مصير الأطفال غير المعمدين
يسألني أحدهم قائلاً- ما مصير الأطفال غير المعمدين؟ هل يذهبون إلى السماء أو إلى الجحيم أو إلى مكان بين السماء والجحيم؟ قالت لي سيدة مات طفلها في لهجة امتلأت بالأسى والحزن، لقد
مات طفلي في السنة الأولى من عمره، ولم يؤلمني موته قدر ما آلمني أنه مات بلا عماد، وقد قال لي أقاربي وأصدقائي وبعض رجال الدين "إن أكبر غلطة ارتكبتها في حياتي هي إنني تركت طفلي يموت بلا معمودية فحق عليه العذاب والنار في جهنم وبئس القرار".
ولست أدري أي إله هذا الذي يؤمن به أولئك الذين يقولون إن الطفل غير المعمد ذاهب إلى النار أو إلى مكان الظلام، لأنه بدون عماد لا يقدر أن يقابل بهاء مجد الله. أيمكن أن الله الذي اسمه الأعلى المحبب إلى القلب هو "الله محبة". أيمكن لإله بذل ابنه الوحيد لأجل العالم الأثيم أن يهلك طفلاً بريئاً في جهنم أو يرسله إلى سواد الظلام لأنه لم يعتمد بالماء؟ لقد قلت لتلك السيدة الطيبة "لا تحزني يا سيدتي، فطفلك العزيز لم يذهب إلى الجحيم، ولا إلى مكان بين السماء والجحيم، فليس هناك مكان بهذا الوصف إلا في مخيلة البشر، بل تعزي وثقي أن طفلك الآن مع آلاف الأطفال من كل الأمم والشعوب والقبائل والألسنة أمام عرش الله يسبح ترانيم المجد والجلال" وإلى القارئ الكريم الآيات التي تثبت ذهاب الأطفال غير المعمدين إلى السماء.
1- قال السيد له المجد "الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات" (متى 18: 3) وفي هذه الآية نرى أن الأولاد هم أبناء الملكوت، إذ يطالبنا الرب المجيد بأن نرجع ونصير مثلهم حتى ندخل ملكوت السموات، وإذا كان الأولاد في حالة تؤهلهم لدخول ملكوت السموات، فالمعمودية للأطفال لا ضرورة لها إذ أنها لن تدخلهم إلى الملكوت ولن تخرجهم منه في حالة عدم عمادهم إذ لم يقل السيد إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد المعمدين بل مثل الأولاد بإطلاق المعنى.
2- قال السيد مرة ثانية "دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله" (لوقا 18: 16) وهنا نرى أن الأولاد في حالة تؤهلهم لدخول ملكوت الله، وأن ملكوت الله حق طبيعي للأطفال. ولم يقل المسيح دعوا الأولاد المعمدين يأتون إليَّ لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله. بل دعا كل الأطفال في كل العالم، سواء كانوا مسلمين، أو يهوداً، أو بوذيين أو مسيحيين.
3- أكد لنا السيد أيضاً أن الأولاد هم في يد الله فقال "أما قرأتم قط من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحاً" (متى 21: 16) وهذا يرينا أن الأطفال لا يحتاجون إلى "جحد الشيطان عنهم" كما يقولون إذ أنه من أفواههم تخرج تسبيحات الله.
4- أرانا السيد أيضاً أنه ينبغي علينا أن لا نحتقر الأطفال "انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار لأني أقول لكم إن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات" (مت 18: 10) فإذا كان الطفل في ملكوت الله بطبيعته "لمثل هؤلاء ملكوت الله"، وإذا كان ملكوت الله مفتوحاً بسعة للأطفال من كل الأمم والشعوب والألسنة، وإذا كانت ملائكة الأطفال الخادمة لهم تعاين باستمرار وجه الآب السماوي، فكيف يعقل أن الطفل وهذا حاله يذهب على مكان لا يعاين فيه وجه الله لأنه لم يتعمد الماء؟ بل ما فائدة المعمودية للطفل، إن كانت لا تدخل الطفل إلى ملكوت الله، ولا تحرمه منه؟ إذ أن كل الأطفال داخل الملكوت، وهم لا يخرجون منه إلا بعد أن يدركوا الفرق بين الخير والشر، ويختاروا الشر ويسيروا فيه. وهذا يخرجهم من حيز الطفولة إلى حيز المسؤولية.
إن عماد الطفل غير المدرك لا ضرورة له البتة، لكنه خطر شديد إذ يكون بمثابة قيادته إلى رجاء باطل عندما يكبر ويبدأ الحياة في الخطية، فبدلاً من أن يعود إلى الله لنوال الخلاص والقلب الجديد ويعتمد بالماء في طاعة شخصية لأمر السيد القائل "من آمن واعتمد خلص"، يستمر في خطاياه معتقداً بأنه صار مسيحياً من يوم أن عمده والداه. ويا له من رجاء باطل خادع، وما أبعد دين الطقوس عن دين الاختبار الشخصي للخلاص. فهل تأملت أيها القارئ هذا الحق القديم؟!
- عدد الزيارات: 6824