاب ذو سلطان:

إن للكتاب المقدس سلطة جازمة قطعية في كل ما يتعلق بنواحي الدين، لقد ركز البعض كرسي السلطة في الكنيسة، وهؤلاء يدّعون بأن الكنيسة هي التي تعِّين ما على البشر أن يؤمنوا به وكيف يجيب أن يعيشوا، وبموجب هذه النظرية يكون كرسي السلطة فعلاً بيد أصحاب الرتب العالية في الكنيسة.

آخرون ينسبون للكتاب المقدس سلطة جزئية. فيقولون بأن الكتاب يحوي بذرة الحقيقة، لكن هذه البذرة يجب أن يضاف إليها بعض القوانين البشرية. فللكتاب المقدس بالنسبة لأصحاب هذه النظرية سلطة في الأمور الجوهرية. إلا أنه مجرد من السلطة في الأمور الثانوية. ولكن من هو الذي يستطيع أن يضع الحد الفاصل بين ما هو جوهري وما هو غير جوهري؟ إن الكتاب نفسه لم يضع مثل هذا الحد، للكتاب سلطة جازمة قاطعة في كل الأشياء التي يبحث فيها.

هناك فئة أخرى ترفض سلطة الكتاب. وتنظر إلى ضمير الفرد والعقل البشري كسلطة دينية. وحسب رأيهم هذا الفهم لا يقبلون أي حقيقة ما لم تخضع للعقل ويوافق عليهما الضمير. ورأي كهذا يترك الإنسان ولا سلطان عليه بل هو سلطان نفسه.

يصف بولس حياته قبل إيمانه بقوله "فأنا ارتأيتُ في نفسي أنه ينبغي أن أصنع أموراً كثيرة مضادة لاسم يسوع الناصري وفعلتُ ذلك أيضاً في أورشليم فحَبستُ في سجون كثيرين من القديسين آخذاً السلطان من قِبَلِ رؤساء الكهنة ولما كانوا يقتلون ألقيت قرعة بذلك" (أعمال 9:26 – 10). لقد كان يتبع كلتا السلطتين سلطة رؤساء الكهنة وسلطة ضميره الشخصي. كان يفعل ما يأمره به رجال الدين أو ما كان يشعر في قلبه بأن عليه أن يفعله.

فإن كان الكتاب المقدس موحى به من الله فلا بد وأن يكون له السلطة القاطعة الباتة في رسالته. وعندما يتكلم الكتاب فيجب أن يطاع. وفي أكثر من مرة أثناء مقارعة بولس للقادة الدينيين وأخطائهم كان يرجع إلى الكتب المقدسة. وعندما كان يتكلم في المجمع في تسالونيكي "كان يحاجُّهم من الكتب" (أعمال 2:17). وفي رسالته إلى رومية عندما وضع لهم التعاليم العظيمة بشأن الخلاص نعثر على تعابير كهذه: "لأنه ماذا يقول الكتاب" (3:4). "لأن الكتاب يقول" (11:10). إلى الكتاب إذن يجب أن نتجه متخذين إياه مصدراً للسلطة. وعندما يكون علينا أن نختار بين كلمة الإنسان وكلمة الله "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أعمال 29:5).

2– كتاب كاف:

إن الكتاب المقدس لدليل كاف في المسائل الدينية. أنه لا يكشف لنا عن كل الحقائق الدينية ولكنه يكشف لنا عما هو ضروري للإنسان أن يعرفه ليصل إلى غايته. أنه كله قاعدة كافية للإيمان والعمل. يعرّف الإنسان كل ما هو ضروري لأن يؤمن به، وكل ما يحتاج إلى عمله. أنه يسهل طريق الخلاص لدرجة أن "من سلك الطريق حتى الجهال لا يضل". أنه يبين خطة الله لكنيسته ولجميع أعمالها. كما يبين طريقة الحياة التي يجب أن يتبعها كل رجل و امرأة، أنه يهتك الستر المسدل ليلمح الناس رؤيا العالم الآتي. الكتاب المقدس ليس كتاب قوانين لكنه كتاب مبادئ. أنه لا يقول "أفعل" أو "لا تفعل" لكل أمر من أمور الحياة ولكنه على العكس يضع المبادئ الأساسية العظيمة التي تقود الإنسان لأن يصمم بذاته ويكيف حياته بحسب تلك المبادئ.

3- كتاب نهائي:

لن يكون هناك كتاب مقدس آخر لأن لا حاجة لكتاب آخر لأنه يشتمل على كل ما يلزم الإنسان أن يعرفه إلى انقضاء الدهر. وهذا لا يعني أنه لن يكون هناك تفسيرات جديدة للكتاب أو أنه لن يستخرج منه حقائق جديدة، فكنوزه لا تنضب. ولم يستطع جيل من الأجيال أن يستخرج من كل الحقائق الكامنة فيه. إنه كتاب نهائي في رسالته.

لن يستطيع العالم مطلقاً أن يسبق الكتاب فقد قال يسوع في أحد أحاديثه الأخيرة "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" (متى 35:24). كما أعلن بطرس أن "كلمة الرب تثبت إلى الأبد" (1 بطرس 25:1). وقال يسوع أن كلمته ستدين العالم في اليوم الأخير: "من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه. الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير" (يوحنا 48:12).

كتاب حي فعال

هذا ما يدعيه الكتاب المقدس لذاته "لأن كلمة الله الحية وفعّالة" (عبرانيين 12:4). إنه حي وفعّال لأنه كلمة إله حي فعّال. لذا يصفه بطرس بقوله. كلمة الله الحية الباقية. (1 بطرس 23:1). إنه حي وفعال لأنه كلمة إله حي فعال. لذا يصفه بطرس بقوله. كلمة الله الحية الباقية. (1 بطرس23:1). لم يقيّض لكتاب أن يكون له هذا العدد الضخم من الأعداء، الذين حاولوا تدميره بكل ما لديهم من قوة. هزأ به الملحدون وازدراه غير المؤمنين. تنبأ فولتير الكاتب الفرنسي الملحد بأنه لن تمضي مئة سنة حتى يصبح الكتاب المقدس نسياً منسياً، أما انكرسل فقد ذهب إلى أبعد من هذا فأعلن أنه لن تمضي عشر سنوات حتى يصبح الكتاب المقدس كتاب غير مقروء، ولن يمضي عشرون عاماً حتى يصبح في طي النسيان. لكن هذين الرجلين قد توسدا التراب منذ سنيين عديدة وأوشك الناس أن ينسوا اسميهما بينما الكتاب المقدس ما زال حياً وما زال أكثر الكتب رواجاً.

أما أن الكتاب كتاب حي فعال فهذا واضح من التشبيهات التي شبه بها.

1. زرع

هذا هو التشبيه الذي استعمله يسوع "الزرع هو كلام الله" ( لوقا 10:8). والزرع أو البذر شيء تكمن فيه الحياة. عثر المنقبون قبل عدّة سنين على بعض البذور في قبر أثري في مصر. وقيل آنا ذاك أن تلك البذور كانت تحتفظ بالحياة بالرغم من مرور القرون، فقد زرعت ونمت وأثمرت. لا أعرف مدة الصحة من هذه القصة ولكني أعرف أن بذرة كلمة الله لا تزال بالرغم من مرور القرون بذرة حيّة. فهي عندما تزرع في القلب البشري تنمو وتثمر. قرأت عن أستاذ في علم الزراعة اعتاد أن يحمل في يده بذرة بنية اللون صغيرة ويخاطب تلاميذه بقوله:"إنني أعرف سر تركيب هذه البذرة بالضبط. إنها تحتوي على الهدروجين والكربون والنتروجين. كلما أعرف نسبة كل من هذه العناصر بعضها لبعض وباستطاعتي أن أصنع حبة مثلها أو تشبهها تماماً. ولكنني إذا زرعت حبتي ستنتج عدماً. وستنحل عناصرها ويمتصها التراب ولكنني إذا زرعت الحبة التي خلقها الله فستصبح نباتاً لأنها تحتوي في ذاتها العنصر العجيب الذي ندعوه عنصر الحياة. وعلى ذات الغرار يستطيع الناس صنع كتاب يشبه الكتاب المقدس في مظهره. وقد يطبع على نوع الورق ذاته ويغلّف بمثل غلافه ولكن هناك فرقاً كبيراً مازال قائماً. فكلمة الله فيها الحياة وعندما تغرس في تربة صالحة فإنها تعطي ثمراً.

ليس في البذرة حياة فحسب ولكن فيها قوة. إنها فعالة. إنها عندما تنمو في جوف الأرض تدفع أمامها كل ما يعترض طريقها. كثيرا ما نرى حجراً كبيرا أثقل من أن يزحزحه الإنسان، ومع ذلك فقد دفع جانباً وأحياناً قد يفلق إلى فلقتين من جراء نبتة نامية على بذرة صغيرة وقعت في شق ذاك الحجر.

2. نور

يقول مرنم المزامير "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (مزمور 105:119). إن كلمة الله سراج ونور والبشر سيّاح ومسافرون في سبيل مجهول، فهم بحاجة إلى نور يبدد ديجور الظلام ويكشف الطريق أمامهم ولذلك فهم بحاجة إلى سراج أو نبراس يكشف طبيعة الأرض التي يسيرون عليها ويكشف العثرات والمزالق التي قد تعترض السبيل، وفي كلمة الله سيجدون ذلك النور هو ذلك السراج. وكل من يسير على ذلك النور لا يضل ولا يعثر أو يسقط. قال روبرت ج. لي مرة "إن الكتاب المقدس إذا قورنت به الكتب الأخرى تظهر ضئيلة الأهمية، وقد كان دائماً مصدر نور وقوة في حيرتي ويأسي".

3. نار

" أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب" (أرميا 29:23).النار عامل مطهر ومدمر. توضع المعادن في النار لكي يحترق ما يخالطها من أقذار وهكذا تتنقى المعادن وكذلك كلمة الله لها فعاليتان أيضاً. إنها عامل يطهر ويدمّر إنها للذين يرفضونها رائحة موت لموت ولكنها لأولئك الذين يخضعون لها رائحة حياة لحياة. من المحتمل أن النبي كان يؤكد على القوة المطهرة للكلمة. بينما رأى مرنم المزامير قوة كلمة الله المزكية عندما يقول "بم يزكي الشاب طريقه؟ بحفظه إياه حسب كلامك" (مزمور 9:119). 

4. مطرقة

لاحظ النبي أن كلمة الله لم تكن كنار فقط ولكن كمطرقة أيضاً "وكمطرقة تحطم الصخر" (أرميا 29:23). إن يوم الخميس بالإنكليزية "ثيرزدي" وذلك نسبة للإله "ثور" عند الشعوب السكندينافية. وقد لهذا الإله ثلاث ميزات بها يعمل: حزام يضاعف قوته: زوج من القفازات ومطرقة لا يستطيع إنسان رفعها. وبهذه المطرقة الهائلة كان يحطم العمالقة ويربح الانتصارات.

هذه خرافة ولكنها ليست خرافة بالنسبة لكلمة الله، فهي مطرقة هائلة تفتت الصخور. وقلوب غير المؤمنين وصفت بكلمة الله بقلوب صخرية وكلمة الله هي المطرقة التي تفتت مثل هذه الصخور. وبقوة الكلمة تصبح القلوب الصخرية قلوب منكسرة منسحقة.

ذهب أحدهم ليستمع إلى الواعظ د.ل.مودي آملاً أن يجد ما ينتقده في العظة. ولكنه عاد إنساناً آخر وقد وصف حالته هذه بقوله "لقد وقف مودي يسحقني بآية من الكتاب إثر آية حتى نفذ إلى عظامي.

5. سيف

و "سيف الروح الذي هو كلمة الله" (أفسس17:6) وهذا يعني أما السيف الذي يستعمله الروح أو السيف الذي يقدمه الروح، وكلا المعنيين صحيح. كلمة الله هي السيف الذي يستعمله الروح للتبكيت والتجديد والتقديس. بهذه الكلمة يعزي القلوب الحزينة ويمنح الشجاعة للأرواح البائسة.

ولكن كلمة الله هي أيضاً السيف الذي يضع الروح بيد المحارب المسيحي. إنها سلاحه في الدفاع والهجوم. الكلمة هي التي تجابه التجربة وتقهرها.

لقد أعطانا ربنا المثل. عندما هاجمه الشيطان بأقوى تجاربه، لم يجادله المسيح ولكنه قال له "مكتوب" ثم استمر يقتبس من كلمة الله. وبعد ثلاثة تجارب انسحب الشيطان مقهوراً. أما ناظم المزامير فيجد خير طريقه لصد التجارب وهي "خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك" (مزمور 11:119).

إن كلمة الله للمسيحي هي سلاح للمهاجمة . بهذا السيف عليه أن يتقدم ويربح الانتصارات. سنة 1870 وقف مرسل من مواطني جزر الهاواي أمام جمهور غفير من الشعب بينهم أعضاء من العائلة المالكة والشخصيات البارزة. ثم رفع نسخة من كلمة الله وقال "ليس بالبارود والقنابل، ليس بالسيف أو المدافع ولكن بكلمة الله الحية وروحه سنمضي قدماً لفتح هذه الجزائر للمسيح". وبهذا السيف الهائل، على الكنسية أن تربح العالم للمسيح. إن كلمات الوعظ التي فاه بها بولس للواعظ الشاب منذ أمد بعيد ما زالت تدوي عبر الأجيال وتردد على مسامع المبشرين في يومنا هذا: "أكرز بالكلمة".

حقاً عن الكتاب المقدس لكتاب عجيب.

أسئلة للمراجعة والامتحان

1- ماذا نعني بوحي الكتاب المقدس؟

2- ما هي بعض البراهين على وحي الكتاب المقدس؟

3- ناقش موضوع سلطة الكتاب المقدس.

4- اذكر بعض التشبيهات التي استعملت لوصف الكتاب المقدس.

  • عدد الزيارات: 7789