Skip to main content

إعلان يسوع أنه الله تأكد بمجموعة فريدة من المعجزات

بما أن الله موجود (الفصل 3)، والمعجزات ممكنة (الفصل 4). وبما أن المعجزات ممكنة، فيمكن أن تأتي تأكيداً على رسالة من الله (الفصل 5). ووثائق العهد الجديد هي نصوص موثوقة تاريخية (الفصل 6). وبما أن هذه النصوص تخبرنا أن يسوع الناصري أعلن أنه الله في جسد بشري (الفصل 7). وفي ضوء ذلك، يتوجب علينا النظر مجدداً إلى هذه النصوص الموثوقة تاريخياً للنظر إن كان فيها تأكيد على إعلان يسوع أنه الله. وبينما نحن نقوم بذلك، سنجد التقاء بين ثلاث مجموعات فريدة وغير مسبوقة مرتبطة مع إعلان يؤكد على أن يسوع هو الابن السماوي لله الواحد.

لقد تبرهن أن يسوع هو الله بالنبوءة الفائقة الطبيعة

إن المعجزة هي تدّخل الإلهي في العالم الطبيعي، الذي ينتج عنها حدث غير عادي، والذي ما كان سيحدث بالقوانين الطبيعية (انظر الفصل 4). ومثل هذا الحدث يأتي لتأكيد رسالة من الله. وبالفعل هذه هي مقاصد المعجزات الرئيسية في من العهد القديم والعهد الجديد (الفصل 5).

غرض المعجزات في العهد القديم

لقد مُنح موسى قوى معجزات، «لِكَيْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لَكَ الرَّبُّ إِلهُ آبَائِهِمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ» (الخروج 4: 1 ـ 5). ولاحقاً قال موسى لقُورَح وأتباعه المتمردين «بِهذَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي لأَعْمَلَ كُلَّ هذِهِ الأَعْمَالِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِي» (العدد 16: 5، 28 ـ 30، 33). كما أنه تم المُصادقة على إيليَّا بشكل إعجازي عندما صلى: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ، لِيُعْلَمِ الْيَوْمَ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ فِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا عَبْدُكَ، وَبِأَمْرِكَ قَدْ فَعَلْتُ كُلَّ هذِهِ الأُمُورِ» (1 ملوك 18: 36).

غرض المعجزات حسب العهد الجديد

من بداية خدمة يسوع جاءت المعجزات لتأكيد دعواه المسيانية. وقد خاطب نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ، يسوع، فقال: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ» (يوحنا 3: 2). وبالفعل، فيسوع نفسه قال لِلْمَفْلُوجِ: «وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا... لَكَ أَقُولُ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!» (مرقس 2: 10 ـ 11)، وعندما سأل يوحنا المعمدان يسوعَ إنْ كان هو المسيح، فكان مضمون جوابه يفيد: انظر المعجزات التي أعمله (لوقا 7: 20 ـ 22).

لقد رأينا (في الفصل 5) أن خصائص مميزة لحدث فوق طبيعي كان يأتي لتأكيد رسالة من الله، والذي يتضمن التالي:

(1)  يجب أن يكون حدثاً فوق الطبيعي بشكل خارق لا يُفسر بطريقة طبيعة بحتة.

(2)  يحب أن تأتي أحداث متعدد خارقة لاستبعاد احتمال أنها حظ.

(3)  تحتاج المعجزات أن تأتي بالارتباط مع دعوى معينة حقيقية باسم الله. وبهذا الطريقة يمكن أن تُبرهن أنها جاءت تأكيداً على إعلان حقيقي من الله.

(4)  يجب أن تكون المعجزات فريدة، فكما أشار هيوم، المعجزات الحق لا يمكن لها أن تؤكد إعلانات متعارضة.

(5)  إن العنصر التنبؤي هو تأكيد خاص للمعجزات. إن التنبؤات المُقدمة وتحققها مؤشر على أنها إعلان الخارق. وهذا العنصر التنبؤي يظهر في معجزة موسى مع المصريين، وإيليا على جبل الكرمل. وهي ظاهرة أيضاً في حياة المسيح بطرق مختلفة.

إثبات أن يسوع هو الله بأحداث خارقة

حسب موسوعة النبوءة الكتابية، التي حررها بارتون باين، يوجد ما يقارب من 100 نبوءة حول مجيء المسيح في العهد القديم. وكلها قد تحققت بشكل خارق من جانب المسيح. وها هي بعض النبوءات التي بشّرت عن مجيء يسوع:

(1)  نسل المرأة (التكوين 3: 5)،

(2)  من نسل شيث (التكوين 4: 26)،

(3)  عبر سام ابن نوح (التكوين 9: 26)،

(4)  من أحفاد إبراهيم (التكوين 12: 3)، عبر ابنه إسحاق (التكوين 26: 3)،

(5)  من عشيرة يهوذا (تكوين 49: 10)،

(6)  ابن داود (2 صموئيل 7: 12 وما بعدها. قارن إرميا 23: 5 ـ 6)،

(7)  المولود من عذراء (إشعياء 7: 14)،

(8)  في مدينة بيت لحم (ميخا 5: 2)،

(9)  بُشر به من سبقه (إشعياء 40: 3)،

(10)                     سيتألم ويموت لأجل شعبه (إشعياء 53)،

(11)                     سيكون ذلك حوالي سنة 33 م (دانيال 9)،[147]

(12)                     سيقوم من الموت (المزمور 2: 16)،

(13)                     في إصحاح واحد فقط (إشعياء 53) لدينا على الأقل عشرون نبوءة عن المسيح:

(14)                     يتدرج بالسن (2 أ)،

(15)                     ليس له الجمال الخارجي (2 ب)،

(16)                     مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ (3 أ)،

(17)                     رجل أحزان (3 ب)،

(18)                     يحمل أحزاننا (4 أ)،

(19)                     يحمل أوجاعنا (4 ب)،

(20)                     مضروب من الله (4 ج)،

(21)                     مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا (5)،

(22)                     يحمل آثامنا،

(23)                     يتألم كحمل (7)،

(24)                     قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ (8 أ)،

(25)                     ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ الشعب اليهودي (8 ب)،

(26)                     مات مع الأشرار (9 أ)،

(27)                     دُفن مَعَ غَنِيٍّ (9 ب)،

(28)                     كان بلا خطيئة (9 ج)،

(29)                     الرب سحقه (10 أ)،

(30)                     صارت روحه ذبيحة (10 ب)،

(31)                     ثم يعود للحياة مجدداً من بين الأموات (10 ب)،

(32)                     بموته سيبرر كثيرين (11)،

(33)                     سكب نفسه للموت (12 أ)،

(34)                     وصلى لأجل الخطأة وهو على مشارف الموت (12 ب).

ويوجد الكثير من الأسباب التي تجعل هذه التنبؤات متعلقة المسيح الفرد، وليس بآلام شعب إسرائيل، كما ادعى البعض، للتالي: (1) استعمال الضمير المفرد (هو، له) 57 مرة بوصفه شخصاً فرداً؛ (2) عندما يذكر شعب إسرائيل أو آخرين، يأتي اللفظ بضمير الجمع (خاصتنا، لنا، لهم، كثر، وشعبي)؛ (3) لا يمكن أن تكون النبوءات عن شعب إسرائيل لأنه لم يكن بدون خطيئة، ولم تمت إسرائيل كشعب، وهي تحمل آثام الآخرين، و(4) كما كان الأحبار قبل المسيح يرون دائماً أن هذا النص يشير إلى مجيء المسيح اليهودي.[148]

ثمة أشياء عديدة يجب ملاحظتها أعلاه بشأن النبوءات المسيحانية التي تجعلها فريدة من نوعها: (1) أتت قبل مئات السنين سلفاً،[149] (2) وهي واضحة ومحددة (3) كانت نبوءات عديدة، و(4) وقد تحققت بنجاح مئة بالمئة. وهذا لا ينطبق على أي نبوءات مزعومة عن رؤساء دينيين آخرين معروفة للبشر.

إن يسوع لم يحقق النبوءات بشكل خارق فحسب، ولكن بنفسه قدم نبوءات. والنبوءة الكبرى التي ستُناقشها فيما بعد، أي، النبوءة عن قيامته منذ بداية خدمته (متى 12: 40؛ 17: 22 ـ 23؛ 20: 18 ـ 19؛ يوحنا 2: 19 ـ 22). فهو تنبأ عن قيامته بوصفها آيةً (معجزة) على دعوته (متى 12: 39 ـ 40). وعندما يخبر يسوع عن معجزة قبل وقوعها فهي ستصبح دليلاً على إعلانه أنه المسيح: «وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا»، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «لَكَ أَقُولُ: قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!» [لوقا 5: 24]. كما قام يسوع بالتنبؤ بشكل مدهش عن دمار أورشليم وقبل حوالي أربعين سنة من الحدث. ويسجل متى أن: «خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَلِ، فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةَ الْهَيْكَلِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!» (متى 24: 1 ـ 2). وهذا ما تحقق حرفياً لدى دمار أورشليم على يد الرومان سنة 70 م.

تأكيد أن يسوع هو الله بأحداث خارقة قام بها

إن حياة يسوع كانت خارقة للطبيعة من البداية إلى النهاية. فقد حُمل به بشكل إعجازي (متى 1: 23). وقام بأكثر من ستين عمل مدون خارق، بما فيها شفاء من أمراض مستعصية (متى 8)، شفى رجلاً ولد أعمى (يوحنا 9)، مشى على الماء (يوحنا 6)، حوَّلَ الماءَ خمراً (يوحنا 2)، كثَّر الأرغفة والسمك (يوحنا 6)، وأقام ميتاً (يوحنا 11). وهي كلها أحداث غير مسبوقة ولا مثيل لها. ولا يوجد روايات لشهود عيان معاصرين كثر بخصوص أي شيء مشابه في الحوليات التاريخية القديمة. وقد عُملت هذه المعجزات في سياق إعلانه أنه المسيح، ابن الله (انظر الفصل 7).

البرهنة على ذلك بالحياة الخالية من الخطيئة الخارقة

لم يقم يسوع بعمل معجزات فحسب، ولكن حياته كانت معجزة. فنفس الخبر الموثق تاريخياً الذي ينقل لنا أنه قام بمعجزات عديدة، يخبرنا أيضاً أنه عاش حياة بدون خطيئة. وأخذاً بالاعتبار شهادة الأصدقاء والأعداء. فلم يكن في حياة يسوع الدفاع عن الإيمان المسيحي فقط، بل هو نفسه كان دفاعاً عن هذا الإيمان. فعندما كان خصومه عاجزين عن الرد على منطق يسوع غير قابل للنقد، كانوا يلجئون إلى توجيه نقد إلى شخصيته: «إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا» (يوحنا 8: 41)، ولاحقاً قالوا: «الآنَ عَلِمْنَا أَنَّ بِكَ شَيْطَانًا» (يوحنا 8: 52). وقد رد يسوع بشكل مباشر: «مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟» (يوحنا 8: 46).[150]

ولفهم خلفية شخصيته الخالية من الخطيئة، نحتاج لتذكر أنه كان إنساناً بالكامل. وأن له أماً بشرية (متى 1؛ لوقا 2)، وحملاً بشرياً، ومرحلة ما قبل ولادة بشرية، وطفولة بشرية (لوقا 2)، وشباب بشري، وأقارب بشر، وأصدقاء بشر، ومشاعر إنسانية (يوحنا 11)، وموت بشري (العبرانيين 5: 7 ـ 8). ومع ذلك فهو عاش حياة غير عادية، بدون خطيئة (عبرانيين 4: 15؛ 2 كورنثوس 5: 21؛ 2 بطرس 1: 19).

الذين كانوا يعرفون يسوع بشكل حميم أكدوا كماله الأخلاقي الخالي من الخطيئة

إن الرسل وأتباع المسيح المباشرين أكدوا عدم خطيئته. وكاتب سفر العبرانيين الذي كان يعرف الرسل الاثني عشر (عبرانيين 2: 3 ـ 4)، أعلن: «لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ» (عبرانيين 4: 15). وبطرس، القائد من بين الاثني عشر رسولاً، قال: «كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ» (بطرس 1: 19). و«الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ» (1 بطرس 2: 22). وأضاف: «فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ» (1 بطرس 3: 28). ويوحنا، التلميذ المحبوب ليسوع قال: «أَنَّهُ بَارٌّ هُوَ» (1 يوحنا 2: 29). و«كَمَا هُوَ طَاهِرٌ» (1 يوحنا 3: 3). وقد أكد الرسول بولس أن الله «جَعَلَ [يسوعَ] الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا» (2 كورنثوس 5: 21).

حياة يسوع الخالية من كل عيب أكدها أعداؤه وآخرون أيضاً

لقد تحدى يسوع أعداءَه قائلاً لهم: «مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟» (يوحنا 8: 46). وقد اعترف يهوذا الخائن: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا» (متى 27: 4). وأعلن بيلاَطُس الحاكم الذي حاكم يسوع: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ!» (متى 27: 24). كما قالت زوجة بيلاطس «إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ» (متى 27: 19).

وإضافة لذلك، صرخ قائد المئة، الذي ساعد في صلب يسوع: «بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارًّا!» (لوقا 23: 47). ومرة أخرى، قال قائد المئة: «حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!» (متى 27: 54). وكما كان اللص على الصليب مندهشاً من يسوع، فطلب منه: «اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ» (لوقا 23: 42). وحتى الْهِيرُودُسِيِّيون الذين عارضوا يسوع، قالوا: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ، وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ» (متى 22: 16).

التأكيد غير المباشر من جانب الشهود الكذبة

حتى الشهود الكذبة كانوا شهادة غير مباشرة على خلو شخصية يسوع من الخطيئة. وتهمة الرومان لم تكن سلبية. فهم قالوا إنه ادعى أنه «ملك اليهود» (يوحنا 19: 19)، وهو الأمر الذي كان (لوقا 23: 3). وقال الفريسيين: «هذَا لاَ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ إِلاَّ بِبَعْلَزَبولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ» (متى 12: 24). وهذا كان إقراراً غير مباشر بقواه الخارقة على شفاء الذين فيهم شياطين، والخرس، والعمي. وقال عابر سبيل قرب الصليب: «آهِ يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ!» (مرقس 15: 29). وهذا القول كان شهادة غير مباشرة على إعلانه وبرهانه على إلوهيته، كما في إشارة إلى موته وقيامته (يوحنا 2: 19 ـ 21). كما أن رئيس الكهنة والسنهِدرين أدانوه بالقول: «قَدْ سَمِعْتُمُ التَّجَادِيفَ! [فهو أعلن أنه المسيح ابن الله] مَا رَأْيُكُمْ؟ فَالْجَمِيعُ حَكَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ» (مرقس 14: 64). وأيضاً برهن من خلال معجزاته وقيامته على أنه ابن الله الذي أعلنه. ولا يوجد نقيصة في شخصيته. وقد صرخ الجمع: «إِنَّنَا وَجَدْنَا هذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ، وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ، قَائِلًا: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ» (لوقا 23: 2). ولكن يسوع قلب الأمر رأساً على عقب عندما قال: «أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ» (متى 22: 21). وبالإضافة لذلك، فإنه دفع الضرائب (متى 17: 27)، وسلم نفسه سلماً إلى سلطة روما المركزية لتقوم بصلبه. وبالمثل، كان عمله في شفاء الناس في السبت مدحاً، ولم يكن نقداً قانونياً ليسوع بما أنه أظهر محبة الله مقارنة مع القانون البشري (مرقس 3: 1 ـ 6).

عاش يسوع وعلم أعلى درجات أخلاق الموعظة على الجبل (متى 5 ـ 7)

لقد كان يسوع مثلاً على الكمال الأخلاقي بالإعلان والعيش وفق الموعظة على الجبل. وحتى الهندوسي المهاتما غاندي، كان متأثراً بطريقة حياة يسوع وبالتحديد بموعظته على الجبل. حيث فصَّل فيها يسوع ـ وفي أماكن أخرى ـ الكثير من المبادئ الأخلاقية العظيمة المعروفة للبشرية. وأكّد على القاعدة الذهبية (متى 7: 12). وهي تلخص الوصايا العشر التي أكد يسوع أهميتها، كما أكد أهمية كامل العهد القديم (متى 5: 17). وقال: «لا تدينوا الآخرين» ظلماً أو نفاقاً (متى 7: 3 ـ 5). وعلم «أحبوا أعداءكم» (متى 5: 43 ـ 44). في حين أن القرآن سار على نهج مختلفٍ، فأوصى المسلمين: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ» (المائدة 5: 51)، وقال: «فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ» (النساء 4: 76). وقال يسوع لا تنتقموا «بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا» (متى 5: 38 ـ 39). كما أدان الرياء، قائلاً: «أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!» (متى 7: 5). وقد رفع بالأخلاق إلى أقصى درجاتها، عندا أدان الشهوة أو الكره في القلب (متى 5: 22، 28). ونصحنا، قائلاً: «طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ» (متى 5: 7). وأمر المرء أن يحفظ كلمته، فشدد: «لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ» متى 5: 37). وذكّرنا أن نساعد الفقراء (متى 6: 3 ـ 4)، وهو نفسه عاش حياة فقيرة، ولم يكن له بيت، وما يملكه كان لباسه على ظهره (متى 8: 20). وطلب منا أن نغفر للأخرين (متى 6: 12)، وهو نفسه قام بذلك بينما كان معلقاً على الصليب (لوقا 23: 34). ولم يضع يسوع قط أعلى معيار أخلاقي، بل أنه فعل أعلى معيار أخلاقي. فمن بين كل قادة الأديان المعروفين، فإن حياته كانت النموذجية القصوى والخالية من أي خطيئة.

فهو عاش حياة بشرية (فيليبي 2: 5 ـ 8؛ 1 تيموثاوس 3: 16). وتألم بريئاً لأجل الخطأة (1 بطرس 3: 18). كما تنبأ إشعياء عنه: «وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ» (إشعياء 53: 7).[151] وقد تأثر أحد الأشخاص في الدائرة الداخلية ليسوع بتألم البريء، فكتب: «لأَنَّهُ أَيُّ مَجْدٍ هُوَ إِنْ كُنْتُمْ تُلْطَمُونَ مُخْطِئِينَ فَتَصْبِرُونَ؟ بَلْ إِنْ كُنْتُمْ تَتَأَلَّمُونَ عَامِلِينَ الْخَيْرَ فَتَصْبِرُونَ، فَهذَا فَضْلٌ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالًا لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ» (1 بطرس 2: 20 ـ 21). وعندما كانت الاتهامات الكاذبة تُكال ليسوع وقت محاكماته، فإنه لم يتكلم دفاعاً عن نفسه (متى 27: 12 ـ 14). لا بل، هو مات لأجل أعدائه (1 يوحنا 2: 2): «وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا» (قارن: 1 يوحنا 2: 16؛ رومية 5: 6 ـ 7). لقد أحب يسوع الأطفال الصغار (مرقس 10: 14)، وقرّع أتباعه من خلال تقديم الأطفال أمثلة (متى 18: 3). وكان لدى يسوع التعاطف نحو الآخرين (متى 9: 36)، وأعلن: «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! ...، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!» (متى 2: 37). فلا يوجد أحد قط تكلم مثل يسوع، ولا أحد قط عاش مثله.

الرد على نقاد المسيح

خلافاً للتوثيق الذي لا نظير له وغير المسبوق عن أفعال يسوع البارة، انبرى البعض للبحث عن عيوب في شخصيته، ولكن ظهر أن جهودهم ذهبت أدراج الرياح. ويقدم اللاأدري الشهير بِرتراند راسل عدة حجج ضد المسيح.

الاتهام أن يسوع لم يكن «إنسانياً بالعمق»[152]

في كتابه الشهير: «لماذا لست مسيحياً»، جادل اللاأدري برتراند راسل أن كل من يحذر الناس بالعقاب الأبدي كما فعل يسوع، فليس «إنسانياً بالعمق» (متى 5: 22، 29؛ 10: 28؛ 18: 9). وفي الرد على اتهام راسل الذي يصادر على المطلوب إن كان ثمة جحيم أم لا. فهو يفترض عدم وجود جحيم، وبالتالي، ليس إنسانياً أن تهدد الناس بها. ولكن، إن كان ثمة جحيم ـ يسوع بوصفه ابن الله يعلم الحق ـ فإنه سيكون من غير الإنساني بقوة إلا يحذر الناس بأنهم يتجهون إليها. وفي الختام، إن كان ثمة نار في مبنى، ولم يحذر المرء الآخرين منها، فهو شخص غير إنساني. فكيف، والأمر إن كان يتعلق بتحذير من النار الأبدية التي سيذهب إليها الخطأة.

اتهام يسوع إنه كان لديه نزعة انتقامية ضد رؤساء اليهود

كما يُتهم يسوع أنه كان لديه غضب وروح انتقامية. فهو أعلن: «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ!... أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ!... لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ» (متى 23: 16 ـ 27). وبكل حال، إن الغضب ضد الخطيئة، ليس خطيئة، بل هو فعل صالح. ففي النهاية، فهؤلاء لا يقودون أنفسهم نحو الهلاك، بل يقودون الآخرين أيضاً. وقد قال يسوع: «لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ» (متى 23: 13). إذاً، فهذا ليس عملاً انتقامياً، بل محبة وتعاطف عميقان للذين تعرضوا للخداع. وبالفعل، ليس يسوع من يريد الانتقام، فهو حتى غفر للذين صلبوه، قائلاً: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا 23: 34).

الاتهام أن يسوع كان قاسياً

ويضيف برتراند راسل أن أي شخص يغرق خنازير بدون ضرورة لهو شخص يتصف القسوة. وقد قام يسوع بهذا الأمر، وغرقت الخنازير في البحر (متى 8: 32). وهذه الحجة لها جاذبية في ثقافة محبة الحيوان، في عصر قد يتعرض البعض للسجن لتعذيب الحيوان. وعلينا قبل كل شيء أن نلاحظ أن يسوع لم يغرق الخنازير. بل الشياطين قامت بذلك. قد أخرج يسوع الشياطين من الرجال، فأغرقت الشياطين الخنازير. ثانياً، أن نتيجة فعل الشياطين في إغراق الخنازير كان سمح به يسوع، ولكنه لم يأمر به. وثمة فرق كبير بين السماح بالشر المادي، وهذا ما يقوم به الأهل كل مرة يسمحون فيها للمراهقين بقيادة سيارة العائلة، وهذا ما يسهل وقوع الحادثة، وهو الأمر الذي لا يقوم به الآباء الصالحون. ثالثاً، أن يسوع سيد الخلق. وهو بهذا، يعطي الحياة ويقدر أن يأخذها بمشيئته (أيوب 1: 21؛ التثنية 32: 29). وبالفعل، هو قضى أن كل كائن سيموت، عاجلاً أو آجلاً. وأخيراً، أن راسل كان مكترثاً أكثر بشأن الخنازير أكثر من الأشخاص الذي أنقذهم يسوع من الشياطين. وعلى العكس، كان يسوع مهتماً أكثر بالناس أكثر من الخنازير. وحتى أكثر محبي الحيوانات حماساً يفهم أن كلب بيت بول[153] الذي قتل طفلاً يجب أن يُعدم كي لا يكرر فعله. ويمكن أن يكون، كما أشار أحد التفاسير، إلى أنه «بطريقة ما [مثل السماح للشياطين أن تقضي على الخنازير] يمكن إنقاذ الإنسان من التشويش المعقد بين نفسه وبين الروح النجسة التي كانت فيه. فإلى أن يرى المُصاب القوى الشيطانية التي أثقلت كاهله قد تحولت إلى أجساد مخلوقات أخرى... عندها يقدر أن يصدق أنه تحرر».[154] وبهذا، بدلاً من أن تحط هذه الحادثة من شخصية يسوع، فإنها تبرهن أكثر على ما هو معروف في كل موضع من الأناجيل، أي تعاطف يسوع نحو البشر الذين كانوا أسرى القوى الشيطانية.

بالإجمال، إن شخصية يسوع يُشهد عليها من جانب أصدقائه وأعدائه.[155] وبالفعل، حتى راسل نفسه قال في مكان آخر: «أني أقرُّ له بأعلى درجات الصلاح الأخلاقي».[156] كما قال إن ما يحتاجه العالم هو: «المحبة، المحبة المسيحية، أو التعاطف».[157] وهذه إطراء كبير لشخصية المسيح. وبالفعل، لا أحد عبر عن أي محبة أكبر من محبة المسيح عندما مات لأجل أعدائه (رومية 5: 6؛ يوحنا 15: 13).

إن المعاني الكبيرة التي تؤكد الإيمان المسيحي في حياة يسوع الخالية من الخطيئة ظاهرة. فلم يقم بشر قط بفعل ذلك. وهذا ما يضع المسيح في مستوى خاص به. فإن أكثر البشر قداسةً بيننا لديهم أخطاؤهم الخطيرة، ولكن يسوع كان الحياة بلا عيب.

إن شخصيته الخالية من الخطيئة تضعه في فئة خاصة به وحده

من كل الزعماء الدينيين، ليس ثمة من أحد، ما عدا المسيح، من أعلن أنه بلا خطيئة. وقد تضرع محمد للغفران (محمد 47: 19). وكان بوذا بعيداً عن الخلو من الخطيئة، فهو هجر عائلته، ولم يرجع. وانخرط المهاتما غاندي في الحروب الدينية ضد السود في جنوب أفريقيا.[158] وبالفعل، فإن أعظم القديسين المسيحيين كانوا يدركون بمرارة أنهم خاطئون. وقد صرخ الرسول بولس: «وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟» (رومية 7: 24)، وقال «إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ» (رومية 3: 23) ـ ما عدا واحداً! إنه يسوع المسيح! وهذا ما يضع المسيح في صف فريد لوحده. فهو مثال الحياة الكاملة. وهذا كفيل وحده أن يجذب الناس إلى المسيح.

وكما قال هوريس بوشنِل: «إنه لأسهل كثيراً أن تؤمن بأنه معجزة، من تؤمن أن المسيح كان إنساناً، ومع ذلك كان شخصية كاملة، كما لدينا».[159] وقد أضاف: «هو معجزة بنفسه، وكان سيكون أكبر معجزة من بين كل المعجزات لو لم يكن هو من يفعل المعجزات».[160]

إن شخصيته الخالية من الخطيئة تؤكد إعلانه أنه الله

لقد وظف يسوع الرابطة بين الفضيلة والحق. فعندما رفض المعارضون له دعواه بالألوهية والمعجزات التي قام بها، قال: «مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟» (يوحنا 8: 46). وعندما رفض رؤساء اليهود حتى معجزة شفاء شخص مولود أعمى، وقال بعضهم: «كَيْفَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ خَاطِئٌ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هذِهِ الآيَاتِ؟» (يوحنا 9: 16).

يستعمل الارتباط بين الفضيلة والحق في الإجراءات القانونية في كل العصور. ويفقد الشهود مصداقيتهم أن تبين أنهم كذبوا. وعلى الجانب الآخر، الأشخاص الذين يتمتعون بالنزاهة يُعتبرون شهوداً صادقين. ويسوع هو شخص نزيه بشكل لا نقاش به. وحتى غير المؤمنين به قالوا عنه: «بُهِتَتِ الْجُمُوعُ مِنْ تَعْلِيمِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ» (متى 7: 28 ـ 29). من الصعوبة لكلمات شخص أن تتمتع بسلطان، عندما تكون حياته تسير عكس ما يقول. وحتى أعداء يسوع قالوا: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ، وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ» (متى 22: 16). مع شهادة عن الفضيلة من مثل هذا النوع، كان من المتعذر رفض النتيجة أنه يجب قبول ما يعلن عن الحق.

وقد وصف بوشنِل شخصية يسوع التي لا مثيل لها: «الآن، أحد الأمرين يجب أن يكون صحيحاً. إما هو بدون خطيئة، أو ليس كذلك. إن كان بدون خطيئة. وما هو أعظم، حيث نجد الاستثناء الأكبر في تاريخ البشرية، وهو أن أكثر الكائنات كمالاً، والخالي من الخطيئة عاش ذات مرة في الجسد! وإن لم يكن كذلك، ... فلدينا شخص أخذ دِيناً بدون توبة، ديناً وليس بشراً، ولكن ديناً سماوياً، نمط من التقوى لم يُعلمه إياه أحد في صغره، ولم يُعرف من قبل، ولم يتم سلوكه بين الناس؛ وأكثر من ذلك، نمط من التقوى، لا يتناسب مع شخصيته الحقيقية كخاطئ... ألا يمكن أن يكون ذلك انحرافاً كبير عن كل ما نعرفه من مجرد التطور البشري؟».[161]

لقد تم البرهنة على أن يسوع هو الله بالقيامة الخارقة للطبيعة

إعلانات يسوع أنه الله، لم تُبرهن بشكل خارق بتحقيق النبوءات فحسب، وبمعجزاته الكثيرة التي لا مثيل لها، ولكن أيضاً بحياته الخارقة للطبيعة. وبالإضافة إلى ذلك، فالمعجزة الكبرى التي صادقت على دعاوي يسوع هي القيامة من الموت. فلم يتنبأ يسوع مراراً عن قيامته فقط (متى 12: 40؛ 17: 22 ـ 23؛ 20: 18 ـ 19؛ يوحنا 2: 19 ـ 22). ولكن يسوع أشار إلى قيامته على أنها «آية» فريدة يعطيها لجيله، قائلاً: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال» (متى 12: 39 ـ 40).

إن يسوع مات جسدياً بالفعل

بالطبع أن الشرط المسبق للقيامة الجسدية هو الموت الجسدي. ويسجل الإنجيل الموثوق تاريخياً (انظر الفصل 6) الدليل القاطع على أن يسوع مات بالفعل على الصليب خلافاً لقول المسلمين اعتماداً على القرآن[162] (النساء 4: 157). وقال بعض النقاد أن يسوع أغمي عليه (فقد الوعي) على الصليب فحسب ولاحقاً نهض ببرودة القبر. والحقيقة أن الدليل القوي ينهض ضد نظرية الموت الظاهري. ولننظر بالتالي:

1) لقد تم التنبؤ مرات كثيرة عن موت يسوع في العهد القديم. كل نصوص القيامة من الموت (مثل مزمور 2: 7؛ 16: 10) تتضمن أن حقيقة الموت. ويقول زكريا: «طُعن» بجنبه الذي يتضمن الموت (انظر: يوحنا 19: 33 ـ 37). ويتكلم دانيال عن الذي «قُطع» (دانيال 9: 27) بالموت بعد «ينهي الخطيئة» و«لكفارة الإثم» (دانيال 9: 24). ويقول إشعياء 53 أنه «كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ» (العدد 7)، وأنه «قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ» (العدد 8)، و«جُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ» (العدد 9) و«سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ» (العدد 12).

2) تنبأ يسوع عن موته كثيراً أثناء خدمته (متى 12: 40؛ مرقس 8: 31؛ يوحنا 2: 19 ـ 21؛ 10: 10 ـ 11). وقال بشكل صريح لا لبس فيه: «ابْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ. فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ. فَحَزِنُوا جِدًّا» (متى 17: 22 ـ 23).

3) إن طبيعة الصلب تؤكد موته بما أنه موت بالاختناق، ما دام المرء يمر بألم شديد وهو يسحب نفسه بسبب نقص الأوكسجين. فعندما يكف ضحايا الصليب عن الصراخ ألماً لعدة دقائق، فهذا يعني أنهم صاروا في عداد الأموات. وقد كان يسوع معلقاً على الصليب من التاسعة صباحاً إلى قبل غروب الشمس (مرقس 15: 25، 33). وكان ينزف من الجروح في يديه ورجليه، ومن الشوك المغروز في فروة رأسه. وهذه الجروح كانت قد نزفت الكثير من الدماء على مدار أكثر من ست ساعات.

4) لقد طَعَنَ جَنْبَ يسوع بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاء (يوحنا 19: 34)، وهذا برهان على حدوث الموت الجسدي. وهذا الأمر لوحده، وتأكيد الخبراء الطبيين المعاصرين، كفيل بأنه يؤكد الموت، الذي ورد في الرواية التي هي رواية شهود عيان. وفي مقالة في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (21 أذار (مارس)، 1986) يستخلص التالي:

من الواضح، إن أهمية الدليل التاريخي والطبي، يشير إلى أن يسوع قد مات قبل أن يطعن من جنبه وهذا يؤيد النظرة التقليدية أن الرمح، الذي طعن الضلع الأيمن، اخترق ليس فقط الرئة اليمنى ولكن أيضاً التامور والقلب وبالتالي تم التوثق من موته. ووفقا لذلك، فالتفاسير القائمة على افتراض أن يسوع لم يمت على الصليب تظهر أنها متعارضة مع المعرفة الطبية المعاصرة.

5) كلمات يسوع وهو مشرف على الموت سُمعت من الصليب. «وَقَالَ: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ» (لوقا 23: 46). ويقول يوحنا: «وَأَسْلَمَ الرُّوحَ» (يوحنا 19: 30). وصرخة الموت سمعها كل من كان واقفاً قريباً، وقد خلقت ردة الفعل. ويقول لوقا: «فَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ مَا كَانَ، مَجَّدَ اللهَ قَائِلًا: «بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارًّا! وَكُلُّ الْجُمُوعِ الَّذِينَ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ لِهذَا الْمَنْظَرِ، لَمَّا أَبْصَرُوا مَا كَانَ، رَجَعُوا وَهُمْ يَقْرَعُونَ صُدُورَهُمْ» (لوقا 23: 47 ـ 49).

6) كان الجنود الرومان جلادين قساة، ومعتادين على الصلب والموت، أعلنوا أن يسوع قد مات. وبهذا من المؤكد أنه مات، فهم لم يكسروا ساقيه لتسريع الموت (بحيث يحيلوا بين الشخص وبين القدرة على التنفس أكثر)، رغم أن ذلك كان ممارسة شائعة. فهم لم يروا ضرورة أن يكسروا ساقي يسوع (يوحنا 19: 33).

7) الفحص المضاعف لبيلاطس من أجل التوثق من موت يسوع قبل أن يعطي الجثمان إلى ليوسف لدفنه. «فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: «هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟». وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ، وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ» (مرقس 15: 44 ـ 45).

8) أن دفن يسوع يؤكد موته. فقد تم لفه بحوالي 100 باوند [حوالي 45 كيلو غرام] من الأقمشة وأنواع الطيب، ووُضع في قبر مختوم لثلاثة أيام (متى 27: 60؛ يوحنا 19: 39 ـ 40). فإنْ لَمْ يكن قد ماتَ بعد، فسبب نقص الطعام والماء والعلاج الطبي كان سيقُضى عليه.

9) كان يوجد شهود كثر لدى الصليب، من طرف الأصدقاء والأعداء (لوقا 23: 47، 49). فتقريباً كل شخص كان هناك، كان لديه اهتمام كبير في معرفة إنْ كان يسوع هو الذي على الصليب (وليس بديلاً له كما يعتقد المسلمون)، وأنه قد مات بالفعل. ولنأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التالية: (أ) كان الجنود الرومان هناك مكلفين بفحص إن كان يسوع قد مات فعلاً. (ب) كان رؤساء يهود هناك، الذين حكموا عليه بالموت بتهمة التجديف. وكانوا يريدون أن يتوثقوا من موت يسوع الفعلي. (ج) كانت أم يسوع حاضرةً، ولا أم تفشل في التعرف على ابنها أو تعجز عن تمييز موته (د) وبالمثل، فإن «النساء» اللواتي خدمن يسوع لسنوات، كن هناك، كما (هـ)، كان هناك تلميذ يسوع المقرب (يوحنا 19: 26). ومن المستحيل، إن جميع هؤلاء الناس، بكل هذا الاهتمام الكبير بمن كان على الصليب ومعرفة إن كان قد مات، قد فشلوا في تمييز موت يسوع.

10) ما كان ظهور يسوع المتكرر لاحقاً سيعمل هذا التأثير الدرامي. لا يوجد من طريقة في حالة يسوع، أن يعيش في قبر بارد، وما كان يمكن أن يترك هذه الانطباعات الكبيرة على تلامذته غير المصدقين المحبطين. وحتى هذا ما لاحظه ديفيد ستراوس: «من الاستحالة لفرد مسروق نصف ميت من القبر، الذي تسلل خارجاً هزيلاً، مريضاً، وبحاجة لعناية طبية.... كان يقدر أن يعطي الانطباع لتلامذته أنه كان منتصراً على الموت وحفرة الموت... فمثل هذه الحالة كان سيضعف الأثر، الذي حل بهم في الحياة والموت... ولكن ما كان ليقدر أن يغير حزنهم إلى حماس، ويرفع من توقيرهم إلى عبادة».[163]

11) وبالإضافة إلى كل ما سبق، فإن مؤرخين غير مسيحيين سجلوا أن يسوع مات فعلاً. يوليوس أفريكانوس (حوالي 221 م) سجل إن يسوع مات، وكما المؤرخ تالّوس من أصول سامرية (حوالي 52م) الذي سجل «حين الحديث عن الظلام الذي حل على الأرض أثناء صلب المسيح»، تكلم عنه على أنه كسوف.[164] والكاتب اليوناني من القرن الثاني، لوسيان، تكلم عن المسيح عن «الرجل الذي صُلب في فلسطين لأنه جاء بدين جديد للعالم». وقد سماه «المعلم المصلوب».[165] وتتحدث «رسالة مارا بار ـ سيرابيون» (حوالي 73 م)، الموجودة في المتحف البريطاني، عن موت المسيح، وتسأل: «ما الفائدة التي عادت على اليهود من صلب ملكهم الحكيم».[166] وأخيراً، لدينا الكاتب الروماني، فلِجون الذي تكلم عن موت المسيح وقيامته في كتابه التواريخ، قائلاً: «عندما كان يسوع على قيد الحياة، لم يكن له عون، ولكن نهض من الموت، وأظهر علامات التعذيب، وكشف عن يديه المثقوبتين بالمسامير».[167] كما ذكر فلِجون، «الكسوف في وقت القيصر طيباريوس، الذي يبدو أن يسوع قد صُلب في حكمة، ووقتها حصلت زلزلة عظيمة».[168]

12) كذلك، الكتّاب المسيحيون القدماء بعد عهد المسيح، أكدوا موته على الصليب وقيامته. إن بوليكاربوس، تلميذ الرسول بولس، أكد تكراراً موت المسيح، وتكلم، على سبيل المثال، عن «ربنا يسوع المسيح، الذي تألم لأجل خطايانا حتى الموت» (بوليكاربوس،33 م). وكتب إغناطيوس (30 ـ 107 م)، صديق بوليكاربوس، «وهو تألم ومات فعلاً، وقام من الموت ثانية». وأضاف، وإلاً، كان جميع الرسل الذين تألموا لأجل هذا الإيمان، ماتوا عبثاً. «ولكن (الحق) ليس أي من هذه الآلام كان عبثاً، لأن الرب كان قد صُلب فعلاً بشكل ظالم من الفجار».[169] ولاحظ القديس جاستن الشهيد في كتابه «حوار مع تريفو» اليهودي، أن اليهود في عصره كانوا يعتقدون أن «يسوع كان جليلياً مخادعاً قد صُلب».[170]

إذاً، لدينا عملياً إجماع وشهادة كاملة من العهد القديم إلى آباء الكنيسة، بمن فيهم مؤمنون وغير مؤمنين، يهود وأمميون، أن يسوع تألم ومات على الصليب.

إن يسوع قام جسدياً من بين الأموات بعد بضعة أيام

إن الدليل على قيامة يسوع لهو من القوة، إن لم يكن أقوى من دليل الموت. وهذه هي المعجزة الأعظم التي قام به. في الدليل نلاحظ:

  1. هو التفسير الوحيد المناسب للقبر الفارغ المحروس. ليس فقط عدم وجود جثمان يسوع قط، بل حتى أقمشة الدفن كانت متروكة في المكان الفارغ، بما فيها الأكفان موضوعة، [«وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ» (يوحنا 20: 7)] في مكان بنفسها (دلالة على فعل قصدي). لقد كان القبر محروساً من جانب جنود رومان تحت عقوبة الموت. فلم يكن ثمة من وسيلة لأن يكون الجسد قد سُرق. وحتى لو تم نقله تحت حراسة الجنود الرومان، فمن يمكن أن يأخذه؟ وأين يمكن أن ينقل؟ ولن يأخذ أحد الجسد ويأخذ الوقت لطي قماش الرأس في مكانه نفسه.
  2. إن البرهان الإيجابي على القيامة موجود في ظهورات المسيح العديدة في جسده نفسه ـ حيث كان حياً ـ لمئات من الشهود، بما فيهم المتشككيين وغير المؤمنين. وهذا يظهر من:

أ‌.        ثمة بالإجمال أكثر من 500 شاهد على قيامة المسيح (1 كورنثوس 15: 6). وهذا الرقم يضع الحدث خارج الشك.

ب‌.   ثمة أكثر من 12 مناسبةً ظهر فيها المسيح.

  1. مريم المجدلية (يوحنا 20: 10 ـ 18).
  2. النساء الأخريات (متى 28: 1 ـ 10).
  3. تلميذي عِمْوَاس (لوقا 24: 13 ـ 35).
  4. بطرس (يوحنا 20: 3 ـ 9).
  5. التلاميذ العشر (لوقا 24: 36 ـ 49؛ يوحنا 20: 19 ـ 23).
  6. التلاميذ الأحد عشر (يوحنا 20: 24 ـ 31).
  7. التلاميذ السبع (يوحنا 21).
  8. كل التلاميذ عند المأمورية العظمى (متى 28: 16 ـ 20؛ مرقس 16: 14 ـ 18).
  9. الخمسمئة أخ (1 كورنثوس 15: 6).
  10. يعقوب (1 كورنثوس 15: 7).
  11. كل الرسل عند الصعود (أعمال 1: 4 ـ 8).
  12. الظهور لبولس (1 كورنثوس 15: 8؛ أعمال 9: 1 ـ 9).

ومرة أخرى من غير المنطقي الاعتقاد أن أكثر من (500) شخص في اثنتي عشرة مناسبة مختلفة كانوا مخدوعين بشأن لقائهم مع المسيح القائم من الموت. وبالإضافة على ذلك، ففي سنة (55 ـ 56)[171] (بعد القيامة فقط بـ 22 ـ 23 سنة)، تحدى بولس أهل كورنثوس أن يسألوا الشهود الأحياء على المسيح القائم من الموت، وكان أكثر من نصفهم (أكثر من 251) على قيد الحياة وكان الكورنثيين قادرين على سؤالهم والتوثق من قيامة المسيح من بين الأموات.

أ‌)       إن الرسل الذي ظهر لهم يسوع كانوا بعيدين عن التصديق. والهلوسة تنجح مع أناس لديهم استعداد للإيمان إن الأمر حقيقي ويسجل لنا إنجيل متى أن «بَعْضَهُمْ شَكُّوا» حتى بعد أن رأوا يسوع (متى 28: 17). ويقول مرقس إنه عندما أخبرت النسوة التلاميذ أن يسوع قام من الموت، «لَمْ يُصَدِّقُوا» (مرقس 16: 11). وقال توما إلى التلاميذ الآخرين الذين كانوا قد رأوا المسيح: «إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ» (يوحنا 20: 25). فلا يمكن أن نعتبر أن هؤلاء التلاميذ كانوا عرضة للخداع.

ب‌)  كان من بين الشهود أخ يسوع الذي لم يكن مؤمناً، يعقوب، ويقول يوحنا: «لأَنَّ إِخْوَتَهُ أَيْضًا لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ» (يوحنا 7: 5). ويقول بولس: «وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ» (1 كورنثوس 15: 7).

ت‌)  وكان من بين الشهود، شاول الطرطوسي، الذي حارب المسيحيين. ولم يوجد من بين المعاصرين من قاوم القيامة أكثر من شاول الطرطوسي، الفريسي، اليهودي. ومع ذلك، ظهر له المسيح على الطريق إلى دمشق، فاهتدى. ويقول بولس لاحقاً: «أَلَسْتُ أَنَا رَسُولًا؟ ... أَمَا رَأَيْتُ يَسُوعَ الْمَسِيحَ رَبَّنَا؟» (1 كورنثوس 9: 1. قارن: أعمال 9: 1 ـ 9). وهو أحد أبعد الناس عن الإيمان بالمسيح، ومع ذلك آمن. وفقط ظهور حقيقي للمسيح الحقيقي يشرح بشكل كافٍ تحوله للمسيحية.

ث‌)  وثمة أدلة كثيرة على أن الجسد الذي ظهر كان نفسه جسد يسوع الذي مات لـ: (1) وجود الكفن المتروك (يوحنا 20: 5 ـ 6)؛ (2) كان على الجسد أثر جراح الصلب (لوقا 24: 36=9؛ يوحنا 20: 27)؛ (3) وكان يمكن أن يُرى ويُلمس (متى 28: 9[172]؛ لوقا 24: 39؛ يوحنا 20: 27)، و(4) وكان يقدر أنْ يأكل، وأكل طعاماً حقيقياً. ويؤكد إنجيل لوقا: «فَنَاوَلُوهُ جُزْءًا مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ، وَشَيْئًا مِنْ شَهْدِ عَسَل. فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ» (لوقا 24: 42 ـ 43). ويمكن أن يُرى ويُسمع بالحواس الفعلية (النظر، السمع، واللمس).

ج‌)    وإن الدليل على قيامة المسيح بالجسد، لهي من المتانة بشكل أقوى ما يكون، لـ: (1) خلو القبر بشكل دائم من الجسد؛ (2) وجود الكفن في القبر الفارغ (يوحنا 20: 5 ـ 6)؛ (3) لقد رأى التلاميذ يسوع، وسمعوه، ولمسوه بحواسهم المباشرة بعد القيامة؛ (4) لقد رأوا ولمسوا جراح الصلب، التي كانت تظهر أنه نفس الجسد الذي مات فيه (لوقا 24: 39؛ يوحنا 20: 27)؛ (5) كما أكلوا معه في أربع مناسبات مختلفة (لوقا 24: 30، 42 ـ 43؛ يوحنا 21: 10 ـ 13؛ أعمال 1: 4). ويقول في سفر أعمال 10: 41 «نَحْنُ الَّذِينَ أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مَعَهُ بَعْدَ قِيَامَتِهِ مِنَ الأَمْوَاتِ»؛ (6) إن شكل قيامته بالجسد (ياليوناني soma)، وهي الكلمة التي تعني دائماً الجسد المادي في العهد الجديد عندما تشير إلى أفراد البشر؛[173] (7)، ولقد تم الإشارة مرتين بشكل مباشر إلى القيامة (لوقا 24: 39؛ أعمال 2: 31) ومرتين بشكل غير مباشر (1 يوحنا 4: 2؛ 2 يوحنا 7)[174] على أنه بالجسد (باليونانية sarx)، وهي أقوى كلمة ممكنة للجسد الحي. والإشارة المباشرة في لوقا 24: 39، حيث يقول يسوع: «جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي». وأعمال 2: 31 ـ 32 حيث يقول بطرس أن دواد تنبأ عن القيامة، فقال: «سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ [sarx] فَسَادًا. فَيَسُوعُ هذَا أَقَامَهُ اللهُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا شُهُودٌ لِذلِكَ». وبالنظر إلى الدليل القاطع على أن يسوع قام في نفس الجسد والعظم الذي مات فيه، فإن محاولات تحريف الآيات الأخرى لرفض القيامة هي عبث لا طائل منه.

الرد على بعض الاعتراضات على القيامة بالجسد[175]

كورنثوس الأولى 15: 44 ويتكلم عن قيامة الأجساد على أنها «جسم روحاني»، ولكنها لا تعني الجسد غير المادي. بل هي تعني قيامة «الجسد» (فمفردة soma تعني دائماً الجسد المادي عندما ترد بخصوص أفراد البشر)، لها مصدر «روحي» (pnematikos)، أنها مؤيدة من الله. نفس الكلمة: «الروحي» ترد لدى بولس في رسالة كورنثوس الأولى بشأن أمر جسدي له مصدر إلهي. على سبيل المثال، المنّ التي كان يأكله شعب إسرائيل في البرية، سماه «الطعام الروحي» (1 كورنثوس 10: 4). وبالمثل، الشخص الذي يعيش حياة القوة بالروح القدس يُطلق عليه اسم رجل «روحي» (1 كورنثوس 2: 15؛ 3: 1). وفي كل حالة، فالموضوع كان فيزيائياً، ولكن له مصدر روحي.

كورنثوس الأولى 15: 50، التي يقول فيها بولس: «إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ»، ولكنها لا تنفي القيامة الجسدية. ونلاحظ أن الجزء الثاني منها ينص: («وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ»)، وهو يتحدث عن اللحم والدم القابلين للفساد لن يدخلا ملكوت الله. وبالفعل، فيسوع يقول بشكل واضح أن قيامته الجسدية كانت «باللحم والعظم» (لوقا 24: 39). وبالفعل، كانت لحماً وعظماً غير قابلين للفساد، ولكن كان لحماً وعظماً في كل حال. والقيامة الجسدية هي أبدية، ولكنها ليست غير مادية. فهي نفس الجسد الفاني، ولكن الآن «يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْت» (1 كورنثوس 15: 53). فهو أكثر من الجسد الذي نعرفه الآن، ولكن ليس أكثر من الجسد الحي.

وحقيقة أن قيامة المسيح بجسد يمكن أن يظهر ويختفي بشكل خارق لا يثبت أنه كان غير مادي، فيسوع كان يقدر أن يسير على الماء قبل قيامته، وهذا برهان قدرته، وليس برهان جسد غير مادي. وقد انتقل فيليبس بشكل معجزي من مكان إلى آخر قبل قيامة الأجساد (أعمال 8: 39 ـ 40). والمرء سيتوقع أن يسوع صانع المعجزات كان يقدر أن يعمل أشياء خارقة بعد قيامته كما كان يقدر أن يعمل قبل ذلك.

تلخيص القضية بكاملها إلى هذه النقطة

بما أن الله موجود (الفصل 3)، فالمعجزات ممكنة (الفصل 4). وبما أن المعجزات ممكنة، فهي تأتي لتأكيد رسالة من الله (الفصل 5). بما أن العهد الجديد موثوق تاريخياً (الفصل 6)، ويظهر صحة إعلان يسوع أنه الله (الفصل 7). ولدينا التقاء ثلاث مجموعات لا مثيل لها وغير مسبوقة من المعجزات التي تؤكد أن المسيح هو ما قال عن نفسه (الفصل 8). وهذا يصل بنا إلى الجزء الأخير: إن يسوع هو الله الواحد. وهذا هو موضوع الفصل التالي (انظر الفصل 9).

المسائل الاثني عشر

ü     إعلانات المعجزة في اليهودية

ü     الأديان أخرى غير المسيحية

ü     إعلانات المعجزة حول بوذا

ü     المعجزات المعلنة بخصوص هاري كريشنا

ü     المعجزات المعلنة بشأن بليناس الحكيم (حوالي 98 م).

ü     المعجزات المعلنة بخصوص محمد

·        فكرة أخيرة حول المعجزات والأديان غير المسيحية

 

1.     الحقيقة حول الواقع قابلة للمعرفة

2.     لا يمكن أن يكون كلا النقيضين صادقين

3.     الله الواحد موجود

4.     المعجزات ممكنة.

5.     يمكن أن تأتي المعجزات لتأكيد رسالة من الله

6.     العهد الجديد نص موثوق

7.     أعلن يسوع المسيح في العهد الجديد أنه الله

8.     إعلان يسوع أنه الله تأكد بمجموعة فريدة من المعجزات

9.     وبهذا، فيسوع هو الله الظاهر بالجسد

10. كل ما أكّده يسوع (الذي هو الله) أنه الحق، فهو حق

11. يسوع أكّد أن الكتاب المقدس كلمة الله

12. إذاً، الحق أن الكتاب المقدس كلمة الله، ومزيف وكل ما يعارض هذا الحق الكتابي

 

ملخص الفصل

إن المسيحية وحدها، هي التي تلبي المقياس الضروري للتأكيد الإعجازي عن الحق التي تقول به. قبل كل شيء، فالمسيح هو الأعظم والوحيد من الرؤساء الدينيين الذي لدينا بشأنه وثائق معاصرة موثقة عن حياته وتعاليمه. ثانياً، هو الوحيد الذي أعلن أنه الله. ثالثاً، المسيح وحده الذي يلبي معايير القيام بالمعجزة لتأكيد دعاويه الحق. وتتضمن هذه المعايير الحوادث الخارقة بشكل فعلي، والمتعددة، وذات السمة التنبؤية، والمرتبطة بإعلان الحق. بالإضافة إلى ذلك، فالعهد القديم، والذي يشير إلى المسيح، فالمسيح هو الوحيد الذي يلبي كل هذه المقاييس. وفقط المسيح الذي يعلن أنه أكثر من نبي. وبهذا، فالمسيح وحده من بين كل الرؤساء الدينيين، من أعلن أنه الله (انظر الفصل 7) بالتقاء ثلاث مجموعات من الأحداث الخارقة التي تؤكد ما قاله. وبهذا، فخلافاً لهيوم، أصحاب الشك، ليس ثمة تكافؤ في أي دعوى حقيقة منافسة لما أعلنه المسيح. وبالتالي، المسيح ـ والمسيح لوحده ـ الذي تأكد أنه الله القدير في الجسد. وباختصار، إن الدعوى المركزية في المسيحية هي حق، والدعاوي المعارضة لها هي باطل.

 

موجز الفصل: وبهذا، فيسوع هو الله الظاهر بالجسد.

·        مقياس تأكيد المعجزة

ü     1. يجب أن تكون أحداث خارقة حقاً

ü     2. يجب أن تجري معجزات متعددة

ü     3. يجب أن تكون المعجزات مرتبطة بإعلان حق معين باسم الله

ü     4. العنصر التنبؤي يؤكد الطبيعة الخارقة

ü     5. يجب أن تكون المعجزات فريدة

·        لمَ لا ينظر إلى الأحداث الخارقة في أديان أخرى أنها معجزات؟

 
  • عدد الزيارات: 986