Skip to main content

هل الملائكة هم وكلاء الله السريون؟

وُلدت زوجتي وتربّت في الصين، وهي ما تزال تذكر أن النمور الشرسة كانت تعيش في جبال الصين في تلك السنين.

وتذكر أن امرأة خرجت يوماً إلى سفح تلة لتجمع العشب الأخضر. كانت تحمل طفلاً رضيعاً في ثوب على ظهرها وتقود صبياً آخر بيدها. أما يدها الأخرى فكان بها منجل حاد لقطع العشب. وما إن وصلت المرأة رأس تلة، حتى سمعت زمجرة عالية. فالتفتت وهي مذعورة ورأت نمرة تهجم عليها ووراءها اثنان من جرائها. كانت تلك المرأة صينية أميّة لا تعرف القراءة، وما دخلت كنيسة قط. إنها لم ترَ كتاباً مقدساً كل حياتها، لكنها قبل ذلك بحوالي سنتين التقت مبشّراً أخبرها عن يسوع وقال عنه أنه "يقدر أن يساعدك عندما تقعين في ضيق". وبينما أنشبت النمرة مخالبها في ذراع المرأة وكتفها، صرخت هذه من كل قلبها: "يا يسوع ساعدني". فما كان من النمرة الشرسة إلا أن تراجعت فجأة وفرّت هاربة. تُرى، ما الذي جعل تلك النمرة تنثني عن مواصلة هجومها وافتراس المرأة؟

يقول الكتاب المقدس: "لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك" (مزمور 91: 11). هل أرسل الله ملاكاً هذه المرأة الصينية البسيطة الفقيرة؟ هل هناك كائنات خارقة للطبيعة تستطيع هذه الأيام أن تتدخل في شؤون الأفراد والأمم؟

ألا يحدث أحياناً كثيرة أن تتدخل العناية الإلهية لإنقاذ إنسان يبدو موته محققاً فتنقلب الأمور رأساً على عقب؟ فماذا يمنع أن يكون الله أرسل ملاكاً لإجراء الإنقاذ في اللحظة الحرجة؟

عونٌ من الملائكة:

أوى أحد أطباء ولاية فيلادلفيا الأمريكية إلى فراشه ليلاً بعد أن تعب كثيراً في أثناء النهار. وفجأة أفاق إذ سمع قرعاً على الباب. فقام وفتح، فوجد بنتاً صغيرة ترتدي معطفاً رثاً وعلى وجهها علامات الاضطراب. قالت البنت الصغيرة إن أمها مريضة جداً، وطلبت إليه أن يجيء ليراها. كانت تلك ليلة باردة يتساقط فيها الثلج، ولكن هذا الطبيب المُنهك لم يستطع إلا أن يلبي طلب الصغيرة. فارتدى ملابسه وخرج يتبعها.

وجد الطبيب الأم مريضة بذات الرئة (نيمونيا). فقام بإسعافها وعمل ما لزم لمعالجتها. وبعد ذلك ذكر للأم إعجابه بذكاء ابنتها الصغيرة واهتمامها وشجاعتها. إذ ذهبت إليه ليلاً وأصرت على مجيئه لمعالجة أمها. فتعجبت الأم مما سمعت، وقالت وهي تنظر إلى الطبيب مشدوهة: "ابنتي ماتت قبل شهر. وها حذاؤها ومعطفها في تلك الخزانة" .قام الدكتور متشل متعجباً ومشى إلى الخزانة وفتح بابها فإذا المعطف ذاته الذي البنت الصغيرة ترتديه تلك الليلة. لكنه لاحظ أن ذلك المعطف المعلّق في الخزانة كان جافاً دافئاً وليس فيه أثر لماء المطر.

ما دامت بنت تلك المرأة قد ماتت قبل تلك الليلة بنحو شهر، فمن كانت تلك الصغيرة التي استدعت الطبيب لمعالجة الأم المريضة؟ ألا يمكن أن يكون الذي استدعى الطبيب ملاكاً ظهر في ساعة الحاجة الشديدة في هيئة ابنة تلك المرأة؟ وهل كان هذا من عمل ملائكة الله لخير المرأة المريضة؟

كذلك يروي القس جان ج. باتون (John G. Paton)، وهو من رواد المرسَلين إلى جزر نيوهبريديز في المحيط الهادئ، قصةً مثيرةً تبين عناية الملائكة وحراستهم. لقد هجم السكان المحلّيون في تلك الجزر على مركز الإرسالية ليلاً، وكان هدفهم إحراق المبنى والمرسَلين الساكنين فيه. وفيه أثناء الهجوم التجأ جان باتون وزوجته إلى الصلاة، وظلا طوال تلك الليلة يتضرعان إلى الله لينقذهما من المعتدين. ثم طلع النهار فتبين لهما أن المعتدين ذهبوا دون أن يفعلوا شيئاً، فشكرا الله على نجاتهما مع أنهما لم يعرفا سر ذهاب المعتدين دون إيقاع أي أذى بهما.

وبعد مرور سنة تقريباً، تغير موقف زعيم القبيلة المحلية. بل فتح قلبه وقبل الإيمان بيسوع المسيح وأصبح صديقاً للمرسلين بعد أن كان عدواً. ووجه القس جان باتون إلى الزعيم سؤالاً عن سبب إحجامه، هو ورجاله، عن دخول مبنى المركز وإحراقه ليلة الاعتداء في العام الفائت. فقال الزعيم مدهوشاً: "من كان كل أولئك الرجال الذين كانوا يحيطون بالمبنى في تلك الليلة؟" فأجاب المرسل: "لم يكن في المكان أي رجال. كنت أنا وزوجتي وحدنا". لكن الزعيم أصر على القول أنهم رأوا عدداً كبيراً من الرجال يقومون بالحراسة- رأوا مئات من رجال ضخام يرتدون ملابس لامعة وسيوفهم مسلولة في أيديهم، وقد بدو وكأنهم فرقة تحيط بمركز الإرسالية، فخشي المهاجمون ولم ينفّذوا ما كانوا ينوون فعله. عندئذ أدرك القس باتون أن الله أرسل ملائكته ليحافظوا عليه وعلى زوجته تلك الليلة. وعندما سأل الزعيم عن رأيه أجاب بأنه هو أيضاً لا يرى أي تفسير معقول لما حدث غير ذلك التفسير. أفلا يعقل أن يكون الله قد أرسل جيشاً من الملائكة لحماية ذينك المرسلين إذ كانت حياتهما مهددة بالخطف؟

وكان رجل إيراني مؤمن يعمل موزعاً للكتاب المقدس، فالتقاه أحدهم وسأله هل يحق له أن يبيع تلك النسخ من الكتاب المقدس. قال الموزع: "نعم، إننا نحمل رخصة لبيع هذه الكتب في أي مكان نشاء". فسأله الرجل: "أريد أن أفهم إذاً لماذا أرى دائماً مجموعة من الجنود محيطة بك حيثما تذهب؟ فقد حاولتُ ثلاث مرات أن أهاجمك، وفي كل مرة كنت أحسب حساب أولئك الجنود. الآن فهمت. لن أحاول أذيتك بعد الآن". فهل كان أولئك الجنود الذين رآهم الرجل مخلوقات سماوية سخّرها الله لحماية موزع الكتاب المقدس؟

وحدث في أثناء الحرب العالمية الثانية أن طائرة يقودها الكابتن أدي ركنباكر (Eddie Rickenbacker) أُسقطت وهو يطير بها فوق المحيط الهادئ. ومرت أسابيع لم يصل عنه أي خبر. وقد ذكرت الصحفية حينذاك اختفاء الطائرة وركابها السبعة. فراح ألوف من الناس في كل الولايات المتحدة يصلّون طالبين إلى الله إنقاذ الطيار ورفقائه. وأطلق رئيس بلدية نيويورك نداء رجاء فيه من سكان المدينة الصلاة لأجل ذلك الطيار. وذات يوم عاد ركنباكر مع رفقائه سالمين وصدرت الصحف حاملة الخبر بعناوين كبيرة في صباح يوم أحد. وجاء في مقال للكابتن ركنباكر نفسه قوله: "وهذا الجزء من قصتنا كنت أتورع من ذكره لولا أن هناك ستة أشخاص يشهدون على صدق ما أقول. كنا نتضور جوعاً ونحن نركب تلك العوامة المطاطية فوق مياه المحيط. وجاء طائر نورس كبير، لا نعرف من أين جاء، وحط على رأسي، فمددت يدي بكل تؤدة وأمسكت برجليه. ثم ذبحناه واقتسمناه بيننا بالتساوي. أكلنا ذلك الطائر بأكمله حتى أصغر عظمة. وكان أشهى طعام أكلته في حياتي". لقد أنقذ ذلك الطائر حياة ركنباكر ورفقائه عندما كان يتهددهم الموت جوعاً. بعد ذلك الحادث بسنوات التقيته ورغبت إليه أن يخبرني شخصياً كيف كانت نجاتهم بعد سقوط طائرتهم في المحيط، إذ أن ذلك كان الباعث المباشر لإيمان ركنباكر بالمسيح وشروعه في حياة جديدة. فقال لي: "بالنسبة لذلك الطائر لا أعرف كيف جاء إلينا، ولا تفسير لذلك سوى أن الله أرسل ملائكته لإنقاذنا".

ثم إني، في أثناء خدمتي التبشيرية، سمعت وقرأت الألوف من القصص الواقعية المشابهة لهذه القصة. فهل يُعقل أن تكون كل تلك مجرد هلوسات أو مصادفات لا تستحق الاهتمام؟ أم إن الله فعلاً يرسل ملائكته فيقومون بمهمات معينة؟

حركة الأرواح الشيطانية الحديثة:

لو أن هذه القضايا ذكرت قبل بضع سنين أمام أكثرية المثقفين لهزئوا بها واعتبروها خرافات مختلفة. ففي الماضي كان العلم يُحسب هو السيد الملك سعيداً، وقد فهم الناس العلم على أنه فقط ما يمكن للإنسان أن يراه أو يقيسه. أما الكائنات التي هي فوق الطبيعة فلم يعترف كثير من الناس بحقيقتها وعدّوها خزعبلات وخرافات يهذي بها بعض المتطرفين المهووسين.

أما الآن فقد تغير هذا الوضع كله. فتصور مثلاً تعلق الناس في المجتمع الحديث بحركة مناجاة الأرواح والتعاطي مع الشياطين.

ادخل إحدى المكتبات في عاصمة من عواصم العالم، أو تطلع إلى واجهة الصحف والمجلات في أي مطار حديث، أو زُرْ مكتبة في إحدى الجامعات، فماذا ترى؟ إنك ستعجب من كثرة ما ترى من الكتب المعروضة التي تبحث في موضوع الشيطان، وعبادته، وسكنى الأرواح في البشر. وإنك لتجد اليوم عدداً من الأفلام السينمائية أو البرامج التلفزيونية، وواحدة من كل أربع أغنيات شعبية محبوبة، ذات صلة وثيقة بما يدور حول الشيطان أو يشير إليه. لقد غنّت الفرقة المسماة "الحجارة المتدحرجة" (Rolling Stones)، أغنيتها "العطف على إبليس" فلاقت رواجاً كبيراً. وقامت فرقة أخرى فردت على الأولى بغناء سيمفونية لإبليس. كما أتن فيلم "الإكزورسست" (The Exorcist) (طارد الشياطين) قد دُرّ مالاً على أصحابه أكثر من أي فيلم آخر في التاريخ. هذا الموضوع، أي الشيطان، كان لا يلقى لدى العقلانيين في الجيل الماضي إلا السخرية، لكننا نره اليوم وقد أصبح الموضوع الجدي الذي يبحثه أساتذة جامعيون محترمون. وتثبت الإحصاءات أن الكثرة الكاثرة من البشر، شرقاً وغرباً، تعتقد أن الشيطان موجود بوصفه كائناً شخصياً. ومما يدعو للسخرية أن العلماء بالطبيعة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، بل بعلم اللاهوت أحياناً، كانوا قبل بضع سنين يتنبأون بأنه في آواخر العقد الثامن من القرن الحالي سيهبط الاعتقاد بما فوق الطبيعة هبوطاً شديداً سريعاً، ولكن الذي جرى فعلاً كان نقيض ذلك.

زرت منذ سنين إحدى المدن الكبرى، حيث طالعت صحيفة محلية تصدر هناك. وبدافع من حب الاستطلاع، رحت اقرأ قائمة الأفلام التي تعرضها دور السينما في ذلك اليوم. فهالني ما قرأت إذ تبين لي أن الأفلام التي تُعرض في تلك المدينة تركز على مواضيع "السادية" (إيقاع الأذى بالآخرين بدافع من شذوذ جنسي) والقتل والتعاطي مع الأرواح، وعبادة الشيطان، والرعب، بالإضافة إلى الأفلام الخلاعية التي تصور أعمال الدعارة بشكل مثير منافٍ للحشمة. تبين لي كأن دور السينما المختلفة في تلك المدينة تتبارى، وكل واحدة تحاول أن تفوق الأخرى في عرض الأفلام الأكثر إثارة ورعباً وتدميراً للأفكار والأخلاق. وهذه الصورة القاتمة لما تتغير، بل إنها زادت سوءاً. نرى الآن كثيراً من الكتب التي صدرت مؤخراً عن مؤلفين مسيحيين، تبحث في موضوع الشيطان، حيث يولى الشيطان عناية متزايدة. حتى أنا أيضاً فكرت في كتابة كتاب عن إبليس وملائكته.

حقيقة الشيطان وقوته:

يعلّم الكتاب المقدس أن الشيطان كائن حقيقي يعمل في العالم بالاشتراك مع أعوانه وعملائه من الأرواح الشريرة. وفي العهد الجديد كثّف الشيطان جهوده وبذل كل مسعى لإفشال عمل يسوع المسيح ابن الله. ولعل في ما نلاحظه من تزايد شيطاني ضد الناس على الأرض في هذه الأيام دليلاً على قرب مجيء يسوع المسيح ثانياً. فنشاط الشيطان في كل مكان أمر ظاهر لا يستطيع المرء إلا أن يلاحظه. نرى ذلك في الحروب والأزمات الأخرى التي تحلّ بالبشر يومياً، كما نراه أيضاً في هجمات الشيطان على أعضاء جسد المسيح أفراداً .

كنت منذ سنين أتناول العشاء مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ ورجال الكونغرس، وكان ذلك في إحدى قاعات الطعام في مبنى الكابيتول، وتحدثت معهم عن الاهتمام المتزايد بشؤون الأرواح، وقد أشار بعضهم بشكل خاص إلى فيلم "الإكزورسست"، أو طارد الأرواح. فقال لي أحدهم، وهو سيناتور مر باختبار ديني عميق، إن له خبرة سابقة في أمور الأرواح الشريرة، وقال أنه يتجنب المرور من أمام أي دار للسينما تُعرض الفيلم المذكور، وإنه يفضل سلوك طريق دائرية طويلة بسيارته على المرور من أماكن يُعرض فيه ذلك الفيلم. لقد كان يخشى مجرد الاقتراب من مثل ذلك المكان. وقال لي: "أنا متأكد من أن الملائكة والشياطين جميعاً كائنات حقيقية".

ومنذ سنوات قليلة، قال البابا الراحل بولس السادس إنه متيقن من أن القوى الشريرة التي تشن هجماتها على المجتمع من كل ناحية تستمد المَدَدَ من شيطان له شخصيته وتحت أمرته مملكة كاملة من الأرواح الشريرة. حتى إن الكنيسة الكاثوليكية أعادت النظر مؤخراً في موقفها من حقيقة عالم الروح، كما تجدد الاهتمام بهذا الموضوع بين اللاهوتيين، متحررين ومحافظين، في الكنائس البروتستانتية في كل مكان.

الأجسام الطائرة المجهولة:

إن الاهتمام المتشدد بموضوع الأرواح والشياطين ليس هو الدليل الوحيد على الانفتاح الحديث على الأمور الفائقة للطبيعة. بل يظهر هذا الانفتاح أيضاً في تزايد الكلام وطرح التخمينات والنظريات حول ما يسمى بالأجسام الطائرة المجهولة.

أما أن تلك الأجسام الطائرة تظهر فعلاً من وقت لآخر فأمر ينفيه بعض العلماء فيما يؤيده بعضهم. وقد بلغ الأمر ببعض العلماء حض الظن بأن في الإمكان البرهنة على أن تلك الأجسام الغريبة ما هي إلا كائنات تزور هذه الأرض من الفضاء الخارجي. حتى عن بعض الكتّاب يرون، من قبيل التخمين، أن الأجسام الطائرة المجهولة قد تكون لفئة من الملائكة التي تشرف على الشؤون الطبيعية للخليقة الكونية. وبينما لا نستطيع تأييد رأي كهذا بثقة ويقين، لا ننكر أن كثيرين يبحثون اليوم عن التفسير المعجزي الفائق للطبيعة لهذه الظواهر الغريبة. وعلى أية حال، فلا سبيل إلى إخفاء حقيقية أكيدة وهي أن هذه الأحداث المفتقرة إلى التفسير ما زالت تحدث، وفي شكل متزايد في العالم كله، وفي أماكن غير متوقعة.

من ذلك مثلاً أن اليابان شهدت حادثاً من هذا النوع عندما ظهرت في سمائها أجسام لم يمكن تفسير ظهورها. ففي 15 كانون الثاني (يناير) سنة 1975، مر في كبد السماء سرب من أجسام غريبة تشبه في شكلها عقداً من حبّات لؤلؤ سماوية، وقد مرت في صمت في الفضاء فوق ما يقارب نصف اليابان. وبينما كان موظفو الكومة ورجال الأمن وألوف المواطنين يتطلعون إلى السماء بدهشة رأوا بضعة عشر جسماً متألقاً تنطلق في خط مستقيم وسط ضباب خفيف متجهة إلى الجنوب فوق القرى والمدن اليابانية، وقد شاهدها الناس في مدن تبعد الواحدة عن الأخرى أكثر من ألف كيلومتر، وبلغوا عما شاهدوا في أقل من ساعة.

في تلك الفترة تلقت مراكز رجال الأمن والمراكز الحكومية المختلفة مئات المكالمات الهاتفية المتشابكة، وكان أصحابها يسألون، وهم في حالة من القلق والذعر، عن سر الظاهرة التي كانوا يشاهدونها، في ما كانت الأجسام العجيبة تسير بسرعة نحو الجنوب. وقد قال ضابط الأمن المناوب، بخصوص حادث ذلك اليوم: "قال جميع الذين اتصلوا بنا أنهم شاهدوا غيمة ضخمة تعبر السماء فوق المدينة. وقالوا أنهم رأوا أجساماً غريبة داخل غيمة تتحرك في خط مستقيم". وعندما سُئل موظف آخر: "هل تظن أن تلك كانت طائرات؟"، أجاب: "لا، لأن الرادار عندنا لم يظهر على شاشته أية طائرات أو ظواهر طبيعية مألوفة. كانت السماء صافية تماماً ذلك المساء، وكل ما جرى هو عندي لغز لا أعرف له حلاً".

وقد رأى أحد الأساتذة الخبراء المشهد الغريب في سماء المساء من غرفة المراقبة في محطة الأرصاد الجوية في طوكيو قرب المطار، فقال معلّقاً: "عجبت أشد العجب مما رأيت، غذ أن شاشة الرادار لم تسجل شيئاً. اتصلت ببرج المراقبة في المطار وذكرت ما كنت أرى فأجابوني أن شاشة الرادار عندهم هي الأخرى لم تظهر شيئاً غير عادي".

تفسيرات أخرى:

تزايد الاهتمام مؤخراً بالظواهر الغريبة، فصدرت كتب وأفلام تدور كلها حول آراء رجلين هما إمانويل فليكوفسي (Immanuel Velikovsky) وأريك فون دانيكن (Eric Von Daniken). وقد طلع فون دانيكن في كتابه الشديد الرواج "مركبات الله" بنظرية تقول بأن ملاحي فضاء من كواكب بعيدة زاروا أرضنا آتين إليها في مركبات فضائية. وتلك الزيارات كانت وراء فكرة الآلهة التي تبناها الإنسان قديماً والأفكار الأخرى الكثيرة التي انتشرت بين البشر عن أولئك الآلهة. ولكن فليكوفسي في كتابيه اللذين لا يقلان شهرة عن كتاب زميله، فهما "عوالم في تضارب" و"عصور في خراب وفوضى"، طلع بالفكرة القائلة بأن تاريخ الشرق الأدنى الذي كان مضطرباً في الألف الثاني قبل الميلاد يعود اضطرابه إلى حدوث تبدد عنيف في النظام الشمس آنذاك سبب وقوع الخراب على الأرض. وما عاناه البشر في تلك العصور من آلام اختفى وغطاه النسيان، مع أنه ظل مدفوناً في ذاكرة الجنس البشري، الأمر الذي يفسر ما يظهر في العصر الحديث من تصرف مدمر للذات.

وكان من الممكن أن يتجاهل الناس هذه الآراء المتعلقة بالكون ويهملوها بسهولة لولا أنها، مع غيرها من النظريات، أحيطت باعتبار كبير وحظيت باهتمام زائد حتى لم يعد ممكناً أن تُطرح جانباً. وقد جرت دراسة هذه النظريات بكل جدية في كثير من الجامعات. ويصعب أن تجد من يفوق فون دانيكن أو فليكوفسي بحثاً في هذه الشؤون.

غير أن بعض المؤمنين المسيحيين المخلصين الذين يبنون آراءهم على أساس التزامهم للكتاب المقدس يرون أن تلك الأجسام الطائرة المجهولة ليست سوى ملائكة. ولكن أصحيح أنها ملائكة؟ يشير هؤلاء إلى مقاطع في أشعياء، وحزقيال، وزكريا، والرؤيا، ويوافقون بينها وبين إفادات مراقبي بعض ما وُصف بأنه أجسام طائرة مجهولة. فمثلاً يأخذون الأوصاف المفصلة التي أدلى بها طاقم طائرة أهل للثقة ويضعونها جنباً إلى جنب مع ما جاء في الأصحاح العاشر من سفر حزقيال، كي يدعموا وجهة نظرهم.

"ونظرت وإذا أربع بركات بجانب الكروبيم، بكرة واحدة بجانب الكروب الواحد وبكرة أخرى بجانب الكروب الآخر. ومنظر البكرات كشبه حجر الزبرجد، ومنظرهن شكل واحد للأربع، كأنه كان بكرة وسط بكرة. لما سارت سارت على جوانبها الأربعة، لم تدر عند سيرها، بل إلى الموضع الذي توجه إليه الرأس ذهبت وراءه. لم تدر عند سيرها... وعند سير الكروبيم سارت البكرات بجانبها وعند رفع الكروبيم أجنحتها للارتفاع عن الأرض لم تدر البكرات أيضاً عن جانبها. وعند وقوفها هذه وعند ارتفاعها ارتفعت معها لأن فيها روح الحيوان" (حزقيال 10: 9- 11، 16 و17).

إن أية محاولة للربط بين آيات كهذه وبين ما يعتقد بعضهم أنه ظهور ملائكة قد يكون مجرد تخمين لا يمكن الأركان إليه. لكن الذي يلفت الانتباه ويُدهش هو أن نظريات كهذه أصبحت تجذب الأنظار بشكل جدّي حتى بين أناس يقولون أنهم لا يؤمنون بإله الكتاب المقدس.

مظهر آخر للاهتمام المتجدد بالأمور الفائقة للطبيعة هو انتشار الاهتمام الزائد بإدراك ما هو خارج نطاق الإدراك العادي. وقد نشأ علم جديد يجري البحث فيه في بعض الجامعات، هو فرع من فروع علم النفس يبحث في التخاطر وما شابه، يُدعى "باراسيكولوجيا" (parapsychology) ويعتبر اليوم من أكثر فروع الدراسات الجامعية نمواً وانتشاراً.

في العقد الرابع من القرن الحالي شرع الدكتور جوزف ب. راين (Joseph B. Rhine)، من جامعة ديوك (Duke) الأمريكية، بدراسة "إدراك ما هو خارج نطاق الإدراك"، وعُني بتأسيس فرع للباراسيكولوجيا في تلك الجامعة، فاقترن اسمه بهذا العلم وكان رائداً من روّاده. والعلماء اليوم يذهبون في استقصائهم إلى أبعد حد ممكن ليكتشفوا إمكانات "إدراك ما هو خارج نطاق الإدراك". وما يكتبه هؤلاء يقرأه الناس بشغف شديد. فلا تُعقد فقد دراسات عقلانية علمية في هذا الموضوع، بل أيضاً يستقطب اهتماماً شعبياً كبيراً، ولا سيما لأن كثيرين من مؤيديه يعترفون بأنهم غير متدينين. وقد حظي هذا الموضوع في المجتمعات الشيوعية (كالاتحاد السوفييتي مثلاً) باهتمام أوسع نطاقاً مما حظي به في أمريكا. وهو يؤدي دور "الدين البديل" في بعض الحالات، مع أنه استخدم بشكل رئيسي كأداة للتأثير في الناس.

ولو أن أحد المشاهير في العقد الماضي سُئل: "هل تعتقد إمكان إدراك ما هو خارج نطاق الإدراك؟" فأجاب: "لا"، لعُدَّ جوابه مستغرباً مستهجناً، تماماً كالجواب "نعم" قبل جيلٍ من الآن.

لماذا كتبت هذا الكتاب

لماذا نكتب في موضوع الملائكة؟ أليس التكلم عن الملائكة هو بث المزيد من التخمينات حول الظواهر الخارقة للطبيعة؟ وأي نفع يُرجى من بحث كهذا؟ أما زال بهاء الملائكة يبهر الأبصار الآن كما كان يبهرها في القرون الوسطى؟

ما دامت جميع قوى الظلمة في العالم الحاضر الشرير قد أخذت تجتاح أفكار الناس المضطربة اليائسة في جيلنا هذا، فأظن أن الوقت قد حان للتركيز على إيجابيات الإيمان المسيحي، إذ قال يوحنا الرسول: ".... الذي فيكم أعظم من الذي في العالم" (1 يو 4: 4). يستطيع الشيطان، بلا شك، أن يفعل أشياء خارقة للطبيعة- لكنه لا يعمل إلا بسماح من الله. إنه مربوط ولا يستطيع التحرك كما يهوى. فالله وحده هو الكلّي القوة. وهو وحده القادر على كل شيء. وقد أمد الله المؤمنين المسيحيين بأسلحة هجومية دفاعية. فلا داعي للخوف والحيرة. ولا يجوز أن نسمح لأحد بأن يخدعنا، ولن يستطيع أحد أن يرهبنا. إنما علينا أن نسهر ونكون يقظين متشددين "لئلا يطمع فينا الشيطان لأننا لا نجهل أفكاره" (2 كور 2: 11).

من الخطط الماكرة التي يستخدمها الشيطان ضدنا صَرْفُ أفكارنا عن المساعدة التي يساعدنا بها الله في مصارعتنا لقوى الشر. ولكن يؤكد الكتاب المقدس أن الله أعد العدّة لمساعدتنا في جهادنا الروحي. فلسنا متروكين وحدنا في هذا العالم. كما يعلّمنا الكتاب المقدس بأن الروح القدس قد جعلنا ليعطينا قوة ويرشدنا. ثم إن الكتاب يؤكد في ما يقارب ثلاث مئة موضع منه، بأن لله ملائكة بلا عدد تحت أمره، وقد كلّف الله هؤلاء الملائكة مساعدة أولاده في صراعاتهم ضد الشيطان. وفيما لم يعطنا الكتاب المقدس معلومات عن الملائكة بالقدر الذي نرغب فيه، فإن ما يعطينا مصدراً للتعزية والقوة في كل ظرف من ظروف الحياة.

أنا مقتنع بأن هذه الكائنات السماوية موجودة، وأنها تقدّم إلينا مساعدة غير منظورة. ولا يعتمد إيماني بوجود الملائكة سمعتها من شخص قال أنه رأى ملاكاً، مهما كانت تلك القصة رائعة ومؤثرة. كما لا أعتقد وجود الملائكة لأن الأجسام الطائرة المجهولة التي يجري التحدث عنها تشبه الملائكة في شكلها حسبما جاء على ألسنة بعض الذين شاهدوها. ولا أعتقد وجود الملائكة لأن الخبراء بقضايا "إدراك ما هو خارج نطاق الإدراك" يُثبتون أن العالم الروحي أمر معقول جدير بالتصديق. ولا أعتقد وجود الملائكة بسبب التشديد العالمي الواسع لنطاق الذي برز فجأة في هذه الأيام على حقيقة الشيطان والأرواح الشريرة. ولا أعتقد وجود الملائكة لأني رأيت ملاكاً في أحد الأيام- فإني في الواقع لم أشاهد أي ملاك.

بل إنما أعتقد وجود الملائكة لأن الكتاب المقدس يقول بذلك، وأنا أؤمن بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله الصادقة.

كذلك أعتقد وجود الملائكة أيضاً لأني شعرت بحضورهم في حياتي في بعض المناسبات الخاصة.

إن ما أقوله في الفصول التالية من هذا الكتاب ليس عرضاً لآرائي حول عالم الروح ولا لاختباراتي الروحية الخاصة في عالم الروح، بل إن نيّتي أن أطلِع القارئ الكريم، ولو جزئياً، على ما أرى أن الكتاب المقدس يقوله بخصوص الملائكة. وطبعاً لن يكون هذا الكتاب بحثاً مستفيضاً جامعاً لهذا الموضوع. على أني أرجو له أن يثير اهتمامك أيها القارئ بحيث يحملّك على البحث في الكتاب المقدس لتستخلص منه كل ما يمكن أن تجده فيه حول هذا الموضوع.

كما أن دعائي إلى الله، أولاً وقبل كل شيء، هو أن تتكشف لك حقيقة محبته لك وعنايته بك- وفي عمل ملائكته في سبيل خيرك برهان قاطع عليهما- وهكذا تتعرف به معرفة اختبارية بعد اتخاذ المسيح مخلّصاً لك وربّاً، وتمضي قُدماً في درب الإيمان الحق متّكلاً بكل ثقة على الإله القادر أن يخلّص ويحفظ ويعتني كل حين.

إن القوى والموارد الروحية هي في متناول جميع المؤمنين بالمسيح. وهي موارد لا حدود لها؛ لذلك سينتصر المؤمنون بلا أدنى شك. فملايين الملائكة هي تحت أمر الله وفي خدمتنا لأننا نتبع يسوع المسيح. وإذ نسير في طريقنا من الأرض إلى المجد تقف جيوش السماء دائماً على أهبة الاستعداد. ومهما كانت أسلحة الشيطان فتّاكة، فهي لن تقوى على الوقوف في وجه سلاح الله الكامل. فلا تخف إذاً، ما دام الله يقف إلى جانبك، وقد أصدر أمره إلى ملائكته لخوض المعركة الدهرية الدائرة دائماً. وسيحرزون النصر حتماً. وقد قال بولس عن المسيح في كولوسي 2: 15، "جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهاراً ظافراً بهم...." ففي وسعنا الآن أن ننتصر على الجسد والعالم والشيطان. والملائكة على مقربة منا ليساعدونا، وهم على أتمّ الاستعداد لمواجهة كل طارئ.

كانت مملكة الإنكليز فكتوريا مسافرة ذات مرة في قطار سريع يخرق ضوؤه الأمامي أستار الظلمة الكثيفة. وإذا بالسائق يلمح فجأة شبحاً غريباً متلفّفاً بعباءة سوداء، واقفاً وسط السكّة أمام القطار وهو يلوّح بذراعيه. فما كان منه إلا أن ضغط الكابح بكل شدة حتى توقف القطار. ثم ترجّل هو ومعاونوه فلم يجدوا أثراً لذلك الشبح. ولكن لما تقدم السائق بضع خطوات هاله ما رأى: جسرٌ مكسور وسيل جارف محا معالم السكة. فلو لم يتوقف لحدثت كارثة محققة.

وفيما عكف الفنّيون على إصلاح الخلل في الجسر، بذل السائق ومعاونوه قصارى الجهد لعلّهم يعثرون على سر حامل الراية الذي أوقف القطار، دون جدوى.

ولكن لما وصل القطار إلى مدينة لندن انكشف اللغز. فقد وجد السائق في قعر مصبح الضوء الأمامي فراشة كبيرة ميتة، فحدّق إليها هنيهة ثم بلَّ أجنحتها بريقه وألصقها على زجاجة الضوء. ولما صعد إلى مقصورة القيادة وأضاء الضوء، لاح أمام القطار ذلك الشبح الذي سبق أن رآه ملوحاً بيديه. عندئذ انجلت له حقيقة الأمر: فهذه الفراشة تراقصت أمام القطار قبيل وصول القطار إلى الجسر المكسور، فبدا كأن ثمة حامل راية يلوّح بذراعيه. وعندما أُطلعت الملكة فكتوريا على الأمر الغريب، قالت: "إني لعلى يقين من أن ذلك لم يكن من قبيل الصدفة. فلا شك أن الله استخدم هذه الطريقة لإنقاذنا".

صحيح أن ما رآه السائق لم يكن ملاكاً، ولكن ألا يُعقل أن يكون الله- ربما بواسطة خدمة ملائكته غير المنظورة- قد أتى بتلك الفراشة إلى حيث كان يجب وحين كان ينبغي؟ حقاً إنه "يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك" (مز 91: 11).

أخيراً، أطلب إلى الله أن يفتح عينيك وذهنك، وأنت تقرأ هذا الكتاب، لعلّك تُبصر المواد التي يقدمها لإغناء جميع الذين يتوجهون إليه بالإيمان طالبين القوة، كما أسأله أن يشعرك بحاجتك الدائمة إليه تعالى لتدرك عظمة محبته إذ أرسل ابنه يسوع المسيح إلى العالم لينقذك من عقاب الخطية وسلطانها.

  • عدد الزيارات: 4834