Skip to main content

السامري الصالح، لكنه مرفوض

السامري الصالح، لكنه مرفوض

ان قصة السامري الصالح التي حكاها الرب يسوع في انجيل لوقا 10، تلخّص البشارة الانجيلية المفرحة.... فقد أراد الرب يسوع في هذه القصة ان يروي وجهة نظر الله، بخصوص حالة وحاجة

الانسان.. فالحقيقة التي يكشفها الانجيل، غريبة جدا عن وجهة نظر البشر، ويجد الناس صعوبة في تقبّل التشخيص الالهي الصحيح لحالتهم...

فالقصة تتلخّص، ان انساناً نزل من اورشليم الى اريحا، وفي الطريق انقض عليه اللصوص، وتركوه بين حي وميت، فجاز الكاهن واللاوي ورفضا مساعدته، ثم اتى رجل سامري، وانقذه واهتم به حتى النهاية (والسامري مرفوض من اليهود، والمصاب يهودي).. والانسان المصاب رمز لكل انسان بلا استثناء، الذي بحسب الرؤية السماوية هو مصاب ومكسّر ومحطّم، وويصف الله حالته انه "بين حي وميت". والسبب في حالته الميئوسة هو نزوله من اورشليم الى اريحا، اي نزول الانسان من الحالة المقدسة بعلاقة حية مع خالقه، الى الحضيض اي الى مكان اللعنة.  ونزوله اي انحطاطه وتدهوره الروحيين هما بارادته، اي بارادة الانسان الذي يقرر رفض الله والركض وراء شهوته (اريحا تعني شهوة وهي مكان اللعنة). الامر الذي عرّضه للصوص اي للشيطان واعوانه الذين سرقوا منه كل ما هو الهي وتركوه محطما مكسورا يائسا ميتا روحيا، مع انه ما زال رجاء بانقاذه... وهو عاجز روحيا عن انقاذ نفسه، لان المنطقة بين اورشليم الى اريحا، هي مكان مهجور وصحراوي، ولا مجال لانقاذ مَن يُطرَح هناك.. وجاز مقابله الكاهن واللاوي، وبذلك اراد المسيح ان يصرح ان التدين والتقاليد الدينية لا يمكن ان تساعد او ان تنقذ الانسان المحطم روحيا.. وكون الكاهن واللاوي نازلين من اورشليم الى اريحا، تعني انهما في نظر الله ايضا منحدرين روحيا وذاهبين الى مكان اللعنة.. ففي نظر الله، لا فرق بين خاطي وآخر، فالكل خطاة عاجزين.. ثم اتى السامري، والسامريون في نظر اليهود، مرفوضون ومحتقرون، ولا يمكن التعامل معهم. وبذلك اراد يسوع، ان يشبّه نفسه بالسامري، لانه مرفوض ومحتقر من الجميع، فكيف لوليد المذود ان يكون مخلّصا وفاديا للبشر؟!. والسامري "اتى اليه"، فالمسيح لم يجتز كالكاهن او اللاوي، بل اتى من السماء  خصيصا الينا، لينقذنا ويعتني بنا. والسامري صبّ على جروح المصاب زيتا، كذلك المسيح بالروح القدس يشفي فينا كل الجروح الروحية والنفسية، يعالج كل جروح الماضي في حياتنا. ويسوع قد انقذنا حين كنّا بلا امل ولا رجاء. وحين عجز الكل عن انقاذ الخاطي المسكين. كان يسوع الوحيد الذي اظهر كل اهتمامه لخلاصنا، وكل هدفه انقاذنا، فنحن لسنا في نظره ثانويين وهامشيين، بل اتى خصيصا الينا، واعتنى بنا، وعمل الكل لأجل خلاصنا واسترداد ما فقدنا، وحمَلنا ونقَلنا الى الفندق، اي الكنيسة لتعتني بنا، وهو يدفع كل التكاليف، ووعد ان يرجع ويأخذنا ويكافئ كل مَن اعتنى بنا..

لا شك انها قصة رائعة، لا يتوقعها البشر، فالناس غير مقتنعة بالتشخيص الالهي، اي اننا بين حي وميت. والناس ايضا لا تتقبل ان المسيح يسوع المرفوض من الجميع، يكون المخلّص الوحيد والفادي الفريد... ورغم معاناة البشر وتدهورهم الواضح، ورغم تخبطات الناس وحطام العائلات وانكسار القلوب، لكن البشر ما زالوا مصرّين على ان حالتهم على ما يرام، وليس كما يقول الانجيل "بين حي وميت"... ورغم فشل التدين والتقليد والطقوس الدينية في مساعدة الانسان المسكين، ورغم فشل رجال الدين والانبياء والفلاسفة والزعماء، في الاعتناء والاهتمام بالبشر المساكين، الا انهم يجدون صعوبة بالاقتناع ان يسوع هو المخلّص الوحيد. ويسوع هو الوحيد الذي بلا خطية، والوحيد الذي ضحّى بحياته لاجلنا، والوحيد الذي اتى خصيصا لاجلنا، ولم يبحث عن مجد نفسه كالاخرين، والوحيد الذي فهِمَ معاناة البشر، اذ شبهّها بالصليب. ومهما رفض الناس فكرة الصليب، تبقى الرمز التاريخي الوحيد الذي يعكس بشكل صحيح وكامل ودقيق معاناة البشر على مدى الاجيال.. وكثيرون قالوا وكتبوا وعلّموا، لكن الرب يسوع هو الوحيد الذي نزل الى حيث نحن، فهذا الانسان المحطم والمطروح بين حي وميت يحتاج الى مَن ينزل الى حيث هو، لكي يتمكّن من رفعه وانقاذه... ويختم يسوع هذه القصة، قائلا لكل واحد منّا "اذهب، واصنع هكذا". وبذلك يقول للجميع، "ضع المعرفة جانبا، والوعظ ايضا والتدين والمظاهر، والمهم ان تصنع هكذا، اي ان تنزل الى حيث المكسور والمصاب والمحطّم والمرفوض واليائس زابائس، وترفعه وتهتم به وتداوي جراحاته، وتعتني به عالما ان أجرك ومكافئتك هي من الرب، غير آبهٍ لما يقوله الناس، حتى ولو استهزأوا وسخروا وانتقدوا"... 

الله, المسيح, الخلاص, الانسان

  • عدد الزيارات: 10814