الايمان والرجاء والمحبة
لخّص الرسول بولس المسيحية بثلاث كلمات اساسية: الايمان والرجاء والمحبة، الامور الرئيسية التي يحتاجها البشر.. فكما ان الجسد لا يحيا بلا طعام وغذاء، هكذا الروح لا تحيا ولا تستمر بدون الايمان والرجاء والمحبة...
والايمان اي الثقة بالخالق وبكلامه والرجاء اي الامل الثابت بأمور مباركة يعملها الرب، والمحبة اي قبول القدير لي رغم كل ما فيّ وان كل مقاصده هي خير لي....
الايمان اي التمسك بما فعله يسوع على الصليب اي تأسيس حياتنا على ما فعله الله لاجلنا، اذ قدّم اغلى من عنده لكي لا نهلك.. فالايمان هو على اساس خطة الله للخلاص في الماضي، والمحبة اي الوعي الكامل والثابت من محبة الله لي في الحاضر ايضا، والرجاء اي توقّع رجوع المسيح في المستقبل القريب لأخذ الذين له..... وما اتعس الانسان بدون ثقة ويقين بمحبة الرب الذي خلقه والرجاء ان يوما ما سيكون معه الى ابد الابدين في اجمل واسمى مكان... وقد أكّد الرسول بولس ان هذه الثلاثة هي الاعظم في المسيحية، وهي الاعظم في الحياة، ولكن من بين الثلاثة، المحبة تبقى دائما هي اعظمهن... اولا لأن الايمان بعمل الرب والرجاء لنكون معه كلاهما مبنيان على محبة الرب لنا، فالمحبة اي قبول القدير للمخلوق الخاطي هي نبع الايمان والرجاء... فيقين الايمان للخلاص والرجاء للخلاص من هذا العالم مؤسسان على محبة الرب لنا التي لا تتغير...... وثانيا لأن عند رجوع الرب لأخذ كنيسته، لا يكون رجاء بعد لأنه يتحقق رجاؤنا، وايضا نكون عندها مع الرب، فلا حاجة بعد للايمان بل نكون معه بالعيان... منذ الصليب حتى رجوع الرب، كل تعاملنا مع الرب هو على اساس الايمان اي تصديق وقبول كلام الرب من دون ان نراه بشكل ملموس... فالمحبة تبقى الى ابد الابدين، لاتنتهي حتى عند انتهاء الايمان والرجاء...
ومع ان الرب يسوع اختار اثني عشر تلميذا او رسولا، الا انه في مناسبات كثيرة اختار ثلاثة منهم فقط، اي بطرس ويعقوب ويوحنا... ففي احداث خاصة جدا وفي اطار ضيق جدا، اخذ يسوع معه هؤلاء الرسل الثلاثة فمثلا في جبل التجلي متى 17 وعند اقامة الفتاة من الموت وقبيل الصليب ومواقف اخرى اكتفى يسوع بالاختلاء فقط مع بطرس ويعقوب ويوحنا ،وهم رمز للاسس المسيحية الثلاثة.. فبطرس رمز للايمان ويعقوب رمز للرجاء ويوحنا رمز للمحبة، وقد دعا الرسول بولس هؤلاء الثلاثة اعمدة (غلاطية) رئيسية في كنيسة الله... بطرس يمثّل الايمان لانه في انجيل متى 16 ، عندما سأل يسوع الناس مَن يظنونه وما هو رأيهم به، الوحيد الذي تقدّم واجاب اجابة صحيحة ورائعة مليئة بالايمان كان بطرس، اذ اعلن ان يسوع هو ابن الله الحي... الامر الذي لا يمكن للعيان ان يراه، لذلك قال له يسوع ان لحما ودما لم يعلنا لك بل ابي الذي في السموات. ولذلك منحه يسوع مفاتيح ملكوت السموات، وكان فعلا هو الذي اعلن الانجيل في سفر اعمال الرسل لليهود في ص 2 وللسامريين في ص 8 وللامم في ص 10. وايضا قال له يسوع "انت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي".. فبطرس كلمة يونانية تعني حجر صغير، وعلى الصخرة بنى يسوع كنيسته، وهنا الصخرة اي اعلان بطرس الثابت ان يسوع هو ابن الله الحي... فبطرس رمز للايمان الداخلي والعلني والرؤية الصحيحة للانجيل.. اما الرسول يعقوب فهو رمز للرجاء، لانه في سفر اعمال الرسل ص 12، امسك به الملك هيرودس وقتله ارضاءا لليهود، فالرسول يعقوب هو اول مَن استشهد من بين رسل المسيح الاثني عشر، فمات في المسيح على رجاء القيامة لذلك يمثّل الرجاء المسيحي...
اما الرسول يوحنا فهو الركن الثالث للمسيحية، لانه يمثل المحبة فهو كاتب انجيل المحبة، وهو الذي قال عنه الانجيل خمس مرات "التلميذ الذي كان يسوع يحبه"، وهو الوحيد من الرسل الاثني عشر الذي لم يستشهد، بل مات موتا طبيعيا، وقد عاش الاطول من بين الرسل لانه رمز للمحبة التي تبقي حتى بعد انتهاء الرجاء والايمان، اي بعد غياب يعقوب وبطرس... وقد قال يسوع لبطرس عن يوحنا انه يبقى حتى ارجع (يو 21)، وقد قصد يسوع ان يوحنا يبقى حتى يرجع، ويعلن ليوحنا سفر الرؤيا عن كل الاحداث التي ستحدث في آ خر الايام.
وقد اعتاد يسوع ان يأخذ معه الرسل، حيثما ذهب، اما احيانا فكان يأخذ فقط الثلاثة اي بطرس ويعقوب ويوحنا، فكأنه اراد ان يقول ان قوة المسيحي، حيثما ذهب هي في المحبة والرجاء والايمان. واذا اردنا ان نتغير الى صورة المسيح، علينا ان نصطحب معنا حيثما ذهبنا، الايمان والرجاء والمحبة... فالقلب المليء بمحبة الرب والمحبة لجميع البشر حتى للاعداء والمعاندين والمليء ايضا بالايمان والثقة الدائمة بالرب وكلامه ووعوده، والمليء ايضا بالرجاء والامل والتوقع، قلب كهذا لا يتزعزع ولا يتراجع ولا يندفع، بل كل ما يفعله ينجح، ويقود للخلاص ويبث المحبة والايمان والرجاء في قلوب مَن يحتك بهم ويرافقهم... اما الانسان او الجماعة التي تفقد روح المحبة والقبول وجو الايمان والثقة ولغة الرجاء، تكون ارضا خصبة للتشويش والفوضى والتعب والخصام والنزاع، ويكون الله منها براء..
وقد اكّد كاتب رسالة العبرانين في الفصل 11، "انه بدون ايمان لا يمكن ارضاء الله"، معبّرا عن اهمية الايمان للاقتراب الى الرب... وايضا الرسول يوحنا كتب قائلا انه "مَن لا يحب، لا يعرف الله"، مؤكدا عن اهمية المحبة للتعامل مع الله والاثبات على اننا نعرف الله، اما الرسول بولس فقد صرّح انه "ان كان رجاؤنا فقط في هذا العالم، اي انه كنا بلا رجاء ابدي، نكون اشقى جميع الناس" (كور15).. هذه الشواهد الثلاثة تؤكد على وجوب التحلّي بهذا الخصال الاساسية والفضائل الرئيسية لكل مَن اسم المسيح عليه .. والانجيل قد خصّص فصلا كاملا عن المحبة (1 كو13) وفصلا كاملا عن الايمان (عب 11) وفصلا كاملا عن الرجاء الابدي (1 كو15)... دعنا نرجع الى اسس المسيحية هذه ونتمسك بها، ولا نجعل الامور الثانوية والهامشية تحل محل هذه الامور الاساسية...
- عدد الزيارات: 13257