Skip to main content

أسباب التجسد

لماذا تجسد الله في المسيح؟ وهل من ضرورة حاتمة لهذا التجسد؟ نعم بلا جدال، فقد تجسد الله في المسيح لضرورات حاتمة سأكتفي بذكر ثلاث منها:

 

1-السبب الأول- هو أن الله تجسد في المسيح ليتفاهم مع الإنسان

سأل شاب المستر جرينفيلد هذا السؤال "هل تقدر أن تفسر لي لماذا دعى يسوع المسيح "الكلمة"؟

أجاب مستر جرينفيلد "أعتقد أن الكلام هو واسطة التفاهم بين البشر، وقد استخدم الوحي هذا التعبير "الكلمة" ليوضح لنا أن المسيح جاء كواسطة تفاهم بين الله والناس (1 تى 2: 5).

لقد حاول الله أن يتفاهم مع البشر في مختلف عصور التاريخ، فكلم الآباء بالأنبياء فلما وجد أن البشر لم يستطيعوا أن يفهموا جاء في ابنه ليتفاهم معنا كما يقول الرسول "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه"

2- السبب الثاني هو أن الله تجسد في المسيح ليعلن حبه للإنسان

إن رغبة القلب الإنساني هو أن يرى إلهاً تتوفر فيه كل الكمالات هذا هو الذي دفع قدماء المصريين أن يقيموا لكل إله تمثالاً، فهذا إله الحرب، وهذا إله الحب، وهذا إله الجمال، وهذا إله العناية، وهذا إله العدل. إنهم لم يجدوا إلهاً واحداً تتمثل فيه الكمالات جميعاً فابتكروا من مخيلتهم آلهة علها تشبع جوع قلوبهم. ولقد أعلن الله نفسه على صفحات العهد القديم، لكننا نرى على هذه الصفحات نقمة الله في طوفان نوح، ونرى غضب الله في نيران سدوم، ونرى قداسة الله في لهيب جبل سيناء....فأين محبة الله؟! وكيف يعلن الله للبشر حبه العظيم له، وكيف يؤكد لهم أن لذته في مسكونة أرضه؟ لهذا تجسد الله في المسيح "وليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه"، ولهذا عاش على أرضنا المليئة بالآثام ومات على صليب "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16) "الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رو 5: 8)

3- السبب الثالث هو أن الله تجسد في المسيح ليخلص الإنسان:

إن فكرة التجسد تتمشى مع العقل السليم والمنطق السليم. إذ ليس هناك جدال في أن الله كامل في صفاته، فهو كامل في عدله، كامل في رحمته، كامل في قداسته، كامل في محبته، كامل في ذاته وفي صفاته. فهل يقدر الله أن يحتفظ بهذه الصفات الكاملة لو صفح للخاطئ دون أن يكون له بديل؟ أو لو عاقب الخاطئ دون أن يعطى له مجالاً للرحمة؟! وكيف يوفق الله بين عدله ورحمته؟ لو قال الله للخاطئ – اذهب مغفورة لك خطاياك، دون أن يكون قصاص خطاياه قد دفع لاحتج العدل قائلاً- كلا "النفس التي تخطئ هي تموت" ولا أقبل أن أتحطم أنا على حساب الرحمة. ولو عاقب الله الخاطئ دون أن يعطيه طريقاً للنجاة لبكت الرحمة وقالت- لقد تحطمت على حساب العدل.... كيف الطريق لخلاص الخاطئ إذاً ؟ هل تستطيع حسناته أن تمحو سيئاته؟ كلا فما من قانون في الأرض يوافق على هذا الوضع فالشخص الذي يسرق عشرة آلاف جنيه، لا يرحمه القانون لو تبرع لمستشفى بعشرين ألفاً. فكيف تمحو الحسنات السيئات، وما فائدة الله من الحسنات التي نقدمها له، وهو منزه عن قبول الرشوة؟! هل من سبيل لإنقاذ الخاطئ الأثيم؟ هل من حكمة توفق بين عدل الله ورحمته؟! نعم وجد الله السبيل بنفسه. فلم يرسل ملاكاً لأن الملاك لا يفدي البشر إذ ليس هو من معدنهم- وإنما قال في حنان قلبه "سمعت أنينهم وأنا أنزل لأخلصهم" لقد وجدت المحبة طريقاً. "فأخلى الله نفسه آخذاً صورة عبد، وصار في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" صار إنساناً ليأخذ مكان الإنسان الخاطئ.

وأخذ مكان الخاطئ وتحمل عقاب الخطية في جسده وأعطى للخاطئ الغفران. هذا هو الحق الذي أعلنه العهد الجديد والقديم "ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو 19: 10).

"الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعاً فينا كلمة المصالحة.... لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو 5: 19، 21).

"فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية" (عب 2: 14، 15). "لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد" (عب 2: 9).

هذا هو الذي جعل الرسول يهتف من شدة الفرح قائلاً "ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي" (غلا 2: 20) بهذه الحكمة العلوية  التي ظهرت في تجسد المسيح وموته على الصليب أمكن أن يشبع العدل، وأن تفرح الرحمة، وحق لإمام المغنين أن يرنم في المزمور والرحمة والحق التقيا البر والسلام تلائماً. الحق من الأرض ينبت والبر من السماء يطلع" (مز 85: 10، 11) لأنه قد تمت نبوة أشعياء القائلة "هو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش 53: 5، 6).

ولكي أوضح هذا الحق ببساطة أستخدم هذا المثل الحقيقي. في يوم محاكمة المسيح، كان في السجن رجل اسمه باراباس، وقد حاول بيلاطس أن يجعل اليهود يطلقون يسوع البار، ويقتلون باراباس، فقال لهم- من من الاثنين تريدون أن أطلق لكم باراباس أم يسوع الذي يدعي المسيح؟ فقالوا باراباس فقال فماذا أفعل بيسوع؟ فقالوا صارخين "ليصلب" فأطلق بيلاطس باراباس وأما يسوع فأسلمه ليصلب. وفي زاوية من الزوايا عند مكان الجلجثة.... وقف باراباس يتأمل يسوع وهو على الصليب، يتأمل ذلك البديل الذي أخذ مكانه. يتأمل ذلك الذي جاء ليموت وهو بار ويعطيه الحرية وهو القاتل الشرير.... واسمع الآن باراباس يتكلم موجهاً حديثه للسيد "أشكرك أيها السيد لأنه لولاك لمت أنا.... أنت أسلمت نفسك لأجلي.... أنا اليوم حر لأنك أنت مسمر على الصليب لك الشكر الكامل"

نعم هذا ما فعل الله لي ولك، فأنا وأنت كنا في سجن الخطايا إلى أن جاء المسيح وأطلق أسرنا وأخذ مكاننا- ولنا الآن أن نرنم:

كنت في سجن الخطايا               عبد إبليس الرحيم

غير مأمول خلاصي                  ثم نجاني الرحيم

واشتراني واشتراني            ذاك بالدم الكريم

نعم

قـد       قضى    ديني     كـله              الحمل

حينما    مات     لذا       قال      قد       كمل

لهذا تجسد الله في المسيح ليفدينا، ويغفر خطايانا، ويطهر قلوبنا بدم صليبه "الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا الذي هو صورة الله غير المنظور" (كولوسي 1: 14، 15).

  • عدد الزيارات: 18843