Skip to main content

الملائكة في حياتنا اليوم

في الأشهر الأولى من الحرب العالمية الثانية كان لقوة طيران بريطانيا الفضل في إنقاذها من الغزو الألماني والهزيمة المنكرة. وفي كتاب للسيدة أديلا روجز سنت جان (St. John Adela Rohers) يرد وصف لناحية غريبة من نواحي تلك المعارك الجوية التي استمرت عدة أسابيع.

وقد استقت السيدة سنت جان معلوماتها من احتفال جرى في بريطانيا بعد انتهاء الحرب العالمية ببضعة أشهر، لتكريم اللورد هيو داودنغ (Ld. Hugh Dowding) قائد سلاح الجو. حضر ذلك الاحتفال الملك ورئيس الوزراء وعشرات من الشخصيات البارزة. وفيه ذكر قائد سلاح الجو قصة صراعه العجيب في المعركة الجوية عندما كان رجاله القليلون لا ينامون إلا نادراً، وطائراتهم تكاد تواصل طيرانها بلا توقف. وذكر قصة طيارين قاموا بمهمة جوية فأصيبوا وتعطلوا أو ماتوا، ومع ذلك ظلت طائراتهم تطير وتحارب. بل في بعض الحوادث خيّل إلى طياري الطائرات الأخرى أنهم شاهدوا شخصاً يواصل السيطرة على طائرة مات طيارها. كيف يمكن تفسير ذلك؟ قال قائد سلاح الجو إنه يعتقد أن ملائكة كانت فعلاً تواصل تسيير طائرات كان طياروها قد ماتوا وهم ي مقاعدهم.

   من جهة، لا نستطيع البرهنة بشكل قاطع على أن الملائكة طيّرت طائرات بعد موت طيّاريها في معركة الدفاع عن بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، لكننا، من جهة أخرى، نعرف من الكتاب المقدس أن الملائكة عملت بعض الأعمال، وهي تستطيع أن تنجز أعمالاً عظيمة- ولاشك أنها فاعلة- فيما يقترب التاريخ من ذروته. والسؤال الهام الذي يخطر ببال كل منا هو: كيف يمكن للملائكة أن يساعدونا في حياتنا الحاضرة، وكيف يكون ذلك؟ كيف يمكنهم مساعدتنا لكي نحرز الانتصار على قوات الشر؟ ما هي علاقتنا الدائمة بهم؟

   نعرف أن الله أوصى ملائكته بالمحافظة علينا وبمعاضدتنا، حتى إننا لا نقدر، دون مساعدتهم، أن ننتصر على الشيطان. قال الرسول بولس: "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أفسس6: 12). فلنر كيف يمكننا الاستعانة بالله فيكلف ملائكته مساعدتنا.

إله هذا الدهر:

  إن لوسيفر، عدونا الأكبر، يسيطر على أداة هي من أقوى أدوات الحرب في الكون كله، إذ يسيطر على الرئاسات والسلاطين والممالك. إن كل أمة ومدنية وقرية والأفراد الذين فيها خاضعون جميعاً لقوة الشيطان الشريرة. وكأنما قد شرع هذا العدو في جمع أمم الأرض لخوض المعركة العظيمة الأخيرة ضد المسيح في هرمجدون. لكن يسوع يؤكد لنا أن الشيطان ما هو إلا عدو مغلوب (يوحنا12: 31÷ 16: 11). وفي تيموثاوس1: 10 يقول بولس إن يسوع المسيح "أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل". كما يصرّح بطرس أن يسوع "قد مضى إلى السماء وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له" (1بطرس3: 22).

هزيمة الشيطان:

  بينما يعتبر الشيطان عدواً مغلوباً من حيث المبدأ، نجد أن الله لم يبعده بعد عن مسرح العالم. لكن الكتاب المقدس يعلمنا أن الله سيستخدم الملائكة للحكم على الشيطان وإزاحته كلياً من الكون. فنقرأ في سفر الرؤيا 12 عن هزيمة الشيطان الأولى: "ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته، ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء، فطرح التنين العظيم، الحية القديمة، المدعو إبليس والشيطان، الذي يضل العالم، طرح إلى الأرض". (الآيات 7-9). وفي رؤيا20: 1- 3 يصف يوحنا كيف أن سلطة الشيطان الحالية على الأرض تصبح مقيّدة وقتياً:

  ورأيت ملاكاً نازلاً من السماء معه مفتاح وسلسلة عظيمة على يده. فقبض عل التنين، الحية القديمة، الذي هو إبليس والشيطان، وقيّده في الهاوية وأغلق عليه وختم عليه، لكي لا يضل الأمم في ما بعد ....

  ثم يقول يوحنا أن الشيطان سيطلق بعد ذلك، فتحدث على الأثر المعركة العظمى الأخيرة، ويطرح الله الشيطانَ في بحيرة النار والكبريت حيث يعذّب إلى الأبد (رؤيا20: 10).

  قد يقول البعض: "جيد الكلام عن اندحار إبليس وهزيمته النهائية في المستقبل، ولكن ما النفع من ذلك الآن وهو لما يغلب، لأني مضطر لمصارعته كل يوم؟" لكن هذه ليست القصة كلها، بل إننا نجد في الكتاب المقدس ما نحتاج معرفته بشكل محدد لكي ننتصر على إبليس.

  مثلاً، يعلمنا الكتاب المقدس أن "لا تعطوا إبليس مكاناً" (أفسس4: 27). وهذا يعني ألا نتيح لإبليس مكاناً فارغاً في قلوبنا يمكنه احتلاله. وقال الرسول بطرس: "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو" (1بطرس5: 8). وهكذا نحن في حاجة لننتبه كل الانتباه. ويضيف بطرس ما يعني أنّ علينا أن ننضم إلى "حركة المقاومة الإلهية": "فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بطرس5: 9). كما يقول يعقوب:"قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يعقوب4: 7).

  حتى هذه الدعوة للسهر والمقاومة تبيّن جزءاً من القضية لا غير. فإننا نستطيع أن ندخل في حسابنا وجود الملائكة الأشدّاء الذين هم أكثر عدداً وأعظم قوة من إبليس وجنده من الأرواح الشريرة. وقد كتب إنكريز ماثر (Increase Mather) وهو مربّ ومؤلف أمريكي بحث في موضوع الملائكة بإسهاب منذ أكثر من قرنين فقال:

للملائكة، الأطهار منهم والأشرار، تأثير في هذا العالم هو أعظم جداً مما يظن الناس بشكل عام. وعلينا، نحن المخلوقات الخاطئة، أن نقدّر أعظم تقدير نعمة الله من نحونا، إذ إنه تعالى عيّن ملائكته القديسين ليحافظوا علينا من أذى الأرواح الشريرة التي تسعى باستمرار لإيقاع الأذى بأجسادنا وأرواحنا.

  سبق أن ذكرنا النبي أليشع عندما كان في دوثان وقد أحاطت بالمدينة أعداد هائلة من جيش العدو. ونحن أيضاً، لو كانت لنا عيون روحية مفتوحة لشاهدنا، كما شهد خادم أليشع، لا أرواحاً وقوى شريرة تملأ العالم وحسب، بل أيضاً ملائكة قوية مستلة السيوف وعلى أهبة الاستعداد للدفاع عنا.

  في دوثان أحاط ألوف الجنود الآراميين بالمدينة وكانوا يطلبون اعتقال أليشع والقضاء عليه. ومع ذلك كان هذا النبي مطمئناً، على نقيض خادمه الذي كان يحتاج لأن تنفتح عيناه. ونحن المؤمنين المسيحيين الخائفين المضطربين القانطين نحتاج اليوم لأن يفتح الله عيوننا.لا ينقصنا النور بل البصر. ولا قيمة للنور لدى الإنسان الأعمى. حتى قراءة الكتب الكثيرة الباحثة في هذا الموضوع لا تكشف لنا عن الملائكة ما لم يلمس الإيمان عيوننا فنراها.

  لسنا في حاجة لإحصاء الأرواح الشريرة التي ضدنا ناسين وجود الملائكة الأطهار. طبعاً إننا نواجه في حربنا آلة حرب ضخمة، لكننا محاطون بجحفل سماوي قوي. ولا حاجة لأن نخاف الحرب- فالمعركة للرب. نستطيع مواجهة الشيطان وجيوشه بشجاعة، ولنا ثقة ذلك القائد الشيخ الذي عندما قال له رجاله أنهم محاصرون من قبل الأعداء من كل ناحية صاح: "عظيم، لا تدعوا أحداً منهم ينجو". فإذا كان واديك مملوءاً بالأعداء فارفع عينيك إلى الجبال وانظر ملائكة الله القديسين يقفون على أهبة الاستعداد لخوض المعركة من أجلك.

  عندما أرسل إبراهيم كبير خدّامه إلى أقربائه وبني عشيرته ليجد بينهم عروساً لإسحاق طمأنه مؤكداً أن الرب "يرسل ملاكه أمامك ... وينجح طريقك" (تكوين24: 7، 40). وقال أشعياء النبي: "في كل ضيقهم تضايق (الرب) وملاك حضرته خلّصهم" (أشعياء63: 9). كذلك وعد الله موسى أنه في وسط كل غضبه يذكر الرحمة "ملاكي يسير أمامك" (خروج23: 23). ويقول الكتاب المقدس أيضاً إننا قد نرى ملائكة يوماً ولا نعرف أنهم ملائكة: "لا تنسوا إضافة الغرباء، لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون" (عبرانيين13: 2). أجل، الملائكة يعملون بنشاط في عالمنا، عالم القرن العشرين، سواء انتبه الناس لوجودهم ونشاطهم أم لم ينتبهوا. فهل ننتبه لوجودهم؟

  كانت ليلة عصيبة في إحدى المدن الصينيّة. فقد أحاط بمجمّع الإرسالية في المدينة عدد كبير من رجال العصابات فيما ازدحم في المجمّع مئات من النساء والأطفال. وكانت المرسلة الآنسة مونسن (Monsen) قد لازمت فراشها في ليلة سابقة بسبب حمى الملاريا التي انتابتها. والآن ضايقها المجرّب بالأسئلة: "ماذا تفعلين إذا دخل الناهبون إلى هنا؟ وتلك الوعود التي كنت ترددينها من الكتاب المقدس على مسامع الناس، ماذا سيحلّ بها عندما يدخل المهاجمون ويبدأ إطلاق النار؟" غير أن الآنسة مونسن صلّت قائلة: "يا رب، كنت طوال هذه السنين أعلّم هؤلاء الشبان والشابات أنّ وعودك صادقة، فإذا خابت هذه الوعود الآن فإني سأقفل فمي إلى الأبد وأعود إلى بلادي".

  بقيت ساهرة طوال الليل وهي تتجول بين اللاجئين الخائفين تشجّعهم وتصلّي معهم واثقة بالله لإنقاذهم. ولكن حدثت أحداث مرعبة في المحيط خارج مجمّع الإرسالية تلك الليلة. وذهب رجال العصابات قبل طلوع النهار ولم يمسّوا مباني الإرسالية بسوء.

  وجاء في الصباح ثلاثة أشخاص من عائلات مختلفة تسكن بجوار مجمّع الإرسالية وسألوا الآنسة مونسن: "من كان أولئك الأربعة الذين قاموا بهدوء بحراسة المبنى من على السطح طوال الليل وكان ثلاثة منهم جالسين والرابع واقفاً؟" أجابتهم أنه لم يكن أي حارس على سطح المبنى. لكنهم لم يصدّقوها وقالوا: "نحن رأيناهم بأعيننا". عندئذ قالت أن الله ما يزال يرسل ملائكته ليحرس أولاده المؤمنين في ساعة الخطر التي يمرون فيها.

  مرّ بنا في هذا الكتاب كيف يعتني الملائكة بالمؤمنين في وقت الحاجة. فقد أتى ملاك بطعام إلى إيليا بعد انتصاره على كهنة البعل. كان النبي قد هرب من وجه الملكة التي أرسلت تهدده بالانتقام. وبعد سفرة متعبة إلى الجنوب، وكان خائفاً منهوك القوى، وجد في تلك البرية شجيرة رتم فجلس تحتها "واضطجع ونام تحت الرتمة، وإذا بملاك قد مسّه وقال قم وكل" (1ملوك19: 5). وقد وعد الله بخصوص الملائكة العتيدين أن يرثوا الخلاص؟" (عبرانيين1: 14)، أفيجوز لنا أن نحسب أن خدمة الملائكة للمؤمنين قد توقّفت منذ ألفي عام ولم يعد لها وجود؟

  عندما كنت أزور كوريا في أثناء الحرب الكورية سمعت قصة عن فئة من مشاة البحرية التابعين للفرقة الأولى من الجيش الأمريكي. انعزلت هذه الفئة في الشمال ولم تتمكن من العودة إلى مركزها. وكان البرد شديداً، إذ هبطت درجة الحرارة إلى 20 درجة تحت الصفر، وأصبح أولئك الجنود مهدّدين بالتجمد والموت. ثمّ نفد منهم الطعام طوال ستة أيام، ولم يبق أمامهم غير الاستسلام للصينيين لكي يبقوا على قيد الحياة. كان بينهم جندي مؤمن راح يشجّع زملاءه ويدعوهم للاعتماد على الله ويذكر لهم آيات من الكتاب المقدس، وقد علّمهم إحدى الترانيم فكانوا يرنمونها مسبحين الرب. وفيما هم يرنمون سمعوا صوت ارتطام، فالتفتوا وإذا خنزير بري يندفع نحوهم. حاولوا الابتعاد عن طريقه لكنه توقّف فجأة. فرفع أحد الجنود بندقيته ليقتله، ولكن قبل إطلاق النار خرّ الخنزير صريعاً إلى الأرض. عندئذ ركض الجنود إليه فذبحوه وقطعوه. وفي تلك الليلة أقاموا وليمة كبيرة وأكلوا لحماً كثيراً واستعادوا قواهم.

  عندما أخذت الشمس تشرق في صباح اليوم التالي سمعوا صوتاً آخر. ظنوا أن إحدى دوريات الصينيين قد اكتشفتهم لكن خوفهم اضمحل إذ رأوا كورياً جنوبياً يتكلم الإنكليزية ويريد مساعدتهم. قال لهم: "اتبعوني فأدلكم على الطريق". قاد ذلك الرجل الكوري أولئك الجنود الأمريكيين عبر الحرش والجبال إلى موقع أمين ضمن منطقة الكوريين الجنوبيين. وعندما تطلّع الجنود ليشكروا الرجل الكوري لم يجدوه.

الملائكة يوم الدين:

  في سياق بحثنا لكيفية الحصول على أفضل عون ممكن من الملائكة في حياتنا هذه الأيام، نحتاج لأن نراجع باهتمام مسألة علاقة الملائكة بالقضاء الإلهي.

  قبل أن أمطر الله سدوم بنار وكبريت جزاء خطاياها قال الملاك: "لأننا مهلكان هذا المكان ... فأرسلنا الرب لنهلكه" (تكوين19: 13).

  وتقول كلمة الله في دانيال7: 0 "نهر نار جرى وخرج من قدامه ... فجلس الدّين وفتحت الأسفار". ونقرأ في عشرات المواضع من الكتاب المقدس أن الله سيستخدم الملائكة ليجري أحكامه في الأرض على جميع الذين رفضوا إطاعة إرادته ولم يقبلوا المسيح مخلّصاً لهم ورباً على حياتهم. فقد قال الرب يسوع: "يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم. ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" (متىغ3: 41و 42). وقال أيضاً: "ولكن أقول لكم إن صور وصيداء تكون لهما حالة أكثر احتمالاً يوم الدين" (متى11: 22). وأيضاً: "إن كل كلمة بطّالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين" (متى12: 36). "فليس مكتوم لن يستعلن ولا خفي لن يعرف" (لوقا12: 2).

  لا يكتفي الله بتدوين أقوالنا وأعمالنا علينا بل أيضاً أفكارنا ونوايا قلوبنا. ولسوف يأتي يوم فيه يقف كل إنسان لتأدية الحساب. ومنذ الآن يتقرّر المصير النهائي على أساس موقفنا من يسوع: هل قبلناه أم رفضناه؟ أما المؤمنون المتضايقون الآن فإياهم سيجازي الله "راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته في نار لهيب، معطياً نقمة للذين لا يعرفون الله والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح" (2تسالونيكي1: 7 و 8).

  يقتضي العدل تصفية الحسابات في حياة الناس، وهذا لا يتم إذا لم تكن هناك دينونة أو محاسبة أخيرة. والقوانين تمسي بلا قيمة إذا لم يصحبها عقاب واقتصاص من الذين يخالفونها. كما أن المنطق، على الأقل، يستنتج أنه لا بد من وقت يستدعي الله فيه طغاة العالم وسفّاحيه لتأدية الحساب. وإلا فلا يكون عدل في الكون.

  إن ألوفاً من الأشرار الذين عاشوا حياة شر وفسق، وابتلوا العالم حولهم بسوء أعمالهم، مضوا من هذه الحياة وكأنهم نجوا من الحساب ولم يعاقبوا على ما اقترفوا من شرور. لكن الكتاب المقدس يقول أنه سيجيء وقت يدان فيه الناس أمام العرش العظيم الأبيض (رؤيا20: 11- 15). في ذلك اليوم العظيم، يوم دينونة الله، قد يطلب الناس منه الرحمة، لكن فرصة الرحمة تكون آنذاك قد مضت، في ذلك اليوم يطلب الناس الله لكنهم لا يجدونه. إن يوم الدينونة يوم حساب لا يوم رحمة. وقد يصرخ الناس آنذاك مستنجدين بالملائكة لإنقاذهم، ولكن دون جدوى.

الملائكة يفرحون بخلاص الخطاة:

  بينما يقوم الملائكة بدور هام في تنفيذ دينونة الله وإنزال عقابه بأولئك الذين يرفضون يسوع المسيح مخلّصاً لهم وربّاً، يخبرنا الكتاب المقدس أن الملائكة أيضاً يفرحون بخلاص الخطاة.

  سرد الرب يسوع قصتين مؤثرتين وردتا في لوقا15. في القصة الأولى كان لرجل مئة خروف يرعاها ويعتني بها. ويوماً ضلّ أحد الخراف، فترك الرعي خرافه التسعة والتسعين في البرية وراح يبحث عن الخروف الضال حتى وجده، فحمله على منكبيه وعاد به إلى باقي الخراف. وعندا عاد بخرافه جميعاً إلى الحظيرة دعا كل أصدقائه قائلاً لهم: "افرحوا معي لأني وجدت خروفي الضال" (لوقا15: 6). وقال يسوع أيضاً: "أقول لكم إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة" (لوقا15: 7).

  وفي القصة الثانية أضاعت امرأة درهماً فضياً ثميناً. بحثت عنه، وكنست البيت بعناية، وأخيراً وجدته. فدعت صديقاتها وجاراتها وقالت: "افرحن معي لأني وجدت الدرهم الذي أضعته" (لوقا15: 9). وأضاف يسوع: "هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب" (لوقا15: 10).

  ألا نفهم من هاتين القصتين أن يسوع يقصد أن ملائكة السماء تراقب بعيونها كل شخص؟ يعرف الملائكة الحالة الروحية لكل شخص على وجه الأرض. حقاً إن الله يحبك ويجعل الملائكة تعنى بأمرك. وهم يتوقون لرؤيتك تتوب وترجع إلى المسيح فتؤمن به وتعتمد عليه فتخلص قبل فوات الأوان. الملائكة يعرفون الأخطار الرهيبة الكائنة في جهنم والتي تهدد كل إنسان. ولذا يريدون لك أن تتجه نحو السماء، لكنّهم يعرفون أيضاً أن ذلك قرار لا بد لك من اتخاذه وحدك وبملء حريتك.

  سمع شاب غني ذو مركز عظيم بيسوع، فجاء إليه راكضاً وقال له: "أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟" (مرقس10: 17).

  وعندما فرغ بطرس من إلقاء عظته العظيمة يوم الخمسين يقول لوقا (في أعمال الرسل2: 37) إن الذين سمعوا "نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ... ماذا نصنع؟".

  والوزير الحبشي الذي كان يسير بمركبته عبر الصحراء تكلم شخصياً مع فيلبس المبشّر. وفجأة أوقف الوزير المركبة وقال لفيلبس: "هوذا ماء، ماذا يمنع أن أعتمد؟" (أعمال8: 36).

  وفي نصف الليل آمن سجّان مدينة فيلبي وسأل بولس وسيلا "يا سيدي، ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" (أعمال16: 30).

  وإنسان العصر الحاضر يظل يسأل هذا السؤال نفسه: ماذا أصنع؟ إنه سؤال قديم لكنه يبقى جديداً، إذ يلائم الإنسان ويعبّر عن حاجته اليوم كما كان في الماضي البعيد.

  ماذا عليك أن تفعل بالضبط لتجعل الملائكة يفرحون؟ كيف تتصالح مع الله؟ كيف تتوب عن الخطية؟ سؤال بسيط يحتاج إلى جواب بسيط. فإن يسوع عمل كل شيء في شكل بسيط، إنما نحن الذين عقدنا الأشياء. إذ طالما خاطب يسوع الجماهير بعبارات قصيرة مستخدماً كلمات بسيطة من لغة الناس اليومية، مدعّماً رسالته بأمثال لا يمكن أن تنسى، فقدّم للناس رسالة الله في شكل بسيط أدهش سامعيه، حتى كانوا لا يكادون يصدقون ما تسمع آذانهم لبساطة ما كانوا يسمعون.

  جاء في سفر أعمال الرسل أن سجّان فيلبي سأل الرسول بولس "ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" وكانت إجابة بولس بسيطة جداً: "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص" (أعمال16: 30 و 31). هذه العبارة بسيطة إلى حد أن ملايين من الناس يعثرون بها ولا يفهمونها. فالطريقة الوحيدة التي تخلص بها هي أن تؤمن بالرب يسوع المسيح ربّاً وتتخذه مخلّصاً شخصياً لك. لا حاجة لك بأن تصلح من حياتك أولاً. ولا لزوم لأن تحاول أن تترك عادة معينة قبل أن تؤمن. ولعلّك حاولت هذا من قبل وفشلت مراراً، لكن الآن تعال كما أنت. لقد جاء الأعمى، كما كان، إلى يسوع. وكذلك جاء الأبرص كما كان، وكذلك اللص الذي صلب مع يسوع، تاب وطلب إلى يسوع أن يذكره في ملكوته، وقد أقبل إلى المسيح كما كان ولم يكن لديه مجال ليغيّر من وضعه شيئاً. وأنت، تعال إلى يسوع الآن. أينما كنت، ومثلما أنت وملائكة السماء تفرح بك.

  من أعظم الكلمات المدونة في الكتاب المقدس وأثمنها ما قاله الشيطان نفسه (مع أنه لم يقصد أن يكون في قوله نفع لنا). ففي حديثه مع الله عن أيوب قال: "أليس أنك سيّجت حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية؟ باركت أعمال يديه فانتشرت مواشيه في الأرض؟" (أيوب1: 10).

  أتطلّع إلى ماضي حياتي فأتذكر اللحظة التي أقبلت فيها إلى المسيح وقبلته مخلّصاً لي وربّاً. الملائكة فرحت. منذ ذلك الحين دخلت في ألوف المعارك مع إبليس وأرواحه الشريرة. وما دمت قد تبت إلى الله مؤمناً وسلّمت إرادتي ونفسي كلياً للمسيح- وقد صلّيت وآمنت- فإني واثق بأن الله "سيّج حولي" بسياج من الملائكة للمحافظة عليّ.

  جاء في الكتاب المقدس "للولادة وقت وللموت وقت". فإذا جاءت الساعة لأموت، سيكون معي ملاك ليعزّيني. سيعطيني سلاماً وفرحاً حتى في تلك الساعة الحرجة، ويصحبني إلى محضر الله حيث البهجة الحقيقية والسعادة الأبدية.

شكراً لله لأجل خدمة ملائكته الأطهار.

  • عدد الزيارات: 5446