Skip to main content

الملائكة - مقدمة

الملائكة

أردتُ يوماً أن أعدَّ عظةً في موضوع الملائكة. بحثتُ في مكتبتي فلم أجد كتاباً أستطيع الاستعانة به. وتبين لي في ما بعد أنه لم يُكتب عن الملائكة في هذا القرن إلا القليل، وقد هالتني فداحة هذا النقص.

ثم لاحظتُ أن المكتبات وخزائن الكتب في البيوت ملأى بالكتب التي تبحث في مواضيع الأرواح الشريرة، والاتصال بعالم الأرواح، واستحضار الموتى، والتعامل مع الشيطان. عندئذ ساءلت نفسي: لماذا يُولي الكتّابُ الشيطانَ كلَّ ذلك الاهتمام، أما الملائكة فلا يكادون يعيرونهم أدنى اهتمام؟ وبدا لي أن بعض الناس يعتبرون الشيطان ندّاً لله. غير أن هذا ضلال مبين، فالشيطان ليس سوى ملاك ساقط.

كثيراً ما تسود في أيامنا أفكار خيالية ومناقضة للكتاب المقدس بخصوص الملائكة. ولا شك في أن بعض الأفلام الخيالية تسهم في ترسيخ مفاهيم خاطئة تجعل الملائكة أشبه بشيخ الميلاد (بابا نويل) أو الجنّ والعفاريت الخرافية. غير أن الكتاب المقدس يؤكد حقيقة الملائكة وينبّه على خدمتهم الدائمة لخير شعب الله.

وما أكثر احتياجنا اليوم، في هذا العالم المادي الذي يُقض مضجعه الشر والألم، إلى استجلاء ما يعلّم الكتاب المقدس عن الملائكة.

وقد كتب الرسام الإنكليزي بيرن جونز (Burne Jones) إلى الكاتب الساخر أوسكار وايلد (OscarWilde) يقول: "كل ما تزايدت المادية في العلم أكثرت من رسم الملائكة، إذ يظل أجنحتها شاهدة لخلود النفس في وجه الذين لا يعترفون بذلك".

إن للملائكة في الكتاب المقدس منزلة رفيعة تفوق كثيراً منزلة الشيطان والأرواح الشريرة التي تأتمر بأمره. لذلك توليت القيام بدراسة موضوع الملائكة في الكتاب المقدس فكانت من أروع الدراسات التي قمت بها في حياتي. وأحسب أن هذا الموضوع يناسب الأوضاع السائدة الآن أكثر مما يناسب أية أوضاع عرفها الناس على مر التاريخ.

جاء في الكتاب المقدس أن الملائكة يتدخلون في شؤون الشعوب، وأن الله كثيراً ما استخدمهم لمعاقبة الأمم، وأن الملائكة يرشدون المؤمنين في طريق الحياة، ويخففون عنهم ويساعدونهم وسط الآلام والاضطهادات. وقد قال لوثر مرة: "الملاك هو مخلوق روحي لا جسم له، وقد خلقه الله لخدمة المسيحيين والكنيسة". وإني لأشهد شخصياً أن الله كثيراً ما أمدّني بالقوة والعون عند الحاجة، ولو كنت على شفا الانهيار، وكأنما أرسل ملاكاً من ملائكته يقوّيني لأكرز بالبشارة، أنا الإنسان الضعيف المائت الذي يستخدمني لتبشير أناس ضعفاء مائتين أمثالي.

في وسط عالم يبدو كأنه قد قُدر له أن يعيش في أزمة شاملة موصولة ،نحتاج لن نعرف كل ما يمكننا معرفته عن الملائكة. فهذا الموضوع مصدر تعزية وإلهام عظيمين للمؤمنين بالله، كما أن فيه ما يدعو غير المؤمنين ليُغيّروا موقفهم ويصبحوا مؤمنين.

يقول باسكال (Pascal)، الفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي: "عن بعض المؤلفين، عندما يتكلمون عن مؤلفاتهم يقول أحدهم: (هذا كتابي)، أو (هذا تفسيري)، أو (هذا تاريخي). ولكن من الخير أن يقول: (كتابنا)، أو (تفسيرنا)، أو (تاريخنا). ذلك أن كل كتاب يتضمن عموماً أشياء حسنة نقلها المؤمن عن سواه، وهذه عادة تفوق في حجمها ما كتبه المؤلف ذاته".

إذاً، هذا كتابنا. وإني لأشكر جميع الذين ساعدوني في هذا الموضوع المثير والعسير معاً.

إني مدين لمجموعة من الأصدقاء والأعوان ممن ساعدوني في استقصاء موضوع الكتاب، وعاضدوني باقتراحاتهم الصائبة. ومنهم من طبع المخطوطة على الآلة الكاتبة ، ومن أعاد طبعها بعد إجراء تعديلات فيها، وزوجتي التي ساعدتني في هذا العمل منذ البداية.

لكني مدين، قبل كل شيء، لله أبينا السماوي إذ أعانني لأرى أهمية هذا الموضوع الذي طالما أهمله الناس وأغفلوه.

مرت الشهور وأنا أجمع الآراء والاقتباسات من مصادر منسية. وقرأت في هذا السبيل كتباً ومقالات عديدة، وتكلمت مع كثير في موضوع الملائكة، وصلّينا طالبين من الله الهداية. وإني أشعر بالامتنان نحو كل من أسهم في كتابة هذا الكتاب معتذراً لعدم إمكانية ذكر كل باسمه.

وأدعو الله أن يستخدم هذا الكتاب فيكون وسيلة- عزاء للمريض أو من هو على فراش الموت، ومصدر تشجيع لمن يرزحون تحت ضغط الحياة اليومية، ويحتاجون إلى هداية وسط أحداث هذا الجيل اليائس المتحير.

بيلي غراهم

مونتريت. نورث كارولينا

  • عدد الزيارات: 6178