ضرورة العماد بالتغطيس
هل العماد بالرش أم بالتغطيس، ليس شك في أن العماد بالتغطيس وليس في الكتاب دليل واحد يؤيد العماد بالرش، فكل الحقائق التي سجلها الوحي عن المعمودية تؤكد لنا ضرورة العماد
بالتغطيس، وأهم هذه الحقائق هي معنى كلمة العماد.
ينبغي أن نحمل في أذهاننا هذه الحقيقة وهي أن الكلمة "معمودية" كلمة يونانية الأصل، وأن العهد الجديد قد كتب باللغة اليونانية، ولذا فلكي نفهم الكلمة ينبغي أن نعود إلى اللغة التي أخذت منها، وندعها تشرح لنا ألغازها وتفك لنا أسرارها. فالكلمة التي استعملها السيد له المجد في أمره بفريضة المعمودية هي الكلمة اليونانية "بايتزو Baptizo" ومن الحسن أن نعرف أنها مشتقة من الكلمة الأصلية "بابتو Bapto" وهذه الكلمة معناها الحرفي في اللغة اليونانية هو "الغمس أو التغميس أو الصبغ أو الغمر" ولذلك ترجمت كلمة يعتمدون الواردة في الأصحاح الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى كورنثوس في الإنجيل المطبوع في رومية والتي تدين به الكنيسة الكاثوليكية إلى كلمة "يصطبغون" فكلمة العماد تعني تغطيس شخص في الماء إلى أن يغطيه الماء ويغمره فيصبح كأنه مدفون تحت الماء. وإليك بعض الآيات التي ذكرت فيها الكلمة اليونانية الأصلية "بابتو Bapto" التي استعملها السيد للمعمودية. ففي إنجيل (يوحنا 13: 26) نقرأ "هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه" والكلمة المترجمة "أغمس" هي ذاتها الكلمة "بابتو Bapto" اليونانية التي اشتقت منها كلمة معمودية وعماد، وفي (رؤيا 19: 13) نقرأ "وهو متسربل بثوب مغموس Bapto بدم ويدعى اسمه كلام الله" وفي الآيات الآتية في العهد القديم ترجمت الكلمة العبرانية (تابال Tabal) إلى اللغة اليونانية (Baptizo) عندما ترجم اليهود توراتهم إلى اللغة اليونانية (راجع لا 6:4، 14 : 51، 14: 6، عد 19: 18، راعو 2: 14، خر 12: 22، تث 33: 24، أيوب 9: 31، لا 9: 9، 1صم 14: 27، 2مل 8: 15، يش 3: 15، تك 37: 31، 2مل 5: 14). وقد ترجم المترجمون هذه الكلمة في النسخة العربية بالعبارة "غمس" فكلمة العماد إذا تعني في لغتها الأصلية "الغمس والتغطيس" وهاك بعض ما قاله كبار المفسرين في تفسير هذه الكلمة فقد قال مارتن لوثر "العماد ليس هو إلا تغطيس في الماء بحسب كلمة الله" وقال كلفن "إن الكلمة عماد Baptizo تعني التغطيس ومن المؤكد أن التغطيس كان هو المتبع في الكنيسة الأولى لفريضة المعمودية" وقال وليم تندل "إن التغطيس في الماء يشير إلى أننا دفنا مع المسيح في حياة جديدة" وها نحن نسمع كورتليوس يقول "إن كلمة عماد عند اليونانيين معناها بلا شك التغطيس وهذا نفس ما أوصى به ربنا عن العماد- أي التغطيس في الماء" وفينيجان في كتابه أنوار من التاريخ القديم يقول "إن تعليم الرسل الاثني عشر الذي كتب حوالي بداية القرن الثاني يدعو إلى أن تكون المعمودية في الماء الجاري، وفي رومية يحتمل إنهم اعتادوا أن يعمدوا في نهر التيبر" وقد قال ترتليان "أن بطرس نفسه عمد أشخاصاً في ذلك النهر" (صفحة 370) ويقول ترتليان في حديثه عن المعمودية "لقد كانت العادة عند المسيحيين الأولين أن يعمدوا بالتغطيس" (ص 259) ويعود فنيجان فيقول في كتابه المذكور "إن مبنى المعمودية في الكنائس القديمة جداً، كان في مساحة كبيرة في مكان منفصل وبه درجات سلم للنزول حتى يتسنى العماد بالتغطيس" (فينيجان ص 416) ومرة أخرى يسجل جاك فينيجان هذه الحقيقة فيقول "على بعد ثلاثين ميلاً جنوب غرب الإسكندرية، توجد الكنيسة التي دفن فيها القديس ميناMenas وقد دشنت هذه الكنيسة في عهد الإمبراطور ثيودسيوس الأول العظيم، (سنة 379- 395)، وفي أثناء حكم الإمبراطور أركاديوس (سنة 395-408) شيدت معمودية فخمة في كنيسة أقيمت في آخر مبنى الكنيسة الأولى من الجهة الغربية، كانت على شكل مربع وكان داخلها مصنوعاً من الرخام، وعلى جانبيها سلم لنزول المعتمد والمعمد حيث كانت تجري المعمودية بالتغطيس" (صفحة 454 من كتاب جاك فينيجان أنوار من التاريخ القديم).
إلى هنا اكتفي بهذه الشهادات القيمة، وآتي بمثالين للتدليل من الإنجيل.
وأول مثل نراه للعماد في العهد الجديد- هو معمودية يوحنا- فهل كان يوحنا يعمد بالرش أم بالتغطيس ؟ الدليل من الكتاب لا من الاستنتاج، ففي إنجيل (متى 3: 16) يصور لنا متى قصة معمودية يسوع في هذه الآيات "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء" فالذي صعد هو الذي نزل أولاً (أفسس 4: 9) لأنه لا صعود بلا نزول، فأين نزل؟ نزل في الماء وطبيعي أن الماء قد غطاه حتى خبأه أو حتى خيل للواقفين أنه دفن ثم صعد مرة أخرى بعد هذا الدفن الرمي، وإن لم يكن كذلك فلماذا استعمل الوحي كلمة صعد من الماء؟ إن نزول الرب يسوع إلى الماء وصعوده منه لهو أقوى دليل على ضرورة المعمودية بالتغطيس.
ولنا في الكتاب مثال آخر، هو قصة عماد الخصى الحبشي وزير كنداكة، يسجلها لنا كاتب سفر الأعمال في هذا التعبير "وفيما هما سائران- أي فيلبس والخصى- أقبلا على ماء فقال الخصى هوذا ماء ماذا يمنع أن أعتمد؟ فقال فيلبس إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز فأجاب وقال أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله، فأمر أن تقف المركبة فنزلا كلاهما إلى الماء فيلبس والخصى فعمده ولما صعدا من الماء خطف روح الرب فيلبس فلم يبصره الخصى أيضاً، وذهب في طريقه فرحاً" (أعمال 8: 36-39) والصورة المكتوبة في كلمة الله واضحة كل الوضوح، فرجل عظيم كهذا الرجل في مركز وزير محترم لو أمكن "تعميده" بالرش لما كان هناك داع لنزوله إلى الماء وصعوده من الماء، بل لأكتفي فيلبس بأن يأخذ قليل ماء مما يحمل الوزير معه يرشه عليه وكفى. ولكن الكتاب يقول نزلاً كلاهما إلى الماء فيلبس والخصى فعمده- أي غطسة في الماء حتى دفنه وغطاه- ولما صعدا من الماء خطف روح الرب فيلبس" وهنا يجب أن نقف قليلاً لنرى أن ذلك الخصى لم يعتمد إلا بعد أن آمن، كل قلبه، وأنه قد اعتمد بالتغطيس.
ولا أنسى أن أذكر حقيقتين وردتا في الكتاب لزيادة الإيضاح عن ضرورة العماد بالتغطيس فقد قيل عن يوحنا "وكان يوحنا أيضاً يعمد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة وكانوا يأتون ويعتمدون" (يو 3: 23) والدارس المدقق يسأل هذا السؤال لماذا ذهب يوحنا إلى المياه الكثيرة إذا لم يكن العماد بالتغطيس؟ إن الحق الواضح في هذه الآية هو أن يوحنا كان يعمد دائماً بالتغطيس، هذه هي الحقيقة الأولى. أما الحقيقة الثانية فقد وردت في كلمات الرسول بولس عن المعمودية وعلق عليها ف.ب ما يرى بهذه الكلمات "ينبغي أن تمارس فريضة المعمودية بالتغطيس، أي بدفن الجسم كله في الماء- كما قاله بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة. لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته" (رو 6: 3-5) فالمعمودية بالماء عبارة عن قبر يدفن فيه الشخص المعمد متشبهاً بموت المسيح، أما رش بضع نقط من الماء على الرأس فلا يمكن أن يشبه ما حدث في تلك اللحظة الرهيبة التي فيها أخذ يوسف الذي من الرامة ونيقوديموس جسد الرب يسوع المسيح ودفناه في قبر جديد في البستان" أ.هـ. من كل هذه الحقائق الكتابية نرى في وضوح كامل ضرورة العماد بالتغطيس. فبأي كيفية اعتمدت أيها القارئ الكريم؟!.
إن كثيرين يعارضون العماد بالتغطيس بالقول أنه كيف أمكن أن يعمد الرسل الثلاثة آلاف بالتغطيس. ولكنهم نسوا أنه كان هناك اثني عشر رسولاً وسبعين مبشراً على الأقل، وكان هناك أيضاً مياه كافية للاغتسال الطقسي في الأحواض الموجودة في أورشليم، فبكل سهولة وفي مدة وجيزة كان من الممكن أن يعمد كل واحد بالتغطيس. وقد حدث منذ عهد ليس ببعيد إن عمدت الإرسالية المعمدانية في جنوب الهند 2200 متجدد بالتغطيس في ست ساعات بكل هدوء، ولم يكن هناك سوى ست قسوس أجروا فريضة العماد. فهل يبق بعد ذلك حجة لمحتج.
- عدد الزيارات: 5420