الكنيسة
تتألف كل كنيسة للرب يسوع المسيح في العهد الجديد من جماعة محلية تضم مؤمنين معمدين يجتمعون معاً بمقتضى عهد الإيمان وشركة الإنجيل. على أن تراعي تلك الجماعة الفريضتين اللتين رسمهما المسيح، وتكون ملتزمة تعاليمه، وممارسة للمواهب والحقوق والامتيازات الممنوحة لها بواسطة كلمته، وساعية لنشر الإنجيل إلى أقاصي الأرض.
هذه الكنيسة هي كيان مستقل بذاته يقوم بعمله بواسطة إجراءات ديمقراطية تحت سيادة الرب يسوع المسيح. ويكون الأعضاء في مثل هذه الجماعة متساوين في المسؤولية. أما قادتها بحسب تعليم الكتاب المقدس فهم الرعاة والشمامسة.
كذلك يتكلم العهد الجديد أيضاً عن الكنيسة بوصفها جسد المسيح الذي يضم جميع المفديين على مر العصور.
متى 16: 15- 19؛ 18: 15- 20؛ أعمال 2: 41 و42، 47؛ 5: 11- 14؛ 6: 3- 6؛ 13: 1- 3؛ 14: 23، 27؛ 15: 1- 30؛ 16: 5؛ 20: 28؛ رومية 1: 7؛ 1 كورنثوس 1: 2؛ 3: 16؛ 5: 4 و5؛ 7: 17؛ 9: 13 و14؛ 12؛ أفسس 1: 22 و23؛ 2: 19- 22؛ 3: 8- 11، 21؛ 5: 22- 32؛ فيلبي 1: 1؛ كولوسي 1: 18؛ 1 تيموثاوس 3: 1- 15؛ 4: 14؛ 1 بطرس 5: 1- 4؛ رؤيا 2 و3؛ 21: 2 و3.
يتكلم العهد الجديد عن الكنيسة بوصفها جسد المسيح وعروسه في آن. إنه هو رأس الجسد (كولوسي 1: 18) وعريس العروس (متى 9: 15؛ رؤيا 21: 2). وهو مؤسس الكنيسة ومشتريها بدمه. فالكنيسة هي المؤسسة الوحيدة التي أنشأها المسيح. وقد فعل ذلك لكي يتسنى للمؤمنين المعمدين أن يتمتعوا بشركة الإيمان والخدمة في الإنجيل، وأن يقوموا بالفريضتين المرسومتين لهم، وأن يعملوا على نشر الإنجيل في جميع أنحاء الأرض من طريق ممارسة مواهبهم التي نالوها من الروح القدس.
مغزى الكلمة
إن الكلمة "كنيسة" هي ترجمة للكلمة اليونانية "إكليزيا". وهذه الكلمة اليونانية مركبة من كلمتين، هما "إك" وتعني "خارجاً من"، و"كالين" وتعني "دعا". وعليه، فمعنى الكلمة "جماعة المدعوين إلى الخارج" أو "جماعة مختارة".
وقد كان للكلمة قبل تدوين العهد الجديد استعمالان عامّان. ففي اليونانية العامة كانت الكلمة تُطلق على مجموعة من المواطنين في مدينة يونانية ذات حكم ذاتي (أعمال 19: 39- 41).وقد كانت أفسس تتمتع بامتياز الحكم الذاتي، ولكن ضمن إطار قوانين الإمبراطورية الرومانية. فبهذا المعنى كانت "الإكليزيا" (المحفل) جماعة محلية تقوم بعملها، بواسطة إجراءات ديمقراطية، تحت قوانين الإمبراطورية.
أما في السبعينية، وهي الترجمة اليونانية للعهد القديم، فقد استُعملت "إكليزيا" في ترجمة الكلمة العبرية "قاهال" (جماعة أو مجمع) حيث تشير إلى أمة بني إسرائيل مجتمعة أمام الله وتحت حكمه الثيوقراطي المباشر (تثنية 31: 30؛ قضاة 21: 8). وفي العهد الجديد استعمالان من هذا القبيل (أعمال 7: 38؛ عبرانيين 2: 12).
إن الكلمة "كنيسة" في العهد الجديد لا تشير البتة إلى المسيحية المنظمة أو إلى مجموعة من الكنائس. فهي تشير إما إلى جماعة محلية من المؤمنين المعمدين وإما إلى جميع المفديين على مر العصور. لذا يشدّد المعمدانيون كثيراً على الكنيسة المحلية كما هي الحال في العهد الجديد.
المسيح والكنيسة
بحسبما ورد في الأناجيل، لم يستعمل المسيح الكلمة "كنيسة" إلا في مناسبتين (متى 16: 18؛ 18: 17). ويتعلق الشاهد الأخير بالتأديب الكنسي، فيما يتعلق الأول بإفصاح المسيح عن عزمه على بناء الكنيسة. ومن المؤكد أن الشاهد الأول يتكلم عن الكنيسة بمعنى المؤسسة، وربما كان الشاهد الأخير ينحو هذا المنحى أيضاً.
فمع أن الحقائق المعلنة هنا قد تنطبق على أية كنيسة، لم يقصد المسيح كنيسة واحدة معينة بل من المؤكد أن تعاليمه قصدت الكنيسة بمعنى الشركة المسيحية (يوحنا 17: 21).
فعلى مقربة من قيصرية فيلبس، وفي أعقاب اعتراف بطرس بيسوع أنه "المسيح ابن الله الحي" (متى : 16: 16)، قال الرب بيسوع: "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة [بترا] أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (الآية 18).
لا ينسجم مع غرض هذا الكتاب أن نسترسل في بحث المسألة المتعلقة بالفرق بين "بطرس" و"بترا"، ولكننا نكتفي بالقول إنه من غير المرجح أن يكون المقصود واحداً ما دام "بطرس" مذكّراً و"بترا" مؤنثة. وقد كانت "بترا" تُطلق على المنبسط الصخري الكبير لصالح لأن يُتخذ أساساً للبناء. أما "بطرس" فهو الحجر الصغير الذي يُقتلع من الصخرة الكبيرة ويشترك معها في الصفات عينها. على أن بعض العلماء لا يتعدّون بهذا الفارق، إذ يرون أن المسيح تكلم بالعبرية أو الآرامية حيث ينتفي مثل هذا التمييز. صحيح أن أحداً لا يعرف اللغة التي تكلم بها المسيح على وجه التحديد، إذ ربما استخدم إحدى اللغتين المشار إليهما أو اليونانية. ولكن من المرجح جداً أن يكون متى قد حافظ على المعنى الدقيق لتصريح المسيح في اللغة اليونانية. وحيث تُستعمل "الصخرة" في العهد القديم رمزياً، فهي تشير دائماً إلى اللاهوت.
من المؤكد أن أساس الكنيسة هو المسيح، وليس بطرس أو غيره من الناس (1 كورنثوس 3: 11). وفيما تتنوع الآراء، حتى بين المعمدانيين، بخصوص معنى كلام المسيح هنا، يرى الكاتب الحالي أن "الصخرة" تشير إلى المسيح. فإن بطرس ما كان إلا حجراً صغيراًَ يشترك في طبيعة المسيح بنعمته. فالكنيسة مبنية على المسيح نفسه؛ أما حجارة البناء فهم الذين يعترفون، شأنهم شأن بطرس، بيسوع أنه "المسيح ابن الله الحي" (راجع 1 بطرس 2: 5).
ولربما كان العلماء قد أمضوا وقتاً طويلاً وهم يبحثون في هذه المسالة حتى فاتهم بيت القصيد في كلام المسيح. فالنص اليوناني يشدد لا على "بطرس" أو "الصخرة" بل على "كنيستي". ولما كان تلاميذ المسيح يدركون استعمال "إكليزيا" بالمفهوم اليوناني وبالمعنى العبري، فكأنما المسيح قال في الواقع: "لليونانيين كنيستهم وللعبرانيين كنيستهم، وأنا الآن سأبني كنيستي".
هنا تتوضح لنا طبيعة الكنيسة المزدوجة. فالكنيسة، من جهة، هي عامة في طبيعتها، إذ تتألف من جميع المفديين على مر العصور تحت حكم الله الثيوقراطي المباشر. وهنالك، من جهة أخرى، الكنيسة المحلية التي تقوم بعملها، ديمقراطياً وتدير شؤونها إدارة ذاتية، تحت سيادة الرب يسوع المسيح.
لقد أصبح الاستقلال الذاتي، عند كثيرين من المعمدانيين، مرادفاً للفوضى، ولا سيما عندما تقول كنيسة معمدانية أو فرد معمداني: "أستطيع أن أفعل ما يحلو لي". ولكن كليهما يجب أن يتصرفا كما يشاء المسيح. فإما أن تُنقّى العبارة "الإدارة الذاتية" من هذا المضمون؛ وإما أن تُستعمل كلمة أخرى بدلاً منها. إذاً، من الأصح والأكثر اتصافاً بالانسجام مع الكلمة المكتوبة أن نقول إن إحدى كنائس العهد الجديد هي تلك الجماعة المحلية التي تقوم بعملها بواسطة إجراءات ديمقراطية تحت سيادة الرب يسوع المسيح.
في كنيسة كهذه يكون لكل عضو حقوق وامتيازات متساوية، ولكن على الجميع أيضاً أن يتشاركوا في حمل المسؤولية على السواء. وإرادة الجماعة يجب أن تكون إرادة الجميع التي يتم بلوغها تحت سلطان روح المسيح وإرشاده.
"وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16: 18). غالباً ما تُفسّر هذه العبارة بمعنى أن الجحيم، أو الشر، لن يغلب الكنيسة ولن يقوى على الوقوف في وجهها. الفكرة صحيحة؛ ولكن ليس هذا ما قاله المسيح هنا. فالجحيم هنا هو في اليونانية "هادس"، أي مقر الموتى. وتُستعمل الأبواب إما للإغلاق على الذين في الداخل وإما لإبعاد الذين في الخارج. فالذين هم خارج "الهادس" لا يحاولون الدخول؛ والذين هم داخله لا يحاولون الخروج. إذاً هذه الأبواب لن تقوى على إمساك شعب المسيح داخل مقر الموتى. وهكذا نلقى هنا وعداً بالقيامة. ذلك أن كنيسة المسيح ستظل حية بعد الموت الجسدي.
مهمة الكنيسة
يقول بولس في أفسس 3: 10 و11 إن قصد الله الأزلي في المسيح سوف يُعلن "بواسطة الكنيسة". فالكنيسة إذاً في قلب قصد الله الفدائي في المسيح. والكنيسة بالمعنى العام مؤلفة من جميع المفديين بواسطة المسيح. أما الكنيسة المحلية فمؤلفة من مؤمنين معمدين. ومهمة هذه وتلك هي إذاعة بشارة الفداء في عالم هالك.
وبالعودة إلى كلام المسيح في متى 16، نقرأ: "وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ" (الآية 19). هذه الآية تُتخذ أحياناً لتأييد سلطة أرضية، حيث تُعتبر المفاتيح سياسية وروحية على التوالي، ويُناط الربط والحل بإمساك الخطايا وغفرانها. ويصرّ أنصار هذا التأويل على أن هذه الكلمات قيلت لبطرس وحده. على أن بطرس كلّم المسيح ممثّلاً جماعة التلاميذ (الآية 16)، وكذلك تكلم المسيح إلى الاثني عشر من خلال بطرس. وكذلك استعمل المسيح هذه الكلمات بالذات في ما يتعلق بالكنيسة أو بكنيسة ما (متى 18: 18).
يرى كاتب هذه السطور أن الآية التاسعة عشرة قد وجّهت إلى الاثني عشر باعتبارهم ممثلين لشركة الكنيسة. ومعلوم أن "المفاتيح" تُستعمل لفتح الأبواب أو إقفالها. فهذه المفاتيح إذاً إما تفتح الأبواب لملكوت السماء وإما تقفلها.
وتُعتبر مفاتيح الملكوت أنها الإنجيل الذي ودعه المسيح في كنيسته. فإذا كانت الكنيسة تربط الإنجيل على الأرض بعدم إذاعته، فإن السماء سبق أن رسمت أنه ما من طريق آخر يستطيع به الناس أن يخلصوا ويدخل ملكوت السماء. ولكن إذا كانت الكنيسة تحل الإنجيل على الأرض بإذاعته، فإن السماء سبق أن رسمت أن الناس سوف يسمعونه فيؤمن بعضهم، والذين يؤمنون يخلصون، أو يدخلون ملكوت السماء. يا له من امتياز عظيم ويا لها من مسؤولية خطيرة!
في ضوء هذا يمكننا أن نفهم أمر المسيح بتبشير العالم (متى 28: 18- 20؛ لوقا 24: 44- 49؛ يوحنا 20: 21- 23؛ أعمال 1: 8). وهذه هو معنى 1 بطرس 2: 4- 10. فالكنيسة هي شعب الله الحقيقي. وفي ضوء هذا يمكن أن تعتبر رسالة العبرانيين دعوة إلى إقامة الإرساليات العالمية. وهذا هو معنى رؤيا 22: 17).
يُترجم موفات فيلبي 3: 20 بالقول: "ولكننا نحن مستوطنة سماوية..." فبموجب النظام الروماني، كانت بعض المدن تُكافأ على الأمانة في الخدمة بأن تُجعل مستوطنات. وكان أهل هذه المستوطنات يحرسون المنطقة المحيطة بهم ويتولون شؤونها الأمنية. ثم إن مواطني هذه المستوطنات كانوا يعيشون على نحو يجعل الآخرين يرغبون في أن يصيروا مواطنين رومانيين. فقد كانت المستوطنات أجزاء صغيرة من روما مُقامة في الإمبراطورية.
وعليه، فإن ما يعنيه بولس هو أنه كما كانت فيلبي مستوطنة بهذه الصفة فكذلك كانت الكنيسة مستوطنة سماوية. لقد كانت جزءاً صغيراً من السماء مقاماً في عالم وثني. وكان ينبغي لمواطني هذه المستوطنة أن يثبّتوا في بيئتهم مبادئ السماء، كما كان من واجب كل عضو أن يعيش عيشة ترغّب الآخرين في أن يصيروا مواطنين في مملكة الله. هذا القول ينطبق على كل كنيسة محلية.
الكنيسة والملكوت
ثمة آراء مختلفة في ما يتعلق بالملكوت. وفيما يفرق بعضهم بين "ملكوت الله" و"ملكوت السماوات"، يبدو لي أن كتّاب الإنجيل لا يراعون مثل هذا التفريق. فالعبارتان تُستعملان بالتبادل في تدوين تعليم المسيح نفسه (متى 13: 11، 31؛ مرقس 4: 11، 30؛ لوقا 8: 10). ولنلاحظ أن مرقس ولوقا استعملا "ملكوت الله" فيما استخدم متى "ملكوت السماوات".
إن ملكوت الله بمعناه الأشمل هو حكم الله في الكون الذي يراه. فهو يحكم جميع خلائقه: الملائكة والبشر والأبالسة والطبيعة. إذاً الكنيسة جزء من أجزاء ملكوت الله. فالكنيسة الجامعة، يوصفها مؤلفة من جميع المفتديين، هي في ملكوت الله. أما الكنيسة المحلية فهي مستوطنة على الأرض لذلك الملكوت. وفي أعقاب رجوع الرب والدينونة سيملك الله على خليقة مفتداة (1 كورنثوس 15: 24- 28)؛ وعلى الشيطان وملائكته وغير المؤمنين الذين في الجحيم (رؤيا 20: 10- 15)؛ وفي السماء على الملائكة الأطهار ومفديي جميع العصور (رؤيا 21و 22).
وقد جاء المسيح ليقيم حكم الله ليس فقط في قلوب الناس، بل على كل ما في الكون. وقد أثبت أن ادعاء الشيطان السيادة على العالم هو ادعاء باطل. وكلما خضعت إحدى النفوس لله بواسطة المسيح تدخل ملكوت الله بقبولها الطوعي لحكم الله. وهكذا يصير كل من يؤمن عضواً في الكنيسة الجامعة. وبالمعمودية يصير المؤمن جزءاً من شركة الكنيسة المحلية. ويمكن التمييز بين الكنيسة والملكوت باعتبار الكنيسة، الجامعة والمحلية، ذلك الجزء من ملكوت الله المكلّف نشر حكم الله في قلوب البشر. فالكنيسة دون أية مؤسسة أخرى هي التي أُعطيت مفاتيح الملكوت.
وبينما يضم المرء إلى الكنيسة العامة من طريق الولادة الجديدة، فهو يصير جزءاً من الكنيسة المحلية من طريق المعمودية بعد الإيمان. فقد أعطى المسيح الكنيسة المحلية فريضتي المعمودية وعشاء الرب، لكي تشهد الكنيسة بممارستها عن عمله الخلاصي في محيطها. إذاً الخلاص مرادف للانضمام إلى الكنيسة العامة، ولكن هذا الأمر لا يصح على اكتساب العضو في الكنيسة المحلية. فليس الانضمام إلى الكنيسة المحلية مرادفاً للخلاص. ذلك أن التعبير الذي يُستعمل في العهد الجديد بالنسبة إلى علاقة المسيحي بالكنيسة المحلية هو "الشركة" وليس "العضوية".
يشدد العهد الجديد التشديد الأكثر على الكنيسة المحلية، لاحظ مثلاً "كنيسة الله في كورنثوس" (1 كورنثوس 1: 2؛ 2 كورنثوس 1: 1) و"كنائس غلاطية" (غلاطية 1: 2). فالكنيسة المحلية هي المظهر المنظور عملياً للكنيسة العامة في مكان وزمان معلومَين. وعليه، تكون الكنيسة المحلية كياناً ديمقراطياً خاضعاً لسيادة المسيح، يُمارس إدارة شؤونه الخاصة: من اختيار الشمامسة (أعمال 6: 1- 6) وممارسة الفريضتين (أعمال 2: 41 و42)، والموافقة على خدمة التبشير (أعمال 11: 1- 18)، وإرسال المرسلين وتلقّي تقاريرهم (أعمال 13 و14)، وتطبيق التأديب الكنسي.
كانت كل واحدة من كنائس العهد الجديد وحدة قائمة بذاتها لا تمارس أية سلطة على سواها من الكنائس ولا تحكمها كنيسة أخرى أو هيئة مسيحية ما. ولكن فيما كانت الكنائس مستقلة، فبالتوافق كانت تتعاون في المسائل ذات الاهتمام المتبادل، كالتعلم وإعانة الكنائس الأخرى. فالمعمدانيون أناس مستقلون يمارسون استقلالهم من طريق التعاون الطوعي.
قادة الكنيسة المحلية
إن القادة في الكنيسة المحلية في العهد الجديد هم الرعاة والشمامسة (فيلبي 1: 1). وتُدعى الوظيفة عينها بأسماء مختلفة: أسقف، شيخ، راع. أما صفات الرعاة والشمامسة فمعروضة في 1 تيموثاوس 3 (بخصوص الشمامسة راجع أيضاً أعمال 6: 3).
والكلمة "أسقف" تعريب لكلمة يونانية تعني ناظراً، أي شخصاً يتولى مراقبة أعمال الآخرين للتأكد من حسن أدائها. أما الكلمة "شيخ" فهي ترجمة لكلمة يونانية تفيد التقدم في السن. وكانت هذه الكلمة عند اليهود تُطلق على الشخص الذي أكسبه العمر الطويل وقاراً وحكمة. لكنها بالمعنى المسيحي كانت تُطلق على أولئك الذين يشرفون على الجماعات الكنسية. وفي هذا إشارة إلى القادة في الكنيسة. ويتضمن الاسم نفسه وظيفة المرشد. أما الكلمة "راع" فواضح أنها تشير إلى الشخص الذي يتعهد القطيع ويطعمه.
يظهر من أعمال 20: 28 أن هذه الكلمات الثلاث تشير إلى الخدمة عينها. فهذا الكلام موجه إلى شيوخ الكنيسة في أفسس (الآية 17، حيث "قسوس" هي نظيرة للكلمة "شيوخ" معربة عن السريانية). ففي أعمال 20: 28 نقرأ: "... أساقفة كنيسة الله" (وهنا يمكن استبدال الكلمة "نظّاراً" بالكلمة "أساقفة"). وفي تيطس 1: 5- 7 تُستعمل الكلمات "شيخ و"أسقف" بالتبادل. وقوله في أعمال 20: 28 "لترعوا" يكمل الصورة التي تبين أن الكلمات الثلاث نصف الوظيفة عينها. ففي العهد الجديد لا تشير الكلمة "أسقف" البتة إلى شخص يترأس مجموعة من الكنائس. وكذلك تشير الكلمة "شيخ" (أو قسيس) بالمعنى المسيحي إلى الخدمة عينها التي يشغلها الأسقف أو الراعي.
وبينما لا تظهر الكلمة "شماس" في أعمال 6: 1- 8، يشير المقطع على الأرجح إلى أصل هذه الوظيفة. وتعني الكلمة اليونانية شخصاً يخدم غيره، بالأعمال الوضيعة في الواقع، كخادم أو عبد. وقد عدّ بولس نفسه عبداً، اقتداءً منه بالمسيح سيّده (متى 20: 28؛ كولوسي 1: 25). وقد دُعي "الأنبياء الكذبة" خداماً (أو شمامسة) للشيطان (2 كورنثوس 11: 15).
كان الشمامسة يخدمون الكنيسة في الشؤون المادية والروحية على السواء (أعمال 6: 2 إلى 7: 60؛ 8: 5- 40). وقد كان استفانوس، شهيد المسيحية الأول، شماساً. ولنلاحظ أن الكنيسة أصابت نجاحاً وازدهاراً لما أدى الرعاة والشمامسة على السواء عملهم بأمانة (أعمال 6: 7).
ولا يعني وجود وظيفتين مرسومتين أنه لا يحق للكنيسة أن تعيّن فعلة آخرين، كالمعلمين والمرشدين مثلاً، للقيام بمختلف النشاطات الكنسية. فمن الممكن اختيار فعلة كهؤلاء بحسبما تدعو الحاجة، غير أن القادة المرسومين هم الرعاة والشمامسة.
مركز النشاط والولاء:
لما كان ينبغي لقصد الله الأزلي من جهة الفداء أن يتم "بواسطة الكنيسة" (أفسس 3: 10 و11)، فإن هدف المؤمن الأول يجب أن يعمل على تحقيق هذا القصد. وبما أن الكنيسة المحلية هي المركز لتحقيق هذا القصد، فينبغي أن يكون نشاط المسيحي وولاؤه جاريَين من خلال شركة الكنيسة المحلية التي هو جزء منها.
قد يكون ثمة قضايا ومؤسسات تستحق أن ينخرط المرء فيها لخدمة المجتمع. ولكن ينبغي ألا يتم ذلك على حساب إهمال المرء لمسؤوليته في كنيسته ومن خلالها. فههُنا يجب أن يكون الصالح عدواً للأصلح.
قد يستخف بعض الناس بالكنيسة، غير أنها ما تزال هي جسد المسيح وعروسه التي شاء أن يقوم بعمله من خلالها. فإذا كان المسيحي المؤمن يريد أن يكون حيث العمل جار، فعليه أن يكرّس نفسه للمسيح في الكنيسة ويمارس نشاطه من خلالها.
للمراجعة والبحث
1- ما معنى الكلمة "كنيسة"؟ ما هو غرض الكنيسة وما عملها؟
2- ادرس معنى "كنيستي" في متى 16: 18. ماذا يعلّمك ذلك بشأن طبيعة الكنيسة؟ ما معنى "الثيوقراطية" و"الديمقراطية" بالنسبة إلى الكنيسة؟ كيف يمكن أن يُساء استخدام الكلمة "استقلال" أو "حكم ذاتي"؟
3- ما العلاقة بين الكنيسة وملكوت الله؟
4- هل الكنيسة المحلية التي أنت عضو فيها هي مركز الخدمة والولاء عندك؟ إن كان لا، فلمَ لا تكون؟
- عدد الزيارات: 5985