Skip to main content

الله يرسل الملائكة لخدمتنا

يؤدي الملائكة خدمات شخصية للبشر. وفي الكتاب المقدس حوادث كثيرة تثبت أننا نحن المؤمنين المسيحيين أصبحنا موضع اهتمام الملائكة اهتماما فرديا.

"والملاك هو مخلوق روحي خلقه الله بلا جسد لخدمة كنيسته وأولاده" كما يقول مارتن لوثر.

كثيرا جدا ما لا نشعر بحضور الملائكة. فنحن لا نقدر أن نتكهن ونعرف متى يظهرون. ولكن قيل أن الملائكة جيران لنا يظلون قريبين منا، ويرافقوننا كثيرا مع أننا لا نحس بوجودهم. وما نعرفه عن خدمتهم المستمرة إنما هو قليل. ولكن الكتاب المقدس يؤكد لنا أن الغشاوة ستنقشع عن عيوننا يوما، وإذ ذاك نعرف إلى أي مدى كان الملائكة يعتنون بنا ونحن لا نعلم (1 كورنثوس 11:13 و12).

يجتاز كثيرون من شعب الله اختبارات تؤكد أن الملائكة خدمتهم وساعدتهم. وبعضهم كانوا يواجهون ضيقا ثم انفرج الضيق وهم لا يدرون أن الملائكة ساعدتهم، مع أن افتقاد الملائكة لهم حقيقة ثابتة. فالكتاب المقدس يفيدنا أن الله أمر ملائكته بالسهر على سلامة شعبه - المؤمنين اللذين افتداهم المسيح بدمه المسفوك عنهم.

دانيال والملائكة

وصف دانيال في العهد القديم وصفا حيا ذلك الصراع الدائر بين قوات ملائكة الله وقوات الظلمة. فقد جاء الملاك إلى دانيال بعدما كان هذا النبيّ قد أمضى ثلاثة أسابيع نائحا (دانيال 3:10) ولم يأكل طعاما شهيا ولا دخل فمه لحم أو خمر، ولا تعطر بالطيب حتى تمام ثلاثة أسابيع. وبينما كان يقف عند نهر دجلة إذ تراءى له إنسان يلبس كتاناً. كان وجه ذلك الإنسان لامعا كالبرق, “وعيناه كمصباحي نار ... وصوت كلامه كصوت جمهور". دانيال وحده رأى هذه الرؤيا, أما الرجال الذين كانوا معه فلم يروا شيئا, لكنهم ارتعدوا ارتعادا عظيما وهربوا ليختبئوا. وقد بقي دانيال وحده مع ذلك الزائر السماوي, فانهارت قواه, وكان لوجود تلك الشخصية السماوية وقع عنيف عليه.

وقع دانيال في سبات عميق لكنه ظل يسمع صوت الملاك. ثم لمسته يد وأقامته, وراح الملاك يخبر دانيال بما حدث له في مجيئه إليه. فمنذ اليوم الأول الذي فيه ابتدأ دانيال بالصلاة أرسل له ذلك الملاك, ولكن رئيسا من رؤساء الشياطين اعترضه وقاومه فأعاقه. ثم جاء ميخائيل لمؤازرة الملاك, فتيسر له المضي قدما لتبليغ دانيال الرسالة. فقد كان ذلك الملاك مكلفا أن ينقل إلى دانيال رسالة إلهية فيطلعه على ما سيحدث في العالم من أحداث– وخصوصا ما سيحدث لبني إسرائيل في الأيام الأخيرة. وقد أحس دانيال بضعف شديد, وكان عاجزا عن الكلام فمس الملاك شفتيه وأعاد إليه قوته, ثم بلغه الرسالة. وبعد هذا أخبره أنه سيرجع ويحارب ذلك الشيطان الذي دعاه "رئيس فارس", وهكذا يستأنف الصراع الناشب بين قوات الخير وقوات الشر.

إن دانيال في هذا الحادث لم يكن واهما أو حالما, بل كان اختباره حقيقيا مع شخص حقيقي, وما كان أحد ليستطيع أن يقنع دانيال بأن ما جرى كان غير ذلك.

صلّى دانيال إلى الله من أجل بني إسرائيل, واستمر بالصلاة وهو صائم ثلاث أسابيع. عندئذ جاءت رسالة السماء على يد رسول ملائكي أخبره بأن صلاته قبلت. نفهم من هذا الحادث أن التأخير لا يعني الرفض, وأنه لا بد أن نواجه في حياتنا صعابا يسمح الله بأن نواجهها.

قوّات خفية ناشطة

في أثناء أزمات عالمية متعددة أتيح لي التحدث مع بعض رؤساء الدول أو وزراء الخارجية فيها. أذكر أنّي تحدثت مع دين ريسك (DenRusk), وزير خارجية أميركا, مباشرة بعد نشوب حرب سنة 1967 في الشرق الأوسط. وكان وزير الخارجية المذكور يزور مدينتنا مونتريت (Montrat) في ولاية كارولينا الشمالية, وقد دعاني إلى ذلك اللقاء وأذكر في حديثي معه أنّي قلت تعليقا على تلك الحرب: "يحس المرء كأن قوات فائقة للطبيعة تتدخل في تلك الحرب."

والتقيت ذات مساء وزير الخارجية كيسنجر (Kissinger) في أثناء رئاسة فورد, وكان يقوم بمهمة خارج أمريكا. في ذلك اللقاء أوجز لي الوزير بعض المشاكل الضخمة التي تواجه العالم. فقلت له أني أعتقد أن العالم يعاني ويلات حرب روحية غير منظورة تشن فيها قوات الظلمة هجومها على قوات الله. وبينما كنا نستعرض الأحداث العنيفة التي جرت في العقد الأخير, ازددت اقتناعا بأن نشاط قوات الشر غير منظورة في تزايد وتعاظم. صدق ذلك المحرر التلفزيوني الذي قال لي إذ كنت أزوره في مكتبه:" العالم قد أفلت من عقاله ". وفي حين يبدو لبعضه أن هذه الحرب الروحية الناشبة في الخفاء غير معقولة, فإن الكتاب المقدس يؤكد حقيقة نشوبها.

حسنا فعل الدكتور أرنو غيبالين Arno C. Gaebelein)), وهو أحد علماء الكتاب المقدس, إذ سمى هذه الحرب الخفية "صراع الدهور". فهي حرب لا تقف عند حد, وستظل نارها تستعر إلى أن يجيء يسوع المسيح مجيئه الثاني إلى الأرض. من أجل ذلك يفتش العالم عن "قائد". وإن "ضد المسيح", أو "الدجال" كما يسميه بعضهم, والذي يعتبر صنيعة الشيطان, سيظهر يوما على المسرح ويبقى فترة قصيرة, يظن الناس خلالها أنهم وجدوا أخيرا القائد المرتقب. ولكن لن تمر أشهر قليلة حتى يعود العالم إلى ما كان عليه من فوضى وصراع. وسيتبين أن القائد لم يكن إلا دجالا" وأكذوبة كبيرة" (2سلونيكي3:2 -10). ثم ينزل إلى الأرض, بمشهد من الجميع, ذلك (الرئيس) الحقيقي الذي اختاره الله ومسحه وعينه قبل الدهور, وينزل معه ملائكته القديسون. إنه هو الذي سيغلب الشيطان وأجناده من ا؟لأرواح النجسة ويطرحهم جميعهم في بحيرة النار وذلك عند انتهاء الدهر. فليطمئن كل مؤمن إذا ما دام الصراع قائم سينتهي حسب مقصد الله, إذ ينتصر البر على الشر في آخر الأمر.

اختبار يعقوب

نجد في اختبار يعقوب مع الملائكة مثالا رائعا للخدمة التي يقدمونها للناس بتكليف من الله. كان يعقوب من بعض النواحي خداعا. فقد اختلس من أخيه حق البكورية، وكذب على أبيه إسحق وخدعه إذ كان أبوه فاقدا للبصر. ثم هرب من وجه أخيه عيسو إذ كان هذا يعدّ العدّة لقتله. هرب إلى خاله لابان حيث تزوج بابنته. وعندما لم يعد يلقى لطفا وبشاشة من لابان وأولاده اخذ عائلته وماشيته وقفل إلى أرض كنعان.

كان الله مهتما بيعقوب، رغم أخطائه وأساليبه الخداعة، لأنه كان وليد الوعي الإلهي؛ وقد رزق اثني عشر ولدا، أصبحوا فيما بعد آباء أسباط بني إسرائيل. وجاء في الكتاب المقدس أن يعقوب، وهو عائد إلى أرض كنعان، "لاقاه ملائكة الله". كان لذلك وقع عنيف في نفس يعقوب، فقال لما رأى الملائكة "هذا جيش الله" (تكوين 1:32 و2)، ودعا اسم ذلك المكان "مناحيم" وتعني "مُعَسكرَين". أعبثاً دعا يعقوب الملائكة "جيش الله"؟ لم ينسى أنه خدع أخاه عيسو في الماضي، وها هو الآن يخشى مواجهته. فلم يكن يعرف كيف سيلقاه أخوه: أيرحب به أم يقتله؟ لذلك صلّى في وسط ضيقه معترفا بأنه غير مستحق لشيء من رحمة الله ولطفه وأمانته، وطالبا أن ينقذه الله من يد عيسو.

ثم جاءت الليلة التي سبقت لقاء الأخوين، حيث وجد يعقوب نفسه وحيدا، إذ سبق فأرسل عائلته وخدامه ومواشيه عبر النهر إلى الجنوب. وظهر له إنسان في الظلام فتصارع معه حتى طلوع الفجر. وقد ضربه الرجل على حُقِّ فخذه، "فانخلع حق فخذ يعقوب" هنا أدرك يعقوب أنه يتصارع مع شخص سماوي، وتمسك به وطلب إليه أن يباركه. وإذ قال للشخص السماويّ أن اسمه يعقوب، أجابه ذلك: "لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت". وعندما سأل يعقوب ذلك الشخص عن اسمه رفض أن يجيبه، واكتفى بأن باركه قبل مفارقته له. ودعا يعقوب اسم ذلك المكان (فنيئيل)، والكلمة تعني "وجه الله"، لأنه قال "نظرت الله وجها لوجه ونُجِّيَت نفسي" (تكوين 24:32 – 30).

يرجّح أن الذي صارع يعقوب كان المسيح في ظهور له في هيئة بشرية قبل تجسده. في بداية القصة وجد يعقوب نفسه محاطا بجمهور من الملائكة. وفي كلا الحادثين أعلن الله إرادته من جهة حياة يعقوب بشكل أتم من ذي قبل، ووعد بأنه سيجعله أميرا. وهذا شجع يعقوب فخرج في اليوم التالي للقاء عيسو بثقة واطمئنان. وتكلم النبي هوشع بعد هذا الحادث بعدة قرون فقال إن إله السماء هو الذي ظهر ليعقوب بشخصية ملاك وصارعه وباركه (هوشع 3:12 – 6).

مقابلة موسى لملاك الرب

يعتبر إبراهيم وموسى أعظم شخصيتين بين شخصيات العهد القديم. وقد ظهر لهما الملائكة في مناسبات هامّة. مرّ بنا أن ملائكة جاءوا إلى إبراهيم وبشّروه بأنه سيولد له ابن, وأطلعوه على ما كان سيحل بسدوم وعمورة من دمار وخراب. فتأمل الآن في اختبار موسى أمام العلقة المشتعلة (خروج 3).

أن خلفية هذه الحادثة ذات أهمية. لقد نشأ موسى وتربى في مصر, حيث أمضى أربعين سنة من عمره في قصر فرعون في عزّ وأبهة. وكان يتكلم لغة المصريين ويعرف عاداتهم وقوانينهم. عاش حياة البذخ, واحتل مكانة رفيعة في المجتمع. ثم إذ زلت به القدم فقتل رجلا مصريا, ترك مصر وهرب ليقيم في الصحراء. وهنالك أمضى أربعين سنة أخرى راعيا للغنم متثقفا في "جامعة البرية ". وفيما لا يذكر الكتاب المقدس الشيء الكثير عن حياة موسى في هذه الفترة, فكل ما نعرفه أن أوضاع موسى تغيرت كثيرا. فقد انتقل من قصر ملك مصر إلى مراعي الغنم البرية , حيث تجردّ,في حياته الجديدة, من كل مركز اجتماعي. فقد أمسى فردا وحيدا منبوذا, على خلاف حياته السابقة في مصر. وهكذا عمل الله أربعين سنة في حياة موسى في البرية ليعده للقيام بالمهمة التي أعدها له. فلما صار موسى في الثمانين من عمره, أي في سن التوقف عن العمل اليوم, أصبح مستعدا لقبول دعوة الله.

وحدث ذات يوم أن موسى, وهو يقوم برعاية المواشي كالمعتاد, رأى عليقة تشتعل بالنار, وتعجب أن النار لا تحرق العليقة . بل “ظهر له ملاك الله بلهيب نار من وسط عليقة". ليس لدينا ما يدل على أن موسى رأى أي ملاك قبل ذلك الحادث. ولذلك كان ذلك الاختبار أمراً فوق العادة بالنسبة لموسى. وقد رأى أولا ما لفت نظره وأثار اهتمامه. بعد ذلك الله نفسه من وسط العليقة.

تأثر موسى تأثرا عميقا. وطلب منه الله أن يخلع نعليه من رجليه لأن الأرض التي كان يقف عليها مقدسة. ثم أعلن له أنه إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. ذعر موسى مما سمعه. وغطا وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله. ثم كشف له الله عن خطته لإخراج بني إسرائيل من عبوديتهم في مصر, وأعلم أنه عينه قائدا لتنفيذ تلك الخطة. وعندما سأله موسى عن اسمه قال الله: تقول لبني إسرائيل أهيه } أنا الكائن { أرسلني إليكم.

لم تأخذ موسى الحماسة عندما دعاه الله ليذهب ويخرج بني إسرائيل من مصر, بل راح ينتحل الأعذار ويورد الأسباب الداعية لإعفائه من تلك المهمة. قال أولا أن الشعب لن يصدقوه, لذلك لا أمل في أن يقبلوه قائدا لهم. فقال له الله: "ما هذه في يديك؟ “فأجاب موسى "عصا ". قال له الله:"اطرحها إلى الأرض ".فطرحها موسى فصارت حية. ولكن عندما امسك بها عادت عصا. ثم أمر الله موسى فوضع يده في عبه ثم أخرجها, وإذا هي برصاء مثل الثلج. وعندما أعادها إلى عبه ثم أخرجها ذهب برصها وعادت صحيحة. وطلب الله من موسى أن يصنع هاتين الآيتين أولا أمام الشعب ليعرف أنه هو تعالى الذي أرسله.

لكن موسى عاد فقدم عذرا أخر. قال انه يعجز عن الكلام ولسانه ثقيل. قد يكون ذلك بسبب عزلته الصامتة في الصحراء طوال أربعين عاما. ولم يقبل الله هذا العذر, بل اعلمه أنه سيرسل معه هارون أخاه فيكون له فما. وهكذا ترك موسى الصحراء ونزل إلى مصر ليبدأ عملية إنقاذ الشعب لكن حادثة العليقة المشتعلة ذات أهمية بالنسبة إلى بحثنا, لأنها تتعلق على نحو وثيق بملاك الرب الذي ظهر في العليقة. من هذه الحادثة نستنتج أن الله استخدم ملاكاً (أو ظهر هو نفسه في هيئة ملاك), وذلك لكي يكشف للناس عن مراده ويبلغهم ما عزم عليه.

ثم أن حضور الملائكة ثم أن حضور الملائكة أصبح جزء من "اختبار الخروج ",لذا جاء في سفر العدد : "فصرخنا إلى الرب فسمع صوتنا وأرسل ملاكاً وأخرجنا من مصر “(16:20). ويقول أشعياء: "في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم. بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة" (9:63).وليس ما يمنع أن يكون بعض هذه الحوادث في حقيقته ظهورا للمسيح يسوع, أحد أقانيم اللاهوت الثلاثة , في هيئة ملاك . وهذا ما نظنه. وفي هذا الحال يؤكد قول الوحي: "يسوع المسيح هوهو أمسا واليوم وللأبد" (عبرانيين 8:13)

سرّ الملائكة

إذاً كما أن الرب يسوع حاضر معنا الآن بواسطة الروح القدس, معلنا ذاته وإرادته, هكذا كان أيضا مع شعب الله في العصور الماضية, وهكذا سيظل على مدى الأزمنة, بوصفه ملاك حضرة الله الذي يقودنا ويهدينا. فالله الآب يعلن حضوره, عن طريق الملائكة, للذين آمنوا في الأزمنة القديمة. وعن طريق "ملاك الرب" الذي هو الله الابن, يسوع المسيح, أعلن نفسه, وفدانا بصلب الإبن وموته وقيامته. هنا سرّ أعمق من أن نسبر غوره ونبلغ منتهاه تماما.

دعا علماء اليهود ملاك الرب "ميتاترون", أي "ملاك المُحيَّا", لأنه يشاهد وجه الله باستمرار, لذلك يعمل لإيصال برنامج الله إلى كل منا.

لقد وافانا الإعلان الكامل في شخص الرب يسوع المسيح, إذ ظهر الله الابن في الجسد, فلم تعد ثمة حاجة لأن يعلن الله نفسه بهيئة ملاك الرب في عصر النعمة الحاضر. وعلى هذا, فإن الملائكة الذين ظهروا في فترة العهد الجديد – أو قد يظهرون في أيامنا هذه – ليسوا إلا "أرواحا مخلوقة". وليس أي منهم هو الله في شكل ملاك, كما كان يظهر في العهد القديم من حين إلى آخر. فإن ظهور الله الابن في شكل مرئي بهيئة جسميّة, كما كان يحدث في العهد القديم, هو ظهور لم تعد حاجة له في العهد الجديد, ما دام الابن نفسه قد تجسد. وإذا تأملنا في حضور الملائكة في العهد الجديد بعدما أرسل الله أبنه في الجسد بالولادة في بيت لحم, وجدنا أن عمل الملائكة صار منحصرا في إيصال رسالة الله والمساعدة على تثبيت رسالة إنجيل المسيح. ولكن ظهور الملائكة ما كان قطٌّ للإتيان بما يحل محل الإنجيل أو يناقضه أو ينتقص منه.

الملائكة أرواح خادمة

في الواقع أن الله استخدم الناس والملائكة جميعا ليعلن رسالته لأولئك الذين نالوا الخلاص بنعمته. "أليس جميعهم (أي الملائكة) أرواحا خادمة مرسلة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص؟" (عبرانين 14:1). ويا له من شرف عظيم أن يعرفنا الملائكة بأسمائنا بسبب شهادتنا الأمينة التي نشهد بها للآخرين. والملائكة يشاركوننا في فرحنا بالذين يتوبون (لوقا 10:15) مع أنهم أنفسهم يعجزون عن توضيح رسالة الإنجيل.

نذكر في هذا المجال المبشر الذي استخدمه الله في الكرازة بالإنجيل,فكان وسيلة خير. فقد ظهر له ملاك وقال له أن يذهب إلى البرية لحدوث نهضة روحية في السامرة (أعمال 26:8) وهناك, بتدبير إلهي, التقى رجلا حبشيا, وكلّمه بكلمة الحق فقبلها ونال الخلاص.

وكذلك اختبر يوحنا أيضا خدمة الملائكة عندما كان منفيا في جزيرة بطمس ويتطلع في حيرة إلى البحر البعيد الخالي. ولقد كان يعجب كيف انتهى به الأمر إلى تلك العزلة حيث السماء أقرب إلى الإنسان من البشر. وظهر له ملاك الرؤيا فأطلعه على الرسالة التي يتكون منها سفر الرؤيا بما يتضمن من نبوات عن وقت النهاية (رؤيا 1:1 -3).

كان ملاك آخر قد ظهر وقدّم خدمة مشابهة في حادثة جرت في حياة دانيال. 999ففي الفصل الخامس من سفر دانيال ذكرت وليمة عظيمة صنعها بيلشاصّر في بابل. وكان القصد الظاهر من تلك الوليمة إظهار مجد المملكة. غير أن بيلشاصر استغلها لإظهار عظمته الشخصية. وقد اشترك في تلك الوليمة ألوف من أعظم أشراف مملكته. وحدث في تلك الوليمة أن المحتفلين دنّسوا الآنية المقدسة التي كان البابليون قد أتوا بها من هيكل أورشليم لدى خراب الهيكل والمدينة معا, وقد استخدم المحتفلون الآنية في أكلهم وشربهم وهم يسبّحون آلهتهم, آلهة الخشب والحجر والفضة والذهب. لقد تمجد وتعظم اله المادة في وليمة بيلشاصر. وفجأة ظهرت أصابع يد إنسان وراحت تكتب على الحائط كلمات دينونة الله وحكمه الذي أصدر على بابل. كانت تلك الكلمات "منا, منا, تقيل وفرسين", وكانت تعني “وزنت بالموازين فوجدت ناقصا ... قُسمت مملكتك وأعطيت لمادي وفارس" (25:5 -28). كان ذلك أحد ملائكة الله وقد أرسل فأعلن دينونة الله الوشيكة الوقوع. ولقد أحصى الله أيام الملك بيلشاصر وأدنى نهايته.

وفيما بعد صلّى دانيال من أجل الشعب. وبينما هو يصلّي جاء الملاك جبرائيل. ويقول دانيال عن ذلك: "... إذا بالرجل جبرائيل... لمسني... وفهّمني وتكلم معي وقال يا دانيال إني خرجت الآن لأعلّمك الفهم... فتأمل الكلام وافهم الرؤيا" (دانيال 21:9 – 23). فقد استجاب الله لدانيال صلاته فأراه منظرا شاملا لمستقبل الجنس البشري. وفي اعتقادي أن العالم الآن يكاد يبلغ قمة تلك الرؤى العظيمة التي أراها الله لدانيال.

نحس أن الوضع الذي كان سائدا في زمن بيلشاصر يكاد يكون معاصرا لأوضاعنا. إنّ تلك الأيام والأحوال لا تختلف كثيرا عما نشاهده ونسمع به في أيامنا. بل ربما كان الله الآن يكتب كلمات الدينونة الوشيكة الوقوع فيما نرى من أزمات في أيامنا هذه أنه يعلن للناس في كل مكان أنهم إذا كانوا لا يتوبون عن خطاياهم, فأيامهم كأيام بيلشاصر باتت معدودة, وأجلهم قارب نهايته.

ونود في ختام هذا الفصل المتعلق بخدمة الملائكة الشخصية أن نذكر حوادث أخرى استخدم الله فيها الملائكة ليعلن خطته للناس.

الملاك جبرائيل

في بداية العهد الجديد كان زكريا الكاهن يقوم بعمله في الهيكل, فظهر له ملاك من الرب وأعلن له أنه سيولد له ابن يسميه يوحنا. وأن ابنه ذاك سيهيئ الطريق أمام المسيح الموعود. ذلك الملاك الذي بشّر زكريا كان جبرائيل, رسول الوعد الإلهي, وقد شجّع زكريا ليؤمن بالمعجزة التي كان يوحنا ابنه سيولد بفضلها.

وظهر جبرائيل بعد ذلك لمريم العذراء. فأعلن لها الخطة الإلهية القاضية بالتجسد, إذ ستحبل بمعجزة إلهية فيتصور ابن الله يسوع المسيح, في أحشائها بقوة الروح القدس. سألت مريم الملاك أسئلة عديدة, وكان جواب الملاك: "الروح القدس يحلّ عليك وقوة العليّ تظللك, فلذلك أيضا القدّوس المولود منك يدعى ابن الله" (لوقا 35:1). فجبرائيل, الملاك الخاص بالخدمة والإعلان, بلغ مريم هذه الرسالة, ثمّ إنه – هو أو سواه من الملائكة أكد ليوسف, خطيب مريم العذراء, أن عليه ألّا يتخلى عن خطيبته بل ينجز الخطبة ويتمم مراسيم الزواج دون تردد, "لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس" (متى 20:1). وقال ليوسف أيضا إن خطة الله تقضي بأن يسوع المولود "يخلص شعبه من خطاياهم “(متى21:1).

إن الملائكة المختصّين بتبليغ إعلانات الله للبشر كانوا عبر الأجيال المتباعدة يحملون بكل أمانة رسالة الله ومشيئته في أوقات الضيق واليأس والألم. فأولئك الرسل السماويون, خدام الله, الواقفون دوماً أمامه لتلقي أوامره, كم ساعدوا من القديس متضايق وأنقذوه, وكم آزروا من مؤمن حائر وشجعوه. فتبدلت الأحوال وذهب اليأس وحل الرجاء. فطالما حمل الملائكة رسالة الله المفعمة برضاه, فسدّوا حاجات شعبه المادية والعاطفية والروحية. حتى غدا في وسع المؤمن أن يقول: "جاء إليّ ملاك الرب".

  • عدد الزيارات: 10490