Skip to main content

ويمكث يسوع في قلبك وفي بيتك!

فاجأ الرب يسوع زكا رئيس العشارين، بقراره ان يمكث في بيته وبإعلانه عن خلاص اهل بيته.... كان زكا رئيس للعشارين الذين يجبون الضرائب من الشعب اليهودي للسلطة الرومانية، فكان زكا

مكروها من الشعب، لكنه صار غنيا ومعروفا من الجميع..

وكان قد سمع عن يسوع وعن تعليمه وكلامه وعجائبه، وعن موقف الشعب منه اي من يسوع، فشده حب استطلاعه الى امنية ان يرى يسوع يوما ما.. ولما ذاع الخبر ان يسوع مارّا من مدينة اريحا، انفعل زكا وفرح وعمل المستحيل لكي يرى يسوع معجبا بشخصيته ومستغربا من رفض الناس له.. كان رفض الناس لزكا، دافعا قويا له ليتعرف بذلك الشخص العجيب، المرفوض من الجميع... وصل يسوع بموكب غفير الى مركز مدينة اريحا، فاحتار زكا واراد بكل قلبه ان يغتنم الفرصة االذهبية ويكون لقاءا تاريخيا بينه وبين يسوع... لكن الامر صده ببضعة الموانع والمعطلات، فالجمع غفير ومن الصعب وصول زكا الى يسوع، ثم ايضا كان زكا قصير القامة مما يمنعه من رؤية يسوع من على بعد. وبالاضافة الى ذلك، لا بد ان زكا كان واعيا من الخجل امام الناس لسبب الحقيقة ان رئيس العشارين المرفوض من الناس، يريد ان يرى يسوع... لكن زكا امام هذه المعطلات، صمم وأصر على مقابلة يسوع لانه اشتاق الى تغيير جذري لحياته، وعرف في قرارة نفسه ان الجوع الروحي في قلبه لا يشبعه مال ولا جاه ولا مركز اجتماعي.... فلقاء يسوع بالنسبة لزكا، لم يكن اختيارا وامنية وشوقا فحسب، بل حاجة ماسة وملحة وجاذبية داخلية عميقة وقوية نحو يسوع، وعلم زكا انه لو اضاع هذه الفرصة، لضاعت الى الابد....

كثيرون اليوم لا يلتقون بالرب يسوع الحي، لانهم لا يؤمنون ان يسوع قادر ان يغيّرهم، او انهم يريدون تغييرا، لكن ليس بشكل ملح وضروري، فيعتقدون خطأً انه يمكنهم العيش بسلام ونجاح من دون يسوع، وكثيرون يريدون يسوع، لكن خجلهم من الجمع المزدحم، يمنعهم من الوصول الى الرب.. فالرأي العام وحكم المجتمع بالنسبة لهم هما المقرران لحياتهم... فجلّ همّهم هو دائما ما سيقوله الناس من موقفهم، فهم لا ينطقون الا بما يعجب الناس، ولا يهتفون الا بما يلقى مديح المجتمع، ولا يخطون خطوة حتى ولو مصيرية الا بما يتناسب مع الرأي العام..... فكم من ناس هلكت، ارضاءا لاهل بيتهم، ونزولا عند رغبة الناس من حولهم.. لكن زكا كان بطلا، وقد اعجب موقفه يسوع،  مما جعل يسوع ينادي بصوت عال: "زكا انزل لانه ينبغي ان يمكث في بيتك"....

رغم ان زكا كان بالغا، اي ليس صغير السن، لكنه لم يبال بتعليقات الناس الذين يزحمون يسوع، وانت ايضا لكي تنال قبول يسوع لك، عليك ان لا تأبه لكلام العالم المسيحي الذي يزحم المسيح ولا يؤمن به، ينادي بإسم المسيح ويعيّد للمسيح من دون ان يحصل على خلاص وحياة ابدية منه..... فرغم المعطلات من حول زكا، اي الجمع الذي يمنع زكا من الوصول الى المسيح، ورغم المعطلات الداخلية فقد كان زكا قصير القامة، ورغم معطلات الماضي فقد كانت سمعته سيئة، لكن زكا أصرّ على رؤية يسوع مما اعماه عن رؤية اي معطل، بل سد أذنيه عن كل كلام او تعليق من الهالكين الذين يتبعون يسوع شكليا وصوريا وخارجيا، وفي نفس الوقت يعطّلون الكثيرين من الوصول الى يسوع الحقيقي...

لكل زكا، يرسل الله جميزة، فلكل واحد يريد يسوع، وامامه الكثير من المعطلات، الجميزة موجودة ليتسلق عليها ويرى يسوع، ولا يبالي بسخرية احد، وهو يراه مختبأ بين اوراق شجرة الجميزة... احيانا نخسر الكثير من البركات بسبب مشغوليتنا بما سيقوله الناس، وننسى ان الناس الذين بسببهم نخسر الابدية، هم هالكون، يتبعون يسوع شكليا بدافع حب الاستطلاع، لا هم يدخلون ولا يريدون احد ان يدخل الى دائرة البركات السماوية.. لكن زكا تخطّى نظرات الناس، ولم ير الا يسوع، فاعتراه فرح لا ينطق به بسبب اكتفائه برؤية يسوع، وسجّل الانجيل موقف زكا الخاص، اما الالاف الذين احاطوا يسوع، فتجاهلهم الانجيل ولم يذكر اي منهم وانتهوا وكأنهم لم يكونوا.... لا تدع الجموع الضالة والضائعة، تحدّد مصيرك، او تؤثر في قراراتك، لانك اذا هلكت او تحطمت، لا يهم الجموع امرك، بل احيانا يشمتون بسقوطك...

لماذا كتبت قصة زكا في الكتاب المقدس؟؟؟ اولا لان موقف زكا يعبّر عن ايمانه الخاص، وايضا فقصته تنطبق على كل انسان يريد يسوع.. فكل قصص الانجيل تنطبق على موقف الايمان الصحيح في كل مكان وزمان.. فزكا يمثّل كل انسان يريد يسوع بجدية، ولا يهمّه المعطلات الداخلية والخارجية، ولا يبالي بآراء الناس، بل كل همّه ارضاء خالقه، لان في ارضاء القدير، حياة وبركة الانسان.... ومعنى اسم زكا الطاهر او البريء او المستقيم، فكل انسان يظن نفسه طاهرا وبارا، ولا يريد ان يرى ذنوبه، بل دائما يبرر ذاته، لكن الله لن يقبل انسانا يعتاد تبرير ذاته، بل بداية اي لقاء بين الانسان وربه هي الاعتراف بحالة الانسان واكتشاف ذاته انه خاطئ، والتوقف عن تبرير ذاته.... اكتشف زكا الذي ظن دائما انه على حق، انه خاطئ وانه يحتاج الى يسوع، فبدأ يرى الامور بشكل مختلف، عما اعتاد هو والناس من حوله ان يروها... وانا وانت لكي نكسب رضى الرب علينا ان نخرج مما اعتاد عليه الناس، وهو تبرير ذواتهم.. بل اكتشف زكا انه ليس مزكّى امام الله، بل خاطي يحتاج الى مخلّص... صعد زكا الى اعلى الجميزة، ومن هناك، نظر الى يسوع فرأه وفرح، وتبادلا النظرات... والجميزة شجرة عالية وضخمة تشبه شجرة التين لكنها اكبر وثمارها اصغر، وهي رمز للتدين الشكلي واتباع المسيح الظاهري,, ومع انها تشبه التين الا انها ليست شجرة التين، فتدين اتباع المسيح ليس كتديّن التقليديين، لكنه ما دام خارجي وظاهري فلا يشبع القلب.. بسبب قصر قامته صعد الى اعلى الجميزة، لكن الصعود الى الجميزة لم يكف، بل من بين اغصانها، نظر الى يسوع... احيانا نريد يسوع فنلتجئ الى التديّن واتباع المسيح شكليا وظاهريا، وسرعان ما نكتشف ان التدين الشكلي واتباع المسيح خارجيا والانشغال بالكلمة والمعرفة الكتابية السطحية والصلاة والصوم، كل هذا لا يكفي، بل حتى في خضم المشغولية الدينية، نحتاج الى الرب يسوع بشكل حي وملموس وعملي.... وحظيَ زكا بلقاء حي مع الرب، لانه كان مستعدا لكل شيء من اجل الالتقاء بيسوع بشكل حي وحقيقي.... وسط المجوع المزاحمة، صرخ يسوع ونادى زكا، ولم يخجل يسوع برئيس العشارين، لانه اعترف انه اول الخطاة، فدعاه للنزول عن التدين بسبب فراغه، واعلمه انه اي يسوع، ينبغي ان يمكث في بيته.... منح يسوع الخلاص والحياة الابدية لزكا، فتذمّر الجموع.. فالناس لا تريد ان تخلص، ولا تريد الخلاص لاحد ولا يريدون التنازل عن اتباع يسوع التقليدي والشكلي.... وصرح يسوع انه حصل خلاص كامل لبيت زكا، بعد ان اعلن زكا عن اصلاح الماضي، بردّ كل ما ظلم به الاخرين وباعطاء المحتاجين من امواله..

وختاما اريد ان اتطرق لكلمة اريحا التي تعني شهوات وملذات، وهي مدينة ملعونة بحسب الكتاب المقدس، واريحا في هذه الحادثة رمز للعالم الذي نعيش فيه، فهو سوق للشهوات والملذّات، وهو مكان للعنة.. ولكي نحصل على البركة الالهية، علينا ان نفضّل يسوع على الشهوات، ونطلب الرب اكثر من الملذات المؤقتة، والتمسّك بالمسيح وسط رياح الشهوة من كل جانب.. واريحا هي اخفض مكان في العالم، فعالمنا ادبيا هو منخفض، ويتميز بالانحطاط الادبي والاخلاقي... ليت الرب يخلّصنا من روح زكا، اي تبرير الذات وظلم الاخرين وحياة الانانية والانشغال بالتديّن واتّباع المسيح الشكلي، بل نتمثّل بزكا الذين طلب يسوع بكل قلبه ولم يكتف باتّباع يسوع الخارجي ولم يبال بالجموع، بل صمم على الخروج من ارض الشهوات والتمسك بالرب يسوع، عندها نتمتع بالخلاص لنا ولبيوتنا ولكل مَن نحتك بهم من حولنا... وكم من بيوت ينقصها السلام والهدوء والانسجام والبركة والتمتع بالخلاص وبحضور يسوع الدائم والمبارك.... 

الله, المسيح, الخلاص, الخطية

  • عدد الزيارات: 7621