لماذا شبّه يسوع المؤمنين بالغنم؟!
اعطت كلمة الله مكانة خاصة للاغنام او الحملان، وعندما بحث يسوع عن الامر الذي يمكن ان يشبّه المؤمن به، من كل الامور التي في الطبيعة، وجد الحملان ابلغ تشبيه وادقّ مثال.
وكثيرا ما شبّه الكتاب المقدس العلاقة بين الرب والمؤمنين، كالعلاقة بين الراعي والغنم. وهنا اريد ان اتأمل بميزات الغنم، وقد وجدت خمس صفات جميلة في الاغنام:
1- الغنمة اولا وديعة ومتواضعة: خلق الله الاف الحيوانات، ولكن لانه اراد ان يظهر تفضيله لصفة الوداعة والتواضع، خلق الغنمة كصورة رائعة للوداعة.. فالغنمة وديعة ومتواضعة، بخلاف النمر المتعجرف، والذئب العنيف، والدب الشرس. في هذه الايام، لا يحبّذ الكثيرون ان يتّسمون بالوداعة والتواضع، لانهم يرونها ضعفا وعجزا، مع ان جميعهم يريدون العيش بالسلام والوئام. ومع ان الجميع يتجنّب التعامل مع انسان متكبر، لكن ما اكثر الذين يرفضون ان يكونوا من الودعاء والمتواضعين. ان التواضع والوداعة ليستا ضعفا وعجزا، بل علينا الاقتناع انهما قوة. لان المتكبر هو انسان ضعيف الشخصية .. كان يسوع وديعا ومتواضعا كالغنم. وفي عصره، كثيرون ظنوه ضعيفا، وانه لا يقدر على فعل شيء،اذ سلّم نفسه للصليب. لكنه في تواضعه ووداعته، اي فيما ظنوه عجزا، غيّر التاريخن فأنهى الفلسفة اليونانية وازال الامبراطورية الرومانيةن ووضع جانبا الديانة اليهودية.ز ففي "عجزه"، هزم الحكمة والقوة والتدين العالميين. علينا ان نعلّم اولادنا ان المجتمع يحتاج الى اناس ودعاء ومتواضعين.
2- الاغنام متحدة ومنسجمة: معظم الحيوانات كالخيل مثلا او الكلاب او الثعالب معتادة على السير منفردة، فتبقى لوحدها. ولكن الاغنام تسير دائما جماعات، ودائما تبقى متحدة وتتمشى بانسجام رائع. تعاني المجتمعات من انقسامات وشرذمات، فكل يشدّ الى جهته.. يحكى عن نسر وحصان وانسان، كانوا يجرّون عربة. شد النسر الى اعلى والحصان شد الى الامام والرجل شد الى الخلف.. فبقيت العربة في مكانها لم تتحرك ولم تتقدم قيد انملة. اذا شدّ كل واحد في المجتمع الى جهة مغايرة للاخر، نبقى في اماكننا ولن ننجز شيئا. هيا نتعلم من الاغنام ان نجتهد لنكون في وحدة وتناغم وانسجام لنسير ونشدّ في ذات الاتجاه.. علينا ان نتحد دون ان نحتقر احدا، بل ان نقبل الجميع ونحترم كل واحد، ونتحد ونندمج لتحقيق هدف واحد لمصلحة وخير الجميع. دعنا نرجع الى الوداعة والتواضع وايضا الى الوحدة والانسجامن متعلّمين من الاغنام لانه فقط من خلال ذلك، نحصل على البركة والنعمة والخير للجميع.
3- الغنمة معطاءة وكريمة وسخية: تحيا الاغنام، لتهب لحمها وحليبها للاخرين، فهي سخية في العطاء للاخرين وليست انانية او ذاتية. اما الذئب او الثعلب والغراب مثلا فمعتادون على الاخذ والخطف والاستغلال، ولا يفكرون الا في ذواتهم، جلّ همّهم ما يمكن ان يكسبوه من الاخرين.. هيا نتعلم من الغنمة العطاء والبذل، فالشخص الاناني هو عدو للخالق وللمجتمع الانساني.. الحاجة الى اناس يعتادون العطاء بسخاء وفرح. كان يسوع اعظم مثال، لانه بذل وقدّم كل ما عنده حتى حياته ودمه، لكنه جمع الكثير من الاثمار الابدية.. فالانسان المعطاء والسخي ليس غبيا .. فقد ذكر الرسول بولس القانون الصحيح "ان ما يزرعه الانسان اياه يحصد ايضا" (غلا 6)، فمَن يزرع الاشواك، لا يحصد التوت، ومَن يزرع الانانيةن لن يحصد الفرح. لنتعلم من الاغنام العطاء بفرح وسنحصد في وقته الخير.
4- الاغنام متعلقة ومعتمدة على بعضها البعض: اصبح معظم البشر اليوم مستقلين اكثر واكثر، كلٌّ يعيش حياته الخاصة بالاستقلال والانعزال عن الاخرين. لكن التاريخ يعلّم ان المجتمعات المتماسكة، التي فيها الاعضاء متعلقة بعضها ببعض، لهي اقوى وامتن. صحيح ان الانسان يجب ان يكون مستقلا ومعتمدا على نفسه وليس عالة على الاخرين وليس طفيليا، ولكن هذا لا يعني انني ابقى منعزلا عن الاخرين. فجميعنا محتاجون، الواحد للاخر. فالاغنام تبقى معتمدة ومتعلقة بالراعي، لا تقدر ان تعيش او تسير من دون راع حكيم وقوي وجيد. ونحن لا نقدر ان نعيش او نسير في هذه الحياة، من دون الخالق القدير والحكيم. يعتقد كثيرون من الشباب انه يمكنهم العيش من دون رب يرعاهم. لكن الاغنام تعلّمنا ان حمايتنا وأمننا وسلامتنا تكمن في شركة مستمرة واتصال دائم مع الهنا الراعي الامين. كيف نفسّر اذن هذه الظاهرة الطبيعية، ان الذئب يلد اولادا كثيرين كل مرة، اما الغنمة فتلد واحدا او اثنين كل مرة. ومع ان الذئب اقوى من الغنمة، ودائما يريد النيل من الغنمة وتقطيعها اربا اربا، وومع ذلك، كيف استطاعت الاغنام ان تبقى على قيد الحياة حتى يومنا هذا، واما الذئب فالى الاضمحلال...الجواب بكل بساطة، هو وجود الراعي الاعظم، اله صالح وقدير يحميها ويعتني بها.
5- الاغنام لديها قناعة واكتفاء وهي دائما راضية: الماعز مثلا تنظر دائما الى اعلى والى اليسار واليمين، اما الغنمة فتحيا وتسير برضى وقناعة. وهذه بركة عظيمة في الحياة. عندما يكون لك كل شيء من مال وعلم ومنصب وعائلة، ومع ذلك تكون غير راضي وتعوزك القناعة والاكتفاء، عندها ستعاني كثيرا في الحياة. من جهة اخرى ان لم يكن لاحد شيء، ولكنه راضيا وقرير العين، يكون مباركا. تعلّمنا الغنمة ان نكون دائما مكتفين وقانعين، لا يهم ما نملك او ما ينقصنا. الحياة من دون قناعة، تجلب اللعنة . ليمنحنا الله نعمة القناعة لانها كنز. صحيح انه جيد ان تكون لنا طموحات واحلام لننجزها، ولكن النجاح يبدأ باالقناعة والاكتفاء في القلب بما لنا
للاغنام صفات جميلة اخرى كثيرة فهي خاضعة ومطيعة وجميلة، وهي تفرح عندما يقودها الراعي، فهي تقبل ان تقاد ولا تتمرد او تقاوم او تعاند، وايضا هي بسيطة وصريحة وصادقة لا تقبل التمثيل والتظاهر..قال الملك سليمان قديما "اذهب وتعلّم من النملة" (امثال 6)، لكن يسوع يقول لنا "اذهب الى الغنمة، وتعلّم الطاعة والقناعة والوداعة"... كم من تعب ومعاناة كان يمكن الاستغناء عنها، لو تمثّلنا بالاغنام...
- عدد الزيارات: 9267