Skip to main content

يسوع أكّد أن الكتاب المقدس كلمة الله

لقد قطعنا شوطاً طويلاً. وقد بدأنا الرحلة بالبرهنة على الأمر الذي لا ريب فيه أنه يوجد عالم حقيقي، وأنه يمكن أن نعرف الحق عنه (الفصل 1). وبيّنا بعد ذلك أن ما يعارض الحق هو باطل (الفصل 2)، وبالتالي، أن النظرات المتعارضة لا يمكن أن تكون جميعها صحيحة. ولقد رأينا أن الدليل يفيد أنه لأمر حق أن الله الواحد موجود، وأنه شحص سرمدي وكائن كامل الأخلاق خلق الكون (الفصل 3). ومن هنا استخرجنا النتيجة المحتومة، إن كان الكائن الكلي القدرة موجوداً والذي صنع العالم بشكل خارق، فالأحداث الخارقة ليست فقط ممكنة، ولكن الحدث الأكبر قد حصل (الفصل 4). وعندما فحصنا طبيعة المعجزة، وجدنا أنها ترد بالارتباط مع إعلان الحق الذي يؤكد رسالة من الله إلينا (الفصل 5). وبالنظر إلى ذلك، فحصنا الدليل لصالح العهد الجديد، ووصلنا إلى استنتاج أنه أكثر النصوص الموثوقة تاريخياً من العالم القديم (الفصل 6). وهذا هو الواقع، ونحن فحصنا العهد الجديد ووجدنا أن الشخصية المركزية فيه، يسوع المسيح، الذي أعلن عن نفسه أنه الله الواحد في جسم بشري (الفصل 7). وليس الأمر كذلك، بل أن إعلانه عن الألوهية تُبرهن بسلسلة من ثلاث مجموعات من المعجزات الفريدة وغير المسبوقة (الفصل 8). وبهذا، وصلنا إلى استنتاج أن يسوع الناصري، كان الوحيد المعروف في التاريخ الذي أعلن أنه الله في جسد بشري والذي تم البرهنة على صحته (الفصل 9). وبالتالي، من خلال فحص طبيعة الله الواحد، وصلنا إلى النتيجة أن يسوع (الذي هو الله) قادر وحده على تأكيد الحق وأن كل ما يعلمه حق. وبالمثل، أي شيء قال عنه يسوع أنه باطل فهو باطل (الفصل 2). والآن بقي علينا أن ندرس ما علم يسوع عن الكتاب المقدس.

أكّد يسوع أن العهد القديم كلمة الله

استعمل يسوع وتلاميذه عبارة «مكتوب» بخصوص العهد القديم حوالي تسعين مرة. وهي أتت في صيغة الفعل التام، والمعنى: «إنه كان مكتوباً في الماضي، وما زال إلى اليوم قائماً على أنه كلمة الله المكتوبة». وكان يسوع يستعمل العبارة بمعنى: «وهذا الكلمة الأخيرة في النقاش؛ والنقاش انتهى». وبالمثل، رفض يسوع إغواء الشيطان. ولكنه أجاب قائلاً: «"مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ" ... قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ".... حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ"» (متى 4: 4، 7، 10. التشديد مُضاف). ويظهر هذا أن يسوع كان يؤمن أن للكتاب المقدس السلطة الأخيرة والإلهية.

  1. أكد يسوع أن كتب العهد القديم خالدة

لقد قال يسوع: «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ» (متى 5: 17 ـ 18). كما كان يسوع يؤمن أن العهد القديم الكلمة الخالدة لله الأبدية. وهو اتفق مع النبي إشعياء الذي قال: «يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ» (إشعياء 40: 8).

  1. أعلن يسوع أنَّ كتب العهد القديم مُوحى بها من الله

رغم أن يسوع لم يستعمل قط كلمة وحي، ولكنه استعمل ما يعادلها. فرداً على سؤال الفريسيين رد بحسم: قَالَ لَهُمْ: «فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبًّا؟» (متى 22: 43. التشديد مضاف). وبالفعل دواد نفسه قال هذه الكلمات: «رُوحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي» (2 صموئيل 23: 2. التشديد مضاف). وهذا بالضبط ما يعنيه بكلمة وحي. وقد قال النبي زكريا في العهد القديم في وقته «الشَّرِيعَةَ وَالْكَلاَمَ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّ الْجُنُودِ بِرُوحِهِ عَنْ يَدِ الأَنْبِيَاءِ الأَوَّلِينَ» (زكريا 7: 12. التشديد مُضاف).

  1. يسوع أكّد أن الكتب المقدسة غير قابلة للنقض

لا ترد في الكتاب المقدس كلمة معصوم، ولكن نجد قريباً منها، غير قابل للنقض. إذ قال يسوع: «إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ» (يوحنا 10: 35). وبالفعل ثمة ثلاث كلمات معبرة تصف العهد القديم في هذا النص القصير: «ناموس» (العدد 34)، و«كلمة الله»، و«غير قابل للنقض». وبهذا، فيسوع يؤمن أن العهد القديم كان شريعة الله غير قابلة للنقض.

  1. يسوع أكّد أن العهد القديم كلمة الله نفسها

اعتبر يسوع أن الكتاب المقدس «كلمة الله» وشدّد على أنه يحتوي على «وصية الله» (متى 15: 3، 6). وهذا يصدق أيضاً على حديثه عن أنه لا يُنقض في إنجيل متى (5: 17 ـ 18). وسمّى تلاميذ المسيح الكتاب المقدس «كلمة الله» (رومية 3: 2؛ عبرانيين 5: 12).

  1. يسوع يرى أن للعهد القديم السلطة العليا

لقد أكد يسوع أن العهد القديم يتمتع بالقوة والسلطة العليا مقابل تعاليم البشر أو «التقاليد». فقال لليهود: «لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ؟... فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ!» (متى 15: 3، 6. التشديد مُضاف). وكان يسوع يؤمن أن الكتاب المقدس وحده له السلطة العليا، حتى لو كان متعارضاً مع أكثر التعاليم البشرية توقيراً. فالكتاب المقدس وحده هو المرجعية المكتوبة العليا لله.

  1. أكد يسوع على عصمة الكتاب المقدس

تعني العصمة أنه خالٍ من الخطأ. وهذا المفهوم موجود في جواب يسوع إلى الصدوقيين، الجماعة التي تنكر الوحي الإلهي للعهد القديم: «تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِ» (متى 22: 29). وفي صلاته الشفاعية أكد على الصدق المطلق للكتاب المقدس، فقال إلى الأب: «قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌ» (يوحنا 17: 17. التشديد مُضاف). ومن الجدير ملاحظته أن قال إن كلمة الله هي الحق. وليس فقط أنها تحتوي على الحق. وحيث يوجد حق، لا يوجد خطأ.

  1. أكّد يسوع على الموثوقية التاريخية للعهد القديم

أكَّد يسوع على الصحة التاريخية لأكثر النصوص جدلاً في العهد القديم، بما في ذلك خلق أدم وحواء (متى 19: 4 ـ 5)، والمعجزة بخصوص يونان وابتلاع الحوت له، ودمار العالم في الطوفان في عهد نوح. وبشأن نوح أعلن يسوع: «وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ» (متى 24: 37 ـ 38). كما أكد يسوع حقيقة ابتلاع الحوت ليونان على مدار ثلاثة أيام وثلاثة ليالٍ: «لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال» (متى 12: 40). وتكلم يسوع عن ذبح هابيل (1 يوحنا 3: 12)، وعن إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب (متى 8: 11)، ومعجزات إِيلِيَّا (يعقوب 5: 17)، وعن شخصيات كثيرة عديدة من العهد القديم، وأحداث صحيحة تاريخياً بما فيها: موسى، وإشعياء، ودواد، وسليمان (متى 12: 42)، ودانيال النبي (متى 24: 15). وصادق على الصحة التاريخية لنصوص كثيرة في العهد القديم محل خلاف. ونظراً للطريقة التي ترد فيها الأحداث، والمرجعية التي أضفاها يسوع عليها، وأنها أساس التعاليم الرئيسة التي أعطاه المسيح بشأن حياته، وموته، وقيامته، كل ذلك يظهر أنه كان ينظر إلى هذه الأحداث على أنها أحداث تاريخية.

  1. أكد يسوع على الدقة العلمية للعهد القديم

إن أكثر الإصحاحات عرضةً للنقاش العلمي هي الإصحاحات الأولى في سفر التكوين. ومع ذلك أكد يسوع في تعاليمه الأساسية أن ما جاء في سفر التكوين دقيق علمياً، أي خلق العالم وآدم وحواء. وأسس تعليمه الأخلاقي عليها بدون تردد. إذ أجاب الفريسيين: «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» (متى 19: 4 ـ 5). وبالإضافة إلى ذلك، تكلم عن «مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ» (مرقس 10: 9، و«ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ» (مرقس 13: 19).[202]

وبعد أن تكلم إلى نِيقُودِيمُوسُ، رئيس اليهود، حول المسائل الأرضية مثل الولادة والريح، أعلن يسوع: «إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ الأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ السَّمَاوِيَّاتِ؟» (يوحنا 3: 12). وباختصار، فيسوع قال، إنْ لم يصدقه أحد عندما يتكلم بالمسائل التجريبية العلمية، فلن يؤمن به عندما يتكلم بالمسائل السماوية، مما يظهر أنه كان يرى الأمرين لا انفصال بينهما.

وعد يسوع أن العهد الجديد سيكون كلمة الله

لم يصادق يسوع على العهد القديم، فقط بل أيضاً أعطى وعداً بشأن العهد الجديد. وأعلن رسل يسوع وأنبياء العهد الجديد أن كتابتهم تحقيق للوعد الذي أعطاه يسوع.

  1. يسوع قال إن الروح القدس سيعلم تلاميذه «جميع الحق»

لقد وعد يسوع أن «الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ». وأضاف: «وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ» (يوحنا 14: 26؛ 16: 13. التشديد مُضاف). وقد تحقق الوعد حينما تكلم الرسل فيما بعد وسجلوا (في العهد الجديد) كل ما قاله يسوع وعلمه لهم.

وبالنظر إلى السياق الروحي وحقيقة أن يسوع لم يعلم جميع الحق الذي يخص كل الجوانب البشرية، فـ«جميع الحق» الذي يقصده يسوع متصلة بالعقيدة والتطبيق. وكما قال بولس، فإن «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلًا» (2 تيموثاوس 3: 16 ـ 17). وباختصار، فيسوع علّم جميع الحق الضروري للإيمان والعمل.

  1. أعلن الرسل السلطان الإلهي الذي أعطاهم إياه يسوع

لم يَعد يسوع تلاميذه بالسلطان الإلهي فيما كتبوا فحسب، ولكن الرسل أعلنوا بدورهم هذا السلطان على كتاباتهم. وقال يوحنا: «وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ» (يوحنا 20: 31). وأضاف: «اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ» (1 يوحنا 1: 1). ومرة ثانية، يقول: «أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ... هُمْ مِنَ الْعَالَمِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ يَتَكَلَّمُونَ مِنَ الْعَالَمِ، وَالْعَالَمُ يَسْمَعُ لَهُمْ. نَحْنُ مِنَ اللهِ. فَمَنْ يَعْرِفُ اللهَ يَسْمَعُ لَنَا، وَمَنْ لَيْسَ مِنَ اللهِ لاَ يَسْمَعُ لَنَا. مِنْ هذَا نَعْرِفُ رُوحَ الْحَقِّ وَرُوحَ الضَّلاَلِ» (1 يوحنا 4:1، 5 ـ 6).

ويقرّ الرسول بطرس أن كل كتابات بولس من «الكتب المقدسة» (2 بطرس 3: 15 ـ 16؛ قارن: 2 تيموثاوس 3: 15 ـ 16)، قائلاً: «وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هذِهِ الأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ، كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ».

  1. العهد الجديد هو الوثيقة الوحيدة الأصلية لتعاليم الرسل

إنّ العهد الجديد هو الوثيقة الوحيدة الأصلية لتعاليم الرسل التي لدينا.[203] فكل سفر مكتوب من قِبل رسول أو نبي من أنبياء العهد الجديد (أفسس 2: 20؛ 3: 3 ـ 5). وليس ثمة كتب أخرى من القرن الأول للرسل أو المساعدين. فكلها موجودة في أسفار العهد الجديد السبع والعشرين.

وبالطبع كان ثمة كتب أبوكريفية [مشكوك بها] وكتب منحولة (كتابات مزيفة) من القرن الثاني والثالث (مثل إنجيل توما، وإنجيل يهوذا)، التي ترفضها كل الطوائف المسيحية.[204] ويظهر من تاريخ هذه الكتب المتأخر (بعد فترة طويلة من موت الرسل)، والعقيدة المزورة (المخالفة لما علّم الرسل في العهد الجديد)، بجلاء أنها ليست كتابات موثوقة. وإيريناوس أحد آباء الكنيسة (الذي يعرف بوليكاربوس تلميذ الرسول يوحنا، قال: «بالفعل، لقد بلغوا درجة من الجرأة، حتى أنهم سمّوا أعمالهم المتأخرة نسبياً «الإنجيل الحق»، ورغم أنه لا يتفق بأي شيء مع أناجيل الرسل، وحتى هي ليست أناجيل، بل مليئة بالتجديف... ولكن أناجيل [الرسل] وحدها هي الأناجيل الصحيحة والموثوقة، وليس فيها لا زيادة ولا نقصان عن عدد الأناجيل [الأربعة] التي ذكرناه من قبل، وهذه الحقيقة أثبتت بالكثير من الحجج».[205]

ومؤرخ الكنيسة الكبير، يوسابيوس (في كتابه: «تاريخ الكنيسة»)، أعلن أن الكتب الأبوكريفية «آثمة وسخيفة». وكتب ج. دونالدسون، محرر «آباء ما قبل نيقية»، «إن الانطباع الغالب الذي تركوه على أذهاننا لهو شعور عميق بسلطة لا محدودة، وبساطة لا تقبل الجدل، ورفعة، للكتابات القانونية».[206] والمرجعية المعاصرة بخصوص تلك الحقبة، إدوين ياموتشي، وصل إلى استنتاج بخصوص الكتب الأبوكريفية وهو أن «الأناجيل الأبوكريفية، بما فيها الباكرة منها والأكثر رصانة، بالكاد يمكن مقارنتها مع الأناجيل القانونية. فالأولى ثانوية وأسطورية بلا شك، منحرفة بشكل واضح... والأدب غير قانوني إن أخذناه بالأجمال، نجده يظهر بؤساً فاقعاً. ومجموعه أسطوري، ويحمل بشكل واضح علامة التزوير».[207]

  1. إذاً، «جميع الحق» الذي وعد به يسوع موجود في العهد الجديد

من واقع أن يسوع وعد أن يرشد تلاميذه إلى «جميع الحق»، وأن كلاً من المسيح والتلاميذ أعلنوا أن هذا الوعد قد دُون في تعاليم العهد الجديد، الذي يشكّل الوثيقة المعتمدة لتعاليم الرسل، وبهذا يمكننا أن نصل إلى استنتاج أن وعد يسوع قد تحقق بشكل نهائي في العهد الجديد المُوحى به. وبهذا فيسوع أكّد بشكل مباشر وقوي العهد القديم وسلطته، ووَعَدَ وأعلن بشكل غير مباشر أن العهد الجديد سيتمتع بنفس الصفة. وبالتالي، إنْ كان المسيح ابن الله، فكل من العهد القديم والعهد الجديد كلمة الله المكتوبة. وهذه الحقيقة تأكدت من كُتاب العهد الجديد الذين اعتبروا أن كتابات العهد الجديد سواء الأناجيل (انظر 1 تيموثاوس 5: 18) والرسائل (انظر 2 بطرس 3: 15 ـ 16)، «كتباً مقدسة» متوازية مع العهد القديم.

المسيح والنّقاد

لقد صادق يسوع على أشياءٍ كثيرة في العهد القديم رفضها نقاد كثر معاصرون. فإن كان يسوع على حق، فهذا يعني أن النقاد على خطأ، بغض النظر عن ذريعة أن العلم يقف إلى جانبهم. لأنه إنْ كان يسوع ابن الله، فالمسألة تصبح مسألة السلطان، وليست مسألة العلم.

فمثلاً، يقول النقاد السلبيون للكتاب المقدس إن دانيال لم يكن نبياً، ولكنه كان مؤرخاً سجل الأحداث بعد وقوعها (حوالي 165 ق. م.). ولكن يسوع صرّح أن دانيال كان نبياً. وبالفعل، اقتبس يسوع من نبوءة أعطاها دانيال لم تكن قد وقعت بعد أيام يسوع: «فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ... هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ» (متى 24: 15، و24. التشديد مُضاف).

وكذلك، يؤكد كثير من النقاد أن البشر الأوائل تطوروا بعملية طبيعية. ولكن كما لاحظنا، فيسوع أكّد أنّ الله خلق آدام وحواء (متى 19: 4 ـ 5). فإن كان يسوع ابن الله، فالاختيار بين داروين وبين الله؛ بين شخص مخلوق في القرن التاسع عشر وبين الخالق الأزلي.

يعتقد أغلب النقاد السلبيين للكتاب المقدس أن قصة يونان خرافة. ولكن يسوع شدّد على أنه «كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال» [متى 12: 40]. ولا يمكن ليسوع بالتأكيد، أن يقارن تاريخية موته وقيامته مع يونان لو كانت قصة يونان أسطورة، وبهذا، فحسب يسوع، فقصة يونان ليست قصة زائفة عن الحوت، بل قصة حقيقية عن الحوت.

وينكر غالبية نقاد الكتاب المقدس حدوث طوفان شامل أيام نوح. ولكن كما رأينا أعلاه فيسوع أكّد على وقوع طوفان أيام نوح، والذي هلك فيه الجميع ما عدا أسرة نوح (متى 24: 38 ـ 39؛ قارن: 1 بطرس 3: 20؛ 2 بطرس 3: 5 ـ 6). ومرة ثانية، إن كان المسيح على حق، فالنقاد على خطأ. ولكن كيف يمكن للمسيح أن يخطأ إن كان هو ابن الله (انظر الفصل 8)؟

ومن المعتاد أن نقاد الكتاب المقدس يقولون بوجود اثنين من إشعياء على الأقل، الأول عاش بعد الأحداث، وقام بوصفها في الإصحاحات الأخيرة (40 ـ 66) بعد المنفي؛ وإشعياء الآخر الذي عاش قبل الأحداث وكتب الإصحاحات التسع والثلاثين الأولى. ولكن يسوع يقتبس من الجزئين من سفر إشعياء على أنه «النبي إشعياء». ففي إنجيل لوقا 4: 17، يقتبس يسوع جزءاً من إشعياء (61: 1)، فيقول: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ» (لوقا 4: 17 ـ 18). وفي مرقس اقتبس يسوع من القسم الأول من إشعياء 29: 13، قائلاً: «حَسَنًا تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ الْمُرَائِينَ! كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا» (مرقس 7: 6). وبالفعل، وضّح يوحنا، تلميذ يسوع، بشكل لا لبس فيه أنه يوجد إشعياء واحد من خلال الاقتباس من قسمي سفر إشعياء (الإصحاح 53 والإصحاح 6)، في نفس الفقرة، بإعلانه أن إشعياء الثاني هو نفسه، وليس ثانٍ: «إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضًا» (يوحنا 12: 37 ـ 41).

بعض الملاحظات الختامية

أولئك الذين يرفضون الكتاب المقدس يحسنون إن سألوا أنفسهم: من الذي يعرف أكثر عن الكتاب المقدس، المسيح أم النّقاد؟ والمنطق البسيط يقول: إنْ كان يسوع هو ابن الله، وهو الأمر الذي تم البرهنة عليه (الفصلان 7 و8)، فالكتاب المقدس كلمة الله. وبالعكس، إنْ لم يكن الكتاب المقدس كلمة الله، فيسوع ليس ابنَ الله (لأنه يعني أن يسوع كان يعلّم عقيدة مزيفة). ولكن يسوع هو ابن الله، وبهذا، فالكتاب المقدس كلمة الله. وأي تفكير عن محدودية معرفة الله أو موائمة تعاليمه، يعني أنه يمكن ليسوع أن يخطئ، وقد ظهر أن هذا يتعارض مع شخصيته، والحقيقة (انظر الفصل 10). وليست المسألة هي موائمة بل تأكيد إلهي عندما قال يسوع: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ» (متى 28: 18)؛ و«الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ حَقٌ. وَأَنَا مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، فَهذَا أَقُولُهُ لِلْعَالَمِ» (يوحنا 8: 26)، و«اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ» (متى 24: 35).

المسائل الاثني عشر

موجز الفصل: إذاً، الحق أن الكتاب المقدس كلمة الله ومزيف كل ما يعارض هذا الحق الكتابي

·        الحقائق الأخلاقية في الأديان الأخرى

·        الحقائق اللاهوتية في الأديان الأخرى

·        ماذا لا يعني هذا

 

1.     الحقيقة حول الواقع قابلة للمعرفة

2.     لا يمكن أن يكون كلا النقيضين صادقين

3.     الله الواحد موجود

4.     المعجزات ممكنة

5.     يمكن أن تأتي المعجزات لتأكيد رسالة من الله

6.     العهد الجديد نص موثوق

7.     أعلن يسوع المسيح في العهد الجديد أنه الله

8.     إعلان يسوع أنه الله تأكد بمجموعة فريدة من المعجزات

9.     وبهذا، فيسوع هو الله الظاهر بالجسد

10. كل ما أكّده يسوع (الذي هو الله) أنه الحق، فهو حق

11. يسوع أكّد أن الكتاب المقدس كلمة الله

12.  إذاً، الحق أن الكتاب المقدس كلمة الله، ومزيف وكل ما يعارض هذا الحق الكتابي

 

ملخص الفصل

يمكننا الآن أن نصل إلى أن المسيحية (في تعاليمها الأساسية) صادقة، وأي شيء يعارض هذه التعاليم هو زائف. إن المسيحية ديانة صادقة، وأي ديانة أخرى تتعارض معها في تعاليمها الجوهرية هي ديانة زائفة، بغض النظر إن كانت تلك الديانة تحتوي على بعض الحقائق الأخرى الصحيحة. وخلاصة القول، ثمة أسباب متينة للاعتقاد أن المسيحية هي الديانة الحق وإن ما عداها باطل. وبهذا، من المنطقي قبول المرء للمسيح على أنه رباً ومخلصاً.

 
  • عدد الزيارات: 545